فدلّ ذلك على أن الكافر والمشرك عند الله هو الإنسان الذي يتّخذ شفعاء من دون الله كوسائط بينه وبين الله فيدعوهم ويرجوا منفعتهم ويخاف مضرّتَهم، ودلّ كذلك على أن المسلم إذا اعتقد ذلك أنّه يصير به مشركاً مرتدّاً إلى دين المشركين وأنّه صار كافراً مثلهم. ولذلك قيل: "إنّ اتّخاذ الوسائط من دون الله ناقضٌ للتوحيد" .
(3) إنّ التوحيد والشرك ضدّان متباينان، ومن عرف التوحيد وآمن به فقد برِئ من الشرك وكفر به، ومن أشرك بالله وآمن بالشرك فقد برِئ من التوحيد وكفر به. ولذلك يأمر الله عباده الموحِّدين بأن يدعوا المشركين بإسمهم الشرعي الذي هو "الكافرون" ماداموا عابدين لغير الله.
قال الله تعالى:﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ.. إلى قوله .. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون:1-6].
فمن سمَّى أهل الشرك العابدين لغير الله بغير اسمهم الشرعي فقد ردّ على الله قوله وعاند كإبليس فيكفر بردّه للنصوص الصريحة وعناده.
ثم يقع في كفرٍ آخر وهو موالاة المشركين بوصفه إياهم بالإسـلام، ثم يقع في كفر آخر وهو معاداة أهل التوحيد والبراءة منهم. ولذلك قيل: "إن عدم تكفير المشركين ناقضٌ للتوحيد".
(4) إنّ الله تعالى وحده هو الذي يعلم الهدى والضلال وهو وحده الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكلّ عباد الله ضالّون إلا من هدى الله وليس لله شريك في الهداية والتشريع القويم.
وفي الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به".
ولذلك قيل: "إنّ بُغض شيءٍ ممّا جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ناقضٌ للتوحيد".
(6) استهزأ بعضُ الناس بآيات الله في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا مسلمين يشهدون الشهادتين ويصلُّون ويجاهدون المشركين مع النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله قرآناً يُبيِّنُ أنّهم قد كفروا :
قال الله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 65-66]. فدلّ ذلك على "أنّ الاستهزاء بآيات الله ورسوله ناقضٌ للتوحيد".
(7) قال الله تعالى في شأن موالاة الكفّار: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51].
﴿منكم﴾: أي من الصحابة الذين أسلموا وشهدوا الشهادتين وصلُّوا وجاهدوا أعداء الله. ﴿فإنه منهم﴾: أي من الكفّار لأجل الموالاة. ولذلك قيل: "إنّ موالاة الكفّار ومظاهرتهم ناقضٌ للتوحيد".
(8) قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56].
فمن اعتقد أنّ بعض الإنس والجنّ يجاوز مرتبة العبودية والتكليف فيكون على حلّ في مخالفة الشريعة فقد ردّ أوامر الله وأحلّ ما حرّمه الله فصار مرتداً إن كان قبل ذلك مسلماً .
ولذلك قيل : إنَّ اعتقاد أنَّ بعض الناس يسعه الخروج عن الشريعة ناقضٌ للتوحيد .
(9) وقد وصف الله الكفار بالإعراض عن دينه . فقال ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾. [الأحقاف : 3].
فمن ترك كتاب الله واقتنع بهواه أو بهوى غيره أو بشريعة عالمية فقد إرتدّ عن الإسلام إن كان قبل ذلك مسلماً .
ولذلك قيل : إنَّ الإعراض عن دين الله ناقضٌ للتوحيد .
(10) ادّعي اليهود أنَّ سليمان وهو من أنبياء الله كان يعمل بالسحر . فردَّ الله قولهم. وقال : ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ [البقرة :102].
فدلّ ذلك أنَّ الساحر يصير بعمل السحر كافراً مرتداً إن كان قبل ذلك مسلماً . يشهد الشهادتين . ولذلك قيل : إنَّ السحر ناقضٌ للتوحيد .
فافهم ذلك .. وتدبّر بتلك الأدلّة المحكمة الصريحة ولا تغتر بوساوس الشيطان الناطق بلسان أوليائه من مرجئة العصر وملاحدته: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف :104].