من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- -
عدد المشاهدات : 0
تاريخ الاضافة : 2019/01/26
المؤلف : أبي عبد الرحمن الصومالي


ما الدليل على تقسيم الحكم بغير ما أنزل الله إلى قسمين (كفر أكبر وكفر دون كفر )؟ ومن سبقكم بهذا التقسيم من السلف؟
(الجواب)
تقسيم الحكم بغير ما أنزل الله إلى قسمين، مأخُوذ من النُّصُوص كما فهمهُ علماء السلف. وإليك بيان ذلك:
(القسمُ الأول) 
لا خلاف بين سلف الأمَّة في أنَّ التشريع للعباد من خصائص الربُوبية والألُوهية، وأنَّهُ من حقِّ الله تعالى، ولا يدَّعيه إلا كافرٌ. يدلُّ على ذلك ما يأتي:
1ـ قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى:21)
2ـ قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾  (الأنعام:137)
3ـ قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التَّوبة:31) 
وهذه الآيات دالَّةٌ على أنَّ من ادَّعى التشريع للعباد فقد ادّعى الربُوبية، وصار شريكا يُعبدُ من دون الله، سواء كان هذا المشرِّع حاكما ذا سُلطان، أو سيِّداً مطاعاً، أو شيخا متبُوعا. 
والحاكم بغير ما أنزل الله، الذي يتَّخذُ شريعة مخالفة لشريعة الله، مشركٌ  كافرٌ، وكُفرُهُ كُفر أكبر، وهو من الطواغيت التي من لم يتبرّأ منها لا يصحُّ لهُ إيمانٌ وإسلام. 
قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ (البقرة:256) 
وقال: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل:36). (راجع ما قيل في تفسير هذه الآيات وأمثالها)
وهذا الحاكم الكافر إذا نسب تشريعاته إلى الله، وقال: "هذا من عند الله"، أو نسبها إلى نفسه، أو إلى الشعب والبرلمان، لا يختلفُ هذا عن ذاك في الحكم بكفره.
 قال ابن زيد فـي قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال: من حكم بكتابه الذي كتب بـيده وترك كتاب الله وزعم أن كتابه هذا من عند الله، فقد كفر". (الطبري)
(القسم الثاني) وهو الذي يرتكب إثماً في قضية من القضايا، فيحابى أحداً لقرابته أو لكونه ارتشى منه، أو يرجوا منه منفعة دنيوية، فيميل عن العدل لذلك. فهو وإن خالف الشريعة وحَكم بغير ما أنزل الله في هذه القضية الجزئية إلا أنه لا يحكم بكفره لسببين: 
1) إنه ترك واجباً من غير استحلال، فيكون آثماً كما يمكن أن يقع ذلك مَن غيره من المسلمين.
2) إنه يعتقد أن لا شريعة إلا شريعة الله، وأنه قد أثم في هذه القضية، ومتعرِّضٌ لغضب الله وعذابه إن لم يتب من ذلك. وهذا يقالُ إنه جورُ حاكم، وليس بتشريع رافع لحكم الشريعة.
إنَّ الإسلام يُفرِّقُ بين من يفعلُ ذنباً لشهوة، ومن يستحلُّهُ أو يعزمُ على عدم تركه، كمن يُحسِّنُهُ لغيره ويدعُوا إليه، ويذكُرُ فوائده. أي أنَّ الإسلام يُفرِّقُ بين الاستحلال والمخالفة الجُزئية. فالمسلمُ إذا قتل مسلما لغضبٍ غلب عليه، يقالُ إنّهُ "مسلمٌ قاتل"، ولهُ حكم القاتل. وهو صاحبُ كبيرة، ويجُوزُ القولُ بأنَّهُ قد وقع في "كُفرٍ دون كُفرٍ".
كما قال صلّى الله عليه وسلّم: {لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ} 
وقال: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفرٌ} .
فالكفر في هذين الحديثين يُراد منه الذي لا يخرج عن الملّة. وجميع الكبائر هي من شعب الكفر، ولا يخرج عن الملّة إلا من استحلّها أو امتنع عن تركها.
أمّا إذا كان يقُولُ: "دماء بني فلان –المسلمين- حلالٌ لي"، أو "لا أرى أحداً منهم إلا قتلته ما حييت"، أو كان يقتُلُ المسلمين بغير ذنب وهو ساكتٌ، فإنَّهُ يُعتبرُ مُستحلا كافراً، وكُفرُهُ كُفرُ أكبر، وهو كُفرُ التكذيب. وهو بمنزلة من قال لهُ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: "دماءُ المسلمين محرَّمة"، فيردُّ عليه قائلا: "لا أرى ذلك" أو "لا أدعُ قتلهم ما حييتُ". 
فكما أنَّ المسلم العادي يصيرُ بالقتل كافراً كُفرا أكبر حيناً، وكافراً كفراً دون كُفرٍ حينا آخر، فإنَّ الحاكم المسلم كذلك يصيرُ بالقتل كافراً كُفر أكبر حيناً، وكافراً كفراً دون كُفرٍ حينا آخر. ومثال ذلك:
1) إذا جيء إلى الحاكم المسلم برجل مسلمٍ قد شرب خمراً، فقال: اقتلُوهُ، لبغضه له أو لعشيرته، يُقالُ لهذا الحاكم: "إنَّهُ قد جار في الحُكم"، أو: "إنّهُ قد حكم بغير ما أنزل اللهُ"، أو "إنَّهُ قد كفر كُفرا دون كُفرٍ". 
2) إذا كتب الحاكم المسلم بيانا، أو أعلنهُ شفويا، فقال فيه: "إني جعلتُ عقُوبة شارب الخمر أن يُقتل للمرة الأولى"، وهو يعلمُ أنّ عقُوبتهُ ليست قتلا في الكتاب والسنّة، وأمر جنودهُ بتنفيذ ذلك على كلّ شارب، فإنَّه يكُون ممن استحلَّ التشريع للعباد، وكُفرُهُ كُفرُ أكبر. 
وكان يقع من الحكام في زمن ابن عباس مخالفات تُعتبرُ ظلما وجوراً دون الشرك والكفر الأكبر في ميزان الشريعة. وقد عاش ابن عباس بعد الخلفاء الراشدين في حكم معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومات والعالم الإسلامي منقسمٌ إلى قسمين:
قسم تحت عبد الله بن الزبير، وقسم تحت عبد الملك بن مروان.ولم يكن من هؤلاء الحكام من لا يحكم بشريعة الله كما هو معروف.
ولكن كان من الخوارج من يكفِّر أولئك الحكام، لأجل ما كان يقع منهم ومن نوابهم من جور وظلم، مما لم يكن في زمن الخلفاء الراشدين. فكان ابن عباس رضي الله عنه وغيره من التابعين، يردُّون على أولئك الذين يُكِّفرون الحكام بالذنوب.
قال الطبري: عن ابن طاوس، عن أبـيه، قال: سئل ابن عبـاس عن قوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال هي به كفر قال ابن طاووس به كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن رجل عن طاوس: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ قال كفر لا ينقل عن الملة. 
قال: وقال عطاء: كفر دون كفر، وظلـم دون ظلـم، وفسق دون فسق.


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping