من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- -
عدد المشاهدات : 0
تاريخ الاضافة : 2019/01/27
المؤلف : أبي عبد الرحمن الصومالي


هل الاختلاف في كفر عُبّاد القبور وأتباع الطواغيت كالاختلاف في كفر تارك الصلاة وكفر الحاكم بغير ما أنزل الله ؟
جـ1: ليس ذلك سواء لأنّ عُبّاد القبور ليس معهم أصل الإيمان الذي هو توحيد العبادة لله، فلمّا عبدوا غير الله بالدعاء والذبح والنذر والتوكل تبيّن أنّهم خارجون عن توحيد العبادة لله، والخارج عن توحيد العبادة لله خارج عن أصل الإيمان. 
قال الإمام الطبري في قوله تعالى: ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: 4]. حتى تصدّقوا بالله وتوحّدوه وتفردوه بالعبادة.
فمن عبد غير الله فقد أشرك بالله، ومن أشرك بالله فقد خرج عن الإيمان بالله إلى الكفر بالله سواء كان سبب شركه جهلاً أو استكباراً. وكذلك من أنكر رسالة محمّد صلّى الله عليه وسلّم أو القرآن أو الملائكة أو البعث والحساب فقد خرج عن الإيمان بالله إلى الكفر بالله سواء كان جاهلاً أو معانداً مستكبراً.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا﴾  [النساء: 136].
وفي الحديث: ‹‹الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشرّه›› [متّفق عليه].
وقد كان المشركون يعلمون أنّ الله خالقهم ورازقهم ومالكهم ومدبّر أمرهم وأمر الكون وأنّه المُحيي والمُميت، يدلُّ على ذلك آيات كثيرة في القرآن كقوله: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ. فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: 31-32].
وكان القرآن مع هذا العلم يدعوهم إلى "الإيمان بالله" وهذا الإيمان الذي كان مطلوباً منهم هو: البراءة من الشرك وأهله والإنابة إلى التوحيد وأهله. ولم يختلف المسلمون في كفر من أشرك بالله في العبادة أو أنكر رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم أو القرآن أو الرسل أو الكتب أو البعث بعد الموت. ومن شكّ أو توقّف عن تكفير منكر هذه الأصول فقد تبيّن أنّه لا يعرف الكفر من الإيمان. ومن لا يعرف الكفر من الإيمان فقد صار من الكافرين. ولذا قال بعض العلماء: "من لم يعرف الكفر لم يعرف الإيمان". 
وقال ابن تيمية في حديثه عن الاتّحادية وعُبّاد الطواغيت البشرية كعُبّاد القبور لا يصحّ لهم إيمان لهم حتى يكفروا بِهم. 
قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾  [البقرة: 256]. 
فإنّ كل مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر يعلم أنّ من خرج عن هذا الإيمان فقد دخل في الكفر، ولا يكون مؤمناً من يسوّي بين المؤمن الموحّد والكافر المشرك، واتّفق علماء الإسـلام على أنّ هناك أموراً يُعلم من الدِّين بالضرورة ولا يمكن أن يجهلها المسلم في دار الإسـلام ما لم يكن حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن مظان العلم كالصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وبرّ الوالدين وكحرمة نكاح ذوات المحرّم والزنا والربا والخمر والميسر وقتل النفس بغير حقّ .. وغير ذلك.
ولكن المسلم قد يجهل في حكم تارك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو ما يجب على الزاني والقاذف وقاتل النفس .. بل قد يختلف العلماء في بعض من هذه المسائل دون أن يحكم على أحدٍ منهم بالكفر بل يكونون مخطئين أو مصيبين.
ولم يقع في تاريخ الإسلام اختلاف في حكم من رجّح العمل بحكم التوراة أو الإنجيل في مسألة وردّ حكم القرآن الصريح في هذه المسألة .. فكيف يمكن أن يقع اختلاف بين علماء الإسلام في كفر من يعلن وجوب العمل بالتوراة وعقوبة من خالفها ويهمل العمل بالقرآن الكريم .. وكيف يمكن اختلاف في كفر من يعلن وجوب العمل بقوانين ودساتير وضعية أحطّ منْزلةً من الكتب السماوية المنسوخة ويعاقب مخالفها .. ويهمل العمل بالقرآن الكريم ويهين أهل القرآن المؤمنين.
قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
أمّا قول ابن عباس: "ليس بالكفر الذي يذهبون وإنّما هو كفر دون كفرٍ". فواردٌ في الحاكم المسلم الجائر الذي يحابي أحداً ويظلم أحداً وهو مقرّاً من قلبه أنّه عاصٍ مذنب .. ولم يتّخذ مخالفته تلك شريعةً تنافس شريعة الله كما كان الجور يقع من كثير من الأمراء في عصر الصحابة والتابعين ولم يكفّروهم بل أنكروا على من كفّرهم من الخوارج المارقين.
أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً مخرجاً عن الملّة وقد يكون معصيةً، لأنّ لفظ الكفر قد يُطلق على الذنب كما في الحديث: ‹‹سباب المسلم فسوق وقتاله كفرٌ›› [متّفق عليه].
والحديث: ‹‹لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ›› [متّفق عليه].
فمن ردَّ حكم الله عن علم واتّبع غيره فهو كافرٌ خارج عن ملّة الإسلام، ومن حكم بالقرآن وجار في قضية وهو مقرٌّ بذنبه فهو فاسق عاصٍ. قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾  [الحجرات: 7].
فمن رضي بخلاف أمر الله وزالت كراهية الكفر والفسوق والعصيان من قلبه فليس من المؤمنين بنصّ الآية بل هو مستحلٌّ للذنب كافرٌ بالله ومن كان في قلبه كراهية الكفر والفسوق والعصيان فإنّه يكون معترفاً بذنبه ويخاف أن يلقى الله بالعظائم فيستغفر ويتوب. ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾  [آل عمران: 135].
قال الإمام القرطبيّ: "قيل فيه إضماراً أي ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ردّاً للقرآن وجحداً لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم فهو كافر، قاله ابن عباس ومجاهد".
وقال ابن مسعود والحسن: هي عامةٌ في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقداً ذلك ومستحلاًّ له".
وسُئل حذيفة عن هذه الآيات: أهي في بني إسرائيل فقال: "نعم هي فيهم ولتسلكنّ سبيلهم حذو النعل بالنّعل".
وقال "محمد الأمين بن محمد الشنقيطي: "الظاهر المتبادر من سياق الآيات أن آية: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ نازلة في المسلمين، لأنه تعالى قال قبلها مخاطباً لمسلمي هذه الأُمة: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً﴾، ثم قال: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ فالخطاب للمسلمين كما هو ظاهر متبادر من سياق الآية، وعليه فالكفر إما كفر دون كفر، وإما أن يكون فعل ذلك مستحلاً له، أو قاصداً به جحد أحكام الله وردها مع العلم بها. [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن].
وقال أيضاً "واعلم أن تحرير المقام في هذا البحث أن الكفر والظلم والفسق كل واحد منها ربما أطلق في الشرع مراداً به المعصية تارة، والكفر المخرج من الملة أخرى ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ معارضةً للرُّسل وإبطالاً لأحكام الله فظلمه وفسقه وكفره كلها كفر مخرج عن الملة، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ معتقداً أنه مرتكب حراماً فاعل قبيحاً فكفره وظلمه وفسقه غير مخرج عن الملة. [أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن].
إنّ الحاكم إذا رأى أنّ حكم غير الله أفضل من حكم الله أو أنّ المصلحة في ترك حكم الله، فردّ أمر الله لذلك فلا خلاف في كفره. بل إنّه يكون عند ذلك طاغوتاً معبوداً بالطاعة من دون الله وإليك بعض ما قاله العلماء عن الطاغوت.
قال محمد الأمين بن محمد الشنقيطي في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ ومفهوم الشرط أن من لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى وهو كذلك، ومن لم يستمسك بالعروة الوثقى فهو بمعزل عن الإيمان؛ لأن الإيمان باللَّه هو العروة الوثقى، والإيمان بالطاغوت يستحيل اجتماعه مع الإيمان باللَّه؛ لأن الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان بالله أو ركن منه كما هو صريح قوله:﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾. [أضوء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: للشنقيطي].
وقال الإمام الطبري: "والصواب من القول عندي في الطاغوت: أنه كل ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء. وأرى أن أصل الطاغوت: الطغووت، من قول القائل: طغا فلان يطغوا: إذا عدا قدره فتجاوز حده.  [جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري].
وقال الإمام الطبري في قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ 
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ والطاغوت: رجل من اليهود كان يقال له كعب بن الأشرف، وكانوا إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ليحكم بينهم قالوا: بل نحاكمكم إلى كعب؛ فذلك قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾.. الآية. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري ].
وقال الإمام الطبري في تأويل قوله تعالى:﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ الطاغوت: كعب بن الأشرف، والجبت: حيي بن أخطب.
قال أبو جعفر:والصواب من القول في تأويل:﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ أن يقال: يصدقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين. وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله، أو طاعة أو خضوع له، كائنا ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان.
وإذ كان ذلك كذلك وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتا وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله، وكذلك حيي بن أخطب، وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين. وقد بينت الأصل الذي منه قيل للطاغوت طاغوت، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. [جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري ].


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping