من نحن ؟ | معرض الصور | الاقتراحات | التواصل معنا
Loading ... please Wait
مشاهدة Image
- %D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%A3%D8%B5%D9%80%D9%88%D9%84%20%D9%81%D9%82%D9%80%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%80%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D9%80%D8%A9
المكتبة > %D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D9%87 > %D8%A3%D8%B5%D9%80%D9%88%D9%84%20%D9%81%D9%82%D9%80%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%80%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D9%80%D8%A9
عدد المشاهدات : 15
تاريخ الاضافة : 2019/01/05
المؤلف : أبي عبد الرحمن الصومالي


أصـول فقـه الشـريعـة
          - (ب) خطاب الوضع 
          - (أ) القرآن 
          - (ب) السنّة 
          - (ج) الإجماع 
          - (د) الاستحسان 
          - (ز) الاستقراء 
          - (أ) النص 
          - (ب) الظاهر 
          - (ج) المجمل 
          - (د) التأويل 
          - (ﻫ) البيان 
          - (أ) العام 
          - (ب) الخاص 
          - (ج) الاستثناء 
          - (أ) المنطوق 
          - (ب) المفهوم 
          - (أ) الاجتهاد 
          - (ب) التقليد 
          - (ج) الإفتاء 

الكتاب
Usuul fiqh B5.pdf

الدروس
المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
أصول فقه الشريعة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وعلى آله وصحبه وسلَّم أجمعين.
أما بعد: فهذه مجموعةٌ صالحةٌ من قواعد وأصول فقه الشريعة الإسلامية نقلتها باللفظ أو بالمعنى من مراجع هذا الفنّ، تيسيراً لطُلاّب العلم.
وقد كُنتُ أُلاحظُ أنّ كثيراً من هذه المراجع تصعُبُ دراستُها للمبتدئين لِما فيها من أقوال كثيرة متضاربة ومنقولة من علماء من مختلف القرون. لذا أقدمتُ على كتابة "الأصول" بطريقة ميسّرةٍ تُسهِّل للطالب أن يفهم المراد من "القاعدة" وأن يفهم كذلك المستند الشرعيّ أو العقليّ الدالّ على صحتها.
فإنِّي أذكر أولاً "الأصل" ثم أُتبعُه بالبيان إن كان يحتاج إلى شرحٍ وبيانٍ، وأذكُرُ كذلك الدليل الشاهد على صحته .. وإن كان هذا الأصل قد اُختُلِف فيه وتبيّن القولُ الراجح فإنِّي أُبيِّنُهُ وسبب ترجيحه إن أمكن. ثم أكتُب المصدر أو المصادر في هامش الصفحة ليرجع إليها من شاء لطلب الاستفادة.
ولا أقول إنِّي جمعتُ كلّ ما قيل إنّها أصولٌ معتمدةٌ، ولكن أقولُ: إنّها أهمُّ الأُصول المعمولة بِها، وهي إما أنّها مُتّفقةٌ عليها أو اُختُلِف فيها ولكن تبيّن الراجحُ من المرجوح. وأعرضتُ عن كل ما قلَّ نفعُه وكثُر الجدل حوله.
وأرجو من القرّاء من وجد في بعضها خللاً أو قصوراً أن يُنبِّهني عليه لأكرَّ عليه بالتصحيح .. فقد قيل قديماً: "أبى اللهُ أن يصحَّ إلاّ كتابُهُ".
والحمد لله أولاً وآخراً الكاتب.

2/3/1428ﻫ

(1) التعريفات

(1) التعريفات :
أصل (1): الأصول: لغةً جمع "أصل" وهو ما انبنى عليه غيره. واصطلاحاً: له إطلاقات منها: "الأصل" بمعنى "القاعدة" كقولهم: الأمرُ للوجوب والنهي للتحريم.
و "الأصل" بمعنى الدليل الذي هو مصدرٌ للحكم الشرعيّ كالكتاب والسنة. (إرشاد الفحول: 47).
أصل (2): الفقه: لغة: الفهم. واصطلاحاً: معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلّتها التفصيلية. (إرشاد الفحول: 48). (التمهيد: 1/4).
أصل (3): "العلم هو: صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تامّاً" أو "معرفة المعلوم على ما هو به". (إرشاد الفحول: 52). (العُدّة: 1/76).
أصل (4): العلم بأصول الفقه: هو إدراك القواعد التي يُتوصَّلُ بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلّتها التفصيلية. (إرشاد الفحول: 48). (روضة الناظر: 1/20).
أصل (5): فائدة العلم بأصول الفقهِ: هي التمكن من المعرفة بالأحكام الشرعية من الأدلّة. (إرشاد الفحول: 55).
أصل (6): "الحدُّ هو الجامع لجنس ما فرّقه التفصيل، المانع من دخول ما ليس من جملته فيه". (العُدّة: 1/74). (التمهيد: 1/34).
أصل (7): "ينقسم العلم إلى ضروري ومكتسب".
والضروري: هو ما علم الإنسان من غير نظر ولا استدلال.
والمكتسب: هو ما وقع عن نظر واستدلال. (إرشاد الفحول: 52). (التمهيد: 1/42).
أصل (8): "العلم الضروري ينقسم إلى أربعة أقسام".
(الأول) ما يعلمه الإنسان من حال نفسه مثل الغمّ والسرور والصحة والسقم والقيام والقعود ... الخ.
(الثاني) ما يعلمه بطريق العقل، مثل علمه باستحالة اجتماع الضدين.
(الثالث) ما علمه بالحواس الخمسة.
(الرابع) ما يعلمه بخبر التواتر فيقع له به العلم ضرورة ، مثل إخباره بالبلاد النائية والقرون الخالية. (التمهيد: 1/42).
أصل (9): "العلم المكتسب على ضربين: عقليٌّ وشرعيٌّ".
والعقليّ: ما لو نظر العاقل فيه وتدبّره يحصل له العلم من غير شرع.
والشرعيّ: هو العلم الواقع عن الكتاب والسنّة وإجماع الأُمّة والقياس على أحد هذه الأصول الثلاثة. (العُدّة: 1/82).
أصل (10): "الجهل ضدّ العلم أي عدم معرفة المعلوم على ما هو به".
والجهل على قسمين:
(الأول) الجهل المركّب: وهو تصور الشيء على غير هيئته.
(الثاني) الجهل البسيط: وهو انتفاء إدراك الشيء بالكليّة. (شرح الكوكب المنير - ص: 23). (التمهيد: 1/57).
أصل (11): "الشكّ تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر".
وليس هو بطريق للحكم في الشرع. (العُدّة: 1/83).
أصل (12): "الظنّ تجويز أمرين أحدهما أقوى من الآخر".
وهو طريق للحكم إذا كان عن أمارة مقتضية للظنّ، ولهذا يجب العمل بخبر الواحد إذا كان ثقةً، ويجب العمل بشهادة الشاهدين وخبر المقوّمين إذا كانا عدلين، ويجب استصحاب حكم الحال السابق في حال الشكّ، مثل الشكّ في الحدث بعد الطهارة والطلاق بعد النكاح والشكّ في العتاق بعد الملك لأنّ الأصل بقاؤه وعدم حدوث المشكوك فيه. (العُدّة: 1/83).
أصل (13): "العقل يقع على أربعة معان".
(الأول) العقل الذي يتعلّق به التكليف، وهو الذي عناه من قال: إنّه من العلوم الضرورية.
(الثاني) غريزة تقذف في القلب، وهذا النوع ينموا بنمو الإنسان وبه يقع الاختلاف بين الناس، فهذا بليد وهذا ذكي.
(الثالث) ما به ينظر صاحبه في عواقب الأمور، فلا يغترُّ بلذة عاجلة تعقبها ندامة.
(الرابع) ما يستفاد من التجارب في حياة الإنسان، وهذا ما عناه من قال: إنّ العقل مكتسبٌ. (المسودّة: 558-559).
أصل (14): "الدليل هو: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري".
وهو في اللغة : "المرشد إلى المطلوب". والدليل ينقسم إلى قطعيّ وظنّيّ
والقطعيّ: هو القرآن والأحاديث المتواترة.
والظنّيّ: هو أخبار الآحاد. (المسودّة: 573). (إرشاد الفحول: 53).
أصل (15): "الأسماء التي استعملها الشرع لم ينقلها عن معناها اللغوي، ولكن ضمّ إليها شروطاً وقيوداً".
الأمثلة: اسم المؤمن في اللغة عبارة عن كل مصدّقٍ، وهو في الشرع من آمن بالله.
واسم الكافر عبارة عن كل مغطٍّ، وهو في الشرع من كفر بالله تعالى.
واسم الصلاة في اللغة: الدعاء، وفي الشرع: أفعال حصل معها دعاء.
واسم الزكاة في اللغة: النماء، وفي الشرع: إخراج المال.
واسم الربا في اللغة: الزيادة، وفي الشرع: أمور قد لا يحصل معها زيادة.
واسم الصوم في اللغة: الإمساك، وفي الشرع: إمساك بصفة وهو عن الأكل والشراب والجماع مع النية.
واسم الاعتكاف في اللغة: اللبث، وفي الشرع: لبث في مسجد مع النية.
واسم الحج في اللغة: القصد، وفي الشرع: أفعال مخصوصة في أوقات محدّدة.
واسم الوضوء في اللغة: الوضاءة، وفي الشرع: عبارةٌ عن غسل أعضاء مع النية.
وقال المعتزلة وأكثر الحنفية: هي منقولة ومعدولةٌ عن موجباتها في اللغة.
قال القاضي أبو يعلى: "وهذا قولٌ فاسدٌ، لأنّه يلزم أن يكون مخاطباً لهم بغير لغتهم".
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم:4] (العُدّة: 189). (المسودّة: 561).
أصل (16) : "الألفاظ دالّةٌ على المعاني بالوضع لا لذواتها". هذا مذهب الجمهور.
وشذّ من قال: أنّ دلالتها لذواتها، وهذا باطلٌ باختلاف الاسم لاختلاف الطوائف مع اتّحاد المسمّى. (المسودّة: 563).

(2) الحكم الشرعيّ

(2) الحكم الشرعيّ
أصل (17) : "الحكم الشرعي: عند الفقهاء هو خطاب الله المتعلّق بفعل المكلّف من حيث أنّه مكلّف به"
أو خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييراً أو وضعاً. وهو عند الأصوليين نفس الخطاب.
قال الإمام أحمد: "الحكم الشرعيّ خطاب الشرع". انظر: (إرشاد الفحول- ص:57) (مذكرة أصول الفقه ص: 27) (شرح الكوكب المنير:1/ 333)
أصل (18) : "ينقسم الحكم الشرعي إلى قسمين: خطاب التكليف وخطاب الوضع". (الفتاوى 8/486) / و (شرح الكوكب المنير: 1/342).

- (أ) خطاب التكليف

(أ) خطاب التكليف:
أصل (19): "ينقسم خطاب التكليف إلى خمسة أنواع": "الواجب - والمندوب - والمباح - والمكروه - والحرام".
والتكليف لغةً وشرعاً: "إلزام ما فيه كلفة أي مشقة" أو "طلب ما فيه مشقّة"
فيدخل في هذا التعريف الأمر بقسميه والنهي بقسميه، وأدخلوا "المباح" فيه مسامحة وتكميلاً للقسمة أو لكونه يتغيّر بالنيّة والقصد إلى أحد هذه الأقسام.
قالت الخنساء في صخر: يكلفه القومُ ما نابهم وإن كان أصغرهم مولداً
والتكاليف في الإسلام داخلةٌ في حدود استطاعة العباد. لقوله تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
ولخطاب التكليف علامتان:
(الأولى): أن يكون في قدرة المكلّف.
(الثانية): أن يكون مأموراً به أو منهياً عنه. (روضة الناظر ص: 90 ، 136) / و(الفتاوى: 22/26-2/227) / (المسودّة: ص: 65).
أصل (20): الواجب: "هو ما تُوُعِدَ بالعقاب على تركه" أو "ما أُمر به أمراً جازماً بحيث يُثاب فاعله ويستحقّ العقاب تاركه". أو "ما يمدح فاعله ويُذمّ تاركه".
والواجب لغة: "هو سقوط الشيء لازماً محلّه". قال الجمهور: الفرض والواجب شيء واحد. وفرّقته الحنفية بينهما وقالوا: "الفرضُ ما ثبت بدليل قطعيّ ولا يسامح بتركه عمداً ولا سهواً كأركان الصلاة". (روضة الناظر ص:90).(مذكرة أصول الفقه ص:32).(العُدة: 1/159).(إرشاد الفحول ص: 58)
أصل (21): "ينقسم الواجب باعتبار ذاته ووقته وفاعله".
ينقسم باعتبار ذاته إلى قسمين: معيّن كالأمر بالصلاة " ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾".
ومبهم أو مُخيّر كالأمر بالكفارة: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾
وباعتبار وقته إلى قسمين:
مضيّق: وهو ما لا يسع وقته أكثر من فعله: كصيام رمضان.
وموسع: وهو ما يسع وقته أكثر من فعله كالصلوات الخمس.
وباعتبار فاعله: إلى واجب عيني: وهو ما يلزم كل مسلم فعله كالصلاة والصيام وما إلى ذلك.
وواجب على الكفاية: وهو ما إذا قام به البعض سقط عن الآخرين كدفن الميّت وإنقاذ الغريق والآذان للصلاة .. وما إلى ذلك. (الفتاوى: 9/300). (مذكرة أصول الفقه ص: 34). (المسودّة ص: 28-30). (إرشاد الفحول ص: 59).
أصل (22) : "ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب".
ولا خلاف بين العلماء في وجوب فعل ما لا يتمّ الواجب إلاّ به كالسعي للجمعة وقطع المسافة للحجّ والطهارة للصلاة.
أما ما كان من قبيل الشروط كالزوال للظهر والغروب للمغرب والنقاء من الحيض .. فليست من ذلك وإنّما هي من باب ما لا يتمّ الوجوب إلاّ به، وكذلك تملّك النصاب والاستطاعة للحجّ، لا يتمّ الوجوب إلاّ بذلك ولا يؤمر العبد بتملك النصاب والاستطاعة.
وقد غلط من جعل كل ذلك من باب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به وقسمها إلى مقدور عليه مأمور به، ومقدور عليه غير مأمور به. وغير مقدور عليه. (الفتاوى: 20/159). (المسودّة ص: 60). (التمهيد: 1/321).
أصل (23) : "ما لا يتمّ ترك الحرام إلاّ به فتركه واجب"
مثال ذلك: اختلاط الأخت بأجنبية، واختلاط المذكاة بالميتة، وكالميّت في دار الكفر فلا يصلّى عليه حتى يتبيّن حاله. (المسودّة ص: 65). (الفتاوى: 10/533). (مذكرة أصول الفقه ص: 40).
أصل (24): "المندوب: هو ما في فعله الثواب وليس في تركه عقاب" أو "ما أُمر به أمراً غير جازم".
لأن الأمر قسمان: (1) أمرٌ جازمٌ في تركه العقاب.
(2) أمرٌ غير جازم ليس في تركه العقاب.
ويدخل القسمان في قوله تعالى:﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ وقوله:﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
والندب في اللغة الدعاء إلى الفعل كما قال الشاعر:
لا يسـألون أخاهم حين يندبهم في النـائبات على ما قال برهاناً. (شرح الكوكب المنير: 1/340). (روضة الناظر: 1/112). (المسودّة ص: 6).
أصل (25) : "الزيادة على قدر الواجب ليست واجبة". الزيادة على الواجب قسمان:
(1) متميّزة عن الواجب: كالنافلة إلى الصلوات الخمس.
(2) غير متميّزة عنه: كالزائد على قدر الطمأنينة في الركوع والسجود.
فقال قوم: هي واجبة. والصحيح عدم الوجوب بدليل جواز الاقتصار بالقدر الواجب. (شرح الكوكب المنير:1/114). (المسودّة ص: 58). (العُدّة ص: 410). (التمهيد: 1/326).
أصل (26): "المباح: ما أذن الله في فعله وتركه غير مقترن بذم فاعله وتاركه ولا مدحه".
كالأكل والشرب والجماع والإقامة في مكان وقد يصير بالنية واجباً أو مندوباً. (الفتاوى:14/108 ، 109). و(العُدّة ص:167). و (المسودّة ص:577). و (التمهيد:1/67)
أصل (27) : "الإباحة قسمان: عقلية وشرعية".
1) عقلية: وهي "البراءة الأصلية" أو استصحاب العدم الأصلي.
2) شرعية: ما سبقه حظرٌ فأُبيح بعد ذلك كإباحة الجماع في ليالي رمضان. (روضة الناظر: 1/117). و (شرح الكوكب المنير: 1/427). و (المسودّة ص: 36). و (مذكرة أصول الفقه ص: 44).
أصل (28) : "لا يسمّى رفع البراءة الأصلية نسخاً"
قال تعالى: ﴿ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ﴾ [البقرة: 275].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22]. (شرح الكوكب المنير: 3/527). و (روضة الناظر ص:190). و (إرشاد الفحول ص: 607). و (مذكرة أصول الفقه ص: 45).
أصل (29) : "الإباحة الشرعية رفعها نسخٌ".
لأنّ الإباحة الشرعية حكم شرعيّ، والنسخ هو رفع الحكم الشرعي: كرفع إباحة الفطر في رمضان، ورفع إباحة المتعة. (إرشاد الفحول ص: 607). و (مذكرة أصول الفقه ص: 45).
أصل (30): "حكم المنتفع به قبل ورود الشرع اختلف فيه".
قيل: إنّه على الإباحة. لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾ و ﴿قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ﴾.
وقيل: إنّه على التحريم. لأنّ الأصل منع التصرّف في ملك الغير. وقيل: التوقّف حتى يرد دليل. (الفتاوى:21/538).(روضة الناظر:1/117).(العُدّة:4/1238). و(شرح الكوكب المنير:1/322)
أصل (31): "الأعيان لها ثلاث حالات: نفع لا ضرر فيه وضرر محض لا نفع فيه ونفع من جهة وضرر من جهة".
(1) فما فيه نفع لا ضرر فيه: فهو مباح (على الإباحة).
(2) وما فيه ضرر محض لا نفع فيه كالأعشاب السامة: فهو على التحريم.
(3) وما كان فيه نفع من جهة وضرر من جهة فيه تفصيل:
= إذا كان النفع أعظم فمباح على الأظهر.
= إذا كان النفع يساوي الضرر فحرام.
= إذا كان الضرر أعظم فحرام. (الفتاوى: 20/48-61). (مذكرة أصول الفقه ص: 48).
أصل (32): المكروه: "هو ما تركه خيرٌ من فعله ولا يتعلّق بفعله عقاب".
مثل: النذر. والمراد بالكراهة هنا كراهة تنْزيه لأنّ الكراهة على قسمين:
(1) كراهة تنْزيه.
(2) كراهة تحريم. (إرشاد الفحول ص: 61). (روضة الناظر: 1/123). (شرح الكوكب المنير: 1/ 413).
أصل (33) : الحرام: "هو ما في تركه الثواب وفي فعله العقاب".
والحرام لغة: صفة مشبهة باسم الفاعل ومعناه: الممنوع. (إرشاد الفحول ص: 61) (روضة الناظر: 1/126) (شرح الكوكب المنير: 1/386).
أصل (34) : "هل يكون الشيء الواحد حراماً من جهة مباحاً من جهة طاعةً من جهة معصية من جهة"؟.
الجواب: إنّ الوحدة على ثلاثة أقسام:
1) وحده بالجنس: كالبعير والخنْزير كلاهما حيوان، ولا خلاف في إباحة البعير وحرمة الخنْزير.
2) وحدة بالنوع: كالسجود لله والسجود لغيره سجود عبادة ، متّحدان في النوع أي: اسم السجود، ولا خلاف في أنّ السجود لله طاعةٌ ولغيره كفرٌ.
3) وحدة بالعين: كالصلاة في الأرض المغصوبة.
ووقع الخلاف في هذا القسم الأخير على قولين:
(الأول) يُمكن أن يكون الشيء الواحد مأموراً به من وجه منهياً عنه من وجه، عزّى الإمام ابن تيمية هذا القول إلى أهل السنّة والجماعة.
(الثاني) لا يُمكن ذلك، وعزّى الإمام ابن تيمية هذا القول إلى المعتزلة والخوارج، وقد وافقهم على ذلك بعض العلماء من أهل السنّة. (الفتاوى: 19/295-305). (روضة الناظر: 1/126). (شرح الكوكب المنير: 1/391).
أصل (35): "شروط التكليف قسمان: راجعة إلى المكلّف وراجعة إلى الفعل المكلّف به".
القسم الأول: (1) العقل: لا خلاف في كونه شرطاً.
(2) البلوغ: الجمهور على كون الصغير غير مكلّف.
(3) ، (4) عدم النوم وعدم النسيان: فيهما اختلاف لفظيّ.
وفي الحديث: «رُفع القلمُ عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق».
وفي الحديث الآخر: «إنّ الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
القسم الثاني: (1) التمكّن من العلم: قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: 115].
(2) القُدرة على العمل قال تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: 286]. وفي الحديث: إنّ الله قال: "نعم". [مسلم]. الفتاوى:10/344-348 - 22/41-43 ، 100-102 – 10/431-432
أصل (36): "المكره مكلّف".
جزم به ابن قدامة. وفيه تفصيل: الإكراه قسمان: قسم لا يكون المكره مكلّفاً بالإجماع. كمن حلف لا يدخل دار زيد، فحمل قهراً فأدخل.
وقسم هو محلّ الخلاف: "افعل كذا وإلاّ قتلتك". جزم ابن قدامة أنه مكلّف، والظاهر فيه تفصيل.
= يسقط التكليف إذا طُلب منه التكلّم بكلمة كفر أو أن يشرب الخمر أو الميتة أي ما لا يتعدّى ضرره إلى غيره.
= لا يكون عذراً يسقط التكليف إذا طُلب منه أن يقتل نفسه أو غيره أويزني. (روضة الناظر: 1/142). و (شرح الكوكب المنير: 1/508). و (المسودّة ص: 35).
أصل (37): "اختلفوا في النائم والناسي".
فقيل: هما مكلّفان: بدليل الإجماع على وجوب القضاء عليهما. وقيل: غير مكلّفين: بالإجماع على سقوط الإثم. وهذا النّزاع لفظيّ. (شرح الكوكب المنير: 1/511). و (المسودّة ص: 35). و (روضة الناظر: 1/139).
أصل (38): "السكران الطافح لا يلزمه شيء إلاّ ما كان من خطاب الوضع، والذي يفهم ما يُقال له مكلّف". (شرح الكوكب المنير: 1/505). و (الفتاوى: 33/103). و (روضة الناظر: 1/140).
أصل (39): "الكفار مخاطبون بفروع الإسلام وبما لا تصحُّ بدونه".
والدليل قوله تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [المدثر: 42-44]. ، ﴿إِنّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ [الحاقة: 33-34]. ولم يؤمروا بالقضاء لأنّ الإسلام يجبُّ ما قبله.
قال بعض العلماء: هم غير مخاطبين بِها، لأنّهم لو فعلوها لم تقبل منهم. وقال آخرون: مخاطبون بالنواهي دون الأوامر. (العُدّة: 2/358). و (شرح الكوكب المنير: 1/500). و (روضة الناظر: 1/145).
أصل (40) : "الأحكام الشرعية التعبدية يشترط في الصحة نيّة التقرّب".
كالصلاة والزكاة والصيام والحج. (المسودّة: 43).
أصل (41): "الأحكام الشرعية غير التعبدية لا يشترط في الصحة نية التقرّب كقضاء الدَّين". وأداء الأمانة والإنفاق على الزوجة. (شرح الكوكب المنير: 1/491). (المسودّة: 43).
أصل (42): "تكليف ما لا يطاق على خمسة أقسام".
(1) الممتنع في نفسه كالجمع بين الضدين.
(2) الممتنع في العادة كصعود السماء.
(3) ما تعلّق به العلم والمشيئة والخبر بأن لا يكون.
(4) جميع أفعال العباد لأنّها مخلوقة لله وموقوفة على مشيئته.
(5) ما يتعسر فعله، لا يتعذر.
فالأولان ممتنعان سمعاً بالاتّفاق وإنّما الخلاف في الجواز العقلي على ثلاثة أقوال. والثلاثة الباقية واقعة جائزة بلا شكّ. (شرح الكوكب المنير: 1/484). و (المسودّة ص: 79). و (الفتاوى: 3/318-326).
أصل (43): "الأفعال الاختيارية التي يكلّف الله بِها العباد على أربعة أقسام".
(1) الفعل الصريح : كالصلاة والجهاد.
(2) فعل اللسان: كقوله تعالى: ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: 112].
(3) الترك:والتحقيق أنّه فعل: قال الله تعالى: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: 63].
وفي الحديث: ‹‹المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده›› [متّفق عليه].
وجاء في الصحيح قول الصحابة عند حفر الخندق :
"لئن قعدنا والنبي يعمل فذلك منّا العمل المضلّل".
(4) العزم المصمّم على الفعل : كما في الحديث: ‹‹إنّه كان حريصاً على قتل صاحبه›› [متّفق عليه]. (روضة الناظر: 1/156). و (مذكرة أصول الفقه ص: 75). و (المسودّة - ص: 80).
أصل (44): "ليس من شرط الوجوب تحقّق العقاب على الترك وليس من شرط الحرام تحقّق العقاب على الفعل".
وذلك لأنّ الله قد يغفر للمذنب ذنبه بأسباب منها: التوبة والاستغفار، واجتناب الكبائر، والحسنات الماحية والمصائب. (المسودّة: 8). (الفتاوى: 11/686 ، 687).
أصل (45): "المكروه يجب استعماله مع الحاجة وتزول الكراهة ".
وذلك إذا احتيج إليه لأمرٍ واجب، كاغتسال الجنب في الحمام الذي فيه منكر في البلاد الباردة. (الفتاوى: 21/311-312).
أصل (46): "الإيجاب والتحريم قد يكون نعمة وقد يكون عقوبة وقد يكون محنةً".
فالأول: كإيجاب الإيمان والمعروف وتحريم الكفر والمنكر.
والثاني: كقوله تعالى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ﴾ [النساء: 160].
وقوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157].
والثالث: كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: 249]. (الفتاوى: 20/199-200).
أصل (47): "الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهته قاعدة عظيمة".
وذلك للحديث: "كل بدعة ضلالة" [مسلم]. (الفتاوى: 4/194).
أصل (48): "ما نهى سداً للذريعة يُباح للمصلحة الراجحة".
مثال: إباحة النظر إلى المخطوبة والسفر بالأجنبية إذا خيف عليها الضياع. (الفتاوى: 23/186-187 // 31/255).
أصل (49): "إذا أوجبت العبادة ضرراً يمنع فعل واجب أنفع منها حرّمت".
كالصائم في الجهاد فيؤمرُ بالفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: "والفطر أقوى لكم". [مسلم].
ومن تفوته صلاة الصبح في الجماعة إذا أطال صلاة الليل. (الموافقات: 2/446). (الفتاوى: 25/272).
أصل (50): "إذا كانت توقعه في محرّم لا تقاوم مفسدته مصلحتها حرّمت".
مثل الانقطاع من الطريق والملل وبغض العبادة وكراهة التكليف. وفي الحديث: "عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإنّ الله لا يملّ حتى تملُّوا". [مُتّفقٌ عليه].
والحديث: "أفتانٌ أنت يا معاذ". [مُتّفقٌ عليه]. (الموافقات: 2/440). (الفتاوى: 25/273).
أصل (51): "إذا كان لا يتأتى له فعل الحسنة إلاّ بسيئةٍ دونها في العقاب لزمه أن يفعل الحسنة".
قال الإمام ابن تيمية: "فلها صورتان:
إحداهما‏:‏ إذا لم يمكن إلا ذلك فهنا لا يبقى سيئة فإن ما لا يتم الواجب، أو المستحب إلا به فهو واجب أو مستحب‏.‏ ثم إن كان مفسدته دون تلك المصلحة لم يكن محظورا كأكل الميتة للمضطر ونحو ذلك من الأمور المحظورة التي تبيحها الحاجات كلبس الحرير في البرد ونحو ذلك‏.‏"
قال: "كما أن من الأمور المباحة، بل والمأمور بها إيجابا أو استحبابا‏:‏ ما يعارضها مفسدة راجحة تجعلها محرمة أو مرجوحة كالصيام للمريض وكالطهارة بالماء لمن يخاف عليه الموت كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال‏)‏‏.
والصورة الثانية‏:‏ إذا كان يمكن فعل الحسنات بلا سيئة، لكن بمشقة لا تطيعه نفسه عليها أو بكراهة من طبعه بحيث لا تطيعه نفسه إلى فعل تلك الحسنات الكبار المأمور بها إيجابا أو استحبابا إن لم يبذل لنفسه ما تحبه من بعض الأمور المنهي عنها التي إثمها دون منفعة الحسنة فهذا القسم واقع كثيرا‏:‏ في أهل الإمارة والسياسة والجهاد وأهل العلم والقضاء والكلام، وأهل العبادة والتصوف وفي العامة‏.‏ مثل من لا تطيعه نفسه إلى القيام بمصالح الإمارة -من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود وأمن السبل وجهاد العدو وقسمة المال- إلا بحظوظ منهي عنها من الاستئثار ببعض المال، والرياسة على الناس والمحاباة في القسم وغير ذلك من الشهوات".
قال: "فأقوام نظروا إلى ما ارتكبوه من الأمور المنهي عنها، فذموهم وأبغضوهم‏.‏ وأقوام نظروا إلى ما فعلوه من الأمور المأمور بها فأحبوهم‏".
قال:‏ فالتحقيق أن الحسنات‏:‏ حسنات والسيئات‏:‏ سيئات وهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا‏.‏ وحكم الشريعة أنهم لا يؤذن لهم فيما فعلوه من السيئات ولا يؤمرون به‏ ..‏. لكن يؤمرون بما فعلوه من الحسنات ويحضون على ذلك، ويرغبون فيه‏.‏ وإن علم أنهم لا يفعلونه إلا بالسيئات المرجوحة". (الفتاوى: 35/28-30).
أصل (52): "بعض الواجبات أوجب من بعضٍ، وبعض الحرام أشدّ من بعض"
فليس صيام رمضان كصوم النذر بل أفضل، وليس قتل النفس بغير حقّ كالنظر إلى الأجنبية. (المسودّة: 58). (الفتاوى: 7/513 – 7/59).
أصل (53): "بين الحلال والحرام مرتبة العفو".
وليس من الأحكام الخمسة المتعلّقة بأفعال المكلّفين، ومعنى "العفو" أنّه لا مؤاخذة به. وفي الحديث: "وسكت عن أشياء رحمةً بكم لا نسيان، فلا تبحثوا عنها". [الدار قطني]. (الموافقات: 1/139).

- (ب) خطاب الوضع

(ب) خطاب الوضع:
أصل (54): "خطاب الوضع سُمي بذلك لأنّ الشرع وضع الخطاب بالأسباب والموانع والشروط".
كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185].
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 5].
﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222].
﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ﴾ [النساء: 12]. (روضة الناظر: 1/157). و (الفتاوى: 8/484). و (المسودّة - ص: 80)
أصل (55): "ينقسم خطاب الوضع إلى ستة أقسام. وهي: العلل - والأسباب – والشروط - والموانع - والصحة - والفساد".
ويدخل الكلام في الرخصة والعزيمة والقضاء والأداء والإعادة. (المسودّة – ص: 80). و (روضة الناظر: 1/157).
أصل (56): "الذي يفرّق بين خطاب الوضع وخطاب التكليف أمران".
(الأول): خطاب الوضع لا يكون في قدرة المكلّف كزوال الشمس والنقاء من الحيض، وخطاب التكليف في قدرة العبد كالتوضؤ والاغتسال.
(الثاني): خطاب الوضع الذي يقدر عليه ليس مأموراً به: كالنصاب في الزكاة، والاستطاعة للحج، وعدم السفر للصوم. وخطاب التكليف يكون مأموراً به مع القدرة على فعله. (شرح الكوكب المنير: 1/436). و (مذكرة أصول الفقه 78).
أصل (57): "العلّة الشرعية هي الوصف الذي بُنـي الحكم عليه وربط به وجوداً وعدماً".
العلّة في اللغة : هي ما اقتضى تغييراً. وتنقسم إلى: عقلية وشرعية.
والعقلية : هي ما يوجب الحكم حتما كتأثير حركة الأصبع في حركة الخاتم، ويستعمل الفقهاء كلمة "العلّة" في ثلاثة أشياء.
(الأول): ما يوجب الحكم لا محالة وهو المجموع المركب من مقتضى الحكم وشرطه ومحله وأهله. كوجوب الصلاة فإنه حكم شرعيّ ومقتضيه أمر الشارع بالصلاة وشرطه أهلية المصلّى لتوجه الخطاب إليه بأن يكون بالغاً عاقلاً ومحله الصلاة وأهله المصلّى .. فإذا وجد هذا المجموع وجدت الصلاة ويطلق على هذا المجموع اسم "العلّة" تشبيهاً بالعلّة العقلية.
(الثاني): العلّة التي تخلّف شرطها أو وجد مانعها كاليمين مع عدم الحنث بالنسبة لوجوب الكفّارة. فاليمين علّة الكفارة وشرط وجوبِها الحنث فتسمّى اليمين دون الحنث علّة وهي علّة تخلف شرطها.
(الثالث): الحكمة: أي حكمة الحكم كأن يقال: مشقّة السفر هي علّة استباحة قصر الصلاة والفظر للمسافر. وإفساد العقل هي علّة تحريم المسكر. (الفتاوى: 21/ 355). و (شرح الكوكب المنير: 1/144). (روضة الناظر: 1/158).
أصل (58) : "السببُ ما تُوصل به إلى الشيء".
وهو يقع في أشياء:
(1) الطريق: كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: 89].
(2) الباب: كقوله تعالى: ﴿لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ [غافر: 36-37].
(3) الحبل: كقوله تعالى: ﴿فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ﴾ [الحج: 15].
ويُراد بالسبب عند الفقهاء ما يقابل المباشرة كالحفرة مع التردية، فالحافر يُسمّى صاحب سبب، والمردى المباشر صاحب علّة. والقاعدة هي تقديم المباشر في الضمان، فإن تعذّر ضمن صاحب السبب. (روضة الناظر: 1/161). و (شرح الكوكب المنير: 1/445). (التمهيد: 1/68).
أصل (59): "الشرط هو ما لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ولكن يلزم من عدم وجوده عدم المشروط".
مثال : وجود الطهارة لا يلزم منها صلاة أو عدمها بخلاف عدم الطهارة فإنّه يلزم منه عدم الصلاة.
والشرط لغة: هو العلامة. قال تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾ [محمد:18]. أي: علاماتها. (روضة الناظر: 1/162). (التمهيد: 1/68). و (شرح الكوكب المنير: 1/452).
أصل (60): "الشرط الشرعي قسمان: شرط وجوب وشرط صحة".
شرط الوجوب: كالزوال للظهر والنصاب للزكاة. وشرط الصحة: كالوضوء للصلاة وستر العورة.
والفرق بين شرط الوجوب وشرط الصحة هو عين الفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع. (مذكرة أصول الفقه – ص:82).
أصل (61): "الشرط ثلاثة أقسام : عقليّ ولغويّ وشرعيّ".
والعقلي: هو ما لا يمكن المشروط في العقل دونه كالحياة للعلم، والعلم للإرادة.
واللغويّ: مثل: "إن دخلت الدار فأنتِ طالق".
والشرعيّ هو ما يلزم من عدم وجوده عدم المشروط. (روضة الناظر: 1/163). و (شرح الكوكب المنير: 1/455).
أصل (62): "المانع هو ما لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم ولكن يلزم من وجوده عدم الحكم".
مثل: "الحيض بالنسبة للصلاة والصوم". والدَّين مع وجوب الزكاة. (شرح الكوكب المنير: 1/456). و (روضة الناظر: 1/163).
أصل (63): "الموانع ثلاثة : مانع للابتداء والدوام، ومانع للابتداء دون الدوام، ومانع للدوام دون الابتداء".
مثال الأول: الرضاع يمنع من ابتداء نكاح الأخت من الرضاعة والدوام.
ومثال الثاني: الإحرام يمنع من ابتداء النكاح ولا يمنع الدوام.
ومثال الثالث: الطلاق يمنع من الدوام على النكاح ولا يمنع ابتداء نكاح ثان. (شرح الكوكب المنير: 463). و (مذكرة أصول الفقه: 84).
أصل (64): "الصحة هي الإجزاء" أو "ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد".
الصحة لغة: هي السلامة وعدم الاختلال. ويراد في اصطلاح الفقهاء أمران:
(الأول): الإجزاء وإسقاط القضاء في العبادات.
(الثاني): ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد في المعاملات. (روضة الناظر: 1/164). و (شرح الكوكب المنير: 1/486).
أصل (65): "القضاء هو فعل جميع العبادة المؤقتة خارج الوقت المقدّر لها". (مذكرة أصول الفقه - ص: 87). و (روضة الناظر: 1/168).
أصل (66): "الفساد هو عدم الإجزاء أو عدم ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد".
الفساد لغة: ضدّ الصلاح. ويراد في اصطلاح الفقهاء أمران:
(الأول): عدم الإجزاء وعدم إسقاط القضاء في العبادات.
(الثاني): عدم ترتب الأثر المقصود من العقد على العقد.
و"الفاسد" و"الباطل" مترادفان عند الجمهور وخالف أبو حنيفة فجعل "الباطل" ما منع بأصله ووصفه "كبيع الخنْزير بالدم". (روضة الناظر: 1/165). و (شرح الكوكب المنير: 1/473).
أصل (67): "الإعادة: هي فعل العبادة مرّة أخرى".
الإعادة لغة: تكرير الفعل مرّة أخرى. ويراد في اصطلاح الفقهاء: فعل العبادة مرّة أخرى لبطلانها فتعاد في الوقت وبعده أو لغير ذلك: كإعادة الصلاة لفضل الجماعة. (روضة الناظر: 1/168). و (مذكرة أصول الفقه - ص: 87).
أصل (68): "الأداء هو إيقاع العبادة في وقتها المعيّن شرعاً".
والأداء لغة: هو إعطاء الحقّ لصاحب الحقّ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ...﴾ [النساء: 58]. (روضة الناظر: 1/168). و (مذكرة أصول الفقه - ص: 88).
أصل (69): "العزيمةُ هي الحكم الثابتُ من غير مخالفة دليلٍ شرعي".
وفي اللغة: هي القصدُ المؤكد. قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾ [آل عمران: 159]. (روضة الناظر: 1/171). و (شرح الكوكب المنير: 1/476).
أصل (70): "الرخصة: استباحة المحظور مع قيام الحاظر" أو "ما ثبت على خلاف دليل شرعيّ لمعارض راجح".
مثال ذلك: إباحة الميتة للمضطرّ.
وقيل: الرخصة: هي الحكم الشرعيّ الذي غُيّر من صعوبة إلى سهوله لعذر اقتضى ذلك مع قيام سبب الحكم الأصليّ. وأصل الكلمة في اللغة: التعوض واللين. (روضة الناظر: 1/172). و (شرح الكوكب المنير: 1/478).

- (ج) مقاصد الشريعة

(ج) مقاصد الشريعة:
أصل (71): "الشريعة وُضعت لمصالح العباد".
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
وقال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]
وقال الله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 6].
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45].
وقال الله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 179].
وقال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحجّ: 39]. (الموافقات: 2/322).
أصل (72): "المقاصد التي تحفظها التكاليف الشرعية ثلاثة أقسام: ضرورية وحاجية وتحسينية".
فالضرورية: هي ما لا بدّ منه في قيام مصالح الدِّين والدنيا بحيث إذا فقدت فسدت حياة الإنسان في الدنيا والآخرة. مثل: حفظ الدِّين والنفس والمال والنسب والعرض والعقل.
والحاجية: ما يؤدي بفقده إلى الحرج والمشقّة، ولا يبلغ مبلغ الفساد كالرخص المخففة بالنسبة إلى لحوق المشقّة بالمرض والسفر، وكذلك إباحة الصيد والتمتّع بالطيبات مما هو حلال مأكلاً ومشرباً وملبساً ومركباً ومسكناً. وكالبيع والقِراض والمساقات وسائر المعاملات.
والتحسينية: هي محاسن العادات وتجنّب المدنّسات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق، وليس فقدانها بمخلّ بأمرٍ ضروري ولا حاجي وإنّما جرت مجرى التحسين والتزيين.
ومثالها: الطهارات وستر العورة وأخذ الزينة والتقرّب بنوافل الخيرات من الصدقات. وفي العادات: كآداب الأكل والشرب ومجانبة المآكل النجاسات والمشارب المستخبثات والإسراف والإقتار في المتناولات
وكالمنع من بيع النجاسات والماء والكلأ وقتل النساء والصبيان والرهبان في الجهاد. (الموافقات: 2/324-327).
أصل (73): "والحفظ للضرورات يكون بأمرين : (الأول): بفعل ما به قيامها. (الثاني): بترك ما به تنعدم".
وحفظ النفس والعقل يكون بأمرين:
(الأول) تناول المأكولات والمشروبات والملبوسات والمسكونات.
(الثاني) بإقامة حدّ القصاص وحدّ الخمر.
وحفظ النسل والنسب والعرض يكون بأمرين:
(الأول) الزواج وابتغاء الولد
(الثاني) إقامة حدّ الزنا والقذف وتحريم الخلوة بأجنبية وسفر المرأة منفردةً.
وحفظ المال يكون بأمرين: (الأول) بتحصيله والمحافظة عليه.
(الثاني) إقامة حدّ السرقة والحرابة، وتحريم الإسراف والتبذير. (الموافقات: 2/324).
أصل (74): "مخالفة الهوى ليست من المشقّات المعتبرة في التكليف".
وذلك أنّ مقصود الشرع هو إبعاد المكلّف عن اتّباع الهوى حتى يكون عبداً لله؛ فلم يعتبرها وإن كانت شاقّة في مجارى العادات. (الموافقات: 2/454).
أصل (75): "ليس للمكلّف أن يقصد المشقّة بل يقصد العمل".
لأنّ الله تعالى لا يقصد بالتكليف المشقّة والعسر: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. وكلّ قصدٍ خالف قصد الشارع فهو باطلٌ. فإن قصد العمل وصبر على مشقّته عظُم أجرُه.والأحاديث التي يُستدُّل بِها على مشروعية قصد المشقّة لا تعارض هذه القاعدة، لأنّها أخبار آحاد، والظنّيات لا تعارض القطعيات.
وحديث: "بني سلمة دياركم، تُكتب آثاركم". جاء في البخاري ما يفسّره. فإنه زاد فيه: "وكره أن تُعرّى المدينة قبل ذلك لئلاّ يخلوا ناحيتها من حراسها". (الموافقات: 2/434).
أصل (76): "من مقاصد الشريعة: رفع الحرج عن المكلّف".
والحرج مرفوع لوجهين:
(الأول) الخوف من الانقطاع وبغض العبادة وكراهة التكليف.
(الثاني) خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلّقة بالعبد المختلفة الأنواع. (الموافقات: 2/440).
أصل (77): "المشقّة خاصّة وعامة".
فالخاصة: هي الحاصلة من نفس العمل كالذي يلحقه الحرج من كثرة العبادة.
والعامة: مثل الوالي المفتقر إليه لكونه ذا كفاية فيما أُسند إليه إلاّ أنّ الولاية تشغله عن الانقطاع إلى عبادة الله والأنس بمناجاته..
فوجب النظر في وجه اجتماع المصلحتين مع انتفاء المشقّتين إن أمكن ذلك، وإلاّ رجّح إحدى المصلحتين، فإن كانت المشقّة العامة أعظم اعتبر جانبها وأهمل جانب الخاصّة، وإن كان بالعكس فالعكس.
ويُروى عن عمر رضي الله عنه أنّه قال ما معناه: "إذا نمتُ الليل ضاعت نفسي، وإذا نمتُ النهار ضاعت الرعية". (الموافقات: 2/456).
أصل (78): "المشقّة التي يُطيقها الإنسانُ قسمان: معتادة وخارجة عن المعتاد".
فالخارجة عن المعتاد قسمان:
(الأول) مختصة بأعيان الأفعال المكلّف بِها. بحيث لو وقعت مرّة واحدة لوجدت فيها.
(الثاني) غير مختصّة بأعيان الأفعال، ولكن إذا نُظر إلى كليات الأعمال والدوام عليها صارت شاقّة.
وليس في الشريعة التكليف بالشاقّ والإعنات فيه. والدليل على ذلك أمور:
1) النصوص: كقوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157]. و ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَهَا﴾ و ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة: 286].
وفي الحديث: قال الله تعالى: قد فعلتُ.
2) ما ثبت من مشروعية الرخص كرخص القصر والفطر والجمع.
3) الإجماع على عدم وقوعه.
والمعتادة قسمان:
(الأول) صارت مشقّة، لأنّ نفس التكليف بالعمل زيادةٌ لما جرت العادة به قبل التكليف.
(الثاني) يلحِقُ المكلّف مشقّة بسبب مخالفة الهوى. (الموافقات: 2/425).

(3) الأوامر والنواهي

(3) الأوامر والنواهي.
أصل (79): "الأمرُ استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء". (روضة الناظر: 1/62). و (شرح الكوكب المنير: 3/11). و (التمهيد: 1/124).
وإن كان على عكس ذلك فهو دعاء وإن كان على التساوي فهو التماس.
أصل (80): "الصيغ الدالة على الأمر أربع وكلّها في القرآن". (روضة الناظر: 2/63). و (مذكرة أصول الفقه - ص: 337). و (العُدّة: 1/214).
1) فعل الأمر، نحو: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ﴾ [الإسراء: 78].
2) المضارع المجزوم بلام الأمر: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ...﴾ [النور: 63].
3) اسم فعل الأمر، نحو: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [المائدة: 105].
4) المصدر النائب عن فعله، نحو: ﴿فَضَرْبَ الرِّقَابِ...﴾ [محمّد: 4].
أصل (81): "لا يشـترط في الأمر إرادة الآمر". (العُـدّة: 1/216). و (روضة الناظر: 2/67). و (شرح الكوكب المنير: 3/15).
الإرادة نوعان: إرادة شرعية وإرادة كونية قدرية.
ولا تلازم بين الإرادتين، فإن الله تعالى أمر العباد بالإيمان وقد علم أنّهم كلّهم لا يستجيبون.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ [الأنعام: 35].
وقال: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: 13].
وهذا الأصل ضلّت عنه المعتزلة حيث قالوا: "لا يكون أمرٌ إلاّ بإرادة وقوعه". وقد أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه وهو يعلم ولا يريد أن يكون ذلك ابتلاءً منه لعبده وقال: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ [الصافات: 106].
أصل (82) : "الأمر يقتضي الوجوب إذا تجرّد عن القرائن". (روضة الناظر:2/70). و(المسودّة - ص:5). و(العُدّة:1/224). و(شرح الكوكب المنير – ص:39).
هذا هو المذهب الحقّ الذي يؤيده القرآن مثل: قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ...﴾ [النور: 63].
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]
وقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: 12]. وقوله: ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: 93]. وقوله: ﴿لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾ [التحريم: 6].
وقال قوم :"إنّها للإباحة". وقال آخرون: "للندب". وقال آخرون: "الوقف حتى يرد الدليل ببيانه". وكلّها أقوالٌ مرجوحة بالأدلّة المتقدّمة.
أصل (83): "الأمر بعد الحظر يدلّ على رجوع الفعل إلى ما كان عليه قبل الحظر".
فالصيد -مثلاً- كان مباحاً ثم منع للإحرام ثم أُمر به عند الإحلال فيرجع إلى ما كان عليه قبل التحريم: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: 2].
وقتل المشركين كان واجباً ثم مُنع لأجل دخول الأشهر الحرم. ثم أُمر به عند انسلاخها: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 5] فيرجع إلى ما كان عليه قبل التحريم أي إلى الوجوب. (روضة الناظر:2/75). و(العُدّة: 1/256). و(مذكرة أصول الفقه – ص:343). (المسودّة: 16).
أصل (84): "الأمرُ المطلق أي غير المقيّد بمرّة ولا تكرار ولا صفة ولا شرط لا يقتضي التكرار". (شرح الكوكب المنير: 3/43). و (المسودّة – ص: 20). و (روضة الناظر: 2/78).
هذا قول أكثر الفقهاء. وقال غيرهم: يقتضي التكرار.
أصل (85): "الأمر يقتضي على الفور". (روضة الناظر: 2/85). و (المسودّة –ص : 24). و (شرح الكوكب المنير: 3/48).
لقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [المائدة: 48]. وقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: 133]. وقوله: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الحديد: 21].
أصل (86) : "الواجب المؤقّت لا يسقط بفوات وقته ولا يفتقر القضاء إلى أمرٍ جديد". (روضة الناظر: 2/91). و (شرح الكوكب المنير: 3/50).
أصل (87) : "الأمر يقتضي الاجزاء بفعل المأمور به إذا امتثل المأمور بكمال وصفه وشرطه".
"ولا يعترضُ عليه بالمضيِّ في الحج الفاسد ولا بمن صلّى يظنّ الطهارة، لأنّ ذلك ليس لعدم فوات الإجزاء بل إنه لفوات بعض المصحّحات". (روضة الناظر: 2/93). و (المسودّة - ص: 27). (العُدّة: 1/300).
أصل (88) : "رفع الإجزاء دليل على عدم الامتثال". (المسودّة - ص: 51).
كما في الحديث: «لا تجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بأمّ الكتاب».
أصل (89) : "الأمر بالأمر بالشيء ليس أمراً به ما لم يدلّ عليه دليل". هذا هو قول الجمهور.
مثاله: ‹‹مروهم بالصلاة لسبع›› [أحـمد وأبو داود]. ليس بإيجاب على الصبي.
فإن حصل في اللفظ ما يدلّ على الأمر فهو أمرٌ بلا خلاف لقوله صلى الله عليه وسلم: لعمر في شأن طلاق ابنه عبد الله امرأته في الحيض: ‹‹مُره فليراجعها›› [متّفق عليه]. لأنّ الأمر متوجه إلى ابن عمر فهو مأمور به بلا خلاف. (شرح الكوكب المنير: 3/66). و (مذكرة أصول الفقه - ص: 351).
أصل (90) : "إنّ الأمر لجماعةٍ يقتضي وجوبه على كل فردٍ منهم إلاّ بدليل يدلّ على أنه على الكفاية". (روضة الناظر: 2/97). و (المسودّة - ص: 30).
فقوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ﴾ [المزمل: 20]. أوجب الصلاة على كل فردٍ مسلم.
وقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [آل عمران: 104].
دلّ على أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبٌ على الجميع ويسقط بفعل بعضهم.
أصل (91): "طلب الكفاية وارد على من له أهلية القيام بذلك الفعل المطلوب". (الموافقات: 1/153)
لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعض الصحابة عن القيام بأعمالٍ هي من فروض الكفايات كقوله لأبي ذر: "لا تأمرنّ على اثنين ولا تولّين مال يتيم". [مسلم].
وقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: "لا تسأل الإمارة". [مسلم].
أصل (92) : "الأمر بالشيء نَهي عن ضدّه". (إرشاد الفحول ص: 370).(شرح الكوكب المنير: 3/51). (روضة الناظر: 1/133). (الفتاوى: 20/118). (المسودّة ص: 49).
فيه ثلاث مذاهب:
(1) هو نَهيٌ عن ضدّه.
(2) ليس نَهياً عن ضدّه ولكن يستلزمه. وهو الراجح.
(3) ليس نَهياً عن ضدّه ولا يستلزمه.
أصل (93) : "الوعيد نصٌّ في الوجوب".
كالحديث: (من لم يجب فقد عصى الله ورسوله).
والحديث: (من سمع النداء فخرج من المسجد قبل أن يصلّى فقد عصى أبا القاسم).
والحديث: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا). (المسودّة: 42).
أصل (94): "الأمر يتناول المعدوم بشرط أن يوجد. والدليل إجماع الأمّة على أنّ آخر الأمّة مأمورةٌ بما أُمرَ به أولها". (روضة الناظر: 2/105). (المسودّة: 44).
أصل (95): "الأمر يتناول المصالح ولكن يقفُ حصول المصلحة على امتثال المكلّف".
فعدم الامتثال لا يدلُّ على أنَّ الأمر لم يتناول الأصلح. فإبليس هلك بعدم الامتثال ولا يكون الأمر لم يتناول المصلحة. (المسودّة: 63).
أصل (96): "أحكام النواهي تتضح من أحكام الأوامر".
فكما أنّ الأمر استدعاء الفعل بالقول على وجه الاستعلاء. فالنهي استدعاء الترك بالقول على وجه الاستعلاء. وصيغة الأمر "اِفعلْ" وصيغة النهي "لا تفعل". ولا يشترط في النهي إرادة الناهي. والنهي يقتضي التكرار خلافاً للأمر. والنهي يقتضي الفور. (روضة الناظر: 2/111). (شرح الكوكب المنير: 3/96 ، 97).
أصل (97) : "النهي يقتضي الفساد".
لقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ›› [متّفق عليه].
والمنهيّ عنه ليس من أمرنا فهو مردود بِهذا النصّ [متّفق عليه]. وخالف هذا الأصل أبو حنيفة وقال: "يقتضي الصحّة". (المسودّة: 52). (شرح الكوكب المنير: 84).
أصل (98): "لو نهاه عن شيءٍ فاستأذن العبدُ في فعله فقال اِفعل دلَّ على الإباحة".
وإن استأذنه في فعل شيء فقال افعل حمل كذلك على الإباحة.
وفي الحديث: أصلِّي في مرابض الغنم؟ قال: ‹‹نعم››. [مسلم].
وفي الحديث: ‹‹صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل››. [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]. (المسودّة: 18).
أصل (99): "إذا تعلّق النهي بمعني في غير المنهيّ عنه دلّ على الفساد".
كالبيع في وقت النداء يومُ الجمعة. هذا مذهب الإمام أحمد والمالكية والظاهرية، وخالف في ذلك الشافعية وغيرهم، وإذا كان النهي لحق آدميّ يمكن تداركه فالظاهر إنّه لا يقتضي الفساد وعليه أكثر العلماء، واستدلّوا بحديث النهي عن تلقي الركبان. (المسودّة: 83).
أصل (100): "صيغة النهي بعد سابقة الوجوب يقتضي الإسقاط لما أوجبه الأمر". وقيل: يقتضي التنْزيه. وقيل: يقتضي التحريم. كأمره صلى الله عليه وسلم بتحريق بعض المشركين ثم نهيه عن التحريق. (المسودّة: 83).
أصل (101) : "المنهي عنه على ثلاثة أقسام".
(الأول) المنهي عنه لذاته: كالشرك بالله والزنا ولحم الخنْزير والدم، وهذا لا تزول حرمته إلاّ للمضطرّ في بعضها.
(الثاني) المنهيّ عنه لوصفه القائم به: كالخمر، وهي كالأول ما دامت الصفة قائمة، أي: الإسكار، فإذا زال حلَّت،
(الثالث) المنهيّ عنه لوصفه الخارج عنه: أي ما اُكتُسِبَ بطريقة غير شرعية كمن باع الخمر واشترى بثمنها طعاماً يبيعه للناس: فإن كان هذا البائع مسلماً لا يُشترى منه ذلك تعزيراً له، وإن كان ذميّاً جاز الشراء منه. (روضة الناظر: 1/121).
أصل (102): "حركاتُ الغاصب التائب في وسط الدار المغصوبة اختلفوا فيها".
فقال قوم: هو طائعٌ بحركات خروجه ولا إثم عليه. وقال قوم: لا تصحّ توبته حتي يفارقها وهو عاص بحركات خروجه.
قال ابن تيمية: "والتحقيق أنَّ هذه الأفعال يتعلّق بها حقّ الله وحقّ الآدمي فأمّا حقّ الله فيزول بمجرّد الندم, وأمّا حقوق العباد فلا تسقط إلا بعد إدائها إليهم, وعجزه عن إيفائها حين التوبة لا يسقطها". (المسودّة: 88).
أصل (103): "إذا أمر الله نبيّهُ أو شرع له شيئاً فأمّته أسوته في ذلك ما لم يقم دليل التخصيص، لأنّ الأمة مأمورة باتّباعه والتأسي به".
كقوله تعالى: ﴿فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ [المائدة:42]. فالحاكم المسلم يتأسى به في العمل بالآية. (روضة الناظر: 2/100). (المسودّة: 31).
أصل (104): "حكم النبي صلى الله عليه وسلم على واحد من الصحابة حكمٌ على غيره من الأمّة".
كأمره صلى الله عليه وسلم برجم "ماعز" و "الغامدية، فلا يكون الرجم خاصاً بهما، بل يتعدّى لكل من يفعل مثل ذلك". (شرح الكوكب المنير: 3/223). (العُدّة: 1/318)
أصل (105): "الخطاب للناس يدخُل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم إلاّ بدليل على عدم دخوله".
كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ﴾ [فاطر: 15]. (المسودّة - ص: 33).
أصل (106): "إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به".
أي يجبُ العمل به على ما إقتضاه من إيجاب أو استحباب أو تحريم.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [النساء:64]
وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ [النساء:80].
وقال: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف:158].
وفي الحديث: "فمن رغب عن سنتي فليس منى". [متّفق عليه]. (شرح الكوكب المنير: 2/167). (المسودّة: 66).
أصل (107): "نحن متعبَّدون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به في أفعاله".
أي نفعل صورة الذي فعلَ على الوجه الذي فعلَ لأجل أنه فعلَ, فإن علمنا وجوبه عليه وجب علينا وإن علمناه نفلاً له فهو نفلٌ لنا وإن علمناه مباحاً له فكذلك لنا. (المسودّة: 66).
أصل (108) : "مسألة أفعال النبي صلى الله عليه وسلم لها ثلاثة أصول".
(الأول) أنّ حكم أمتة كحكمه في الوجوب والتحريم وتوابعها إلا أنْ يدلّ دليلٌ يخالف ذلك وهذا لا يختصّ بالأفعال, بل يدخل فيه ما عرف حكمه في حقّه بخطاب من الله.
(الثاني) أنّ نفس فعله يدلّ على حكمه صلى الله عليه وسلم إما حكم معيّن أو مطلق وأدنى الدرجات الإباحة.
(الثالث) قد يكون الحكم واجباً علينا وإن لم يكن واجباً عليه كما يجب على المأمور متابعة الإمام فيما لا يجب على الإمام, وعلى الجيش متابعة الإمام وعلى الحجيج موافقة الإمام بالمقام بعرفة إلى إفاضة الإمام.
ويمكن أن يكون سبب الوجوب في حقه معدوماً في حقنا ويجب علينا لأجل المتابعة ونحوها كما يجب علينا الرمل والاضطباع مع عدم السبب الموجب له في حق الأولين. (المسودّة: 74). (الفتاوى: 18/9 ، 10) ، (10/443).
أصل (109) : "التقرير شرعٌ".
وقد احتجّ الشافعيّ وأحمد في إثبات النسب بالقافة بقول مجزز المدلجي عند النبي صلى الله عليه وسلم "إن هذه الأقدام بعضها من بعضٍ". [متّفق عليه].
وقال جابر (كنا نعزل والقرآن ينْزل)-[متفق عليه]. (المسودّة: 70). (شرح الكوكب المنير: 2/194).
أصل (110) : "الكتابةُ والإشارةُ كلامٌ".
فإن طلق الرجلُ إمرأته كتابة وعُرف خطّهُ تكونُ مطلقةً منه.
فقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يكتبُ إلى الملوكِ الكتبَ وتقومُ الحجّة عليهم بذلك. (المسودّة: 14).
أصل (111): "خطاب الله لأهلِ الكتاب وبنى إسرائيل في القرآن على وجهين".
(الأول) خطابٌ على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مثل:
= ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:122].
= ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء:171].
فهذا حكم سائر الناس فيه حكم بني إسرائيل وأهلِ الكتاب إن شركوهم في المعنى دخلوا وإلا لم يدخلوا, لأنّ أهل الكتاب صنف من المأمورين بالقرآن بمنزلة خطابه لأهل أُحدْ ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا﴾ [آل عمران:122].
أو أهل بدر ﴿َكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا﴾[الأنفال:69].
فإنّ الخطاب المواجه به صنف من الأمّة المدعوَّة أو شخص يشمل سائر المدعويّن.
(الثاني) وأما خطابه لهم على لسانِ موسى عليه السلام أو غيره من الأنبياء فهي مسألةُ شرع من قبلنا. (المسودّة: 47).

(4) أصول الأدلّة

(4): أصول الأدلّة.
أصل (112) : أصول الأدلّة: "الكتاب والسنة والإجماع". (روضة الناظر: 1/176). (شرح الكوكب المنير: 2/5).

- (أ) القرآن

(أ) القرآن:
أصل (113): "القرآن نقله متواتر والخلاف في البسملة".
فقيل: إنها آية من كلّ سورة. وقيل: آية من الفاتحة فقط. وقيل: آية مستقلّة أنزلت للفصل بين كلّ سورتين.
قال الشوكاني: والحقّ أنها آية من كلّ سورة لوجودها في رسم المصاحف وذلك هو الركن الأعظم في إثبات القرآنية للقرآن ثم الإجماع في ثبوتها خطاً في رسم المصاحف في أوائل السور.
أصل (114): "ما نُقل غير متواتر كقراءة ابن مسعود الراجح أنه كأخبار الآحاد".
لأنّه مسموع ومرويّ عن النبي صلى الله عليه وسلم. (روضة الناظر: 1/181).
أصل (115): "ليس في القرآن مجاز".
والمجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضعه الأصليّ على وجه يصحّ كإطلاقِ لفظ الأسد على الرجل الشجاع.
واتّفق القائلون بالمجاز: على أنّ من الفوارق بينه وبين الحقيقة أنّ المجاز يجوز نفيه باعتبار الحقيقة. (مذكرة أصول الفقه: 105).
أصل (116): "في الكتاب محكم ومتشابه".
(1) القرآن محكم: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ﴾ [هود: 1].
(2) القرآن متشابه: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ [الزمر: 23].
(3) بعضه محكم وبعضه متشابه: ﴿مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: 7]. (روضة الناظر: 1/185). (شرح الكوكب المنير: 2/140).
أصل (117): "المحكمُ: هو ما ينبئُ عن المراد بنفسه أو يعقلُ معناه من لفظه".
كقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]. (التمهيد: 2/276). (العُدّة: 2/684). (إرشاد الفحول: 140).
أصل (118): "المتشابه: هو المشتبه المحتمل الذي يُحتاج في معرفةِ معناه إلى تأمل وتفكّر وتدبّر وقرائن تبينُه وتزيل إشكاله". (التمهيد: 2/277). (إرشاد الفحول: 140). (العُدّة: 2/684).
أصل (119) : "النسخ في القرآن على ثلاثة معان"
(الأول): إزالة الحكم من غير تعويض شيء عن المنسوخ. كقوله تعالى: ﴿فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ﴾ [الحج: 52].
(الثاني): الكتابة: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: 29].
(الثالث): النسخ الشرعيّ. (مذكرة أصول الفقه: 120).
أصل (120): "النسخ هو رفع الحكم الثابت بخطاب متقدّم بخطاب متراخ عنه".
كما قال تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: 106]. (إرشاد الفحول: 605). (روضة الناظر: 1/189). (العُدّة: 768). (المسودّة: 195).
أصل (121): "يجوز نسخ الشرائع عقلاً وشرعا، ولا يستلزم البداء".
والبداء هو: تجدّد العلم. خلافاً لمن قال ذلك من أهل البدع. (العُدّة: 3/769). (المسودّة: 195). (شرح الكوكب المنير: 3/533). (إرشاد الفحول: 608).
أصل (122) : "النسخ يراد به في اصطلاح السلف أمران":
(الأول): ما يطلقه الأصوليون عليه (رفع الحكم المتقدّم بخطاب جديد).
(الثاني): التخصيص والتقييد. (الموافقات: 3/ 99). (مذكرة أصول الفقه: 123). (الفتاوى: 13/29-30 ، 272-274).
أصل (123): "حدّ التخصيص في اصطلاح الفقهاء هو: قصر العام على بعض أفراده بدليل يقتضى ذلك".
كقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ...﴾ مع قوله ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ...﴾ [التوبة:5-6]. (العُدّة: 1/155). (التمهيد: 2/71).
أصل (124) : "يفترق النسخ عن التخصيص في سبعة أوجه".
(الأول): أن التخصيص بيان أن المخصوص غير مراد باللفظ والنسخ يخرج ما أُريد باللفظ الدلالة عليه. مثل: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ ..﴾ [العنكبوت: 14]. بناء على أنّ الاستثناء بـ إلا تخصيص وهو قول الأكثرين.
(الثاني): يشترط تراخيه بخلاف التخصيص فإنه يجوز اقترانه وربّما لزم كالتخصيص بالشرط والصفة والغاية والاستثناء وبدل البعض من الكلّ.
(الثالث):النسخ يدخل الشيء الواحد والمنسوخ شيء واحد بخلاف التخصيص فلا يدخل إلاّ في عام له أفراد متعدّدة يخرج بعضها بالمخصص.
(الرابع):النسخ لا يكون إلا بخطاب جديد والتخصيص قد يقع بغير خطاب كالتخصيص بالقياس وبالعرف المقارن للخطاب.
(الخامس):أن النسخ لا يدخل في الأخبار وإنّما هو في الإنشاء فقط بخلاف التخصيص فإنّه يكون في الإنشاء والخبر.
(السادس):أن النسخ لا يبقى معه دلالة اللفظ على ما تحته والتخصيص لا ينتفي معه ذلك.
(السابع): المتواتر لا ينسخ بالآحاد بخلاف التخصيص فإنّ المتواتر يخص بالآحاد، لأنّ النسخ رفع والتخصيص بيان.
مثال: (1) ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: 24]. متواتر خُصِّص بحديث: ‹‹لا تُنكح المرأة على عمتها وخالتها›› .
مثال: (2) ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: 11]. خُصّص بحديث: ‹‹إنّا معشر الأنبياء لا نورث››. (العُدّة: 3/779). (روضة الناظر: 1/197). (مذكرة أصول الفقه: 123).
أصل (125) : "التخصيص إذا ورد بعد العمل بالعام وكذا التقييد بعد العمل بالمطلق فإنّه نسخ وليس بياناً". (مذكرة أصول الفقه: 126).
أصل (126): "النسخ على ثلاثة أضرب".
1) يجوز نسخ تلاوة الآية مثل: (الشيخ والشيخة إذا ...).
2) ويجوز نسخ حكمها دون تلاوتها. ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ﴾ [البقرة: 240].
3) يجوز نسخ التلاوة والحكم معاً. مثال:(عشر رضعات). [صحيح مسلم]. (العُدّة: 3/780). (المسودّة: 98). (مذكرة أصول الفقه: 127).
أصل (127): "يجوز نسخ الأمر قبل التمكن من الامتثال". كقصة إبراهيم عليه السلام. (مذكرة أصول الفقه: 1/203). (التمهيد: 2/354).
أصل (128): "حكمة التكليف متردّدة بين الامتثال والابتلاء".
فالمنسوخ بعد الفعل حكمته الامتثال والمنسوخ قبل الفعل حكمته الابتلاء. (مذكرة أصول الفقه: 132). (التمهيد: 2/362).
أصل (129): "الزيادة على النصّ ليست بنسخ". "الزيادة على النصّ لها حالتان".
(الأولى): أن تنفي ما أثبته النصّ أو تثبت ما نفاه فهذا نسخ لا شكّ.
(الثانية): أن تتعلّق تعلّق الشرط بالمشروط أو تتعلّق على وجه لا يكون شرطاً، فلا تكون الزيادة عندئذ نسخاً وإنّما رفع البراءة الأصلية فهي زيادة شيء سكت عنه النصّ.
مثل: إيجاب النية في الوضوء بالخبر وإيجاب التغريب في حدّ الزنى، وكذلك الحكم بالشاهد واليمين، وزيادة وصف الأيمان في كفارة اليمين والظهار بالقياس على كفارة القتل. (العُدّة: 3/814). (روضة الناظر: 1/208). (المسودّة: 58).
أصل (130): "نسخ جزء العبادة المتّصل بِها أو شرطها ليس نسخاً بجملتها".
مثال: (استقبال القبلة كانت إلى بيت المقدس فحوّلت إلى مكة). (روضة الناظر: 1/214). (العُدّة: 3/837).
أصل (131): "قد ينسخ إلى بدل وغير بدل".
فما نُسخ إلى غير بدل: العدّة حولاً إلى أربعة أشهر وعشراً، وما زاد على أربعة أشهر لغير بدل.
وما يُنسخ إلى بدل فعلى أربعة أضرب:
1)نسخ واجب إلى واجب: وهو على ضربين
(الأول) واجب مضيّق إلى مثله: كنسخ القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة.
(الثاني) مخيّر إلى مضيّق: كنسخ التخيير بين الصيام والفدية في صدر الإسلام إلى الصيام حتماً على القادر.
2)نسخ واجب إلى مباح: كنسخ وجوب الصدقة عند مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جواز تركها.
3)نسخ واجب إلى ندب: كنسخ وجوب مصابرة الواحد عشرةً إلى وجوب مصابرة اثنين وندب إلى مصابرة أكثر.
4)نسخ المحظور إلى مباح: كنسخ تحريم المباشرة في ليالى رمضان إلى إباحة ذلك. (العُدّة: 3/783). (إرشاد الفحول: 618).
أصل (132): "يجوز النسخ بالأخف والأثقل".
مثال الأول: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: 234]. - ﴿الآَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: 66].
مثال الثاني: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]. فنسخت التخيير.
وقوله تعالى: ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ فنسخت الإمساك في البيوت ﴿حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ﴾ [النساء: 15]. (إرشاد الفحول: 619). (روضة الناظر: 1/217).
أصل (133): "إذا نزل الناسخ هل يكون نسخا في حقّ من لم يبلغه". الراجح اشتراط البلوغ. (التمهيد: 2/395). (العُدّة: 3/823). (روضة الناظر: 1/221).
أصل (134): "لا خلاف في جواز نسخ القرآن بالقرآن، والسنة المتواترة بالسنة المتواترة، والآحاد بالآحاد". (إرشاد الفحول: 627). (روضة الناظر: 1/223).
أصل (135): "نسخ السنة بالقرآن لا ينبغي فيها الاختلاف".
أمثلة وقوعها: نسخ استقبال بيت المقدس في الصلاة. ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144].
﴿فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: 187]. بعد تحريم المباشرة في ليالي رمضان.
﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ﴾ [النساء: 102]. بعد جواز تأخير الصلاة حالة الخوف.
وللأدلة خولف أحد قولي الشافعي رحمه الله. (روضة الناظر: 1/223). (التمهيد: 2/384). (العدّة: 3/802).
أصل (136): "نسخ القرآن بالسنة المتواترة فيه اختلاف، والراجح عدم وقوعه".
قال أحمد: (لا ينسخ القرآن إلاّ قرآن). وقال ابن القيم: والسنّة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
(أحدها) أن تكون موافقة له من كل وجه فيكون توارد القرآن والسنّة على الحكم الواحد في باب تواردِ الأدلّة وتظافرها.
(الثاني) أن تكون بياناً لما أُريد بالقرآن وتفسيراً له.
(الثالث) أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو مُحرّمة لما سكت عن تحريمه.
"ولا تخرج عن هذه الأقسام, فلا تعارضُ القرآن بوجه ما فما كان زائداً على القرآن فهو تَشريعٌ مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه ولا تحلّ معصيته وليس هذا تقديماً على كتاب الله بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله" (العدّة: 3/788). (التمهيد: 2/369). (أعلام الموقّعين: 2/276)
أصل (137) : "لا يجوز النسخ بالقياس".
هذا هو قول الجمهور، لأنّ ما ثبت بالنصّ لا يُرفع بالقياس، لأنّ النص إذا عارض القياس أسقطه، والصحابة كانت تترك آراءها بالنصوص. ولا حجة لمن قال بالجواز. (التمهيد: 2/391). (روضة الناظر: 1/230). (المسودّة: 225).
أصل (138): "التنبيه – مفهوم الموافقة – يُنسخُ ويُنسخُ به".
لأنّ التنبيه يُفهم من اللفظ فجرى مجرى النصّ. والنصّ ينسخ وينسخ به، وكذلك التنبيه. (العُدّة: 3/827-829). (التمهيد:2/392). (روضة الناظر:1/232). (المسودّة: 222).
أصل (139): "مفهوم الموافقة: هو ما دلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق على أنّ حكمه وحكم المنطوق سواء. وسواء كان ذلك المدلول المسكوت عنه أولى من المنطوق بالحكم أو مساوياً له".
مثال الأول: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23]. فيفهم من النصّ أنّ الضرب والحبس أولى بالنهي.
مثال المساوي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ [النساء: 10].
الأكل والإحراق سواء كلاهما إتلاف.
وجمهور علماء الأصول على أنّه مفهوم من النصّ وليس بقياس. والشافعي يسمّيه القياس الجليّ. (إرشاد الفحول: 589). (مذكرة أصول الفقه: 157).
أصل (140): "مفهوم المخالفة يمكن أن ينسخ مع بقاء أصله".
ومثاله": (إنّما الماء من الماء) يُفهم منه عدم وجوب الغسل على من لم ينْزل.ودلّ الحديث (ثم جهدها فقد وجب الغسل) على نسخ للمفهوم. (العُدّة: 3/830). (التمهيد: 2/392). (المسودّة: 222).
أصل (141) : "النسخ يُعرف بالنقل لا بدليل عقليّ ولا بقياسيّ".
أي إذا تناقض نصّان فالناسخ هو المتأخّر، ولا يعرف تأخره بدليل العقل، لأنّ النسخ رفعٌ لحكم شرعيّ أو بيان مدّة انتهائه ولا طريق للعقل إلى معرفة ذلك، ولو كان له طريق إلى ذلك لكان له طريق إلى معرفة ثبوت الأحكام بدون النقل. (روضة الناظر: 1/234).
أصل (142) : "يُعرف المنسوخ بطرق".
(1) في اللفظ ما يدل على النسخ ‹‹كنت نهيتكم عن زيارة القبور ...››.
(2) أن يذكر الراوي تاريخ السماع.
(3) الإجماع على أنّ الحكم منسوخ. (كالإجماع على نسخ فرض الزكاة لغيرها من الحقوق المالية).
(4) أن يروي الراوي الناسخ والمنسوخ كحديث المتعة.
(5) أن يكون راوي إحدى الخبرين أسلم في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هذا فيما إذا مات الأول قبل صحبة الآخر. (روضة الناظر: 1/234). (شرح الكوكب: 3/563). (العُدّة: 3/829).

- (ب) السنّة

(ب) السنة:
أصل (143): "السنة هي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فعله أو قرّر عليه". (روضة الناظر: 1/236).(الموافقات: 4/389).(إرشاد الفحول: 145).(العُدّة: 1/165)
وفي اللغة: الطريقة ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلّقته:
من مـعـشـر سـنّت لـهم آبـاؤهـم ولـكـل قـوم سـنـة وإمـامـهـا
أصل (144): "كيفية رواية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم على خمس مراتب".
1) التصريح في السماع كحدثني وأخبرني.
2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
3) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا ونَهى عن كذا (وقيل هي كالتي قبلها).
4) أُمرنا ونُهينا (ولا يذكر الفاعل) أو من السنة كذا.
5) كنا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كانوا يفعلون . (روضة الناظر: 1/237). (فتح الباري: 1/19). (المسودّة: 293-299).
أصل (145): "حدّ الخبر هو الذي يتطرّق إليه التصديق والتكذيب".
أي ما يمكن أن يُقال لقائله صدقتَ أو كذبتَ. وما لم يمكن فيه ذلك فهو الإنشاء كالأمر والنهي. (روضة الناظر: 1/243). (العُدّة: 3/839). (المسودّة: 232).
أصل (146): "الخبر قسمان: متواتر وآحاد".
والآحاد على ثلاثة أقسام: مشهور وعزيز وغريب. (روضة الناظر: 1/244). (إرشاد الفحول: 188).
أصل (147): "المشهور هو ما له طرق محصورة بأكثر من اثنين".
هذا هو المراد عن المحدّثين وهو "المستفيض" عند بعضهم ويطلق "المشهور" كذلك على ما اشتهر مطلقاً مما له إسناد واحد أو أكثر وما ليس له إسناد أصلا. (نزهة النظر: 23).
أصل (148): "العزيز هو ما لا يرويه أقلّ من اثنين عن اثنين".
وسمّي بذلك إما لقلّة وجوده أو لكونه قوي بمجيئه من طريق أخرى. ومثاله: حديث الشيخين عن أنس والبخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده». ورواه عن أنس: قتادة وعبد العزيز بن صهيب، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد ورواه عن عبد العزيز إسماعيل بن علية وعبد الوارث ورواه عن كل جماعة. (نزهة النظر: 24).
أصل (149): "الغريب هو ما يتفرّد بروايته شخصٌ في أيّ موضع وقع التفرّد به من السند".
والغرابة إذا كانت في أصل السند يُسمّى "الفرد المطلق" أو "الغريب المطلق"، وإن كانت فيما دون أصل السند فيُسمّى "الفرد النسبيّ" أو "الغريب النسبي" سُمي نسبياً لكون التفرّد فيه حصل بالنسبة إلى شخص معيّن وإن كان الحديث في نفسه مشهوراً.
ومثال الأول حديث: «إنّما الأعمال بالنيات». تفرّد به علقمة بن وقاص عن عمر وتفرّد به يحيى بن سعيد عن علقمة. (نزهة النظر: 27).
أصل (150) : "التواتر المفيد للعلم اليقيني تشترط فيه ثلاثة شروط".
(الأول): أن يكون إخبارهم عن أمرٍ محسوس كقولهم سمعنا ورأينا لأنّ تواطؤ الجم الغفير على الخطأ في المعقولات لا يستحيل عادة.
(الثاني): أن يكون العدد بالغاً حدّاً يستحيل معه التواطؤ على الكذب عادة.
(الثالث): أن يكون العدد المذكور في كل طبقة من طبقات السند من أوله إلى آخره. (روضة الناظر: 1/254). (المسودّة: 234-235). (إرشاد الفحول: 190).
أصل (151) : "التواتر قد يكون بالمعنى".
كالأحاديث الدالّة على مشروعية رفع اليدين في الدعاء. (المسودّة: 235).
أصل (152) : "التواتر نوعان: تواتر عند العامة والخاصة وتواتر عند الخاصة".
(الأول) مثل عبادة الله وحده لا شريك له، والعلم بالرسل والملائكة والبعث والوحي ووجود الجنّ ومجيء موسى إلى فرعون وعيسى إلى اليهود وظهور محمّد صلى الله عليه وسلم بمكة.
(الثاني) كأحاديث الشفاعة والرؤية والصراط والميزان وفضائل الصحابة ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم الخارجة عن القرآن وسجود السهو والقضاء بالشفعة. (الفتاوى: 18/69 / 19/10-11).
أصل (153) : "العلم الحاصل بالتواتر ضروريٌّ وقطعيٌّ".
على هذا أكثر علماء الأصول. (روضة الناظر: 1/247). (العُدّة: 3/841). (المسودّة: 234).
أصل (154) : "ما عدا التواتر فهو الآحاد وصحيحه قطعيّ من حيث النظر إلى وجوب العمل به، وظني من حيث النظر إلى مطابقته الواقع". (روضة الناظر: 1/260). (المسودّة: 240).
أصل (155): "وقد يَقعُ في أَخْبارِ الآحادِ مَا يُفيدُ العِلْمَ النَّظريَّ بالقَرائِنِ".
هذا هو المختار عند الحافظ ابن حجر وغيره ومن خالف لا ينفي أن ما احتفّ بالقرائن أرجح مما خلا عنها.
والخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن أنواعٌ منها:
1. مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في صَحيحَيْهِما ممَّا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ المتواتِرِ، فقد احْتَفَّتْ بِهِ قرائِن منها: جَلالتُهُما في هذا الشَّأْنِ. وتَقَدُّمُهُما في تَمْييزِ الصَّحيحِ عن غيرِه، وتَلَقِّي العُلماءِ كِتابَيْهِما بالقَبُولِ.
2. والمشهور إذا كانت له طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل.
3. والمسلسل بالأئمة الحفاظ المتقنين كالحديث الذي يرويه الإمام أحمد بن حنبل ويشاركه فيه غيره عن الشافعي ويشاركه فيه غيره عن مالك عن نافع عن ابن عمر. ويمكن اجتماع الثلاثة في حديث واحد فلا يبعد حينئذ القطع بصدقه. (نزهة النظر: 26).
أصل (156): "وخبر الآحاد فيه مقبول ومردود".
والمقبول أربعة أقسام: وهو الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره. (نزهة النظر: 25).
أصل (157): "الصحيح لذاته: هو خبر الآحاد إذا جاء بنقل عدلٍ تامّ الضبط متّصل السند غير معلّل ولا شاذ".
وهذا أول تقسيم المقبول، وتتفاوت رُتب الصحيح بتفاوت هذه الأوصاف، ومن ثَمّ قُدّم صحيح البخاري ثم مسلم ثم شرطهما، ورواية كل من أخرجا له لا تكون على شرطهما لأنّهما قد يرويان عن رجلٍ في المتابعات والشواهد دون الأصل، فقد يرويان عن رجلٍ ما عرف من طريق غيره دون ما انفرد به وقد يتركان من حديث الثقة ما علم أنّه أخطأ فيه. (نزهة النظر: 29).
أصل (158): "الصحيح لغيره: هو الحسن لذاته إن وجد ما يجبر قصوره".
والجبر يكون بكثرة الطرق. فإن قيل: "حسن صحيح" فلأمرين:
(الأول) التردّد في الناقل، فيكون حديثه صحيحاً عند قوم وحسناً عند آخرين، فعندئذ يكون ما قيل فيه "صحيح" فوق ما قيل فيه "حسن صحيح".
(الثاني) باعتبار إسنادين: فيكون الحديث صحيحاً بإسناد وحسناً بآخر، وعندئذ يكون ما قيلَ فيهِ: حسنٌ صحيحٌ ؛ فوقَ ما قيلَ فيهِ : صحيحٌ فقطْ. (نزهة النظر: 29).
أصل (159): "الحسن لذاته: هو الحديث الذي في سنده من هو دون رجال الصحيح في الضبط، ولم يتقوّ بكثرة الطرق".
ويحكم به بالصحّة عند تعدّد الطرق. (نزهة النظر: 33).
أصل (160): "الحسن لغيره: هو الحديث الضعيف الذي تقوّى بكثرة الطرق". (نزهة النظر: 34).
أصل (161): "وزِيادةُ راوي الصَّحيحِ والحَسنِ ؛ مقبولةٌ ؛ إذا لم تكن مُنافِيَةً لِروايةِ مَنْ هُو أَوْثَقُ ".
وذلك أنّ الزيادة عندما لا تنافي رواية الأوثق تكون بمنْزلة حديث تفرّد به الراوي، فإن خولف الراوي بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة طرق فالراجح "المحفوظ" ومقابله "الشاذ".
وإن وقعت المخالفة له مع الضعف فالراجح "المعروف" ومقابله "المنكر". (نزهة النظر: 34).
أصل (162): "والفرد النسبي إن وافقه غيره فهو المتابع، وإن وُجد متنٌ يُشبهه فهو الشاهد".
مثال المتابعة ما رواه الشافعي في "الأم" عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: «فإن غُمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» ظنّ قومٌ أنّ الشافعي تفرّد به عن مالك فعدّوه في غرائبه لأنّ أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد وبلفظ «فإن غمّ عليكم فأقدروا له». ولكن تابع الشافعي عبد الله بن سلمى وله شاهد من حديث ابن عباس وأبي هريرة.
وهيئة التوصل إلى المتابعات والشواهد تُسمّى "الاعتبار". (نزهة النظر: 36).
أصل (163): "المقبول إِنْ سَلِمَ مِنَ المُعارَضَةِ فهُوَ المُحْكَمُ".
وإن عورض بمثله وأَمْكَنَ الجَمْعُ ؛ فمُخْتَلِفَ الحَديثِ.
مثله حديث: «لا عَدْوى ولا طِيَرَةَ ، ولا هامَّةَ، ولا صَفَر، ولا غُول» مع حديث: «فِرَّ مِنَ المَجذومِ فِرارَكَ مِن الأسَدِ». و «لا يورد ممرض على مصحّ». وإن تعذّر الجمع وعُرف المتأخر فهو الناسخ والآخر المنسوخ، وإلاّ فالترجيح ثم التوقُّف. (نزهة النظر: 37).
أصل (164): "لا يُعمل بالحديث المردود، والردُّ يكونُ لسقط أو طعن".
(أ) والسقط أقسامٌ منه:
1) المعلّق: وهو الذي يكون السقط من مبادئ السند، من تصرّف مصنّف، فيقول مثلاً: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...» أو "قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم". أو يُحذف السند ويذكر التابعي والصحابي والنبي صلى الله عليه وسلم. والمعلّق الذي في الصحيح إن جاء بصيغة الجزم فالراجح أنّه صحيح وإن كان بصيغة ليس فيها جزم مثل: "يُروى" أو "وفي الباب عن فلان" فلا يحكم بصحة الحديث لأجل ورودِه في كتاب الصحيح.
2) المُرسل: وصورته أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو فُعل بحضرته كذا .. وذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف لاحتماله أن يكون صحابياً أو تابعياً. فإن كان تابعياً فيحتمل أن يكون حمل عن صحابي أو تابعي آخر ... إلخ.
فإن عُرف من عادة التابعي أنّه لا يرسل إلاّ عن ثقة فاختلف فيه:
(الأول) ذهب جمهور المحدّثين إلى التوقف لبقاء الاحتمال وهو رواية عن أحمد.
(الثاني) قول المالكيين والكوفيين: يُقبل مطلقاً، كمراسيل سعيد بن المسيب والنخعيّ.
(الثالث) قول الشافعي: إن اعتضد بمجيئه من وجه آخر يباين الطرق الأولى مسنداً كان أو مرسلاً يُقبل.
3) المُعضَل: وهو الذي سقط من الإسناد اثنان فصاعداً مع التوالي.
4) المُنقطع: وهو الذي سقط من الإسناد اثنان فصاعداً مع عدم التوالي.
5) المدلّس: من الدلس وهو اختلاط الظلام بالنور .. وسمي بذلك لأنّ الراوي لم يسمّ من حدثه وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدّثه بصيغة تحتمل اللقي كعن، مع كون اللّقى ثابتاً بينهما. أي يوهم أنّه سمع من معاصر كان قد لقيه، فإن كان معاصره لم يلقَه فمثله في الردّ ويُسمّى "المرسل الخفيّ"
ولذلك قيل: إنّ السقط من الإسناد قسمان:
(الأول) الواضح: ويُعرف بعدم التلاقي بين الراوي وشيخه لكونه لم يدرك عصره أو أدركه ولم يلقه، ويستفاد من التاريخ الذي فيه تحرير مواليد الرواة ووفياتهم.
(الثاني) الخفيّ: وهو المدلّس والمرسل الخفي ولا يُدركه إلاّ الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد.
(ب) والطعن يكون بصفات تكون في الراوي منها:
1) الكذب: فمن عُرف أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقله متعمّداً فحديثه "موضوعٌ".
2) التُهمة بالكذب: إذا كان لا يُروى ذلك الحديث إلاّ من جهته، وكذا إذا عُرف أنّه يكذِب في حديث الناس، وإن لم يُعرف أنّه يكذب في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اتّهم بالكذب فحديثه "متروك".
3) فحش الغلط: بأن يكون كثير الغلـط، ومن كثُر غلطُهُ فحديثه "مُنكرٌ".
4) الغفلة عن الإتقان: فمن كثُر غفلته فحديثه "مُنكر" كذلك.
5) الفسق: بالقول أو الفعل وبينه وبين الأول "عموم"، وإنّما أُفرد الأول لكون القدح به أشدّ في هذا الفنّ. ومن عُرف بالفسقِ فحديثُه "مُنكرٌ" كذلك.
6) الوَهمُ: فإن اطّلع عليه بالقرائن الدالة على وهم رواية من وصل مُرسل أو منقطع أو إدخال حديث في حديث أو نحو ذلك وتُحصل المعرفة بالتتبُّع وجمع الطرق فهذا هو "المُعلّل".
7) المخالفة: أي مخالفة الثقات: فإن كانت بتغيير سياق الإسناد "فمدرج الإسناد" أو بدمج موقوف بمرفوع "فمدرج المتن" أو بتقديم أو تأخير "فالمقلوب" أو بزيادة راوٍ "فالمزيد في متّصل الأسانيد" أو بإبداله ولا مرجح "فالمضطرب".
8) الجهالة: ولها أسباب:
(الأول) أن الراوي تكثر نعوته فيُذكر بغير ما اشتهر.
(الثاني) أن يكون مقلاًّ فلا يكثر الأخذ عنه.
(الثالث) أو لا يُسمّى اختصاراً ولا يُقبل ولو أُبهم بلفظ التعديل على الأصحّ.
وإن سُمي وانفرد واحدٌ عن الرواية عنه فهو "مجهول العين" أو اثنان فصاعداً ولم يوثق فهو "مجهول الحال" أو "المستور".
9) البدعة: فإن كانت بمكفّر فلا يقبل صاحبها الجمهور، وإن كانت بمفسّق فالأكثر على قبول من لم يكن داعية إذا لم يكن يروي ما يُقوّي بدعته، وإن تُرِكَ يكون التركُ على سبيل الهجران. (الفتاوى: 33/93-95).
10) سوء الحفظ: والمراد من لم يرجح جانب إصابته على جانب خطئه وهو على قسمين:
(الأول) من كان سوء حفظه لازماً فيُسمّى "الشاذ".
(الثاني) من كان سوء حفظه طارئاً إمّا لكبره أو ذهاب بصره أو احتراق كتبه أو عدمها بأن كان يعتمدها. والحكم فيه أنّ ما حدث به قبل الاختلاط إذا تميّز قبل ، وإذا لم يتميّز توقف فيه، ويُعرف ذلك باعتبار الآخذين عنه.
وسيئ الحفظ والمستور والمرسل والمدلّس إذا توبعوا صار حديثهم حسناً لا لذاته بل بالمجموع بشرط أن يكون المتابع مثلهم أو فوقهم.
وقد اختلف العلماء في العمل بالحديث الضعيف والمعتمد عند الأئمة أنّه يعمل به ويروي في فضائل الأعمال والوعظ والمناقب بشروط:
1) أن يكون الضعف غير شديد أي لا يتفرّد به متّهم بالكذب أو من فحش غلطه.
2) أن يندرج تحت أصل معمول به.
3) أن لا يعتقد عند العمل ثبوته بل يُعمل به للاحتياط. (نزهة النظر: 40).
أصل (165) : "خبر الواحد مقدّم على القياس".
أي لا قياس مع النصّ وإن كان النصّ من رواية راوٍ واحدٍ.
هو قول الشافعي وهو الحقّ. وقالت الحنفية: "متى خالف الأصول أو معنى الأصول لم يُقبل". (العُدّة: 3/888). (المسودّة: 239). (روضة الناظر: 1/328).
أصل (166) : "أخبار الآحاد تُقبل في العقائد كما تُقبل في الفروع خلافاً لأهل الكلام ومن تبعهم ...".
لأنّ الصحابة كانوا مأمورين بالتبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفروع والعقائد. «بلِّغوا عنِّي ولو آيةً». - «فليبلغ الشاهد الغائب». (المسودّة: 248). (الرسالة: 401-406).
أصل (167) : "يُقبل خبر الواحد فيما تعمّ به البلوى".
خلافاً للحنفية في إيجابهم التواتر فيما تعمّ به البلوى. والحقّ خلافهم كما هو مذهب الجمهور. والدليل حديث عائشة في وجوب الغسل من غير إنزال، وقبول الصحابة قولها. (المسودّة: 238). (العُدّة: 3/885). (التمهيد: 3/86).
أصل (168) : "التعبد بخبر الواحد له دليلان قاطعان".
(الأول):إجماع الصحابة في وقائع لا تنحصر على قبوله.
= كرجوع أبي بكر رضي الله عنه لقول المغيرة ومحمد بن مسلمة في ميراث الجدّة.
= ورجوع عمر رضي الله عنه إلى قول المذكورين في دية الجنين.
= ورجوع عمر رضي الله عنه إلى قول الضحاك بن سفيان الكلابي في توريث المرأة من دية زوجها.
= وفي رجوعه إلى قول عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من مجوس هجر.
= وفي رجوع عثمان رضي الله عنه إلى قول فريعة بنت مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالسكنى في دار زوجها لما قتل حتى تنقضي عدّتَها.
(الثاني): ما تواتر من إنفاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراءه ورسله وقضاته وسعاته إلى الأطراف لتبليغ الأحكام والقضاء وتبليغ الرسالة. (روضة الناظر: 1/268). (المسودّة: 237). (العُدّة: 3/859).
أصل (169) : "شروط قبول رواية الراوي أربعة".‹‹الإسـلام ¬- التكليف - العدالة - الضبط››.
وتثبت العدالة بأمور:
(1) الاختبار بالمعاملة والمخالطة.
(2) التزكية ممن ثبتت عدالته.
(3) السماع المتواتر عنه.
(4) قضاء القاضي بشهادة شاهد.
(5) أن يروِيَ عنه من لا يروي إلاّ عن عدْل.
(6) أن يعمل عالم بروايته. (روضة الناظر: 1/282). (إرشاد الفحول: 199).
أصل (170) : "إذا تعارض الجرح والتعديل قُدّم الجرح وإن كثر المعدّلون".
هذا إذا كان الجرح مفسّراً وإلّا فإنّ تعديل الأكثرين أو لي منه. (روضة الناظر: 1/296). (المسودّة: 272).
أصل (171): "جهالة الصحابي لا تضرّ لأنّهم كلهم عدول ومراسيلهم مقبولة". (روضة الناظر: 1/300). (المسودّة: 292).
أصل (172) : "ويجوز رواية الحديث بالمعنى للعالم المفرّق بين المحتمل وغير المحتمل". (روضة الناظر: 1/318). (المسودّة: 281). (العُدّة: 3/968).
أصل (173): "إذا روى العدل عن العدل خبراً ثم نسيهُ المرويّ عنه لم يقدح ذلك فيه". (روضة الناظر: 1/313). (العُدّة: 3/959).
أصل (174) : "إذا أسند مرَّة وأرسل أخرى أو وقف مرّة ووصل مرّة قبل المسند والمتّصل". (شرح الكوكب المنير: 2/549-553).
أصل (175) : "إذا تحمّل صغيراً وروى كبيراً أو تحمَّل كافراً أو فاسقاً وروى مسلماً عدلاً قبلت روايته". (المسودّة: 258).
أصل (176) : "لا يشترط في الرواية الذكورية والحرية والبصر بل تُقبل رواية النساء والعبيد والضرير".
قال الإمام أحمد في سماع الضرير: إذا كان يحفظ من المحدّث فلا بأس. (روضة الناظر: 1/292). (المسودّة: 258).
أصل (177) : "اُخْتُلِفَ في كفر جاحد خبرِ الواحد العدل".
والراجح أنّه إذا تأيّد بالإجماع يُفسّق جاحده، وإذا لم يتأيّد لم يُفسّق.
قال ابن تيمية : "ولهذا كان الصواب أنّ من ردّ الخبر الصحيح كما كانت تردّه الصحابة اعتقاداً لغلط الناقل أو كذبه، لاعتقاد الرادّ أن الدليل قد دلّ على أنّ الرسول لا يقول هذا، فإنّ هذا لا يُكفّر ولا يفسّق". (المسودّة: 247).
أصل (178) : "العنعنة تحمل على السماع إذا كان المعنعن ليس بمدلّس". (المسودّة: 247).
أصل (179): "إذا سمِع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز أن يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم".
قال الإمام أحـمد : "أرجو أن لا يكون به بأسٌ". (المسودّة: 282).
أصل (180): "إذا تعارض خبران أحدهما مسند ثابت والآخر مرسل قُدّم المسند". (الفتاوى: 13/17 ، 116).

- (ج) الإجماع

(ج) الإجماع:
أصل (181) : "الإجماع حجّة وشرطه كونه بعد النبي صلى الله عليه وسلم".
والإجماع لغة: الاتّفاق قيقال أجمع القوم على كذا. ويطلق كذلك على العزم المصمّم كما في قوله تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [يونس: 71]..
والإجماع شرعاً: هو اتّفاق علماء العصر من أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم على أمرٍ من أمور الدِّين. ودليله قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
= والحديث: "لا تزال طائفة من أمّتي على الحقّ".
= لا تجتمع أمتي على ضلالة.
وأحاديث الحضّ على لزوم الجماعة وعدم الشذوذ عنها. (روضة الناظر: 1/331). (المسودّة: 315). (العُدّة: 4/1057-1059).
أصل (182) : "لا يشترط التواتر في أهل الإجماع". (المسودّة: 320-323). (شرح الكوكب المنير: 2/252).
أصل (183) : "لا خلاف في اعتبار علماء العصر من أهل الاجتهاد في الإجماع وأنهّ لا يعتدّ بقول الصبيان والمجانين. وكذلك لا يعتدّ بأقوال العامّة كما عليه الأكثر ون". (روضة الناظر: 1/347). (شرح الكوكب المنير: 2/224-225).
أصل (184): "ولا يعتدّ بقول العالم علماً لا يؤثر في الأحكام الشرعية كعلم الكلام واللغة والنحو والحساب في الإجماع، لأنّه بالنسبة إلى الأحكام الشرعية عاميّ. وكذلك الأصوليّ الذي لا يعرف تفاصيل الفروع والفقه والحافظ لأحكام الفروع من غير معرفة الأصول على الأصحّ". (روضة الناظر: 1/350). (شرح الكوكب المنير: 2/225).
أصل (185) : "ولا يُعتبر في الإجماع بقول الكافر".
أما الفاسق باعتقاد أو قول أو فعل فالراجح أنّه لا يُعتدّ بقوله لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي: عدولاً، وليس بعدلٍ. (روضة الناظر: 1/353). (شرح الكوكب المنير: 2/227-228).
أصل (186) : "إذا بلغ التابعيّ رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة يُعتدّ به في الإجماع عند الجمهور وهو الراجح". (روضة الناظر: 1/355). (شرح الكوكب المنير: 2/233).
أصل (187) : "قول الأكثرين ليس إجماعاً".
هذا قول الجمهور وحجّتهم أنّ العصمة للكلّ لا للبعض. (روضة الناظر: 1/358). (العُدّة: 4/1119). (التمهيد: 3/261).
أصل (188) : "إجماع أهل المدينة ليس بحجّة".
هذا قول الجمهور وحجّتهم واضحة لأنّهم بعض الأمة والمعتبر إجماع الأمّة كلها. ورأى الإمام مالك: أنّه حجّة بشرطين:
(الأول): أن يكون فيما لا مجال للرأي فيه.
(الثاني): أن يكون من الصحابة أو التابعين لا غير ذلك، لأنّ قول الصحابيّ فيما لا مجال للرأي فيه في حكم المرفوع.
فألحق بِهم الإمام مالك التابعين من أهل المدينة لتعلّمهم من الصحابة. (روضة الناظر: 1/363). (شرح الكوكب المنير: 237).
أصل (189) : "اتّفاق الخلفاء الأربعة حجةٌ وليس بإجماع".
هذا قول الجمهور وهو الأظهر.
وقول الإمام أحمد: "لا يخرج عن قولهم إلى قول غيرهم" لا يدلّ على أنّ قولهم إجماعٌ، لأنّ الدليل قد يكون حُجّة وليس بإجماع. (روضة الناظر: 1/365). (شرح الكوكب المنير: 239).
أصل (190) : "لا يشترط انقراض العصر في الإجماع".
هذا قول الجمهور أنّ الأمة إذا اتّفقت كلمتها ولو في لحظة واحدة انعقد الإجماع. وظاهر كلام أحـمد أنّ انقراض العصر شرط في صحة الإجماع. وقد ذكر أنّ أمّ الولد كان حكمها حكم الأَمّة بإجماع ثم اعتقهنّ عمر وخالفه عليّ بعد موته.
وحدُّ الخمر كان في زمن أبي بكر رضي الله عنه أربعين ثم جلد عمر ثمانين ثم جلد عليّ أربعين. (المسودّة: 320-323). (العُدّة: 4/1095-1105). (التمهيد: 3/346-357).
أصل (191) : "إجماع أهل كل عصر حُجة".
هذا قول الجمهور وخالف الظاهرية في إجماع غير الصحابة وأومأ إليه أحمد. (العُدّة: 4/1090). (المسودّة: 317).
أصل (192) : "إذا اختلف الصحابة ثم اتّفقوا على أمرٍ كان إجماعاً".
كاختلافهم ثم اتّفاقهم على إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وغير الصحابة من أهل كل عصرٍ كذلك عند الجمهور. (المسودّة: 324).
أصل (193) : "إذا اختلف الصحابة على قولين وأجمع التابعون على أحدهما فقد اختلف في كونه إجماعاً".
قال أبو الخطاب وبعض الحنفية: يكون إجماعاً لأنّه اتّفاق من جميع أهل العصر.
وقال القاضي وبعض الشافعية: لا يكون إجماعاً لأنّ الذين ماتوا وهم مخالفون لا يسقط قولهم بموتهم. (العُدّة: 4/1105). (روضة الناظر: 1/376). (المسودّة: 325).
أصل (194) : "إذا اختلف الصحابة في قولين لا يجوز إحداث قول ثالث إذا كان خارقاً للإجماع".
مثال ذلك: أنّ الصحابة اختلفوا في ميراث الجدّ مع الأخّ. فقال بعضهم الجدّ أبٌ يحجب الأخ. وقال بعضهم يرثان معاً. فقد أجمعوا على أنّ للجدّ نصيباً، فالقول بحجب الأخ كان خارقاً للإجماع بإحداث قولٍ ثالث.
ولكن قد يكون القول الثالث غير خارق للإجماع ومثاله.
اختلاف العلماء في فسخ النكاح بالعيوب المعروفة فمن قائل يفسخ بكلّها، ومن قائل لا يفسخ بشيء منها، فلو أُحدِثَ قولٌ ثالث بالفسخ ببعضها دون البعض لم يكن خارقاً لموافقته لكل مذهب في البعض. (العُدّة: 4/1113). (روضة الناظر: 1/377). (المسودّة: 326).
أصل (195) : "الإجماع السكوتي إجماعٌ في بعض حالاته".
المراد بالإجماع السكوتي هو أن يقول بعض الصحابة قولاً في تكليف فانتشر في بقية الصحابة فسكتوا. وله حالاتٌ ثلاث:
(الأولى): أن يُعلم من قرينة حال الساكتين أنّهم راضون بذلك فيكون الإجماع السكوتي إجماعاً في هذه الحالة.
(الثانية): أن يُعلم من قرينة حالهم أنّهم ساخطون فليس بإجماع في هذه الحالة.
(الثالثة): ألاّ يُعلم منهم رضىً ولا سخطٌ ففيه ثلاث أقوال:
(الأول): مذهب الجمهور أنّه إجماع ظنيّ.
(الثاني): أنّه حجةٌ لا إجماع.
(الثالث):ليس بحجّة ولا إجماع. (العُدّة: 4/1170-1175). (روضة الناظر: 1/381).
أصل (196) : "اختلفوا في مستند الإجماع هل يصحّ أن يكون عن اجتهاد وقياس".
والراجح أنه جائزٌ وواقعٌ كالإجماع على تحريم شحم الخنْزير قياساً على لحمه، وتحريم القضاء في حالة الجوع والعطش قياساً على الغضب. (روضة الناظر: 1/385). (المسودّة: 330).
أصل (197) : "إذا انعقد الإجماع عن اجتهاد لم تجُز مخالفته".(المسودّة: 328). (التمهيد: 3/293).
أصل (198) : "الإجماع ينقسم إلى مقطوع ومظنون". (روضة الناظر: 1/386).
أصل (199) : "الأخذ بأقلّ ما قيل ليس تمسكاً بالإجماع ".
مثاله: الاختلاف في دية الكتابيّ: قيل: كدية المسلم. وقيل: نصفها. وقيل: ثلثها. فالتمسك بالثلث ليس بإجماع والدليل جواز مخالفته. (روضة الناظر: 1/388). (شرح الكوكب المنير: 2/257). (المسودّة: 490).
أصل (200) : "لا يجوز أن تجتمع الأمة على خطأ".
وخالف في ذلك "إبراهيم النظام" وطائفة من المرجئة والرافضة. (التمهيد: 3/293).
أصل (201) : "مخالفة الواحد لا يمنع انعقاد الإجماع. وقيل: يمنع. وقيل: إن سوّغتْ الجماعةُ للواحدِ في ذلك اُعتُدَّ به، وإن أنكرتْ الجماعةُ على الواحدِ لم يُعتدّ بخلافهِ". (المسودّة: 329). (العُدّة: 4/1117).
أصل (202) : "إذا اختلف الصحابة على قولين يُنظر إلى أقرب القولين إلى الكتاب والسنّة". (العُدّة: 4/1208).
أصل (203) : "إجماع أهل البيت لا يكون حجة على غيرهم خلافاً للشيعة". (المسودّة: 333). (التمهيد: 3/277).
أصل (204) : "إذا اتّفق أهل الإجماع على قولٍ، ولم يصدر منهم فيه قولٌ ففعلهم حجّة وإجماع". (المسودّة: 334).
أصل (205) : "قول الخلفاء الأربعة لا يقدّم على قول غيرهم من الصحابة، هذا قول بعض العلماء". وقيل يقدّم.
والحقّ تقديم الأقرب إلى الأدلّة. (المسودّة: 340).
أصل (206): "إذا عقد بعض الخلفاء الأربعة لم يجز لمن بعده من الخلفاء فسخه ولا نقضه"
مثل ما عقد عمر من صلح بني تغلب ومن خراج السواد والجزية.
والتحقيق أنّ ذلك كذلك إذا لم تتغيّر الأحوال والمصالح عما كانت عند العقد .. فإن تغيّرت كان لخليفة العصر نقض ذلك، لأنّ المصالح تختلف باختلاف الأزمنة. (التمهيد: 3/283). (المسودّة: 341).
أصل (207) : "الإجماع لا يكون ناسخاً ولا منسوخاً".
لا يكون ناسخاً لأنّه لا يقع إلاّ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا لا ينسخ قرآناً ولا سنّةً .. وكذلك لا ينسخ إجماعاً لأنّه لو صحّ ذلك لذهبت حجيّة الإجماع بكون الإجماع الأول باطلاً. ولا يكون منسوخاً لعدم تجدّد شرعٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قول بعض العلماء في بعض المسائل: هذا منسوخ بإجماع العلماء على كذا وكذا فمرادهم هو النص الذي استند إليه ذلك الإجماع. (المسودّة: 224). (التمهيد: 2/388).
أصل (208) : "من خالف حكماً مجمعاً عليه إجماعاً قطعياً يكفّر بعد البيان وإقامة الحجّة".
وهذا قول من قال: "إنّ الإجماع حجة قطعية" وهو الصواب. وخالف ذلك من قال: "إنّه ليس حجّة قطعية". (المسودّة: 344). (شرح الكوكب المنير: 2/262).
أصل (209) : "لا يجوز إثبات الإجماع بخبر الواحد لأنّ الإجماع دليل قطعيٌّ، وخبر الواحد دليل ظنيٌّ فلا يُثبت قطعياًّ". (المسودّة: 344). (شرح الكوكب المنير: 2/224).
أصل (210) : "إذا نقل عالم الإجماع ونقل آخر النّزاع فالأول نافٍ للخلاف، والثاني مثبت له، والمثبت مقدّم على النافي". (الفتاوى : 19/271-272).

(5) أصول غير مستقلّة

(5) أصول غير مستقلّة
(أ) قول الصحابيّ :
أصل (211): "قول الصحابيّ حجّة إن كان مما لا مجال للرأي فيه".
لأنّه في هذه الحالة في حكم المرفوع كما تقرّر في علم الحديث فيقدّم على القياس ويخصّ به النصّ وذلك إن لم يُعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات.
وإن كان مما للرأي فيه مجالٌ فإن انتشر في الصحابة ولم يظهر له مخالف فهو الإجماع السكوتي، وهو حجّة ظنية عند الأكثر، وإن عُلم له مخالف من الصحابة فلا يجوز العمل بقول أحدهم إلاّ بترجيحٍ بالنظر في الأدلّة.
وإن لم ينتشر فقيل: حجّة على التابعيّ ومن بعده لحضوره التنْزيل ومشاهدته لقرائن الأحوال.
وقيل: ليس بحجّة على المجتهد التابعيّ لأنّ كليهما مجتهد يجوز في حقّه أن يخطئ وأن يصيب. (المسودّة: 336). (شرح الكوكب المنير: 4/424).
أصل (212): "قول الصحابيّ الذي ليس له حكم الرفع ليس بحجّة على مجتهد آخر من الصحابة إجماعاً".
فليس للمجتهد العارف بالدليل أن يترك ما ظهر له من الأدلّة إلى قول غيره، ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين›› [الترمذي وأبو داود].
وقوله: ‹‹اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر›› [الترمذي وغيره].
وقد كان الخلفاء يشاورون الصحابة ويرجعون عن رأيهم لرأي غيرهم.
قال أبو حنيفة: "إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقاة أخذنا به، فإذا جاء عن الصحابة لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمناهم".
وقال الشافعيّ: "ومن أدركنا ممن يُرضى أو حُكِي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنّة إلى قولهم إن أجمعوا وقول بعضهم إن تفرّقوا بهذا نقولُ ولم نخرج من أقاويلهم، وإن قال واحدٌ منهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله، فإنّهم فوقنا في كل علمٍ واجتهاد وورع وعدل وأمرٍ استُدرك به علم أو استُنبط به قياس وآراؤهم لنا أحمد وأولى من اتّباعنا لأنفسنا".
وقال أحـمد بن حنبل: "ما أجبتُ في مسألةٍ إلاّ بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدتُ في ذلك السبيل إليه أو عن الصحابة أو عن التابعين، فإذا وجدتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعدِلْ إلى غيره. فإذا لم أجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، فإذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر فالأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فعن التابعين وعن تابعي التابعين. وما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ بعملٍ له ثوابٌ إلاّ عملتُ به رجاء ذلك الثواب ولو مرّة واحدة". (شرح الكوكب المنير: 4/422). (المسودّة: 336).

- (ب) الاستصحاب

(ب) الاستصحاب:
أصل (213): "استصحاب العدم الأصلي حجة حتى يرد دليلٌ".
وذلك أنّ الأصل براءة الذمة من التكليف قبل الخطاب.
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: 115].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22].
وقال تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 23]
وقال تعالى: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [البقرة: 275]. (الفتاوى: 11/34 ، 23/15 ، 29/166). (العُدّة: 1/73). (المسودّة: 488).
أصل (214): "يجب استصحاب الدليل الشرعي".
كاستصحاب النصّ حتى يرِد الناسخ، والعموم حتى يرِد المخصّص، ودوام الملك حتى يثبت انتقاله. ودليل ذلك مفهوم مما تقدم. (شرح الكوكب المنير: 4/405). (أعلام الموقّعين: 1/316).
أصل (215): "اليقين لا يزول بالشكّ".
مثاله: لما كان الأصل في الذبائح التحريم وشكّ هل وجد الشرط المبيح أم لا بقي الصيد على أصله لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تأكله، فإنّك لا تدري الماء قتله أم سهمك". [متّفق عليه].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا تأكل، فإنّك لا تدري أيهما قتله". [متّفق عليه].
ولما كان الأصل بقاء المتطهّر على طهارته لم يأمره بالوضوء مع الشكّ كما في الحديث: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". [متّفق عليه]. (شرح الكوكب المنير: 4/405). (أعلام الموقّعين: 1/316).
أصل (216): "العبادات مبناها على الأمر، والمعاملات مبناها على النهي".
أي أنّ العبادات توقيفية، ولا يجوز إحداثها بغير أمر إيجاب أو استحباب لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ". أي مردود. والحديث متّفق على صحّته.
وقال في المعاملات والعادات: "أنتم أعلم بأمر دنياكم".
وقال: "وما نهيتكم عنه فاجتنبوا". (الفتاوى: 4/196). (الموافقات: 2/585-589).
أصل (217): "المشكوك فيه على ثلاثة أضرب".
(الأول) ما أصله الحظر كالذبيحة في بلدٍ أهلها مشركون أو خليط من المسلمين والمشركين، فيبقى على التحريم.
(الثاني) ما أصله الإباحة، كالماء يُشكّ في طهارته فيبقى على إباحة شربه والتطهّر منه.
(الثالث) ما لا يعرف أصله فالورع تركه كما في الحديث: "لولا أنّي أخشى أنّها من الصدقة لأكلتها". (المغني: 4/297).
أصل (218): "الأصل في الأعيان الطهارة". (المغني: 4/297).
أصل (219): "الأصل في الأبضاع والذبائح التحريم".
لأنّ الله تعالى أحلّ ذلك بشروط فقال: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ [النساء: 25]. وفي الحديث: "لا نكاح إلاّ بوليّ وشاهدي عدلٍ".
وقال تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ [الأنعام: 121]. (الفتاوى: 32/190).
أصل (220): اختلف في استصحاب حال الإجماع في محلّ النّزاع.
ومثاله: القول بأنّ المتيمّم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة يستمرّ في صلاته لأنّ الإجماع منعقدٌ على صحة صلاة المتيمّم ودوامه فيها، فنحن نستصحب ذلك إلى ورود الدليل الصارف عنه.
وقد ذهب الإمام ابن القيم وغيره إلى أن استصحاب حال الإجماع في محلّ النّزاع حجّة. وذهب الأكثرون إلى أنّه ليس بحجّة. (العُدّة: 4/1265). (التمهيد: 4/255-256). (أعلام الموقّعين: 1/320).
أصل (221): "الاستصحاب حجّة عند عدم الدليل"
هو مذهب الأكثرين من أصحاب مالك والشافعيّ وأحـمد والظاهرية. (شرح الكوكب المنير: 4/403). (الفتاوى: 11/342).
أصل (222): "النافي للحكم يلزمه الدليل".
اختُلف فيمن نفى حكماً كأن يقول ليس الأمر الفلاني بكذا، هل يكفيه مجرّد النفي. بناءً على أنّه الأصل حتى يرد دليل الوجوب، أو يكلّف بالدليل على ما ادّعاه من النفي.
والصحيح أنّ النافي للحكم يلزمه الدليل على ما ادّعاه لقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 111]. ولأنّ الاستصحاب هو عدم العلم بالدليل وليس علماً بعدم الدليل. (العُدّة: 4/1270).

- (ز) الاستقراء

(ز) الاستقراء:
أصل (237): "الاستقراء قسمان: تامٌ وناقصٌ".
الاستقراء هو تتبع الحكم في جزئياته وهو عكس القياس. والاستقراء التام هو: إثبات حكمٍ في جُزئيّ لثبوته في الكليّ ويكون بتصفح جميع الجزئيات وهو قطعيّ عند الأكثر.
والاستقراء الناقص هو: إلحاق الفرد بالأعمّ الأغلب من غير أن تتبيّن العلّة المؤثرة في الحكم وهو ظنّيٌّ. (شرح الكوكب المنير: 4/417-419)

- (د) الاستحسان

(د) الاستحسان:
أصل (225): "الاستحسان هو العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من كتاب أو سنة". (التمهيد: 4/90-97). (المسودّة: 451). (شرح الكوكب المنير: 4/431).
أصل (226): "الاستحسان المنكر هو القول بما يقع في الوهم من استحسان الشيء أو استقباحه من غير حجّة". وهذا هو الاستحسان الذي أنكره العلماء.
وقال فيه الإمام الشافعيّ: "من استحسن فقد شرع".
وقال أيضاً في "الرسالة": "الاستحسان تلذذ ولو جاز لأحد الاستحسان في الدِّين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم، ولجاز أن يشرّع في الدِّين في كل باب، وأن يُخرج كل أحدٍ لنفسه شرعاً". (الرسالة: 503-508). (التمهيد: 4/90-97). (المسودّة: 451).

- (أ) قول الصحابي

(5) أصول غير مستقلّة
(أ) قول الصحابيّ :
أصل (211): "قول الصحابيّ حجّة إن كان مما لا مجال للرأي فيه".
لأنّه في هذه الحالة في حكم المرفوع كما تقرّر في علم الحديث فيقدّم على القياس ويخصّ به النصّ وذلك إن لم يُعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات.
وإن كان مما للرأي فيه مجالٌ فإن انتشر في الصحابة ولم يظهر له مخالف فهو الإجماع السكوتي، وهو حجّة ظنية عند الأكثر، وإن عُلم له مخالف من الصحابة فلا يجوز العمل بقول أحدهم إلاّ بترجيحٍ بالنظر في الأدلّة.
وإن لم ينتشر فقيل: حجّة على التابعيّ ومن بعده لحضوره التنْزيل ومشاهدته لقرائن الأحوال.
وقيل: ليس بحجّة على المجتهد التابعيّ لأنّ كليهما مجتهد يجوز في حقّه أن يخطئ وأن يصيب. (المسودّة: 336). (شرح الكوكب المنير: 4/424).
أصل (212): "قول الصحابيّ الذي ليس له حكم الرفع ليس بحجّة على مجتهد آخر من الصحابة إجماعاً".
فليس للمجتهد العارف بالدليل أن يترك ما ظهر له من الأدلّة إلى قول غيره، ولا يعارض ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين›› [الترمذي وأبو داود].
وقوله: ‹‹اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر›› [الترمذي وغيره].
وقد كان الخلفاء يشاورون الصحابة ويرجعون عن رأيهم لرأي غيرهم.
قال أبو حنيفة: "إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقاة أخذنا به، فإذا جاء عن الصحابة لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمناهم".
وقال الشافعيّ: "ومن أدركنا ممن يُرضى أو حُكِي لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنّة إلى قولهم إن أجمعوا وقول بعضهم إن تفرّقوا بهذا نقولُ ولم نخرج من أقاويلهم، وإن قال واحدٌ منهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله، فإنّهم فوقنا في كل علمٍ واجتهاد وورع وعدل وأمرٍ استُدرك به علم أو استُنبط به قياس وآراؤهم لنا أحمد وأولى من اتّباعنا لأنفسنا".
وقال أحـمد بن حنبل: "ما أجبتُ في مسألةٍ إلاّ بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدتُ في ذلك السبيل إليه أو عن الصحابة أو عن التابعين، فإذا وجدتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعدِلْ إلى غيره. فإذا لم أجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين، فإذا لم أجد عن الخلفاء فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر فالأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم أجد فعن التابعين وعن تابعي التابعين. وما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثٌ بعملٍ له ثوابٌ إلاّ عملتُ به رجاء ذلك الثواب ولو مرّة واحدة". (شرح الكوكب المنير: 4/422). (المسودّة: 336).

- (ج) شرع من قبلنا

(ج) شرع من قبلنا:
أصل (223): "كون شرع من قبلنا شرعاً لنا يحتاج إلى تفصيل".
أنّ ما يقال أنّه شرعُ من قبلنا له أقسامٌ ثلاثة:
(الأول): ما ثبت بشرعنا أنّه كان شرعاً لمن قبلنا ثم ثبت بشرعنا أنّه شرعٌ لنا، كالقصاص فإنّه يكون شرعاً لنا إجماعاً.
قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...﴾ [المائدة: 45].
وقال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ...﴾ [البقرة: 178].
(الثاني): ما لم يثبت بشرعنا أصلاً كالمأخوذ من الإسرائيليات أو ثبت بشرعنا أنّه كان شرعاً لهم وصُرِحَ في شرعنا بنسخه كالإصر والأغلال التي كانت عليهم كما جاء في القرآن: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157].
فهاتان الحالتان لا يكون شرع من قبلنا شرعاً لنا إجماعاً.
(الثالث): ما ثبت بشرعنا أنّه كان شرعاً لمن قبلنا ولم يُصرَح بنسخه في شرعنا، فهذا الذي فيه اختلاف، والجمهور على أنّه شرعٌ لنا، ومشهور مذهب الشافعيّ على أنّه ليس شرعاً لنا واستدلّ بقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]. وحمل رحمه الله "الهُدى" في قوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90]. و "الدِّين" في قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ [الشورى: 13]. على خصوص التوحيد دون فروعه.
وحجّة الجمهور أنّه ما ذُكر ذلك إلاّ لنعمل به سواءً أكان شرعاً لمن قبلنا أم لا، مع أنّ الله صرح بأنّ الحكمة في قصّ أخبارهم إنّما هي الاعتبار بأحوالهم: قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [يوسف: 111].
واستدلُّوا بقوله تعالى: ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90].
ودلّت النصوص على شمول الهدى والدِّين للأمور العلمية والعملية.
وفي صحيح البخاري عن مجاهد أنّه سأل ابن عباس من أين أُخِذَتْ السجدة في (ص)؟ أو ما تقرأ ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ﴾ حتى بلغ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ﴾ [الأنعام: 90]. فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. (العُدّة: 3/753). (المسودّة:193). (التمهيد: 2/411-425). (مذكرة أصول الفقه: 289).
أصل (224): "اختلفوا في كون النبي صلى الله عليه وسلم متعبّداً بشريعة من قبله".
أما قبل البعثة فلا تتعلّق بذلك فائدة، كما لا تتعلّق بمعرفة الاختلاف والأقوال المتعارضة.
قال الشوكاني: وأقرب هذه الأقوال قول من قال: إنّه كان متعبّداً بشريعة إبراهيم عليه السلام. وقال: فلو قدرنا أنّه كان على شريعة قبل البعثة لم يكن إلاّ عليها. أما البعثة فالراجح أنّه كان متعبّداً بشرع من قبله من الرسل إذا ثبت ذلك عنده.
وصحّ من حديث ابن عباس: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدلُ شعره، وكان رسول الله يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه شيءٌ، ثم فرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه". (إرشاد الفحول: 779). (العُدّة: 3/765).

- (و) تحكيم العُرف

(و) تحكيم العرف:
أصل (236): "المراد بالعُرف ما عرفه العقلاء بأنّه حسنٌ وأقرّهم الشرع عليه".
وكثر لفظ "المعروف" في الكتاب والسنّة كقوله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]. والحديث: "خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف".
وهذا يُفيد الفقيه في تحديد بعض الأمور كالنفقة ومهر المثل وغير ذلك، ولذلك قالوا: "العادة مُحكّمة".
وفي الحديث: "ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسنٌ". [أحمد والبيهقي والطبراني]. (شرح الكوكب المنير: 4/844). (الأشباه والنظائر: 99).

- (ﻫ) المصلحة المرسلة

(ﻫ) المصلحة المرسلة:
أصل (227): "المصلحة هي ما يجلب النفع، والمفسدة ما يجلب المضرّة".
والمصالح درجات فمنها: الضرورية والحاجية والتحسينية.
والمفاسد درجات فمنها: ما يفسد الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات.
ويجوز القول بأنّ المصلحة هي جلب المنفعة أو دفع المضرّة. (الموافقات: 2/324 وما بعدها). (روضة الناظر: 2/293-294).
أصل (228): "تُقسم المصالح من حيث اعتبار الشارع لها إلى ثلاثة أقسام: معتبرة وملغاة ومرسلة". (الموافقات: 2/351).
أصل (229) : "المصالح المعتبرة : هي التي اعتبرها الشارع بأن شرع لها الأحكام الموصلة إليها".
مثال ذلك: حفظ الدِّين والنفس والعقل والنسب والعرض والمال. وعلى أساس ذلك جاء دليل القياس، فكل واقعة لم ينصّ الشارع على حكمها وهي تساوي واقعة أخرى ورد نصّ على حكمها في علّة هذا الحكم فإنّها تأخذ نفس الحكم المنصوص عليه. (الموافقات: 2/352).
أصل (230): "المصالح الملغاة : هي التي ليس لها شاهد اعتبار من الشرع، بل شهد الشرع بردّها وجعلها ملغاةً".
وهذا النوع من المصالح مردود ولا سبيل إلى قبوله. مثال ذلك:
= التسوية بين الذكور والإناث في الإرث.
= الابتعاد عن العمل بأحكام القرآن لكسب رضى الدول الكافرة الغنية.
= ترك البراءة من أهل الشرك لمصلحة الدعوة.
= الانتساب إلى المذاهب الكفرية لابتغاء العزّة من الكفّار.
= ترك الدعوة والجهاد لأجل القيام بمصالح الأهل والقرابة.
= تولّى المرأة للمناصب الدولية واختلاطها بالأجانب وتبرّجها لتحقيق ما يُسمَّى بـ"حريّة المرأة أو توفير الإنتاج ". (الموافقات: 2/351).
أصل (231) : "المصالح المرسلة : هي المصالح التي لم يأت من الشرع ما يدلّ على اعتبارها أو على إلغائها في علم المجتهد".
وسُميت "مصالح" لأنّها تجلب نفعاً أو تدفع ضرراً. وهي "مُرسلة" لأنّها مطلقة عن اعتبار الشارع أو إلغائه.
فهي من الوقائع المسكوت عنها وليست لها نظيرٌ منصوص على حكمه يمكن أن نقيس عليه، وفيها وصفٌ مناسبٌ لتشريع حكم معيّن من شأنه أن يحقّق منفعة أو يدفع مفسدة.
مثالها: جمع القرآن، تولية عمر للخلافة، قتل الجماعة بالواحد، اتّخاذ السجون، وضع الخرّاج، تدوين الدواوين، منع الصحابة من مغادرة "المدينة"، تولية المفضول مع وجود الفاضل، منع عمر التزوّج بالكتابيات، إمضاؤه للطلاق الثلاث بلفظ واحد. (الفتاوى: 11/342).
أصل (232) : "للمصلحة المرسلة ضوابطٌ تحكمها". وهي:
(1) اندراجها في مقاصد الشرع.
(2) عدم معارضتها للكتاب والسنّة.
(3) عدم معارضتها للقياس الصحيح.
(4) عدم تفويتها لمصلحةٍ أهمّ منها أو مساوية لها. (هامش إرشاد الفحول: 791). (شرح تنقيح الفصول: 445).
أصل (233): "مجال العمل بالمصلحة المرسلة هو في نطاق المعاملات دون العقائد والعبادات". لأنّ الزيادة في العقائد والعبادات ابتداعٌ في الدِّين ولا يقرّه الشرع.
أصل (234): "ما اعتقد العقل مصلحةً وإن كان الشرع لم يرِد به فأحد الأمرين لازمٌ له: إمّا أنّ الشرع دلّ عليه من حيث لم يعلم الناظر أو أنّه ليس بمصلحة وإن اعتقده مصلحة".
وقد دلّ القرآن على أنّ الناس يتوهّمون أن الشيء ينفع لأجل ما فيه من منفعة مرجوحة بالمضرّة كما قال تعالى في الخمر والميسر: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219]. وهذا يفيدنا :
(أولاً) في معرفة أنّ ما يقوله الفقيه أنّه "مصلحة مرسلة" يجب أن لا يعارض الكتاب والسنّة والإجماع والقياس الصحيح، وأن لا يفوّت مصلحة أهمّ منه.
(ثانياً) في أن لا نقبل كل ما يحدثه العُبّاد ويرونه "مصلحةً" في الدِّين ما لم يشهد لصحته دليلٌ من الشريعة. (الفتاوى: 11/344-345).
أصل (235) : "درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المنافع".
وليس للمسلم أن يُقدّم في جلب منفعةٍ إذا كانت لا تنال إلاّ بالوقوع في مفسدة وإثم.
قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة: 219]. (شرح الكوكب المنير: 4/447).

- (أ) أركان القياس

(أ) أركان القياس:
أصل (298) : "أركان القياس أربعةٌ: الأصل والحكم والفرع والعلّة".(إرشاد الفحول: 677). (روضة الناظر: 2/303).
أصل (299) : و"الأصل": هو المحلّ الذي ثبت له الحكم نصّاً.
وله شرطان :
1) أن يكون ثابتاً بنصٍّ
2) أن يكون الحكم معقول المعنى. (إرشاد الفحول: 678). (شرح الكوكب المنير: 4/14).
أصل (300) : و"الحكم: هو الأثر الثابت بالخطاب من وجوب أو تحريم أو ندب أو كراهة أو إباحة". وله شروط:
1- أن يكون الحكم شرعياً.
2- أن يكون ثابتاً بالكتاب والسنة.
3- أن لا يكون منسوخاً. (إرشاد الفحول: 678). (روضة الناظر: 2/310).
أصل (301) : و"الفرع: هو المحلّ الذي لم يثبت له الحكم نصّاً وقُصد إلحاقه بالأصل". وله شروط:
1- أن توجد علّة الأصل فيه بتمامها.
2- أن لا يكون منصوصاً عليه.
3- أن لا يكون دليل الأصل شاملاً عليه. (روضة الناظر: 2/313). (إرشاد الفحول: 699).
أصل (302) : "العلّة هي مناط الحكم أي أنّها مكان نَوْطِهِ أي تعليقه".
وسُميت "علّة" لأنّها أثرت في المحلّ كعلّة المريض. (إرشاد الفحول: 685). (روضة الناظر: 2/229).

- (أ) المنطوق

(9) المنطوق والمفهوم:
(أ) المنطوق:
أصل (288): "‹‹المنطوق››: ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق. و‹‹المفهوم››: ما دلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق".
وقيل المفهوم: ما يقتبس من الألفاظ من فحواها وإشارتها لا من صيغتها. (شرح الكوكب المنير: 3/473). (إرشاد الفحول: 587).
أصل (289): "المنطوق ينقسم إلى صريح وغير صريح".
فالصريح: هو ما وضع اللفظ له كقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ دلّ على إباحة البيع وتحريم الربا.
وغير الصريح: هو المعنى الذي يلزم من اللفظ ودلّ عليه اللفظ في غير ما وضع له.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1) دلالة الاقتضاء.
2) دلالة الإشارة.
3) دلالة الإيماء والتنبيه. (شرح الكوكب المنير: 3/473). (إرشاد الفحول: 587).
أصل (290) : "دلالة الاقتضاء لا تكون أبداً إلاّ على محذوف دلّ المقام عليه، ولا مفرّ من تقريره لعدم استقامة الكلام دونه لتوقف الصدق أو الصحة عليه".
مثال: قوله صلى الله عليه وسلم: لذي اليدين ‹‹كل ذلك لم يكن›› أي في ظنّي، لأنّه دون ذلك المحذوف يكون كذباً.
وكقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:184] أي فمن كان منكم مريضاً أو على سفر (فأفطر) فعدةٌ من أيام أُخر.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196]. أي فحلق شعره. (روضة الناظر: 2/198). (شرح الكوكب المنير: 3/474).
أصل (291) : "دلالة الإشارة هي دلالة اللفظ على معين ليس مقصوداً باللفظ في الأصل ولكنه لازم للمقصود".
مثال: قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187]. يدلّ على صحة صوم من أصبح جنباً.
وقوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: 15]. مع قوله تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: 14]. يدلّ على أنّ أقلّ أمد الحمل ستة أشهر. (إرشاد الفحول: 588). (شرح الكوكب المنير: 3/474).
أصل (292) : "دلالة الإيماء والتنبيه لا تكون إلاّ على علّة الحكم خاصة".
وضابطه أن يُذكر وصفٌ مقترن بحكم في نص من نصوص الشرع على وجه لو لم يكن ذلك الوصف علّة لذلك الحكم لكان الكلام معيباً. (روضة الناظر: 2/199). (شرح الكوكب المنير: 3/475).
مثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: للأعرابي الذي قال له "هلكتُ، واقعتُ أهلي في نهار رمضان" ‹‹اعتق رقبة››. [البخاري].

- (أ) العام

(7) العموم والتخصيص
(أ) العام:
أصل (255): "العموم من صفات الألفاظ وهو كلام مستغرقٌ لجميع ما يصلح له".
مثل: ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 2]. لفظ ﴿الإِنْسَانَ﴾ يعمّ جنس الإنسان. (روضة الناظر: 2/118). (إرشاد الفحول: 391).
أصل (256): "ألفاظ العُمومِ خمسة أقسام".
(الأول): اسم عُرِّفَ بالألف واللاّم.
(الثاني): أدوات الشرط كـ"مَنْ" فيمن يعقل و"ما" فيما لا يعقل و"أيّ" في الجميع و"أين" في المكان، و"أيان" و "متى" في الزمان، إلى آخره.
مثل: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾[القصص: 84]. ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[البقرة: 273]
(الثالث): المضاف إلى معرفة: مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: 18].
(الرابع): كلّ وجميع:كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران:185]. و ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الرعد: 16].
(الخامس): النكرة في سياق النفي تُفيد العموم. كقوله تعالى: ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ﴾ [الأنعام: 101]. و ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ﴾ [البقرة: 255] (روضة الناظر: 2/123). (إرشاد الفحول: 398).
أصل (257): "النكرة في سياق النفي تكون نصّاً صريحاً في العموم في ثلاث مسائل":
(الأولى): المركبة مع (لا) النافية للجنس نحو: ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: 2]
(الثاني): التي زيدت فيها "من" في ثلاث مواضع:
1- الفاعل مثل: ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ﴾ [القصص: 46].
2- المفعول مثل: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ﴾ [الأنبياء: 25].
3- والمبتدأ مثل: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاّ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [المائدة: 73].
(الثالث): الملازمة للنفي: كالعريب والصافر والدابر والديار. (المسودّة: 103). (شرح الكوكب المنير: 3/136).
أصل (258): "من صيغ العموم: النكرة في سياق الشرط والنهي والامتنان".
مثل: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ﴾ [التوبة: 6].
و "النكرة في سياق النهي". مثل: ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ [الإنسان: 24].
و "النكرة في سياق الامتنان".مثل: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48].
وربّما أفادت النكرة في سياق الإثبات العموم بمجرّد دلالة السياق كقوله تعالى: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ [التكوير:14]. ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ [الانفطار:5]. (شرح الكوكب المنير: 3/141). (المسودّة: 103).
أصل (259) : "أقلّ الجمع ثلاثة وحُكِيَ عن مالك وابن داود وبعض الشافعية أقلّه اثنان". (روضة الناظر: 2/137). (إرشاد الفحول: 424). (المسودّة: 149). (العُدّة: 2/649).
أصل (260) : "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
والعام الوارد على سبب خاص له ثلاث حالات:
(الأولى): أن يقترن بِما يدلّ على العموم فيعُمُّ إجماعاً.كقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: 38] وكان سبب نزولها المخزومية التي قطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها. والإتيان بلفظ السارق الذكر يدلّ على العموم.
(الثانية): أن يقترن بِما يدلّ على التخصيص فيخصّ إجماعاً كقوله تعالى: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب:50]
(الثالثة): ألاّ يقترن بدليل التعميم ولا التخصيص والحقّ فيها:"أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".
ولذلك يعُمُّ حكم آية اللعان النازلة في عويمر العجلاني وهلال. وآية الظهار النازلة في امرأة "أوس بن الصامت" وآية الفدية النازلة في "كعب بن عجرة". وقصة الأنصاري الذي أذنب ذنباً فنَزلت بسببه: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ [هود: 114] فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: إليّ هذا وحدي يا رسول الله؟. فأجابه: "بل لأمّتي كلّهم". [متّفق عليه]. ممّا يُستدلّ بأنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (روضة الناظر: 2/141). (شرح الكوكب المنير: 3/177).
أصل (261) : "العبد داخل في الخطاب العام".
مثل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ [النساء: 1]. و﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ [النور: 31].
و ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]. لأنّ العبيد من جملة الناس والمؤمنين والأمّة ومن جملة المكلَّفين. (روضة الناظر: 2/147). (المسودّة: 34).
أصل (262) : "يدخل النساء في الجمع المضاف إلى الناس وما لا يتبيّن فيه لفظ التذكير والتأنيث". وبيان ذلك أن تقول:
1) الخطاب بمثل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وكأدوات الشرط نحو (من) لا خلاف في دخول النساء فيه، إلاّ ما يُذكر عن بعض الحنفية
2) ولا يدخلن فيه إذا كان الخطاب بلفظ الرجال أو الذكور كما لا يدخل الرجال في لفظ النساء والإناث إجماعاً.
3) واختُلِف في دخول النساء في الجموع المذكرة السالمة كالمسلمين وضمائر جماعة الذكور نحو: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾[الطور:19]
والراجح دخولهنّ للأدلّة الآتية:
قوله تعالى: ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم:12].
وقوله: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾ [يوسف: 29].
وقوله: ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [النمل: 43].
وقوله: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ [البقرة: 38]. (روضة الناظر: 2/148). (المسودّة: 45). (العُدّة: 2/351-353).
أصل (263): "أدوات الشرط نحو (من) تشمل النساء".
ولم يخالف في ذلك إلاّ بعض الحنفية وقالوا في الحديث: ‹‹من بدّل دينه فاقتلوه›› إنّه لا يتناول المرأة فلا تُقتل عندهم المرتدة بناءً على ذلك.
ومن الأدلّة القرآنية على دخول النساء في لفظ (من) :
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [النساء: 124].
وقوله: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ...﴾ [الأحزاب: 30].
وقوله: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ...﴾ [الأحزاب: 31]. (شرح الكوكب المنير: 3/240-243).
أصل (264): "العامُ حجّةٌ بعد التخصيص".
وخالف فيه بعض العلماء وقالوا: لا يبقى حجّة.
قال ابن قدامة: "ولنا تمسك الصحابة رضي الله عنهم بالعمومات، وما من عموم إلاّ وقد تطرّق إليه التخصيص إلاّ اليسير" (ا ﻫ).
جاء في القرآن -مثلاً- ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: 24]. وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه يخرج منه جمع المرأة مع عمّتها أو خالتها. فلا يخفى أن عموم الآية يبقى فيما سوى ذلك. (روضة الناظر: 2/150). (المسودّة: 116).
أصل (265) : "العامُ حقيقةٌ بعد التخصيص وتناول اللفظ للبعض الباقي بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص أي بحسب الوضع الأصلي".
هذا هو الأظهر الذي عليه عامة الفقهاء.
وادّعى قومٌ أنّه يصير مجازاً لأنّ أصل الوضع يتناوله مع غيره والشيء مع غيره غيره لا مع غيره. (روضة الناظر: 2/152). (العُدّة: 2/539).
أصل (266) : "اللفظ العام يجب اعتقاد عمومه والعمل به".
أي لا يجوز التوقف على البحث عن المخصص لأنّ اللفظ موضوع للعموم. وهذا هو الأظهر الذي عليه الجمهور خلافاً لمن قال: "لا يجوز اعتقاد عمومه ولا العمل به قبل البحث عن المخصص".(روضة الناظر: 2/157). (العُدّة: 2/525).
أصل (267): "إذا عارض العام المخصوص عمومات محفوظة أقوى منه قُدّمت عليه".
كتقديم الأمر العام بفعل صلوات ذوات الأسباب على النهي العام عن الصلاة في بعض الأوقات. (الفتاوى: 23/210).
أصل (268): "ترك الاستفصال من الرسول في حكايات الأحوال مع الاحتمال يُنَزّل منْزلة العموم في المقال". قاله الشافعيُّ. (المسودّة: 108).

- (ب) الاجتهاد في العلّة

(ب) الاجتهاد في العلّة:
أصل (303) : "الاجتهاد في العلّة على ثلاثة أضربٍ: تنقيح المناط، وتحقيقه، وتخريجه". (الفتاوى: 22/329). (روضة الناظر: 2/229).
أصل (304) : تنقيح المناط: "وهو أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حكم في معيّن، وقد عُلم أنّ الحكم لا يختصّ به فيريد أن ينقّح مناط الحكم ليعلم النوع الذي حكم فيه". مثال: الذي جامع في رمضان :
(1) فمذهب أحمد والشافعي أنّ مناط الحكم كونه مجامعاً في رمضان .
(2) ومذهب مالك وأبو حنيفة كونه مفطراً في رمضان.
مثال آخر: قوله صلى الله عليه وسلم ‹‹أنزل عنك الخلوق››.
(1) هل مناطُ الحكم لكون المحرم لا يستديم الطيب.
(2) أو لكونه نَهى أن يتزعفر الرجل.
مثال آخر: الحديث: ‹‹ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم››.
(1) هل المؤثر عدم التغيّر بالنجاسة.
(2) أو لكونه جامداً.
(3) أو كونها فأرة وقعت في سمن فلا يتعدّى إلى سائر المائعات.
ولا يسمّى قياساً عند كثير من العلماء كأبي حنيفة ونفاة القياس لاتّفاق الجميع على العمل به كما اتّفقوا على تحقيق المناط. (الفتاوى: 19/14 ، 15). (روضة الناظر: 2/232).
أصل (305) : تحقيق المناط: "وهو أن يُعلِّق الشارع الحكم بمعنى كليّ فَيُنْظَرُ في ثبوته في بعض الأنواع وبعض الأعيان".
كالأمر باستقبال القبلة، واستشهاد شهيدين، وكتحريم الخمر والميسر، وكفرضه تحليل اليمين بالكفارة، وكتفريقه بين الفدية والطلاق، فيبقى النظر في بعض الأنواع هل هي خمر أو يمين وميسر وفدية أو طلاق.
وفي بعض الأعيان: هل هذا المصلّي مستقبل القبلة، وهذا الشخص عدلٌ مرضيٌّ ونحو هذا. وهذا النوع من الاجتهاد متّفق عليه بين العلماء بل بين العقلاء. (الفتاوى: 19/16). (روضة الناظر: 2/229).
أصل (306) : تخريج المناط: "هو القياس المحض".
وهو أن يُنصّ على حكم في أمور قد يظنّ أنّه يختصّ الحكم بِها فيُستدلُّ على أنّ غيرها مثلها، إمّا لانتفاء الفارق أو للاشتراك في الوصف الذي قام الدليل على أنّ الشارع علّق الحكم به في الأصل. فهذا هو القياس الذي تقرُّ به جماهير العلماء وينكره نفاة القياس، وإنّما يكثر الغلط فيه لعدم العلم بالجامع المشترك الذي علّق الشارع الحكم به.
ومن أصرح الأدلّة على إثبات القياس ما ثبت في الصحيحين من قصة الذي وُلِدَ له ولدٌ أسود يخالف لونه لون أبيه وأمه فقاسه النبي صلى الله عليه وسلم على أولاد الإبل الحمر يكون فيها الأورق، وقال له: (فلعلّه نزعه عرق) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن القُبلة للصائم: ‹‹أرأيتَ لو تمضمض››. [أبو داود وأحـمد].
وقوله صلى الله عليه وسلم في القضاء: ‹‹أرأيتَ لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه؟››. قالت: "نعم". قال: ‹‹فدينُ الله أحقّ أن يقضى››. [البخاري]. (روضة الناظر: 2/233). (الفتاوى: 19/17).
أصل (307) : "الإلحاق ضربان: الإلحاق بنفي الفارق، والإلحاق بالجامع".
وضابط الأول: أنّه لا يحتاج فيه إلى التعرّض للعلّة الجامعة، بل يكتفي فيه بنفي الفارق المؤثر في الحكم، كإلغاء الفارق بين البول في الماء الراكد، وبين البول في إناء وصبّه فيه.
وضابط الثاني: هو الإلحاق بالعلّة الجامعة كإلحاق الذرّة بالبرّ بجامع القوت. (الفتاوى: 19/17 ، 285). (روضة الناظر: 2/256).
أصل (308) : "نفي الفارق على أقسام أربعة"
(الأول): هو ما كان المسكوت عنه فيه أولى بالحكم من المنطوق مع القطع بنفي الفارق، كإلحاق أربعة عدول بالعدلين في قبول الشهادة في قوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ [الطلاق: 2].
وإلحاق مثقال الجبل بمثل الذرّة في المؤاخذة في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8].
وكإلحاق الضرب بالتأفيف في الحرمة في قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ...﴾ [الإسراء: 23].
(الثاني): هو ما كان المسكوت عنه فيه مساوياً للمنطوق مع القطع بنفي الفارق. كإلحاق إحراق مال اليتيم وإغراقه بأكله في الحرمة في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: 10].
وكإلحاق صبّ البول في الماء الراكد بالبول فيه المذكور في حديث: ‹‹لا يبولنَّ أحدُكم في الماءِ الدائمِ الذي لا يجري ثم يغتسل فيه››. [متّفق عليه].
(الثالث): هو ما كان المسكوت عنه فيه أولى مع نفي الفارق بالظنّ الغالب. كإلحاق شهادة الكافر بشهادة الفاسق في الردّ المنصوص عليه بقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 4].
لاحتمال الفرق بأنّ الكافر يحترز عن الكَذِبِ لدينه في زعمه، والفاسق متّهمٌ في دينه.
وكإلحاق العمياء بالعوراء في منع التضحية كما جاء في الحديث: ‹‹أربع لا يجزن: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تنقي››. [أحـمد وأهل السنن].
(الرابع): هو ما كان المسكوت عنه فيه مساوياً للمنطوق مع كون نفي الفارق مظنوناً لا مقطوعاً، كإلحاق الأَمّة بالعبد في سراية العتق المنصوص عليه في العبد في الحديث الصحيح: ‹‹من اعتق شركاً له في عبد قُوِّمَ عليه قيمة عدل››. [الموطأ / وسنن البيهقيّ]. (روضة الناظر: 2/254). (شرح الكوكب المنير: 3/482-488).
أصل (309): "اُختُلِف في دلالة نفي الفارق، هل هي قياسية أو لفظية"
نفي الفارقِ هو من تنقيحِ المناط وهو مفهومُ الموافقة بعينه، ولكن اختلفوا في دلالته على أربعة مذاهب:
(الأول): أنّ دلالة مفهوم الموافقة من قُبيل القياس عند الشافعيّ، ويُقال له القياس الجليّ.
(الثاني): أنّ دلالة الموافقة لفظية، لكن لا في محلّ النطق، لأنّ ما دلّ عليه النصّ في محلّ النطق هو المنطوق، وما دلّ عليه لا في محل النطق هو المفهوم، وكلاهما من دلالة اللفظ.
(الثالث): أنّها دلالة لفظية مجازيةٌ -عند القائلين بالمجاز- قالوا: وفي مفهوم الموافقة يُطلق الجزء ويُراد الكلّ، أي يُطلق الأخصّ ويُراد الأعمّ. فقد أطلق التأفيف في الآية وأُريد به عموم الأذى.
(الرابع): أنّها لفظية، لأن العُرف اللغويّ نقل اللفظ من وضعه لمعناه الخاص إلى ثبوته فيه. فَعُرْفُ اللُّغة نقل التأفيف من معناه الخاص إلى عموم الأذى. (شرح الكوكب المنير: 3/483-486). (العُدّة: 4/1333).
أصل (310): "يتطرّق الخطأ إلى القياس من خمسة أوجه".
(الأول) أن لا يكون الحكم معلّلاً فيكون القائس مخطئاً في تعليله، كمن ظنّ أن علّة انتقاض الوضوء بلحم الجزور هو أنّه لشدّة حرارته.
(الثاني) أن لا يصيب علّته مثل أن يعتقد أنّ علّة الربا في البرّ الطعم فيلحق به الخصروات.
(الثالث) أن يقصر في بعض أوصاف العلة: مثل أن يقول: القتل يوجب القصاص إذا كان "عمداً". فيُقالُ له نقصتَ من أوصاف العلّة وصفاً وهو الآلة الصالحة للقتل.
(الرابع) أن يجمع إلى العلة وصفا ليس منها
(الخامس) أن يخطىء في وجودها في الفرع: مثل أن يظنّ بعض الأشربة مسكرة فيلحقه في تحريم المسكرات. (روضة الناظر: 2/252).

- (أ) النص

(أ) النص:
أصل (243) : "حكم النص ألاّ يُعْدَلَ عنه إلاّ بنسخ". (روضة الناظر: 2/27). (التمهيد: 1/7).

- (أ) الاجتهاد

(11) الاجتهادُ:
(أ) الاجتهاد:
أصل (331) : "الاجتهاد: بذل الوُسع في نيل حكم شرعيّ عمليّ بطريق الاستنباط أو طلب الصواب بالأمارات الدالة عليه". (إرشاد الفحول: 818). (الموافقات: 4/464).
وهو في اللغة: مأخوذ من الجُهد، وهو المشقّة والطاقة، أي استفراغ الجهد والطاقة في أيِّ فعلٍ كان.
أصل (332) : "يجتهد العلماء المؤمنون: في فهم المراد من النُّصوص، وفي إدراك عِلل الأحكام وفي القبلة وما إلى ذلك". (إرشاد الفحول: 819). (روضة الناظر: 2/414). (التمهيد: 4/310).
أصل (333) : "إذا اختلفُوا فالمصيبُ واحدٌ، وكلّ مُجتهدٍ مأجورٌ". (العُدّة: 5/1540). (روضة الناظر: 2/414).
لأنّ الحقَّ عند الله واحدٌ. وفي الحديث: ‹‹إذا اجتهد الحاكمُ فأخطأ فله أجرٌ، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران››. [أبو داود].
أصل (334) : "الاختلافُ قسمان: تضادٌّ وتنوعٌ".
واختلاف التضادّ : هو أن يُفتي بتحريم شيءٍ ويُفتي آخر بإباحته.
واختلاف التّنوع : هو أن يُفتي عالمان بأمرين مختلفين جائزين ، مثل: الاختلاف في عدد التكبيرات في الآذان والإقامة، والاختلاف في التشهُّد، ودعاء الاستفتاح وما إلى ذلك. (الفتاوى: 9/138-141).
أصل (335): "ليس للمجتهد أن يكونَ له قولان متناقضان في مسألةٍ واحدةٍ في وقت واحد". ولكن يُمكن أن يتغيّر اجتهاده في المسألة إذا ازداد علمه. (إرشاد الفحول: 854). (روضة الناظر: 2/434).
أصل (336): "لا يجوز أن يكونَ الاختلاف في المسائل الاجتهادية سبباً للتفرُّق والتقاطع". لأنّ التفرُّق والتقاطع حرامٌ.
قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105].
قال الشافعيّ: "رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". (الفتاوى: 3/252 ، 253 ، 344 – 22/172-174).
أصل (337) : "الاجتهادُ يقبل التجزئة".
أي يجوزُ أن يكونَ الرجلُ عالماً مجتهداً في بابٍ من أبواب العِلمِ ويكونَ طالبَ علمٍ في أبوابٍ أُخرى. ولذلك قالوا المجتهدون على قسمين: مُطلقٌ وجزئيٌّ. (إرشاد الفحول: 831). (الفتاوى: 20/204 ، 212 ، 213).
أصل (338): "التمكّن من الاجتهاد لا يتمّ إلا بشروط".
(الأول): أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة، فإن قصر في إحداهما لم يكن مجتهداً، ولا يجوز له الاجتهاد. والمراد ما يتعلّق بالأحكام.
قال الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول (ص: 822):
"ولا يخفاك أن كلام أهل العلم في هذا الباب من قبيل الإفراط، وبعضه من قبيل التفريط، والحق الذي لا شكَّ فيه ولا شبهة أن المجتهد لا بدّ أن يكون عالماً بما اشتملت عليه مجاميع السنة التي صنفها أهل الفن، كالأمهات الست وما يلحق بها، مشرفاً على ما اشتملت عليه المسانيد والمستخرجات والكتب التي التزم مصنفوها الصحة، ولا يشترط في هذا أن تكون محفوظة له مستحضرة في ذهنه، بل يكون ممن يتمكن من استخراجها من مواضعها بالبحث عنها عند الحاجة إلى ذلك. وان يكون ممن له تمييز بين الصحيح منها والحسن والضعيف بحيث يعرف حال رجال الإسناد معرفة يتمكن بها من الحكم على الحديث بأحد الأوصاف المذكورة، وليس من شرط ذلك أن يكون حافظاً لحال الرجال عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يتمكن بالبحث في كتب الجرح والتعديل من معرفة حال الرجال مع كونه ممن له معرفة تامة بما يوجب الجرح وما لا يوجبه من الأسباب وما هو مقبول منها وما هو مردود وما هو قادح من العلل وما هو غير قادح".
(الثاني): أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع حتى لا يُفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه.
(الثالث): أن يكون عالماً بلسان العرب، بحيث يمكنه تفسير ما ورد في الكتاب والسنة من الغريب. قال الشافعيّ: "يجب على كلّ مسلم أن يتعلّم من لسان العرب ما يبلّغه جهده في أداء فرضه".
(الرابع): أن يكون عالماً بعلم أصول الفقه لاِشتماله على ما تمسّ الحاجة إليه.
(الخامس): أن يكون عارفاً بالناسخ والمنسوخ، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك مخافة أن يقع في الحكم بالمنسوخ. جاء في "كتاب الاعتبار" عن عليّ أنّه مرَّ على قاصٍ. فقال: تعرفُ الناسخ والمنسوخ. قال: لا. قال: هلكت وأهلكتَ.
ولا بُدّ مع هذا أن يكون تقيّاً يبتغي بعلمه وعمله وجه الله تعالى كي يستفيد منه العباد. (إرشاد الفحول: 819 - 824).
أصل (339): "إذا تعارض دليلان عند المجتهد ولم يترجّح أحدهما وجب عليه التوقُّف". (نزهة النظر: 39).
أصل (340) : "ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى أهله إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيّد".
قال الإمام ابن القيم في "أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين" [4/212-214]:
(1) مجتهد مطلق: وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة فهو المجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت، فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء، وهم المجدّدون لهذا الدّين القائمون بحجة الله في أرضه.
(2) مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله عارف بها متمكن من التخريج عليها، وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه من غير أن يكون مقلداً لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفُتيا ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرّره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معاً.
(3) مجتهد مقيَّد في مذهب من انتسب إليه مقرر له بالدليل مُتْقِنٌ لفتاوِيه، عالم بها لا يتعدى أقواله وفتاوِيْهِ ولا يخالفها، وإذا وجد نصّ إمامه لم يعدل عنه إلى غيره البتة. بل بنصوص إمامه فهي عنده كنصوص الشارع، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة. وقد كفاه الإمام استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص.
وشأن هؤلاء عجيب، إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم من غيره، وأنّ مذهبه هو الراجح والصواب دائر معه، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النصّ.
(4) مجتهدٌ في مذهب من انتسب إليه، وحفظ فتاوى إمامه وأقرّ على نفسه بالتقليد المحضّ له، من جميع الوجوه. وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل، بل إذا رأى حديثاً صحيحاً مخالفاً لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديثَ. فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم. (أعلام الموقّعين: 1/212-214).
أصل (341): "على العالِم الاجتهادُ، وعلى العاميّ السؤالُ".
أي أنّ من قدر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد لكونه مأموراً باتّباع الدليل، ومن لم يقدر على الاجتهاد وجب عليه السؤال لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. (إرشاد الفحول: 876). (روضة الناظر: 2/437). (الفتاوى: 19/261).
أصل (342): "لازم المذهب ليس بمذهب إذا لم يلتزمه".
لأنّ الإنسان رُبّما اعتقد عقيدةً وهو يُنكر لازمها. (الفتاوى: 20/217-219).
أصل (343): "لا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لأنّه قد يتنبّه ويزداد به تثبيتاً فيما اعتقد من الصواب".
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: 18]. (الرسالة: 510).
أصل (344): "الاختلاف المحرّم هو الاختلاف في الحكم الثابت الذي لا يحتمل التأويل".
وهو كاختلاف أهل الكتاب: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]. (الرسالة: 560).
أصل (345): "الاختلاف في الحكم الذي يحتمل التأويل وله مجال للاجتهاد يجب أن يُعذر بعضهم بعضاً".
كاختلاف الصحابة في المراد بالقرء في قوله تعالى: ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]. وما شاكل ذلك. (الرسالة: 560).
أصل (346): "العقلُ تابعٌ للنقل".
إذا ثبت الخبر أو الحكم بنقل صحيح وجب المصير إليه سواء عرف العقل الحكمة أو لم يعرف. ولا يخالف صحيح المنقول صريح المعقول. (الموافقات: 1/79). (الفتاوى: 5/29-30). (3/338-339). (الموفقات: 3/24).
أصل (347): "يُنقَضُ حكم الحاكم إذا خالف النصّ أو الإجماع، ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد".
وذلك أن مصلحة نصب الحاكم تناقض نقض حكمه، ولكن ينقض مع مخالفة الأدلّة لأنّه ظهر أنّه حكم بغير ما أنزل الله. (الموافقات: 4/533).
أصل (348): "إذا تعلّق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشريعة ولا إلى معرفة اللغة العربية".
مثل من عرف أنّ المسكر حرام وأنّه خمرٌ إذا رأى من يشرب شراباً يعلم أنّه مسكرٌ فقد عرف أنّه شارب وعليه حدُّ الشرب، ولا يُقال له لا تُفتِ حتى تعلم مقاصد الشريعة واللغة العربية. ومن عرف أنّ المريض يُرخّص له في التيمم .. فإنّه إذا رأى من ثقل به المرض ويريد التوضؤ بالماء البارد فإنّه يأمره بالتيمم، وإن كان لا يعرف اللغة العربية ولا مقاصد الشريعة، وأولى من هذا وذاك من رأى من يشرك بالله الشرك الأكبر المعروف بالأدلّة فإنّه يدعو إلى تركه والتوبة منه وإخلاص العبادة لله وإن كان لا يعرف اللغة العربية ولا مقاصد الشريعة. (الموافقات: 4/527).
أصل (349): "لا يُتّبَعُ العالم في زلّته، ولا يجوز التشنيع عليه بِها".
أما اتّباعه في الزلّة فإنّه لا يجوز، لأنّ الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأما عدم تشنيعه بالزلّة فلأنّه مأجور له أجر اجتهاده وإن أخطأ. فابن عباس رضي الله عنهما لم ير في ربا الفضل بأساً، وكذلك عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وعكرمة. وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ.
وكثير من فقهاء الكوفة لم يروا بشرب النبيذ بأساً إن لم يكن من العنب، وهذا أمرٌ مشهور. (الموافقات: 4/532).
أصل (350): "الشريعة على قولٍ واحدٍ لا اختلاف فيها، وإنّما الاختلاف من جهة نظر المجتهد".
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]
ولكن الإنسان العالم قد يعجز عن الجمع بين الأدلّة ويمكن أن يراها مختلفة في نظره، وذلك لقصوره وضعفه البشري، ولا خلاف في إمكان وقوع الاختلاف في نظر المجتهدين. (الموافقات: 4/640).

- (ب) المفهوم

(ب) المفهوم:
أصل (293): "المفهوم قسمان: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة".
(1) ومفهوم الموافقة: هو ما يكون فيه المسكوت عنه موافقاً لحكم المنطوق مع كون ذلك مفهوماً من لفظ المنطوق. لقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8]. فمثال الجبل المسكوت عنه. أولى بالحكم من الذرة.
(2) ومفهوم المخالفة: هو أن يكون المسكوت عنه مخالفاً لحكم المنطوق. ومثاله: قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹في الغنم السائمة الزكاة›› فالمنطوق "السائمة" والمسكوت عنه "المعلوفة". والتقييد بالسوم يُفهم منه عدم الزكاة للمعلوفة. ومفهوم المخالفة يُسمّى دليل الخطاب وتنبيه الخطاب. (روضة الناظر: 2/200). (المسودّة: 346).
أصل (294) : "مفهوم المخالفة سبعة أقسام".
(الأول): مفهوم الحصر: وأقوى صيغ الحصر النفي والإثبات. وللحصر مفهوم في الأدوات "إنّما" وتقديم المعمول وتعريف الجزأين ونحو ذلك. مثل: ‹‹إنّما الصبر عند الصدمة الأولى››. و ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ﴾ [الزمر: 66]. و ‹‹عليٌ المصيب››.
(الثاني): مفهوم الغاية: كقوله تعالى: ﴿فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: 230]. ومفهومه أنّها إن نكحت زوجاً غيره حلّت له.
(الثالث): مفهوم الشرط: كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ [الطلاق: 6]. يُفهم منه أنّ غير الحوامل لا نفقه لهنّ.
(الرابع): مفهوم الوصف: نحو: ‹‹في الغنم السائمة الزكاة››.
(الخامس): مفهوم العدد: نحو: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: 4]. يُفهم منه أنّه لا يُجلد أكثر من ذلك.
(السادس): مفهوم الظرف زماناً كان أو مكاناً: نحو: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ [البقرة: 197]. يُفهم منه أنّه لا حجّ في غيرها.و: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة: 187]. يُفهم منه أنّه لا اعتكاف في غير المسجد عند من يقول بذلك.
(السابع): مفهوم العلّة: نحو: ‹‹اعط السائل لحاجته››. يُفهم منه أنّه لا يعطى غير المحتاج.
ويُدخِلُ بعض الأصوليين "مفهوم اللقب" في أقسام مفهوم المخالفة. واللقب في اصطلاحهم: كلّ اسم جامدٍ سواء كان اسم جنس أو اسم جمع أو اسم عين، لقباً كان أو كنية أو اسماً.
فإن قلت: "جاء زيدٌ" لم يُفهم منه عدم مجيء عمرو. بل ربّما يكون اعتباره كفراً. كما قيل: "محمّدٌ رسول الله" يُفهم من مفهوم لقبه أنّ غيره لم يكن رسول الله، ولذا أنكره الأكثرون وهو الصحيح. (إرشاد الفحول: 596). (التمهيد: 2/189).
أصل (295): "النص المنطوق مقدَّم على المفهوم".
مثال: حديث: ‹‹لا تُحْرِمُ المصّةُ ولا المصّتان››. يُفهم منه أن الثلاثة تحرّم. ولكن جاء نصٌّ يخالف هذا المفهوم وهو: ‹‹خمس رضعات يحرمن››. فقُدِّم المنطوق على المفهوم. (مذكرة أصول الفقه: 424).
أصل (296) : "توجد موانع لاعتبار مفهوم المخالفة". منها:
(1) أن يكون تخصيص المنطوق بالذكر للامتنان كقوله تعالى: ﴿تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ [فاطر: 12]. فلا يُفهم منه منع قديد الحوت.
(2) تخصيص بالذكر لموافقة الواقع كقوله تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 28].
(3) تخصيصه بالذكر جرياً على الغالب. كقوله تعالى:﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ [النساء: 23]. لأن الغالب في الربيبة كونها في حجر زوج أمها
(4) تخصيصه بالذكر لأجل التوكيد كحديث: ‹‹لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ...››.
(5) ورود الجواب على سؤال، فلو فرض أنّ سائلاً سأله صلى الله عليه وسلم: "هل في الغنم السائمة زكاة"؟ فأجابه: "في الغنم السائمة زكاة". لم يكن له مفهوم، لأنّ صفة السوم في الجواب لمطابقة السؤال. (إرشاد الفحول: 593). (مذكرة أصول الفقه: 425).

- (ب) التقليد

(ب) التقليد:
أصل (351): "الواجب على العاميّ هو الاتّباع والخروج من التقليد الحرام".
أي أن يرجعَ فيما جهل من الشريعة إلى مَنْ هو أعلم منه بالكتاب والسنّة إذا كان مأموناً في دينه وتقواه، فيعلم منه حكم الله ورسوله في المسألة.
والتقليدُ الحرام: أن يتّبع فتاوى العلماء وإن علِم مخالفتها للأدلّة. أو أن يُقلّد عالماً واحداً، ويرى أن من خرج عن قوله إلى قول غيره ممن يماثله ضالٌّ عن سبيل الله، لأنّ ذلك ليس لأحدٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو يخرج من تقليد هذا إلى تقليد هذا بغير أسبابٍ دينيّةٍ، بل يفعل ذلك للدنيا، وهذا حكمه حكم من هاجر لدنيا يُصيبها أو امرأةً ينكحها. (إرشاد الفحول: 876).
أصل (352) : "تَتَبُّع الرُّخَصِ فسقٌ".
كمن يقولُ بقولِ أهلِ المدينةِ في الغناءِ، وقولِ أهلِ مكّةَ في المُتعةِ، وقولِ أهلِ الكوفةِ في النبيذِ.
وكمن قلّدَ مالكاً في عدمِ نقضِ الوضوءِ بالقهقهةِ في الصلاةِ، وأبا حنيفةَ في عدم النقضِ بمسّ الذكَرِ وصلَّى، فهذه الصلاةُ مُجمعٌ منهما على فسادها، وكمن تزوّجَ بلا صَداقٍ ولا وليٍّ ولا شهودٍ. (الموافقات: 4/510).
أصل (353) : "ليس اختلافُ أهلِ العلمِ حجةً على الجواز". (الموافقات: 4/507).
لقوله تعالى في التنازع: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ﴾ [النساء: 59]. فدلّ على وجوب اتّباع القول المؤيّد بالدليل، ومن اتّخذ اختلاف العلماء دليلاً على الجواز فقد صار من المتّبعين لأهوائهم.
أصل (354): "لا يجوز لغير العالم أن يقيس".
لأنّ القياس يوقعُه في مخالفة النصوص لجهله بِها. (الرسالة: 511).
أصل (355): "العامي لا مذهب له".
وتقيُّد العامي بمذهب إمامٍ معيّنٍ ضلالٌ، ويلزم منه أن يردّ النصوص الصحيحة إذا خالفت مذهب إمامه. وعلى هذا فله أن يستفتي من شاء من اتّباع الأئمة الأربعة وغيرهم وأن يستمسك بالدليل إذا ظهر له. (أعلام الموقّعين: 4/232).

- (ج) الاستثناء

(ج) الاستثناء:
أصل (277) : "حدّ الاستثناء أنّه قول ذو صيغة متّصل يدلّ على أنّ المذكور معه غير مراد بالقول الأول".
وصيغة الاستثناء هي المعروفة في النحو، وأم الباب "إلاّ". (روضة الناظر: 2/174). (المسودّة: 154).
أصل (278) : "والاستثناء يفارق النسخ في ثلاثة أشياء".
(أحدها) : في اتّصاله.
(الثاني) : أنّ النسخَ رفعٌ لما دخل تحت اللفظ، والاستثناء يمنع أن يدخلَ تحت اللفظ ما لولاه لدخل.
(الثالث): أنّ النسخ يرفع جميع حكم النص، والاستثناء إنّما يجوز في البعض.
تنبيه : وقد يجوز النسخ في البعض كحديث عائشة الثابت في مسلم: "مِنْ نسخ عشر رضعات بخمس رضعات". (روضة الناظر: 2/176).
أصل (279): "اشترط بعض الأصوليين للمستثنى ثلاث شروط، وفي بعضها نظر".
(الأول): أن يكون متّصلاً بالمستثنى منه.
(الثاني): أن يكون من جنس المستثنى منه.
وقالوا: إن الاستثناء أخرج بعض ما دخل في المستثنى منه، وغير جنسه لم يدخل حتى يخرج. وفي هذا الجواب نظرٌ لورود الاستثناء المنقطع بكثرة في القرآن وفي كلام العرب.
كقوله تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاّ سَلامًا﴾ [مريم: 62].
وكقوله تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا. إِلاّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا﴾ [الواقعة: 25-26].
وقال الراجز: وبلدةٍ ليس بِها أنيسٌ إلاّ اليعافير وإلاّ العيسُ
(الثالث): أن يكون المستثنى أقلّ من النصف.
واستدلُّوا بأنّ استثناء الأكثر ليس من كلام العرب، وقد أجاز بعض الأصوليين استثناء الأكثر لوروده في القرآن في قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر: 42]. (روضة الناظر: 2/177). (شرح الكوكب المنير: 3/284).
أصل (280): "ويجوز الاستثناء من الاستثناء وإن تعدّد بعطفٍ فالاستثناءات راجعة إلى المستثنى منه".
لقوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ. إِلا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلاّ امْرَأَتَهُ...﴾ [الحجر: 58 - 60].
ومثال تعدّد العطف: له عليَّ عشرةٌ إلاّ واحداً وإلاّ اثنين. أقرّ بأن عليه سبعة.
وإن قال: له عليَّ عشرة إلاّ ثلاثة إلاّ واحداً. أقرّ أنّ عليه ثمانية.
وإن قال: له عليَّ عشرة إلاّ واحداً إلاّ ثلاثة. أقرّ بأنّ عليه سبعة. (المسودّة: 154). (شرح الكوكب المنير: 3/311).
أصل (281): "الاستثناء إذا ورد بعد جملٍ متعاطفة وتجردّ من القرائن رجع بجميعها على الأظهر".
فقوله تعالى: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ [النور: 4-5]. يدلُّ على قبول شهادة القاذف إن تاب وأصلح.
وخالف أبو حنيفة، وقال: "لا يرجع إلاّ للجملة الأخيرة". فبنى على ذلك عدم قبول شهادة القاذف وإن تاب وأصلح. (روضة الناظر: 2/185). (المسودّة: 156).

- (ب) الظاهر

(ب) الظاهر:
أصل (244) : "وحكم الظاهر أن لا يُعدَلَ عنه إلاّ بدليل على قصد المحتمل المرجوح". وذلك هو التأويل. (روضة الناظر: 2/30). (التمهيد: 1/7).

- (ج) إثبات العلّة

(ج) إثبات العلّة:
أصل (311): "إثبات العلّة له طريقان: النقل و الاستنباط" (روضة الناظر: 2/257).
أصل (312): "إثبات العلّة بالنقل على ثلاثة أضرب" وهي:
(الأول): النصّ الصريح على العلّة:
نحو قوله تعالى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32].
والحديث: ‹‹إنّما جُعل الاستئذان من أجل البصر››. [متّفق عليه].
وقوله تعالى: ﴿إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: 143]. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الحشر: 4].
(الثاني): الإيماء والتنبيه وهو أنواع :
(1) ذكر الحكم عقب وصفٍ بـ"الفاء" فيدلّ على أنّ ذلك الوصف علّة لذلك الحكم:
نحو قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: 222].
وقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ﴾ [المائدة: 38].
والحديث: ‹‹سها النبي صلى الله عليه وسلم فسجد››. [أبو داود والترمذي].
والحديث: ‹‹ورضّ يهوديٌّ رأس جاريةٍ، فأمر عليه الصلاة والسلام أن يُرضَّ رأسه بين حجرين››. [متّفق عليه].
(2) ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء يدلّ على التعليل:
كقوله تعالى: ﴿مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [الأحزاب: 30]. وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2].
(3) أن يُذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ حادث فيجيب بحكم:
كقول الأعرابيّ: "واقعتُ أهلي في نهار رمضان"، فقال صلى الله عليه وسلم: ‹‹اعتق رقبة››. [متّفق عليه].
(4) أن يُذكر مع الحكم شيئاً لو لم يُقدّر التعليل به لكان لغواً غير مفيد:
مثاله: الحديث الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن بيع الرطب بالتمر، قال: ‹‹أينقص الرطب إذا يبس؟››، قالوا: نعم، قال: ‹‹فلا إذاً››. [مالك / الشافعيّ / أحـمد / أهل السنن].
والحديث: ‹‹أرأيتِ لو كان على أُمك دينٌ فقضيته أكان ينفعها؟››. قالت: نعم. قال: ‹‹فدين الله أحقّ بالقضاء››. [البخاري وأحـمد والنسائي].
(5) أن يُذكر في الكلام شيءٌ لو لم يُعلَّل به صار الكلام غير منتظم كقوله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمع: 9]. فعلّة النهي كونه مانعاً من السعي إلى الجمعة.
(6) ذِكر الحكم مقروناً بوصفٍ مناسبٍ كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ. وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: 13-14]. أي لبرّهم وفجورهم.
(الثالث): ثبوت العلّة بالإجماع، كالإجماع على تأثير الصغر في الولاية على المال. (روضة الناظر: 2/257). (التمهيد: 4/9). (شرح الكوكب المنير: 4/115-142).
أصل (313) : "إثباتُ العلّةِ بالاستنباطٍ على ثلاثة أضرُبٍ"
(الأول): السبر والتقسيم : والمراد حصرُ الأوصاف التي تحمل العلّية في الأصل ثم إبطال بعضها بدليل واختيار الباقي.
(الثاني): المناسبة: وهي تعيين الوصف للعلية بمجرّد إبداء المناسبة بينه وبين الحكم، كأن يكون مقصوداً لجلب منفعة أو دفع مضرّة من غير نصّ عليه ولا إجماع.
(الثالث): الدوران: وهو لغةً: الطواف وعدم الاستقرار. واصطلاحاً: وجود الحكم بوجود العلّة وانعدامه بانعدامها. (روضة الناظر: 2/267). (شرح الكوكب المنير: 4/152-186).
أصل (314): "الحكم إذا ثبت بعلّة زال بزوالها".
كالخمر إذا ذهب عنها الإسكار وصارت خلاّ حلّت. (الفتاوى: 20/503).
أصل (315): "القياسُ الفاسدُ هو الذي لم تتمّ فيه أركان القياس بشروطها".
كقياس الذين قالوا: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]. لمجرّد ما بينها من الشبه لوجود التراضي بالمعاوضة المالية. وقياس المشركين الميتة على المذكاة. (الفتاوى: 19/287). (أعلام الموقّعين: 1/135).

- (ب) الخاص

(ب) الخاص:
"التخصيص في الاصطلاح قصر العام على بعض أفراده بدليل يدلُّ على ذلك". كما مرّ سابقاً. (شرح الكوكب المنير: 3/267). (التمهيد: 2/71).
أصل (269) : "المخصّص ينقسم إلى متّصل ومنفصل".
(أولاً): المخصّص المتّصل: هو ما لا يستقلّ بنفسه بل مرتبطٌ بكلامٍ آخر. وأقسامه خمسة:
1) الاستثناء: نحو: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا...﴾ [النور: 4].
وقوله تعالى: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الطلاق: 1].
2) الشرط: نحو قوله تعالى: ﴿لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ﴾ [النساء: 11].
وقوله: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: 33].
3) الصفة: نحو قوله تعالى: ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: 25].
وفي الحديث: ‹‹في الغنم السائمة الزكاة›› [البخاري وأبي داود والنسائي].
4) الغاية: نحو قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: 222]. وقوله: ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: 235].
5) بدل البعض من الكلّ: نحو قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97].
(ثانيا): المخصّص المنفصل: وهو ما يستقلّ بنفسه دون العام من لفظٍ أو غيره. وله أقسام منها:
(1) نصوص الكتاب والسنّة: ويكون التخصيص بها على أربعة أنواع:
(الأول): تخصيص كتاب بكتاب: كتخصيص عموم قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]. بقوله: ﴿وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]. وتخصيص قوله تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: 221]. بقوله: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المائدة: 5].
(الثاني): تخصيص كتاب بسنّة: كتخصيص قوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: 24]. بحديث: ‹‹لا تُنكح المرأة على عمّتها ولا على خالتها›› [متّفق عليه].
وتخصيص قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]. بحديث: ‹‹إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة››. [أحـمد].
(الثالث): تخصيص سنّة بسنّة: كتخصيص الحديث: ‹‹فيما سقت السماء العُشر››. [البخاري]. بقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة›› [متّفق عليه].
(الرابع): تخصيص السنة بالقرآن: مثاله الحديث: ‹‹ما أبين من حيّ فهو ميّت›› فإنّ عمومه مخصّص بقوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [النحل: 80].
(2) الإجماع: كإجماع المسلمين على أنّ الأخت من الرضاعة لا تحلّ بملك اليمين، فيلزم تخصيص ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المعارج: 30].
(3) القياس: فعموم قوله تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]. خُصّص بالنصّ وهو قوله في الإماء: ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: 25]. فقيس عليها العبدُ فخرج من عموم الزاني الذي يجلد مائة.
(4) المفهوم: وهو (أ) مفهوم موافقة و(ب) مفهوم مخالفة. فمثال التخصيص بمفهوم الموافقة قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹ليُّ الواجد ظلمٌ يحلّ عرضَه وعقوبته››. [أحـمد وأبو داود والنسائي]. وقال ابن كثير إسناده جيّد. بمفهوم الموافقة قوله تعالى: ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: 23]. فإنّه يُفهم منه منع حبس الوالد في الدّين.
ومثال التخصيص بمفهوم المخالفة تخصيص حديث: ‹‹في أربعين شاة شاةٌ›› [أحـمد وأبو داود والترمذي]. بمفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹في سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة››. [البخاري وأبو داود والنسائي وأحـمد].
فمفهوم "السائمة" أنّه لا زكاة في المعلوفة فتخرج من عموم ‹‹في أربعين شاةٍ شاةٌ››.
(5) العرف المقارن للخطاب: ومثاله ما رواه أحـمد ومسلم من حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنتُ أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ‹‹الطعام بالطعام مثلاً بمثلٍ››. وكان طعامنا يومئذ الشعير. (شرح الكوكب المنير: 3/277 ، 340). (التمهيد: 2/71). (روضة الناظر: 2/159-169).
أصل (270) : "إذا تعارض خبران كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر فهما سواء، فيستعمل كل واحد منهما على وجهه".
مثاله: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح. مع قوله: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلِّها إذا ذكرها».
فإن أُخذ النهي عن عمومه لم يصل أحدٌ بعد العصر صلاة فائتة. وهذا قول أحمد وأصحاب الشافعي. (العُدّة: 2/627).
أصل (271) : "يخصّص العام بالخاص سواء تقدّم عنه أو تأخّر".
والدليل أمران:
(الأول): إنّ الصحابة كانوا يفعلون ذلك ومن تتبع قضاياهم تحقّق له ذلك عنهم.
(الثاني): أنّ دلالة الخاص أقوى من تناول العام له. فدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹إنّا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة››. على عدم إرث فاطمة له أقوى من دلالة عموم ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: 11]. على إرثها له صلى الله عليه وسلم.
وخالف في ذلك أبو حنيفة وقال: "المتأخّر ناسخٌ، والتوقّف عند عدم العلم بالتاريخ"، واستدلّ بقول الزهريّ (كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث). (المسودّة: 134). (روضة الناظر: 2/164).
أصل (272) : "إذا تعارض خاصان وجب الترجيح بينهما".
كتعارض حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج ميمونة وهو محرم" [متّفق عليه]. مع حديث ميمونة وأبي رافع بخلاف ذلك. فَرُجِحَ حديث ميمونة لكونها صاحبة القصة، وأبي رافع لكونه السفير بينهما. (مذكرة أصول الفقه: 396).
أصل (273) : "إذا تعارض عمومان وتعذَّر الجمع وجب الترجيح، فإن لم يُرجَّح فالأخير ناسخٌ".
مثال: ما أمكن فيه الجمع: أحاديث ذم من يشهد قبل أن يُسْتَشْهَدَ، وأحاديث مدحه.
ومثال ما وجب فيه الترجيح: حديث وجوب الوضوء مَن مسَّ الذكر، وحديث عدم وجوبه. فَيُرَجَّحُ حديثُ الوضوء بأنّه أحوط.
وكذلك ترجيح عموم الآية: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ﴾ [النساء:23]. على عموم: ﴿أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ [المؤمنون:6]. بأنّه أحوط لأنّه نص مقصود لتحريم النساء وتحليلهنّ بخلاف ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ فإنّه في معرض مدح المتّقين. (روضة الناظر: 2/173). (المسودّة: 141).
أصل (274): "اللفظ العام إذا أُريد به الخاص فلا بدّ من دليل على التخصيص". (الفتاوى: 20/271).
أصل (275): "الخاص المتأخّر يقضي على العام المتقدّم".
وهذا متّفق عليه بين العلماء، وإنّما تنازعوا هل ذلك تفسير أو نسخ؟ الصحيح أنّه تخصيص وبيان، وليس بنسخٍ (الفتاوى: 35/215).
أصل (276): "إذا تعارض الخاص والعام فالعمل بالخاص أولى".
كالحديث: "اتّقوا البول فإنّ عامّة عذاب القبر منه". والحديث: "وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها". (الفتاوى: 21/552).

- (ج) الإفتاء

(ج) الإفتاء:
أصل (356) : "التّواضُع وعدم التكلّف والرجوعُ إلى الدّليل من سِمات العلماء الربَّانيّين".
قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: 86]. ويؤثر عن بعض الصحابة: "العلمُ ثلاثةٌ: آيةٌ محكمةٌ، وسُنّةٌ ماضيةٌ، ولا أدري".
قال أبو حنيفة: "لا يجوز لأحدٍ أن يقولَ بقولنا ما لم يعلمْ من أينَ أخذناه، فإنّا نقولُ القولَ اليومَ ونرجعُ عنه غداً". أو كما قال.
وقال مالك: "ما مِنّا إلا رادٌّ ومردودٌ إلاّ صاحبَ هذا القبرِ صلى الله عليه وسلم".
وقال الشافعيّ: "إذا صحّ الحديثُ فهو مذهبي".
وقال أحـمد: "لا تقلِّد في دينك الرجالَ، وخذ من حيثُ أخذوا". (الموافقات: 4/632).
أصل (357): "النَّظر في مآلات الأفعال مقصودٌ شرعاً".
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 21].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: 108].
وقال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 179]
وفي الحديث: ‹‹أخاف أن يتحدّثّ الناسُ أن محمّداً "يقتل أصحابه"››. [متّفق عليه]. (الموافقات: 4/552).
أصل (258) : "اختيار أخفّ الضررين على الأثقل عند الاضطرار واجبٌ".
ويؤثر عن عُمر: "ليس العاقلُ الذي يعرفُ الخير من الشرّ، وإنّما العاقلُ الذي يعرفُ خير الشرّين". أو كما قال رضي الله عنه . (شرح الكوكب المنير: 4/447).
أصل (259): "ليس للحاكم ولا للمفتي أن يلزم الناس باتّباعه في مسائل الاجتهاد". ولا ينكرها المحتسب باليد. (الفتاوى: 30/79-81)
أصل (260): "الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره".
فإذا صحّ تصور المفتي للمسألة صحّت الفتوى، ولذلك لا يجوز للمفتي إطلاق الفتوى في مسألة فيها تفصيل.
= وقد استفصل النبي صلى الله عليه وسلم ماعزاً لما أقرّ بالزنا.
= وأجاب لما سئل: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: «نعم، إذا رأت الماء». فبيّن وجوب الغسل في حال دون حال.
= واستفتاه ابن أم مكتوم: هل يجد له رخصة أن يصلّي في بيته؟ فقال: «هل تسمع النداء؟». قال: نعم. قال: «فأجب». وأمثال ذلك كثير في فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم. (أعلام الموقّعين: 4/164).
أصل (361): "ولا يتمكّن المفتِي والحاكم الحكم بالحقّ إلاّ بنوعين من الفهم".
(الأول): فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات حتى يحيط به علماً.
(الثاني): فهم الواجب في الواقع: وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع. ثم تطبيق أحدهما على الآخر. (أعلام الموقّعين:1/94).
أصل (362): "الحكم على المجتمع يتوقّف على أمرين: معرفة أحوالهم، ومعرفة حكم الله في أمثالهم". (الفتاوى: 28/509).
أصل (363) : "الأصلُ أنّ من كان في دارٍ فهو من أهلها".
قال ابن قدامة في المغني: "وإن وجد ميّت فلم يُعلم أمسلمٌ هو أم كافرٌ نُظر إلى العلامات من الختان والثياب والخضاب، فإن لم يكن عليه علامة وكان في دار الإسلام غُسل وصُلِّيَ عليه، وإن كان في دار الكفر لم يُغسل ولم يُصلَّ عليه، نصَّ عليه أحـمد. لأنّ الأصل أنّ من كان في دارٍ فهو من أهلها يَثْبُتُ له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليلٌ". (المغني والشرح الكبير: 2/204).
أصل (364): "الخلاف يورث شبهة إذا لم يتبيّن سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا تبيّنت السنّة لا يحلّ لأحد خلافها". لقوله تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [النساء: 59]. (الفتاوى: 21/61-64).
أصل (365): "من أفتى وليس أهلاً للفتوى أثم، ومن أقرّه من ولاة المسلمين على ذلك فهو آثم كذلك".
وفي الصحيحين: «فإذا لم يبق عالم اتّخذ الناس رؤساء جُهالاً فسئلوا فأفتَوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا». (أعلام الموقّعين: 4/191).

- (ج) المجمل

(ج) المُجمل:
أصل (245) : "وحكم المجمل أن يُتوقف عن العمل به إلاّ بدليل على تعيين المراد". (روضة الناظر: 2/43). (التمهيد: 1/9).
أصل (246): "والإجمال قد يكون بسبب الاشتراك في اسم أو حرف أو فعل".
مثال الاشتراك في اسم: لفظ القرء: للطهر والحيض.
لفظ الشفق: للحمرة والبياض.
لفظ العين: للباصر والجارية والنقد.
ومثال الاشتراك في حرف: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ الواو محتملة للعطف فيكون الراسخون يعلمون المتشابه ومحتملة للاستئناف فيستأثر الله بعلمه.
وقوله: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6]. محتملة للتبعيض فيشترط ما له غبار يعلق في اليد ومحتملة لابتداء الغاية فلا يشترط.
ومثال الاشتراك في فعل: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ﴾ [التكوير:17].مشترك بين أقبل وأدبر. (روضة الناظر: 2/43).
أصل (247): "وقد يكون الإجمال بسبب التصريف"
فكل فعل على وزن افتعل إذا كان معتلّ العين أو مضعفاً يتّحد اسم فاعله واسم مفعوله.
مثال معتلّ العين: المختار، المصطاد، المجتاب. مثال المضعّف: المضطرّ، المحتلّ.
وكل صيغة "فاعل مضعّفةٍ" يستوي لفظ اسم فاعلها واسم مفعولها كما يستوي مضارعها المبنيّ للمعلوم والمبنيّ للمجهول.
مثاله: ضارّ يُضارُّ (للفعلين). مضارّ: لاسم الفاعل والمفعول. (روضة الناظر: 2/44).
أصل (248): "الإجمال قد يكون من وجه والوضوح من وجه آخر".
مثاله قوله تعالى: ﴿وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141]. نصٌّ واضحٌ في إتيان الحقّ. مجملٌ في مقدار الحقّ لاحتماله النصف وأقلّ وأكثر. (مذكرة أصول الفقه: 323).

- (ﻫ) حجية القياس

(ﻫ) حجّية القياس:
أصل (327) : "القياس يصار إليه عند الضرورة، ولا يستغني عنه فقيه".
وجاء في كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعريّ: "ثم الفهمَ الفهمَ فيما أُدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآنٌ ولا سُنّةٌ، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبّها إلى الله وأشبهها بالحقّ". (المسودّة: 367). (الرسالة: 599).
أصل (328): "جاءت الشريعة بالتسوية بين المتماثلين في الحكم والتفريق بين المختلفين". وهذا هو أصل القياس، وقد أخطأ من نفى القياسَ مطلقاً.
جاء في أعلام الموقّعين: "وقد أرشد الله تعالى عباده إليه في غير موضع من كتابه فقاس النشأة الثانية على النشأة الأولى في الإمكان وجعل النشأة الأولى أصلا والثانية فرعاً عليها، وقاس حياة الأموات بعد الموت على حياة الأرض بعد موتها بالنبات، وقاس الخلق الجديد الذي أنكره أعداؤه على خلق السماوات والأرض، وجعله من قياس الأولى كما جعل قياس النشأة الثانية على الأولى من قياس الأولى، وقاس الحياة بعد الموت على اليقظة بعد النوم، وضرب الأمثال وصرفها في الأنواع المختلفة وكلها أقيسة عقلية ينبه بها عباده على أن حكم الشيء حكم مثله. فإن الأمثال كلها قياسات يُعلم منها حكم الممثل من الممثل به وقد اشتمل القرآن على بضعة وأربعين مثلاً تتضمن تشبيه الشيء بنظيره والتسوية بينهما في الحكم.
وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاّ الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 43]. فالقياس في ضرب الأمثال من خاصة العقل وقد ركز الله في فطر الناس وعقولهم التسوية بين المتماثلين وإنكار التفريق بينهما والفرق بين المختلفين وإنكار الجمع بينهما". (أعلام الموقّعين: 1/132).
أصل (329): "ليس في الشريعة ما يخالف القياس الصحيح".
وفي كتاب "أعلام الموقّعين" أمثلة كثيرة لمسائل قيل إنّها على خلاف القياس الصحيح وليست كذلك فليُراجع هناك. (أعلام الموقّعين: 2/5). (الفتاوى: 19/176 ، 288).
أصل (330): "الناسُ في حجية القياس طرفان ووسط".
(الطرف الأول): هو نفاة القياس جملةً فجوّزوا أنّ الشريعة تفرّق بين متماثلين وتجمع بين مختلفين .. فنهوا عن تصرية الغنم للخبر وأجازوا تصرية غيرها من الأنعام. ونهوا عن البول في الماء الدائم للخبر وأجازوا صبّ البول من إناء في الماء الدائم.
(الطرف الثاني): هو الذين غلوا في إثباته فردُّوا الأحاديث بحجّة أنّها تخالف القياس أو قياس الأصول.
والقول الوسط هو إعمال القياس عند الضرورة حيث لا نصَّ، وتركه عند ثبوت النصّ. (أعلام الموقّعين: 1/192).

- (د) التأويل

(د) التأويل:
أصل (249): "التأويل في اصطلاح الأصوليين هو صرفُ اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى محتمل مرجوح بدليل يدلُّ على ذلك".
والتأويل له معان ثلاث هذا الأول:
والمعنى الثاني: هو تفسير الكلام سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه، وهذا هو التأويل في اصطلاح جمهور المفسّرين.
المعنى الثالث:هو الحقيقة التي يؤول الكلام إليها وإن وافقت ظاهره. كقوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف:53]. (روضة الناظر: 2/30). (الفتاوى: 5/35-36).
أصل (250): "وكل مؤوّل يلزمه أمران:
(الأول): أن يُبيّن احتمال اللفظ لما حمله عليه.
(الثاني): الدليل الصارف له إلى المحتمل المرجوح".
أصل (251) : "التأويل الفاسد هو التأويل بدليل يظنّه المؤوّل دليلاً وليس بدليل في نفس الأمر". (مذكرة أصول الفقه: 317).

- (د) أقسام القياس

(د) أقسام القياس:
أصل (316): "ينقسم القياسُ باعتبار القوّة إلى قسمين: القياسُ الجليُّ والقياسُ الخفيُّ".(العُدّة: 4/1325). (شرح الكوكب المنير: 4/207).
أصل (317): "القياسُ الجليُّ: هو ما كانت العلّةُ فيه منصوصةً، أو ثبتت بالإجماع، أو لم تكن منصوصةً إلاّ أنّ الفارقَ بين الأصلِ والفرعِ مقطوعٌ بنفي تأثيره". (العُدّة: 4/1325). (شرح الكوكب المنير: 4/207).
أصل (318): "القياسُ الخفيُّ: هو ما كانت العلّةُ فيه مستنبطةً، أو لم يكن مقطوعاً بنفي الفارق بين الأصل والفرع". (العُدّة: 4/1325). (شرح الكوكب المنير: 4/208).
أصل (319):"وينقسم القياسُ باعتبار العلّة إلى: قياس العلّة وقياس الدلالة وقياس الشبه". (أعلام الموقّعين: 1/135). (شرح الكوكب المنير: 4/209).
أصل (320) : "قياس العلّة: هو ما ثبت إلحاق الفرع بالأصل بواسطة العلّة، منصوصةً كانت أو مستنبطةً".
كقوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]. نظيران يجمعهما المعنى الذي يصحّ تعليق الإيجاد والخلق به.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران:137].
فهم الأصلُ ونحن الفرعُ والذنوب العلّةُ الجامعة والحكمُ الهلاكُ.
وقوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ﴾ [الأنعام: 133]. فذكر أركان القياس الأربعة:
العلّة: عموم مشيئة الله وكمالها. الحكم: إذهابه بِهم. الأصلُ: من كان من قبلُ. الفرع: المخاطبون. (أعلام الموقّعين: 1/135). (شرح الكوكب المنير: 4/209).
أصل (321) : "قياسُ الدلالةِ هو الجمعُ بين الأصل والفرع بما يدُلُّ على العلّة لا بالعلّة نفسها".
كقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فُصلت: 39].
الأصلُ: الأرض الميتة. الحكمُ: إيجاد بعد عدم. الفرعُ: الموتى من البشر. العلّةُ: عموم قدرة الله. ودليل العلّة: إحياء الأرض الميتة. (أعلام الموقّعين: 1/ 139).
أصل (322): "قياسُ الشبه: هو تردّد الفرع بين الأصلين المختلفين في اقتضاء الحكم".
وهذا أضعف أنواع القياس، ولم يرِد في القرآن إلاّ مردوداً عليه. (الفتاوى: 9/191-192). (أعلام الموقّعين: 1/147).
أصل (323): "العلّةُ تفسدُ بعدم التأثير". لأنّ ثبوت الحكم بدون هذا الوصف يُبيّن أنّ هذا الوصفُ ليس علّةً. (الفتاوى: 20/168).
أصل (324): "النّزاع في تعليل الحكم الواحد بعلّتين نزاعٌ في العبارة".
فالمجوّزون لا ينازعون المانعين في أنّ العلّتين حال الاجتماع لم تستقل واحدة منهما به، والمانعون لا ينازعون المجوّزين في أنّ كل واحدة من العلّتين مستقلّة حال انفرادها .. فصار النّزاع نزاعاً في العبارة.
ومثال ذلك: من لمس النساء ومسّ ذكره وبال. ومن قَتل وارتدّ وزنى.
ومثل الربيبة إذا كانت محرمة بالرضاع كما جاء في الحديث: ‹‹إنّها لو لم تكن ربيبتي في حجري لمّا حلّت لي لأنّها بنت أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثُويبةَ مولاة أبي لهب››. وكما يُذكر عن أحـمد: هذا كلحم خنْزير ميّت حرام من وجهين". (روضة الناظر: 2/337). (الفتاوى: 20/169-174).
أصل (325): "القياسُ إذا اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علّة الأصل فيه يُسمَّى "قياس طرد" وهو قياسُ العلّة. وإذا اقتضى نفي الحكم عن الفرع لانتفاء علّة الأصل عن الفرع يُسمَّى "قياس عكس"".
مثال ذلك: إذا وُجِدَتْ علّة الإسكار في شرابٍ اقتضى تحريمه، وإذا انتفت العلّةُ عن شرابٍ انتفى حكم التحريم عنه. (أعلام الموقّعين: 1/157). (الفتاوى: 29/105).
أصل (326): "القياس الجليّ يُقدّم على المفهوم". (الفتاوى: 31/141).

- (ﻫ) البيان

(ﻫ) البيان:
أصل (252): "البيان هو تصيير المشكل واضحاً".
وقيل: "البيان يطلق على كلّ إيضاح تقدّمه خفاءٌ أو لا".
ويحصل البيان بكل ما يزيل الإشكال فيكون:
(‌أ) كلاماً: كبيان قوله تعالى: ﴿إِلاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: 1]. بقوله ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة: 3].
(‌ب) كتابةً: ككتابته صلى الله عليه وسلم إلى عُماله في الصّدقات.
(‌ج) أو إشارةً: كقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹الشهر هكذا وهكذا وهكذا›› "وأشار بأصابعه إلى كونه مرّة ثلاثين ومرّة تسعاً وعشرين". [متّفق عليه].
(‌د) أو فعلاً: كبيانه صلى الله عليه وسلم للصلاة والحجّ بالفعل وقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي››. [البخاري]. وقوله صلى الله عليه وسلم: ‹‹خذوا عنِّي مناسككم››. [مسلم].
(ﻫ) أو سكوتاً على فعل أي تقرير كقول جابر رضي الله عنه: ‹‹كنّا نعزل والقرآن ينْزل››. (روضة الناظر: 2/52-55).
أصل (253): "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة".
هذا هو الحقّ الذي عليه الجمهور.
وذهب قوم إلى أنّه واقعٌ، واحتجوا بأنّ جبريل عليه السلام أخّر بيان صلاة الصبح من ليلة الإسراء. وأُجيب بأنّه لو كانت صلاة الصبح من ذلك اليوم واجبة الأداء لبيّنها جبريل عليه السلام. (روضة الناظر: 2/57). (المسودّة: 181). (العُدّة: 3/724). (شرح الكوكب المنير: 3/451).
أصل (254): "جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب اُختُلِفَ فيه".
ورجّح "ابن قدامة" في جوازه واستدلّ بأدلّة منها:
= قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [القيامة: 19]. ثم للتراخي فدلّت على تراخي البيان عن وقت الخطاب.
= قوله تعالى: ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ [الأنفال: 41]. من مستحقّي خُمس الغنيمة كان النبي صلى الله عليه وسلم عالماً أنّهم بنوا هاشم وبنو المطلب دون إخوانِهم من بني نوفل وبني عبد شمس. فأخّر البيان حتى سُئل فقال: ‹‹إنّا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام››.
= وبأن آيات الصلاة والزكاة والحجّ بيّنتها السنّة بالتراخي والتدريج في أوقات الحاجّة.
= وبأنّ النسخ بيان لانقضاء زمن الحكم الأول ولا خلاف في تأخير بيانه إلى وقته. (روضة الناظر: 2/57). (المسودّة: 178).

(7) العموم والتخصيص



(8) الإطلاق والتقييد

(8) الإطلاق والتقييد:
أصل (282): "المطلق هو المتناول لواحد لا بعينه باعتبار حقيقة شاملة لجنسه".
مثل: النكرة في سياق الأمر بقوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: 3].
وقد يكون في الخبر مثل: ‹‹لا نكاح إلاّ بوليّ وشاهدين››. (روضة الناظر: 2/191). (المسودّة: 147).
أصل (283): "المقيّد هو المتناول لمعيّن أو لغير معيّن موصوف بأمرٍ زائدٍ على الحقيقة الشاملة لجنسه".
كقوله تعالى: ﴿وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: 92]. قيّد الرقبة بالإيمان، والصيام بالتتابع.
وقد يكون اللفظ مقيداً من جهة ومطلقاً من جهة أخرى كقوله تعالى: ﴿رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ فهي مقيّدة بالإيمان، مطلقة بالنسبة إلى السلامة وسائر الأوصاف. (روضة الناظر: 2/191).
أصل (284) : "يحمل المطلق على المقيد إذا اتّحد الحكم والسبب، ولا يحمل عليه إذا اختلف الحكم والسبب".
مثال: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ﴾ [المائدة: 3]. و ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ [الأنعام: 145]. فهنا اتّحد الحكم والسبب فوجب حمل المطلق على المقيد خلافاً لأبي حنيفة. (روضة الناظر: 2/192). (المسودّة: 146).
أصل (285) : "إذا اتّحد الحكم واختلف السبب ففي حمل المطلق على المقيّد اختلافٌ".
مثال قوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: 3]. وقوله تعالى: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92].
فحمل المطلق على المقيّد هنا قول المالكية وبعض الشافعية واختيارُ القاضي. وعدم حمل المطلق على المقيّد قول الحنفية وبعض الشافعية وعن أحمد ما يدلّ على ذلك. (روضة الناظر: 2/194). (المسودّة: 144).
أصل (286) : "إن اختلف الحكم واتّحد السبب ففيه خلاف".
مثال: صوم الظهار وعتقه مقيّدان بقوله: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة:4] وإطعامه مطلق. ورجح ابن قدامة وأبو الخطاب عدم حمل المطلق على المقيد. (روضة الناظر: 2/197). (التمهيد: 2/179).
أصل (287) : "المقيدان بقيدين مختلفين إن كان أحدهما أقرب للمطلق ففي حمل المطلق عليه اختلاف، وإن لم تكن أحدهما أقرب لم يحمل على واحد منهما اتّفاقا".
المثال الأول: إطلاق صوم كفارة اليمين عن القيد ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [المائدة: 89].
وقَيْدُ التَّتَاْبُعِ في صوم الظهار ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [المجادلة: 4].
وقَيْدُ التفريق في صوم التمتع: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة: 196]. فالظهار أقرب لليمين من التمتع لأنّ كلاًّ منهما كفارة فيقيد بالتتابع دون التفريق.
والمثال الآخر: أطلق صوم قضاء رمضان ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185]. مع قيد صوم الظهار بالتتابع وصوم التمتع بالتفريق، فقضاء رمضان ليس أقرب لواحدٍ منهما فيبقى على إطلاقه. (المسودّ: 145). (التمهيد: 2/188).

(6) أقسام الكلام

(6) أقسام الكلام:
أصل (238) : "الكلام ينقسم إلى ثلاثة أقسام: نصّ وظاهرٌ ومجملٌ".
فالنصّ ما يحتمل معنىً واحداً كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: 196].
وإن احتمل الكلام معنيين فأكثر فلا بد أن يكون في إحداهما أظهر من الآخر أو لا. فإن كان أظهر في إحداهما فهو الظاهر ومقابله المحتمل المرجوح. فلفظ الأسد ظاهر في الحيوان المفترس ومحتمل في الرجل الشجاع.
وإن كان لا رجحان له في إحدى المعنيين أو المعاني فهو المجمل كالعين والقرء ونحوها.
وقد يطلق النص على الظاهر وعلى الوحي وعلى كل ما دلّ. (روضة الناظر: 2/26). (الفتاوى: 19/288 - 7/391).
أصل (239): "الكلام في الكتاب والسنّة وكلام العرب هو المفيد الذي تسميه النحاة جملة تامة". (الفتاوى: 12/461 ، 104 . / 7/100-102 . / 10/232-233).
أصل (240) : "الكلام يتناول اللفظ والمعنى". (الفتاوى: 6/203).
والنطق باللفظ من غير إرادة المعنى لا يكون كلاماً
أصل (241): "أقسام حقائق الألفاظ أربعة: وضعية وعُرفية وشرعية والرابع مختلف في وجوده وهو المجاز المطلق".
والمراد بالوضعي: هو الحقيقة اللغوية كاستعمال لفظ "الرجل" في الإنسان الذكر.
والعرفيّ: هو أن يخصص عرف الاستعمال في أهل اللغة الاسم ببعض مسمّياته الوضعية كتخصيص اسم "الدابة" بدواب الأربع، مع أنّ الوضع لكل ما يدبُّ على الأرض.
والشرعيّ: هو المعنى المراد في الشرع، أي في الكتاب والسنّة.
والمجاز: هو استعمال الكلمة في غير ما وضعت له لعلاقة بينهما مع قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي. وأنكر شيخ الإسلام وجوده.
وإن تعذّر الحمل على الشرعيّ فالعرفيّ لأنّه المتبادر إلى الفهم، وإن تعذّر فاللغويّ كما في الحديث: "فإن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائماً فليصلِّ". [مسلم وأبي داود].
حمله صاحب (المغني) على معنى فليدعُ، كما في رواية أبي داود. الفتاوى: 7/96-191 (شرح الكوكب المنير: 1/149).
أصل (242): "خطاب الشرع إذا ورد بلفظ له حقيقة في اللغة وحقيقة في الشرع فإنّه يجب حمل ذلك على عرف الشرع".
هذا مذهب أكثر العلماء. ولذلك ضعّفوا حمل حديث: «من أكل لحم جزور فليتوضأ» على التنظيف بغسل اليد.
ورجح النووي التوضؤ منه لضعف الجواب عن الحديث الصحيح بذلك. (شرح الكوكب المنير: 3/434). (المسودّة: 177).

(10) القياس

(10) القياسُ:
أصل (297) : "القياس: شرعاً هو حمل فرعٍ على أصلٍ بجامع بينهما".
وهو في اللغة: التقدير ومنه "قستُ الثوب بالذراع" إذا قسته به، والمراد بحمل الفرع على الأصل الإلحاق في الحكم، كإلحاق "الأرز" بـ"البرّ" في تحريم الربا، بالجامع الذي بينهما وهو القوت. (روضة الناظر: 2/226). (إرشاد الفحول: 656).

(11) الاجتهاد

(11) الاجتهادُ:
(أ) الاجتهاد:
أصل (331) : "الاجتهاد: بذل الوُسع في نيل حكم شرعيّ عمليّ بطريق الاستنباط أو طلب الصواب بالأمارات الدالة عليه". (إرشاد الفحول: 818). (الموافقات: 4/464).
وهو في اللغة: مأخوذ من الجُهد، وهو المشقّة والطاقة، أي استفراغ الجهد والطاقة في أيِّ فعلٍ كان.
أصل (332) : "يجتهد العلماء المؤمنون: في فهم المراد من النُّصوص، وفي إدراك عِلل الأحكام وفي القبلة وما إلى ذلك". (إرشاد الفحول: 819). (روضة الناظر: 2/414). (التمهيد: 4/310).
أصل (333) : "إذا اختلفُوا فالمصيبُ واحدٌ، وكلّ مُجتهدٍ مأجورٌ". (العُدّة: 5/1540). (روضة الناظر: 2/414).
لأنّ الحقَّ عند الله واحدٌ. وفي الحديث: ‹‹إذا اجتهد الحاكمُ فأخطأ فله أجرٌ، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران››. [أبو داود].
أصل (334) : "الاختلافُ قسمان: تضادٌّ وتنوعٌ".
واختلاف التضادّ : هو أن يُفتي بتحريم شيءٍ ويُفتي آخر بإباحته.
واختلاف التّنوع : هو أن يُفتي عالمان بأمرين مختلفين جائزين ، مثل: الاختلاف في عدد التكبيرات في الآذان والإقامة، والاختلاف في التشهُّد، ودعاء الاستفتاح وما إلى ذلك. (الفتاوى: 9/138-141).
أصل (335): "ليس للمجتهد أن يكونَ له قولان متناقضان في مسألةٍ واحدةٍ في وقت واحد". ولكن يُمكن أن يتغيّر اجتهاده في المسألة إذا ازداد علمه. (إرشاد الفحول: 854). (روضة الناظر: 2/434).
أصل (336): "لا يجوز أن يكونَ الاختلاف في المسائل الاجتهادية سبباً للتفرُّق والتقاطع". لأنّ التفرُّق والتقاطع حرامٌ.
قال تعالى: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105].
قال الشافعيّ: "رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب". (الفتاوى: 3/252 ، 253 ، 344 – 22/172-174).
أصل (337) : "الاجتهادُ يقبل التجزئة".
أي يجوزُ أن يكونَ الرجلُ عالماً مجتهداً في بابٍ من أبواب العِلمِ ويكونَ طالبَ علمٍ في أبوابٍ أُخرى. ولذلك قالوا المجتهدون على قسمين: مُطلقٌ وجزئيٌّ. (إرشاد الفحول: 831). (الفتاوى: 20/204 ، 212 ، 213).
أصل (338): "التمكّن من الاجتهاد لا يتمّ إلا بشروط".
(الأول): أن يكون عالماً بنصوص الكتاب والسنة، فإن قصر في إحداهما لم يكن مجتهداً، ولا يجوز له الاجتهاد. والمراد ما يتعلّق بالأحكام.
قال الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول (ص: 822):
"ولا يخفاك أن كلام أهل العلم في هذا الباب من قبيل الإفراط، وبعضه من قبيل التفريط، والحق الذي لا شكَّ فيه ولا شبهة أن المجتهد لا بدّ أن يكون عالماً بما اشتملت عليه مجاميع السنة التي صنفها أهل الفن، كالأمهات الست وما يلحق بها، مشرفاً على ما اشتملت عليه المسانيد والمستخرجات والكتب التي التزم مصنفوها الصحة، ولا يشترط في هذا أن تكون محفوظة له مستحضرة في ذهنه، بل يكون ممن يتمكن من استخراجها من مواضعها بالبحث عنها عند الحاجة إلى ذلك. وان يكون ممن له تمييز بين الصحيح منها والحسن والضعيف بحيث يعرف حال رجال الإسناد معرفة يتمكن بها من الحكم على الحديث بأحد الأوصاف المذكورة، وليس من شرط ذلك أن يكون حافظاً لحال الرجال عن ظهر قلب، بل المعتبر أن يتمكن بالبحث في كتب الجرح والتعديل من معرفة حال الرجال مع كونه ممن له معرفة تامة بما يوجب الجرح وما لا يوجبه من الأسباب وما هو مقبول منها وما هو مردود وما هو قادح من العلل وما هو غير قادح".
(الثاني): أن يكون عارفاً بمسائل الإجماع حتى لا يُفتي بخلاف ما وقع الإجماع عليه.
(الثالث): أن يكون عالماً بلسان العرب، بحيث يمكنه تفسير ما ورد في الكتاب والسنة من الغريب. قال الشافعيّ: "يجب على كلّ مسلم أن يتعلّم من لسان العرب ما يبلّغه جهده في أداء فرضه".
(الرابع): أن يكون عالماً بعلم أصول الفقه لاِشتماله على ما تمسّ الحاجة إليه.
(الخامس): أن يكون عارفاً بالناسخ والمنسوخ، بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك مخافة أن يقع في الحكم بالمنسوخ. جاء في "كتاب الاعتبار" عن عليّ أنّه مرَّ على قاصٍ. فقال: تعرفُ الناسخ والمنسوخ. قال: لا. قال: هلكت وأهلكتَ.
ولا بُدّ مع هذا أن يكون تقيّاً يبتغي بعلمه وعمله وجه الله تعالى كي يستفيد منه العباد. (إرشاد الفحول: 819 - 824).
أصل (339): "إذا تعارض دليلان عند المجتهد ولم يترجّح أحدهما وجب عليه التوقُّف". (نزهة النظر: 39).
أصل (340) : "ينقسم الاجتهاد بالنظر إلى أهله إلى اجتهاد مطلق واجتهاد مقيّد".
قال الإمام ابن القيم في "أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين" [4/212-214]:
(1) مجتهد مطلق: وهو العالم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة فهو المجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقة الأدلة الشرعية حيث كانت، فهذا النوع هم الذين يسوغ لهم الإفتاء والاستفتاء، وهم المجدّدون لهذا الدّين القائمون بحجة الله في أرضه.
(2) مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به، فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله عارف بها متمكن من التخريج عليها، وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه من غير أن يكون مقلداً لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفُتيا ودعا إلى مذهبه ورتبه وقرّره، فهو موافق له في مقصده وطريقه معاً.
(3) مجتهد مقيَّد في مذهب من انتسب إليه مقرر له بالدليل مُتْقِنٌ لفتاوِيه، عالم بها لا يتعدى أقواله وفتاوِيْهِ ولا يخالفها، وإذا وجد نصّ إمامه لم يعدل عنه إلى غيره البتة. بل بنصوص إمامه فهي عنده كنصوص الشارع، قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة. وقد كفاه الإمام استنباط الأحكام ومؤنة استخراجها من النصوص.
وشأن هؤلاء عجيب، إذ كيف أوصلهم اجتهادهم إلى كون إمامهم أعلم من غيره، وأنّ مذهبه هو الراجح والصواب دائر معه، وقعد بهم اجتهادهم عن النظر في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النصّ.
(4) مجتهدٌ في مذهب من انتسب إليه، وحفظ فتاوى إمامه وأقرّ على نفسه بالتقليد المحضّ له، من جميع الوجوه. وذكر الكتاب والسنة عنده يكون على وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج به والعمل، بل إذا رأى حديثاً صحيحاً مخالفاً لقول من انتسب إليه أخذ بقوله وترك الحديثَ. فليس عند هؤلاء سوى التقليد المذموم. (أعلام الموقّعين: 1/212-214).
أصل (341): "على العالِم الاجتهادُ، وعلى العاميّ السؤالُ".
أي أنّ من قدر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد لكونه مأموراً باتّباع الدليل، ومن لم يقدر على الاجتهاد وجب عليه السؤال لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43]. (إرشاد الفحول: 876). (روضة الناظر: 2/437). (الفتاوى: 19/261).
أصل (342): "لازم المذهب ليس بمذهب إذا لم يلتزمه".
لأنّ الإنسان رُبّما اعتقد عقيدةً وهو يُنكر لازمها. (الفتاوى: 20/217-219).
أصل (343): "لا يمتنع من الاستماع ممن خالفه لأنّه قد يتنبّه ويزداد به تثبيتاً فيما اعتقد من الصواب".
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: 18]. (الرسالة: 510).
أصل (344): "الاختلاف المحرّم هو الاختلاف في الحكم الثابت الذي لا يحتمل التأويل".
وهو كاختلاف أهل الكتاب: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]. (الرسالة: 560).
أصل (345): "الاختلاف في الحكم الذي يحتمل التأويل وله مجال للاجتهاد يجب أن يُعذر بعضهم بعضاً".
كاختلاف الصحابة في المراد بالقرء في قوله تعالى: ﴿ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: 228]. وما شاكل ذلك. (الرسالة: 560).
أصل (346): "العقلُ تابعٌ للنقل".
إذا ثبت الخبر أو الحكم بنقل صحيح وجب المصير إليه سواء عرف العقل الحكمة أو لم يعرف. ولا يخالف صحيح المنقول صريح المعقول. (الموافقات: 1/79). (الفتاوى: 5/29-30). (3/338-339). (الموفقات: 3/24).
أصل (347): "يُنقَضُ حكم الحاكم إذا خالف النصّ أو الإجماع، ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد".
وذلك أن مصلحة نصب الحاكم تناقض نقض حكمه، ولكن ينقض مع مخالفة الأدلّة لأنّه ظهر أنّه حكم بغير ما أنزل الله. (الموافقات: 4/533).
أصل (348): "إذا تعلّق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر في ذلك إلى العلم بمقاصد الشريعة ولا إلى معرفة اللغة العربية".
مثل من عرف أنّ المسكر حرام وأنّه خمرٌ إذا رأى من يشرب شراباً يعلم أنّه مسكرٌ فقد عرف أنّه شارب وعليه حدُّ الشرب، ولا يُقال له لا تُفتِ حتى تعلم مقاصد الشريعة واللغة العربية. ومن عرف أنّ المريض يُرخّص له في التيمم .. فإنّه إذا رأى من ثقل به المرض ويريد التوضؤ بالماء البارد فإنّه يأمره بالتيمم، وإن كان لا يعرف اللغة العربية ولا مقاصد الشريعة، وأولى من هذا وذاك من رأى من يشرك بالله الشرك الأكبر المعروف بالأدلّة فإنّه يدعو إلى تركه والتوبة منه وإخلاص العبادة لله وإن كان لا يعرف اللغة العربية ولا مقاصد الشريعة. (الموافقات: 4/527).
أصل (349): "لا يُتّبَعُ العالم في زلّته، ولا يجوز التشنيع عليه بِها".
أما اتّباعه في الزلّة فإنّه لا يجوز، لأنّ الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وأما عدم تشنيعه بالزلّة فلأنّه مأجور له أجر اجتهاده وإن أخطأ. فابن عباس رضي الله عنهما لم ير في ربا الفضل بأساً، وكذلك عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وجابر بن زيد وعكرمة. وكان عمر رضي الله عنه ينهى عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ.
وكثير من فقهاء الكوفة لم يروا بشرب النبيذ بأساً إن لم يكن من العنب، وهذا أمرٌ مشهور. (الموافقات: 4/532).
أصل (350): "الشريعة على قولٍ واحدٍ لا اختلاف فيها، وإنّما الاختلاف من جهة نظر المجتهد".
قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]
ولكن الإنسان العالم قد يعجز عن الجمع بين الأدلّة ويمكن أن يراها مختلفة في نظره، وذلك لقصوره وضعفه البشري، ولا خلاف في إمكان وقوع الاختلاف في نظر المجتهدين. (الموافقات: 4/640).

(9) المفهوم والمنطوق



(12) ترتيب الأدلّة

(12) ترتيب الأدلّة:
أصل (366) : "يحب أولاً تقديم الكتاب ثُمّ السنّة والإجماع". (الفتاوى: 20/9 / 22/368).
وقد أخطأ من قال: يُنظر أولاً في الإجماع
قال الإمام الشافعي: "الأصل قرآن أو سنّة، فإن لم يكن فقياسٌ عليها، وإذا اتّصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحّ الإسناد عنه فهو سنّة، والإجماع أكثر من الخبر المفرد والحديث على ظاهره، وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهره أولاها به، وإذا تكافأت الأحاديث فأصحّها إسناداً أولاها، وليس المنقطع بشيء ما عدا منقطع ابن المسيّب، ولا يُقاس أصلٌ على أصل، ولا يُقال لأصلٍ: لِمَ ولا كيف، وإنّما يُقالُ للفرع: لِم. فإذا صحّ قياسُهُ على الأصل صحّ وقامت به الحجّة". [المسودّة: 318].
أصل (367):"القضايا الجزئية إذا عارضت العامّة القطعية أوّلت أو أهملت".
ومثال ذلك "ثبوب عصمة الأنبياء عن الكبائر" فهي قاعدة عامة قطعية،فوجب تأويل الحديث: «لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات». وحمله على وجه لا يخرم ذلك الأصل.
وثبتت قاعدة: "حرمة الجنّة على المشرك والكافر". فوجب تأويل الذي قال: "حرِّقوني". بوجه لا يخرم القاعدة.
وهذا جارٍ في أصول العقائد، لأنّها هي التي لا تقبل التخصيص ولا الاستثناء. (الموافقات: 3/232).
قال الإمام الشاطبي: "إذا ثبتت قاعدة عامة أو مطلقة فلا تؤثر فيها معارضة قضايا الأعيان ولا حكايات الأحوال والدليل على ذلك أمورٌ:
(أحدها) أنّ القاعدة مقطوعة بها بالفرض، لأنّا إنّما تتكلّم في الأصول الكليّة القطعية. وقضايا الأعيان مظنونة أو متوهمة، والمظنون لا يقف للقطعيّ ولا يعارضه.
(الثاني) أنّ القاعدة غير محتملة لاستنادها إلى الأدلّة القطعية وقضايا الأعيان محتملة لإمكان أن تكون على غير ظاهرها أو على ظاهرها وهي مقتطعة ومستثناة من ذلك الأصل فلا يمكن -والحالة هذه- إبطال كلّية القاعدة بما هذا شأنه.
(الثالث) أنّ قضايا الأعيان جزئية والقواعد المطردة كلّيات، ولا تنهض الجزئيات أن تنقض الكلّيات، ولذلك تبقى أحكام الكلّيات جارية في الجزئيات وإن لم يظهر فيها معنى الكلّيات على الخصوص.
(الرابع) أنّها لو عارضها فإمّا أن يعملا معاً أو يُهملا أو يعمل بأحدهما دون الآخر، أعني في محلّ المعارضة: فإعمالهما معاً باطلٌ وكذلك إهمالهما، لأنّه إعمال للمعارضة فيما بين الظنّيّ والقطعيّ، وإعمال الجزئيّ دون الكليّ ترجيح له على الكليّ، وهو خلاف القاعدة. فلم يبق إلاّ الوجه الرابع وهو إعمال الكليّ دون الجزئيّ وهو المطلوب". (الموافقات: 4/532).
أصل (368): "بعضُ الأدلّة أولى بالتقديم من بعضٍ".
1) فيقدّم القطعيّ على الظنّي.
2) ويقدّم المحكم على المتشابه.
3) والحاظر على المبيح.
4) والمنطوق على المفهوم.
5) والخاص على العام.
6) وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأمته على فعله. (يراجع موضوع ترتيب الأدلّة والترجيحات في المصادر المذكورة في آخر الكتاب).
أصل (369): "يرجّح الحديث على الحديث بمرجحات معلومة". منها:
(1) كثرة العدد في أحد الجانبين، وهي مؤثّرة في باب الرواية لأنّها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر.
المثال: حديث إيجاب الوضوء من مسّ الذكر، أكثر طرقاً من حديث الرخصة، وكلاهما صحيح.
(2) أن يكون أحد الروايتين متّفقاً على عدالته والآخر مختلفاً فيه فالمصير إلى المتّفق عليه أولى.
(3) أن يكون راوي أحد الحديثين كان بالغاً لما سمعه والثاني كان صغيراً حالة الأخذ.
(4) أن يكون أحد الحديثين سماعاً أو عرضاً والثاني يكون كتابةً أو وجادةً أو مناولةً، فيكون الأول أولى بالترجيح لما تخلّل هذه الأقسام من شبهة الانقطاع لعدم المشافهة، ولهذا حديث ابن عباس: «أيما إهابٍ دبغ فقد طهر». على حديث ابن عكيم: «لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عصب». لأنّ هذا كتاب وذاك سماع.
(5) أن يكون أحد الروايتين مباشراً لما رواه والآخر حاكياً، فالمباشر أعرف بالحال.
من حديث ميمونة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم نكحها وهو حلالٌ، ويؤيده رواية أبي رافع. وخالف ابن عباس وروى أنّه صلى الله عليه وسلم نكحها وهو حرام. فقدّم حديث ميمونة لكونها صاحبة القصة، وحديث أبي رافع لكونه السفير بينهما على حديث ابن عباس.
ولذلك قالت عائشة لما سئُلت عن المسح على الخفين: سلوا علياً فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6) أن يكون أحد الراويين أكثر ملازمة لشيخه من الآخر.
(7) أن يكون أحد الراويين جمع حالة الأخذ بين المشافهة والمشاهدة، والثاني أخذ من وراء حجاب، فيؤخذ بالأول لأنّه أقرب إلى الضبط، ولهذا قدّم حديث عروة والقاسم بن محمد على حديث أسود بن يزيد لما اختلفوا في زوج بريرة أكان عبداً أم حُرّاً.
(8) أن يكون أحد الراويين لم يضطرب لفظه والآخر قد اضطرب. ولذا قدّم حديث ابن عمر في رفع اليدين عند التكبير والركوع والرفع على حديث البراء: "كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود". وكان الراوي أولاً لا يزيد "ثم لا يعود". ثم زاد بعد. وغير ذلك من الترجيحات. كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار: 11-23
أصل (370): "إذا تعارض الأصل والظاهر وجب النظر في الترجيح".
فتكون أقسام المسألة أربعة:
(الأول) ما يُرجّح فيه الأصل جزماً كمن ظنّ حدثاً أو طلاقاً أو عتقاً أو صلّى ثلاثاً أم أربعاً فإنّه يعمل فيها بالأصل بلا خلاف، لأنّ الأصل عارضة احتمالٌ.
(الثاني) ما يرجّح فيه الظاهر جزماً وذلك إذا استند إليه سبب منصوب شرعا كالشهادة تعارض الأصل والرواية واليد في الدعوى وإخبار الثقة بدخول الوقت أو بنجاسة الماء وإخبارها بالحيض وانقضاء الإقراء.
(الثالث) ما يُرجّح فيه الأصل وذلك إذا استند الاحتمال إلى سبب ضعيف. وله أمثلةٌ كثيرة منها:
الشيء الذي لا يُتيقّنُ نجاسته ولكن الغالب فيه النجاسة، كالأواني وثياب مدمني الخمر والكفار المتدينين بها ودعوى المديون الأعسار، والمتبايعان إذا قال أحدهما: لم أفارقه فلي خيار المجلس فالقول قوله إن قصرت المدّة.
(الرابع) ما ترجّح الظاهر على الأصل بأن كان سبباً قوياً منضبطاً مثل: إذا اختلف المتعاقدان في الصحة والفساد، فالأصحُّ تصديق مدعي الصحة، لأنّ الظاهر جريان العقود بين المسلمين على قانون الشرع. ولو شكّ هل رضع خمساً أو أقلّ فلا تحريم لعدم معارضة أصل الإباحة بأصل آخر. (الأشباه والنظائر: 70). (الفتاوى: 21/326).
أصل (371): "إذا تعارضَ حاظِرٌ ومُبيح فالحاظر أولى بالعمل".
وهذا إذا جُهِل التاريخُ وتعذَّر الجمعُ, فيكونُ تقديمُ الحَاظِر أحْوطَ للنَّفسِ لأنََّ تركُ المباحِ أيسَرُ من الوقوع في الحرام. (الفتاوى: 20/261-262).
أصل (372): "إذا تعارضَ قولَ النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وفعلُه قُدِّمَ القول على الفعلِ في حقّ الأمَّةِ لاحتمالِ أن يكون الفعلُ من خصائصِه".
كَحديث النهي عن الوصال مع مواصلته صلى الله عليه وسلم. وحديث النهي عن استقبال أو إستدبار الكعبة عند قضاء الحاجة. مع حديث ابن عمر رضي الله عنه في فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. (التمهيد: 2/330). (إرشاد الفحول: 170). (شرح الكوكب المنير: 2/202).

(14) الردُّ على أصول مستحدثة باطلة

(14) الردُّ على أصول مستحدثةٍ باطلةٍ:
ليس ما يأتي ذكره مما قرّره علماء السلف على أنّها أصول ثابتة يُرجع إليها في استنباط وفهم مسائل الفقه الفرعية ... وإنّما هي مما اتّخذه بعضُ الناس أصولاً للاحتجاج بها جهلاً منهم بحقيقة القول ومآله. ويظنُّون أنّهم في تمسّكهم بهذه الأقوال متّبعون لفقهاء أهل السنّة والجماعة وأصولييهم، والحقّ خلاف قولهم، وأنّهم في وادٍ وعلماء الأُمّة في وادٍ. وإذا أمعنّا النظر في كل قولٍ من هذه الأقوال التي يُرادُ إلحاقها بأصول الفقه الإسلامي نجده إمّا أنّه قولٌ صحيحٌ وضعوه في غيره موضعه، أو أنّه قولٌ من أقوال فِرقةٍ مُبتدعة أو أنّه قولٌ مستحدث لم يُسبَقُوا إليه.
والقول الصحيح يجب أن يؤخذ على مراد قائله وإلاّ كان كذباً وافتراءً عليه. ولا أقول أنّ هذه الأقوال الباطلة قد أجمعت على قبولها كلّها فرقة من الفرق .. ولكن أقول جزماً أنّ كل قول من هذه الأقوال يعمل بها ويحتجّ بِها أفرادٌ أو جماعات تدّعي أنّها عاملة للإسلام، وإذا لم يتعقّب على كل قول من هذه الأقوال ولم يُبيَّن حقيقته للناس يُخشى أن يأتي بعاقبةٍ وخيمةٍ ومفسدةٍ عظيمةٍ في الدِّين والدنيا، لأنّ الذين يُروّجونها رجالٌ تزيَّوا بزيّ "العلماء" وتتلقّف أقوالهم "العامّة" لإحسانهم الظنّ بِهم وقلّة معرفتهم بالشَرْع.
ولا يتّسع المجال لنقد جميع الآراء والأفكار المنحرفة عن الصراط المستقيم لذا أُحاول أن أقول شيئاً عن أهمّها وأخطرها، وهي التي تتعلّق بموضوع العقيدة، ويتكرّرُ الاحتجاج بها في الردود والمناظرات العلمية وكأنّها أصولٌ ثابتة معروفة لا غُبار عليها.
وإليك هذه الأقوال مع البيان الموجز لكلّ منها:

(الأول): من تكلّم بكلمة الشهادة دخل الجنة كائناً من كان.
الخطأ في هذا القول هو أخذه على العموم، واعتقادُ أنّ كل من قال "لا إله إلاّ الله" يدخلُ الجنّة، ومن اعتقد هذا العموم يكونُ ضالاًّ عن الصراط المستقيم، لأنّه سيعتقد دخول اليهود والنصارى الجنّة لقولهم "لا إله إلاّ الله"، ودخول المنافقين الجنّة بقولهم "لا إله إلاّ الله" وصلاتهم وزكاتهم، ودخول المرتدين بني حنيفة ومانعي الزكاة والقرامطة وأمثالهم الجنّةَ لقولهم "لا إله إلاّ الله".
وهذا اعتقادٌ باطلٌ بالإجماع على دخول المشركين والمنافقين والمرتدين الذين ماتوا على الكفر النار وخلودهم فيها. ولذلك أفتى شيخ الإسلام "بأنّ من اعتقد دخول كل من قال "لا إله إلاّ الله" الجنّة يُستتابُ فإن تاب وإلاّ قُتل". انظر الفتاوى: 35/106.

(الثاني): نُكفِّر الأعمال ولا نُكفِّر الأعيان.
هذا القولُ له وجهٌ من الصحة وهو قول المفتي الذي لا سلطان له على أحدٍ: "إنِّي أُبيّن لكم القضايا المكفّرة لتجتنبوها وتأمروا الواقعين فيها باجتنابها ... ولكن أنا لا أقولُ لكم فلان بن فلان قد ارتدّ ودمُه مباحٌ لكم .. لأنّ إنزال العقوبة وإقامة الحدود لولاة الأُمور ونوابهم وقضاتهم، ولستُ من أولئك فأنا أُكفّر الأعمال ولا أُكفّر الأعيان".
وهذا ما كان يقوله العلماء المفتون الذين لا يشغلون مناصب الدولة كالقضاء وولاية الأمصار.
والخطأ في هذا القول هو الظنّ بأنّ "الأعيان" لا يُكفَّرون ولا يُعتقَدُ أنّهم قد كفروا وإن فعلوا الكفر الأكبر. وبطلان هذا القول ظاهرٌ بحمد الله.
لأنّ أنبياء الله كفّروا أقوامهم وكانوا أقواماً معينين. وكان عرب الجزيرة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم كفارٌ وبعضهم مسلمون، وارتدّت بنو حنيفة وكانوا قوماً معينين، وكفّر العلماء في كل قرنٍ أقواماً وأفراداً معينين.
والقرآن يأمر بالجهاد، ولا يجاهَدُ بغير وجود كفار معينين، ويُحرّم نكاح المشركات وإنكاح المشركين، وهم ناسٌ معينون، وهلمّ جرّاً .. فإنّ كل حكم من الأحكام إنّما يخصُّ أقواماً معينين، ومن أنكر تكفير المعينين مطلقاً فقد كفر بالكتاب وضلّ الضلال البعيد.

(الثالث): الجاهل لا يكفر بالشرك الأكبر إلاّ بعد بلوغ الحجّة.
وهذا باطلٌ من وجوه:
[الوجه الأول] الكفر صفةٌ يتّصف بها الإنسان وأكبر أنواعه "عبادة غير الله"، فمن عبد غير الله فقد استحقّ أن يوصف بالكفر ولا ينتقل عن دائرة هذا الحكم حتى يوحّد الله ويخصّه بالعبادة والطاعة والتوجّه، ولا يُقال إنّه مسلم حتى يأتي بالشروط الشرعية التي أولها: التوبة من الشرك. وثانيها: إقامة الصلاة. وثالثها: إيتاء الزكاة. فهذا من خطاب الوضع أي وضع الشروط والأسباب والموانع. فكما يُقال: إذا زالت الشمس وجب الظهر وإذا استهلّ رمضان وجب الصوم، يُقال: إذا تاب من الشرك وأقام الصلاة وآتى الزكاة فقد صار مسلما.
[الوجه الثاني] دلّ القرآن على أنّ أهل الأوثان وأهل الكتاب زمن نزول القرآن كانوا كفّاراً مع جهلهم:
قال الله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة: 1].
وإنّ فرعون كان عدواً لله مفسداً قبل مجيء موسى بالدعوة الإسلامية.
قال تعالى في شأن فرعون: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ [النازعات: 17]. ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 4]. ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: 39].
قال شيخ الإسلام: "فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة".(1)
[الوجه الثالث] إذا قيل "الجاهل لا يكفر" والعالم يكفُر وقد لا يكفر. فقد ثبت أنّ الجهل خيرٌ للناس من العلم، وهذا خلاف المعلوم من الكتاب والسنّة اللذين فيهما مدح العلم وأهله وذمّ الشرك وأهله .
قال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9].
وقال: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة: 67].
[الوجه الرابع] إنّ هذا هو عين مذهب الجهمية الملعون. فهم قالوا: أنّ ما كان يفعله الجاهل قبل ورود الشرع من الشرك والظلم والفواحش لم تكن سيئات وإنما كانت كفعل الأطفال والمجانين .. وقد ردّ الإمام بن تيمية عليهم في (الفتاوى: 11/676) بما فيه الكفاية وأبان هناك مذهب أهل الحقّ وكون سيئات الجاهل قبل ورود الشرع سيئات إلاّ أنّه لا يعذّب إلاّ بعد مجيء الرسالة وورود الشرع.

(الرابع): لا نُكفِّر أحداً من أهل القبلة بالذنب والشرك.
جاء في العقيدة الطحاوية: "ولا نُكفّر أحداً من أهل القبلة بذنبٍ ما لم يستحلّه". هذا هو القول المعروف .. أما تغيير هذه القاعدة بهذه الصورة .. والقول بأنّ أهل الشرك لا يزالون مسلمين فهو من أفسد الأقوال التي عورض بها الحقّ المُنَزّل من عند الله.
فإنّ الشرك بالله مع الاعتراف بوجوده وملكه وتدبيره هو دينُ أبي جهل وأتباعه، وتوحيد العبادة لله هو دينُ محمد صلى الله عليه وسلم. ومن جمع بين التوحيد والشرك فقد جمع بين دينين متضادين.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6].
فثبت أنّ من أشرك بالله واتّبع دين أبي جهل فقد خرج عن أحكام أهل القبلة، ولذلك قاتل المسلمون بعد النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً ينطقون بالشهادتين على أمورٍ أخرجتهم من دائرة الإسلام وأحكام أهل القبلة.

(الخامس): لا يُقيم الحجةَ إلاّ عالم مُجتهد.
عندما يُقال هذا في هذه الأيام فإنّ القائلين به مرادُهم أن ينهوا الناس عن إنكار الشرك الأكبر وأن يقصروا الحديث عن هذا الموضوع على أشخاص معينين ربّما ليس همّهم كبيراً في إنكار الشرك وتعليم التوحيد. ولتصحيح هذه الفكرة لا بُدّ أن نذكر عدّة نقاط:
(الأولى) العلمُ ضروريّ ومكتسب نظريٌّ. والمراد بالضروريّ هو العلم الذي لا يجهله أحدٌ في دار الإسلام، وانتقل بالتواتر عند العلماء والعامة مثل: الإيمان بتوحيد الله ونبذ الشركاء عنه، والإيمان بالرسل وأنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم خاتمهم، والإيمان بالكتب والملائكة والبعث بعد الموت والجنّة والنار.
فمعرفة هذه الأمور ليست قاصرة على العلماء وإنما هي معلوم بالضرورة من دين الإسلام. وكلّ مسلم داعيةٌ في هذه الأصول وغيرها من المعلوم من الدِّين بالضرورة كالصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وبرّ الوالدين وتحريم الخمر والميسر والربا والزنا وغير ذلك. وكل من تبلغه الحجّة الرسالية في قضية من القضايا فقد قامت عليه الحجة وإن كان مبلِّغها من عامّة المسلمين.
قال الله تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: 19]. فدلّت الآية على أنّ من بلغه القرآن وفهِم المراد فقد قامت الحجةُ عليه. ولكن توجد مع ذلك أمورٌ كثيرةٌ تُعرف بالنظر ويَعلَمُها العلماءُ، فوجب أن يكونوا قائمين بالحجّة وأن يُعلِّموا الناس ما جهلوه من دينهم، فمن قامت الحجة في نفسه وتبيّن له الحقّ فهو الجدير بإقامة الحجّة على غيره.
ويمكن وضع المسألة في وضع آخر نقول: "لا يُقيم الحجة إلاّ عالمٌ بها". فالمسألة التي يعرفها كلُّ المسلمين فهم المقيمون للحجة الرسالية على غيرهم. والمسألة التي لا يعلمها إلاّ الخواص من أهل العلم فإقامة الحجّة على غيرهم خاصّة بهم.
(الثانية) هناك نوع من الاجتهاد لا يفتقر إلى علم كثير ولا إلى معرفة للغة العربية، وهو ما يعرف في أصول الفقه بـ"تحقيق المناط". وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنّه متّفق عليه بين العلماء والعقلاء!! أي لم يُنكر في العمل به إلاّ السفهاء والمجانين من البشر. وهذا نصّ قوله:
"تحقيق المناط: وهو أن يُعلِّق الشارع الحكم بمعنى كليّ فَيُنْظَرُ في ثبوته في بعض الأنواع وبعض الأعيان كالأمر باستقبال القبلة، واستشهاد شهيدين، وكتحريم الخمر والميسر، وكفرضه تحليل اليمين بالكفارة، وكتفريقه بين الفدية والطلاق، فيبقى النظر في بعض الأنواع هل هي خمر أو يمين وميسر وفدية أو طلاق.
وفي بعض الأعيان: هل هذا المصلّي مستقبل القبلة، وهذا الشخص عدلٌ مرضيٌّ ونحو هذا. وهذا النوع من الاجتهاد متّفق عليه بين العلماء بل بين العقلاء". (الفتاوى: 19/14).
وقال الإمام الشاطبي: " المسألة السادسة: الاجتهاد لا يتوقف على اللغة:
قد يتعلق الاجتهاد بتحقيق المناط فلا يفتقر فى ذلك إلى العلم بمقاصد الشارع كما أنه لا يفتقر فيه إلى معرفة علم العربية لأن المقصود من هذا الاجتهاد إنما هو العلم بالموضوع على ما هو عليه ". [الموافقات: 4/527].
وعلى هذا إذا عرف المسلم الأعجميّ وبلغه بلغته أنّ الصلاة لا تصح إلاّ بشروط تسعة منها: "استقبال القبلة" و "ستر العورة" فإذا رأى هذا المسلم الذي لا يعرف العربية إنساناً يصلِّي عُرياناً أو مستدبر القبلة فالصواب أن يقول لهذا المصلِّي: "لم تصحّ صلاتُك" وأن يأمره بستر العورة واستقبال القبلة .. وتكون الحجّة قد قامت بقوله هذا على المصلّي الذي صلّى الصلاة الفاسدة، ومن قال لهذا المسلم الأعجميّ: لماذا تأمرُ وتنهى وعلمُك قليلٌ ولا تعرف العربية فهو أضلّ من حمار أهله، لأنّ الاجتهاد هنا في تحقيق المناط الذي لا يفتقر إلى علم كثير ولا إلى اللغة .. ومن أنكره فقد خرج من زمرة العلماء والعقلاء.
وكذا إذا أسلم الأعجميّ وعرف أنّ دعاء الأموات والاستغاثة بهم فيما لا يقدر عليه إلاّ الله "شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملّة". وعرف أنّ الله قد أهلك أمماً كثيرةً بهذا الشرك وأمثاله، فإنّ علمه هذا يجعله خائفاً من الوقوع فيه.
فإذا رأى هذا المسلم الأعجمي الذي لم يتعلّم اللغة العربية معتكفاً على قبرٍ يطلب منه المطر والرزق والأولاد .. فإنّه يعلم أنّه في الشرك الأكبر، وأنّ عليه الدعوة إلى التوبة من هذا الشرك وإلى إخلاص العبادة لله .. ومن أنكر على هذا المسلم قيامه بالدعوة إلى الله وإقامته للحجّة على المشرك فهو أضلّ من حمار أهله، ويكون قد خرج من زمرة العلماء والعقلاء، لأنّ الاجتهاد هنا في تحقيق المناط الذي لم ينكره إلاّ السفهاء والمجانين.

(السادس): لا يجوز الاستشهادُ بالآية المجرّدة عن أقوال أهل العلم.
وهذا من أعجب ما سمعته من رجالٍ يدّعون العلم .. فقد تدرّج بهم الشيطان حتى جعلهم يستنكرون الاحتجاج بالآية المحكمة.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يوشك أن تُنْزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟!". فتح المجيد : باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله
وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. المصدر السابق.
إنّ القرآن حجّة الله على خلقه، ومن قال به فقد صدق، ومن ردّ دلالة الآيات المحكمات فقد ضلّ عن الصراط المستقيم.
قال الله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق: 45].
وقال: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام: 51].
وقال: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآَنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ [النمل: 91-92].
وإنّما ينكَرُ على المستدلّ بالقرآن إذا أتى بتأويل خارقٍ للإجماع .. وعندئذ الواجب أن يُبيَّن له ويقال: خرقتَ الإجماع وخالفتَ السلف وإنما التفسير الصحيح للآية هو كذا وكذا.
أمّا الإنكار عليه وقد أصاب في استدلاله لأجل اكتفائه بالآية المحكمة التي وضعها في محلّها مجرّدة عن ذكر أقوال العلماء فبدعةٌ شنيعةٌ لم تكن معروفةً في الزمان الأول.
إنّ الذي يستحقّ الإنكار عليه هو الذي صار دليلُه قول البشر ولا يذكر الآية، بل يظنُّ ذكرها مجرّدةً عن قول الشيخ من علامات أهل الزيغ .. وإذا ذكرها فلذكر شيخه إياها ذكرها .. هذا هو الذي يستحقُّ الإنكار والتشنيع عليه حيث جعل القرآن تابعاً لا متبوعاً إماماً.

ترجمة المؤلّفين

ترجمة المؤلفين:
(1) الإمام الشافعي (150-204 ه‍ = 767-820 م) محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله: أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة. وكان ذكيا مفرطا. له تصانيف كثيرة، أشهرها كتاب (الأم-ط) في الفقه، سبع مجلدات، جمغه البويطي، وبوبه الربيع بن سليمان، ومن كتبه (المسند-ط) في الحديث، و (أحكام القرآن-ط) و (السنن-ط) و (الرسالة-ط) في أصول الفقه، منها نسخة كتبت سنة 265 ه‍، في دار الكتب، و (اختلاف الحديث-ط) و (السبق والرمي) و (فضائل قريش) و (أدب القاضي) و (المواريث) [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].

(2) ابن جرير الطبري (224 - 310 ه‍ = 839 - 923 م) محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر: المؤرخ المفسر الإمام . وُلد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها. وعرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى. له (أخبار الرسل والملوك) يعرف بتاريخ الطبري ، في 11 جزءا ، و (جامع البيان في تفسير القرآن - ط) يعرف بتفسير الطبري، في 30 جزءا، و (اختلاف الفقهاء - ط) و (المسترشد) في علوم الدين، و (جزء في الاعتقاد - ط) و (القراءات) وغير ذلك. وهو من ثقات المؤرخين. قال ابن الاثير: أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق. وكان مجتهدا في أحكام الدين لا يقلد أحدا، بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه. وكان أسمر، أعين، نحيف الجسم، فصيحا. [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].

(3) أبو يعلى (380-458 ه‍ = 990-1066 م) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، أبو يعلى: عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون. من أهل بغداد. ارتفعت مكانته عند القادر والقائم العباسيين. وولاه القائم قضاء دار الخلافة والحريم، وحران وحلوان، وكان قد امتنع، واشترط أن لا يحضر أيام المواكب، ولا يخرج في الاستقبالات ولا يقصد دار السلطان، فقبل القائم شرطه. له تصانيف كثيرة، منها (الإيمان-خ) و (الاحكام السلطانية-ط) و (الكفاية في أصول الفقه-خ) المجلد الرابع منه، في دار الكتب المصرية، و (أحكام القرآن) و (عيون المسائل) و (أربع مقدمات في أصول الديانات) و (تبرئة معاوية) و (العدة-خ) في أصول الفقه، و (مقدمة في الأدب) و (كتاب الطب) و (كتاب اللباس) و (المجرد) فقه، على مذهب الإمام أحمد، وردود على (الأشعرية) و (الكرامية) و (السالمية) و (المجسمة) و (ابن اللبان) وغير ذلك. وكان شيخ الحنابلة. [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].

(4) الكلوذاني (432-510 ه‍ = 1041-1116 م) محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أبو الخطاب: إمام الحنبلية في عصره. أصله من كلواذي (من ضواحي بغداد) ومولده ووفاته ببغداد. من كتبه " التمهيد-خ " في أصول الفقه، و " الانتصار في المسائل الكبار-خ " و " رؤوس المسائل و " الهداية-خ " فقه و " التهذيب-خ " في شستربتي (3778) فرائض، و " عقيدة أهل الاثر-ط " منظومة صغيرة. [الأعـلام: الجزء الخامس - لِخير الدين الزركلي].

(5) ابن قدامة (541-620 ه‍ = 1146-1223 م) عبد الله بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، أبو محمد، موفق الدين: فقيه، من أكابر الحنابلة، ولد في جماعيل (من قرى نابلس بفلسطين) وتعلم في دمشق، ورحل إلى بغداد سنة 561 ه‍، فأقام نحو أربع سنين، وعاد إلى دمشق، وفيها وفاته. له تصانيف، منها " المغني-ط " شرح و "روضة الناظر-ط" في أصول الفقه، و "المقنع-ط" مجلدان، و "ذم ما عليه مدعو التصوف-ط" رسالة، و "ذم التأويل-ط" و "ذم الموسوسين-ط" رسالة، و "لمعة الاعتقاد-ط" رسالة، و "كتاب التوابين-خ" و "التبيين في أنساب القرشيين-خ" و "الكافي" في الفقه، أربع مجلدات، و "العمدة" و " القدر" جزآن، و "فضائل الصحابة" جزآن، وكتاب "المتحابين في الله تعالى-خ" و "ارقة-خ" في أخبار الصالحين وصفاتهم، و "الاستبصار في نسب الأنصار" و "البرهان في مسائل القرآن" وغير ذلك. [الأعـلام: الجزء الرابع - لِخير الدين الزركلي].

(6) الحازمي (548 - 584 ه‍ = 1153 - 1188 م) محمد بن موسى بن عثمان ابن حازم، أبو بكر، زين الدين، المعروف بالحازمى: باحث، من رجال الحديث. أصله من همذان، ووفاته ببغداد. له كتاب (ما اتفق لفظه واختلف مسماه - خ) في الأماكن والبلدان المشتبهة في الخط، و (الفيصل) في مشتبه النسبة، و (الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار - ط) في الحديث، و (عجالة المبتدي وفضالة المنتهي - ط) في النسب، علقه وفهرس له عبد الله كنون، و (شروط الأئمة الخمسة - ط) في مصطلح الحديث، وغير ذلك. [الأعـلام: الجزء السابع - لِخير الدين الزركلي].

(7) ابن تيمية (590 ﻫ ؟ - 652 ه‍ = 1194 - 1254 م) عبد السلام بن عبد الله بن الخضر بن محمد، ابن تيمية الحراني، أبو البركات، مجد الدين: فقيه حنبلي، محدث مفسر. ولد بحران وحدث بالحجاز والعراق والشام، ثم ببلده حران وتوفي بها. وكان فرد زمانه في معرفة المذهب الحنبلي. من كتبه "تفسير القرآن العظيم" و "المنتقى في أحاديث الاحكام - ط" و "المحرر - خ" في الفقه. وهو جد الإمام ابن تيمية. [الأعـلام: الجزء الرابع - لِخير الدين الزركلي].

(8) ابن تيمية (627ﻫ - 682ﻫ). عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية أبو المحاسن شهاب الدين، ولُد بحران سنة 627ﻫ وقد دمشق بعد استيلاء التتار على حران، واستوطنها إلى أن توفي. وهو من بيت العلم والحديث والديانة، درّس ببلده، وأفتى وخطب ووعظ وفسّر، وولي هذه المناصب عقب موت والده. توفي شهاب الدين ليلة الأحد سلخ ذي الحجة 682ﻫ، ودفن بدمشق من الغد بسفح قاسيون بمقابر الصوفية.
تفقه عبد الحليم على والده، ثم رحل في صغره إلى حلب فسمع من علمائها، وباشر بدمشق مشيخة دار الحديث السكرية بالقصاعين. كان عبد الحليم مُتقناً للفقه والأصول، والفرائض، والحساب، والهيئة، من أعيان الحنابلة، عنده فضائل وفنون. قال ابن رجب: "وله تصانيف وفوائد، وصنّف في علوم عديدة". قلتُ: منها زوائده على مسودّة والده في أصول الفقه. وهو والد الإمام ابن تيمية. [المسودّة].

(9) ابن تيمية (661-728 ه‍ = 1263-1328 م) أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية: الإمام، شيخ الإسلام. ولد في حران وتحول به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر. وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها فسجن مدة، ونقل إلى الإسكندرية. ثم أطلق فسافر إلى دمشق سنة 712 ه‍، واعتقل بها سنة 720 وأطلق، ثم أعيد، ومات معتقلا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته. كان كثير البحث في فنون الحكمة، داعية إصلاح في الدين. آية في التفسير والأصول، فصيح اللسان، قلمه ولسانه متقاربان. وأفتى ودرس وهو دون العشرين. أما تصانيفه ففي الدرر أنها ربما تزيد على أربعة آلاف كراسة، وفي فوات الوفيات أنها تبلغ ثلاث مائة مجلد، منها (الجوامع-ط) في السياسة الإلهية والآيات النبوية، ويسمى (السياسة الشرعية) و (الفتاوى-ط) خمس مجلدات، و (الإيمان-ط) و (الجمع بين النقل والعقل-خ) و (منهاج السنة-ط) و (الفرقان بين أولياء الله وأولياء الشيطان-ط) و (الواسطة بين الحق والخلق-ط) و (الصارم المسلول على شاتم الرسول-ط) و (مجموع رسائل-ط) فيه 29 رسالة، وغير ذلك. [الأعـلام: الجزء الأول - لِخير الدين الزركلي].

(10) ابن قيم الجوزية (691-751 ه‍ = 1292-1350 م) محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله، شمس الدين: من أركان الإصلاح الإسلامي، وأحد كبار العلماء. مولده ووفاته في دمشق. تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان لا يخرج عن شئ من أقواله، بل ينتصر له في جميع ما يصدر عنه. وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه، وسجن معه في قلعة دمشق، وأهين وعذب بسببه، وطيف به على جمل مضروبا بالعصى. وأطلق بعد موت ابن تيمية. وكان حسن الخلق محبوبا عند الناس، أغري بحب الكتب، فجمع منها عددا عظيما، وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا. وألف تصانيف كثيرة منها (إعلام الموقعين-ط) و (شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل-ط). و (أحكام أهل الذمة-ط) جزآن، و (مفتاح دار السعادة-ط) و (زاد المعاد-ط) و (أخبار النساء-ط) وفي نسبته إليه شك، و (مدارج السالكين-ط) ثلاثة مجلدات، و (الجواب الكافي-ط) ويسمى (الداء والدواء) و (التبيان في أقسام القرآن-ط) و (طريق الهجرتين-ط) و (عدة الصابرين-ط) و (هداية الحيارى-ط). وغير ذلك. [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].
(11) الشاطبي (000-790 ه‍ = 000-1388 م) إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي: أصولي حافظ. من أهل غرناطة. كان من أئمة المالكية. من كتبه (الموافقات في أصول الفقه-ط) أربع مجلدات، و(المجالس) شرح به كتاب البيوع من صحيح البخاري، و(الإفادت والإنشادات-خ) رسالة في الأدب، نشرت نبذة منها في مجلة المقتبس (المجلد الثامن) و (الاتفاق في علم الاشتقاق) و (أصول النحو) و (الاعتصام-ط) في أصول الفقه، ثلاث مجلدات، و (شرح الألفية) سماه (المقاصد الشافية في شرح خلاصة الكافية-خ) خمسة مجلدات ضخام، كتبت سنة 862 والنسخة نفيسة، في خزانة الرباط (الرقم 6 جلاوي). [الأعـلام: الجزء الأول - لِخير الدين الزركلي].

(12) ابن حجر العسقلاني (773-852 ه‍ = 1372-1449 م) أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، ابن حجر: من أئمة العلم والتاريخ. أصله من عسقلان (بفلسطين) ومولده ووفاته بالقاهرة. ولع بالادب والشعر ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة فقصده الناس للاخذ عنه وأصبح حافظ الاسلام في عصره، قال السخاوي: (انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الاكابر) وكان فصيح اللسان، راوية للشعر، عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، صبيح الوجه. وولي قضاء مصر مرات ثم اعتزل. أما تصانيفه فكثيرة جليلة، منها (الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة-ط) أربعة مجلدات، و (لسان الميزان-ط) ستة أجزاء، تراجم، و (الاحكام لبيان ما في القرآن من الاحكام-خ) (تخريج أحاديث الكشاف-ط) و (تقريب التهذيب-ط) في أسماء رجال الحديث، و (الاصابة في تمييز أسماء الصحابة-ط) و (تهذيب التهذيب-ط) في رجال الحديث، اثنا عشر مجلدا، و (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر-ط) في اصطلاح الحديث، و (القول المسدد في الذب عن مسند الامام أحمد-ط) و (رفع الاصر عن قضاة مصر-ط) و (الديباجة-ط) في الحديث، و (فتح الباري في شرح صحيح البخاري-ط). [الأعـلام: الجزء الأول - لِخير الدين الزركلي].

(13) الجلال الدّين السيوطي (849-911 ه‍ = 1445-1505 م) عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين: إمام حافظ مؤرخ أديب. له نحو 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة. نشأ في القاهرة يتيما (مات والده وعمره خمس سنوات) ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منـزويا عن أصحابه جميعا، كأنه لا يعرف أحدا منهم، فألف أكثر كتبه. وكان الاغنياء والامراء يزورونه ويعرضون عليه الاموال والهدايا فيردها. وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها. وبقي على ذلك إلى أن توفي.
من كتبه (الاتقان في علوم القرآن-ط) و (إسعاف المبطأ في رجال الموطأ-ط) و (الاشباه والنظائر-ط) في العربية، و (الاشباه والنظائر-ط) في فروع الشافعية، و (الاقتراح-ط) في أصول النحو، و (الالفية في مصطلح الحديث-ط) و (الالفية في النحو-ط) واسمها (الفريدة) وله شرح عليها، و (بغية الوعاة، في طبقات اللغويين والنحاة-ط) و (التاج في إعراب مشكل المنهاج-خ) و (تاريخ أسيوط) وكان أبوه من سكانها، و (تاريخ الخلفاء-ط) و (تدريب الراوي-ط) في شرح تقريب النواوي، و (تفسير الجلالين-ط) وغير ذلك. [الأعـلام: الجزء الثالث - لِخير الدين الزركلي].

(14) ابن النجار (898 - 972 ه‍ = 1492 - 1564 م) محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي ، تقي الدين أبو البقاء ، الشهير بابن النجار : فقيه حنبلي مصري . من القضاة . قال الشعراني : صحبته أربعين سنة فما رأيت عليه شيئا يشينه ، وما رأيت أحدا أحلى منطقا منه ولا أكثر أدبا مع جليسه . له (منتهى الارادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات - ط) مع شرحه للبهوتي ، في فقه الحنابلة ، و (شرحه - خ) غير تام (4) . [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].

(15) الشوكاني : ( 1173 - 1250 ه‍ = 1760 - 1834 م ) محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني: فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، من أهل صنعاء. ولد بهجرة شوكان (من بلاد خولان، باليمن) ونشأ بصنعاء. وولي قضاءها سنة 1229ﻫ ومات حاكما بها. وكان يرى تحريم التقليد. له 114 مؤلفا، منها (نيل الأوطار من أسرار منتقى الاخبار - ط) ثماني مجلدات، و (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - ط) مجلدان، و (الأبحاث العرضية، وفي الكلام على حديث حب الدنيا رأس كل خطية - خ) كان في المكتبة العربية، ولعله آل إلى الظاهرية في دمشق. و (إتحاف الأكابر - ط) وهو ثبت مروياته عن شيوخه، مرتب على حروف الهجاء، و (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة - ط) و (التعقبات على الموضوعات - خ) و (الدرر البهية في المسائل - الفقهية - خ) و (فتح القدير - ط) في التفسير، خمسة مجلدات، و (إرشاد الفحول - ط) في أصول الفقه، و (السيل الجرار - ط) جزآن، في نقد كتاب الأزهار، و (إرشاد الثقاة إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات) ردا على موسى بن ميمون الأندلسي (اليهودي في ظاهر المستند، والزنديق في باطن المعتقد، كما يقول صديق حسن خان) و (تحفة الذاكرين - ط) شرح عدة الحصن الحصين، و (التحف في مذهب السلف - ط) رسالة، و (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد - ط) رسالة، وغير ذلك. [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].

(16) الشنقيطي (1325-1393 ه‍ = 1907-1973 م) محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي: مفسر مدرس من علماء شنقيط (موريتانيا ). ولد وتعلم بها. وحج (1367ﻫ) واستقر مدرسا في المدينة المنورة ثم الرياض، وأخيرا في الجامعة الاسلامية بالمدينة (1381) وتوفي بمكة. له كتب، منها (أضواء البيان في تفسير القرآن-ط) ستة أجزاء منه، والسابع يطبع، و (منع جواز المجاز-ط) و (منهج ودراسات لآيات الاسماء والصفات-ط) صغير و (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب-ط) و (آداب البحث والمناظرة-ط) جزآن و (ألفية في المنطق-خ) و (رحلة خروجه من بلاده إلى المدينة-خ). [الأعـلام: الجزء السادس - لِخير الدين الزركلي].

المراجع

المراجع:
(1) "جامع البيان عن تأويل آي القرآن" للإمام ابن جرير الطبري.
(2) "روضة الناظر وجنّة المناظر" مع شرحها. المعروف بـ"نزهة الخاطر العاطر" .. للإمام موفق الدِّين ابن قدامة المقدسي الحنبلي.. [الطبعة الثالثة: مكتبة المعارف - الرياض].
(3) "مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر" .. [الطبعة الأولى: دار اليقين – مصر - المنصورة].
(4) "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول". للإمام محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني [الطبعة الأولى: دار ابن كثير – دمشق].
(5) "العُدّة في أصول الفقه". لمحمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء، أبو يعلى [الطبعة الثانية: الرياض].
(6) "التمهيد في أصول الفقه". لمحفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أبو الخطاب [الطبعة الثانية: مؤسسة الريان – المكتبة المكية].
(7) "الرسالة" للإمام الشافعيّ. [بتحقيق أحمد محمد شاكر].
(8) "الموافقات في أصول الشريعة". للإمام إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشهير بالشاطبي [الطبعة الثالثة: دار المعرفة– لبنان- بيروت].
(9) "شرح الكوكب المنير" لـمحمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي، أبو البقاء ، الشهير بابن النجار [الطبعة الثانية: مكتبة العبيكان - الرياض].
(10) "أعلام الموقّعين عن ربّ العالمين" للإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية [الطبعة الثانية: دار الكتاب العربي - بيروت].
(11) "المسودّة" لآل تيمية [دار الكتاب العربيّ: بيروت].
(12) "الأشباه والنظائر" للإمام جلال الدّين السيوطي [دار إحياء الكتب العربية].
(13) "مجموعة الفتاوى" للإمام تقي الدين ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، شيخ الإسلام. [جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه].
الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار لـ"محمد بن موسى بن عثمان ابن حازم، أبو بكر، زين الدين، المعروف بالحازمي.

(13) فوائد عامة

(13) فوائد عامة:
أصل (373): "يُزال الضرر بلا ضرر". (شرح الكوكب المنير: 4/442). (الأشباه والنظائر: 95).
وفي الحديث: "لا ضرر ولا ضرار". [أحمد وابن ماجه والحاكم].
أصل (374): "المشقّة تجلب التيسير". (شرح الكوكب المنير: 4/445). (الأشباه والنظائر: 84).
لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
أصل (375): "الأمورُ بمقاصدها". (شرح الكوكب المنير: 4/454). (الأشباه والنظائر: 9).
للحديث: «إنّما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى». [متّفق عليه].
أصل (376): "من كلّف بمصالح غيره وجب على المسلمين القيام بمصالحه".
كإمام العامّة والقاضي وإمام المسجد والمؤذن ومؤدب الصبيان. (الموافقات: 2/644).
أصل (377): "الشرعُ يأمرُ بسدّ الذرائع إلى المفاسد".
الوسائل المؤدية إلى المفاسد أربعة أقسام:
(1) وسيلة موضوعة للإفضاء إلى المفسدة: كشرب المسكر والزنا وما إلى ذلك. وقد جاءت الشريعة بالمنع من هذا القسم.
(2) وسيلة موضوعة للمباح قصد بها التوصل إلى المفسد: كمن يعقد النكاح قاصداً به التحليل أو بعقد البيع قاصداً به الربا .. وجاءت كذلك بالمنع من هذا النوع من الوسائل.
(3) وسيلة موضوعة للمباح لم يقصد بها التوسل إلى المفسدة ولكنها مفضية اليها غالبا ومفسدتها أرجح من مصلحتها: كالصلاة في أوقات النهى ومسبة آلهة المشركين بين ظهرانيهم وتزين المتوفي عنها في زمن عدتها. وقد جاءت الشريعة بالمنع من ذلك.
(4) وسيلة موضوعة للمباح وقد تفضي إلى المفسدة ومصلحتها أرجح من مفسدتها كالنظر إلى المخطوبة والمستامة والمشهود عليها، وفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي وكلمة الحقّ عند ذي سلطان جائر. فالشريعة جاءت بإباحة أو استحباب أو إيجاب هذا القسم من والوسائل. (أعلام الموقّعين: 3/122).
أصل (378): "إذا ضاق الأمر اتّسع".
قاله الإمام الشافعي. لأنّ المسلم إذا ضاق عليه الأمر وخشي الهلاك حلّ له أن يأكل الحرام، وإذا دخل وقت الصلاة ولم يجد إلاّ ثوباً لا يحلّ لبسه حلّ له أن يصلي فيه ... وأمثال ذلك كثير. (الأشباه والنظائر: 92).
أصل (379): "الحدود تُدرء بالشبهات". (الأشباه والنظائر: 136).
للحديث: «ادرءوا الحدود بالشبهات».
أصل (380): "إذا اجتمع أمران من جنس متّفقا المقصد دخل أحدهما في الآخر غالباً".
فإن دخل المسجد وصلّى الفرض دخلت فيه التحية.
ولو اجتمع حدث وجنابة كفى الغسل، وكذا اجتماع الجنابة والحيض.
ولو تعدّد السهو في الصلاة لم يتعدّد السجود.
ولو قذف قبيلة حُدّ حدّاً واحداً. ولو سرق مِراراً حُدّ حدّاً واحداً. (الأشباه والنظائر: 140).
أصل (381): "جاهل توحيد الله ورسالة محمّد صلى الله عليه وسلم لا يصحّ له إيمانٌ وإسلامٌ" وكذا الكتب والملائكة والبعث بعد الموت.
والمؤمن: هو الذي علِم واستيقن بأنّ الإيمان بِهذه الأصول حقٌّ، فأظهر الرِّضى والقَبول.
والمسلم: هو الذي علِم ذلك فأظهر القَبول والرِّضى، سواءً أخفى في الباطن الكفرَ أو كان مؤمناً ظاهراً وباطناً. (شرح الكوكب المنير: 485).
أصل (382): "الأمر بالشيء أمرٌ بجميعه، وتحريم الشيء تحريم لأجزائه".
فقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء:3]. لا يتمّ إلاّ بالعقد والجماع معاً.
وقوله تعالى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: 221]. يحرِّم العقد كما يحرّم الجماع. (الفتاوى: 21/85-86). (المسودّة: 99).
أصل (383): "الصفةُ تُلازِمُ الموصوفَ، وتعطيل الأسماء الشرعيّة أمرٌ مستحدثٌ".
قال الإمام الطبريُّ في قراءة قوله تعالى: ﴿إِنْ هَذَا إِلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [المائدة: 110]. حيثُ قرأ بعضُ القُرَّاء: (إِنْ هَذَاْ إِلاّْ سَاْحِرٌ مُبينٌ).
فقال: والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متفقتان غير مختلفتين، وذلك أنّ كل من كان موصوفاً بفعل السحرِ فهو موصوفٌ بأنَّه ساحرٌ، ومن كان موصوفاً بأنّه ساحرٌ فإنّه موصوفٌ بفعل السحرِ، فالفعلُ دالٌّ على فاعِله والصِّفة تدُلُّ على موصوفها، والموصوفُ يدُلُّ على صفتِهِ والفاعِلُ يَدُلُّ على فِعله؛ فبِأَيِّ ذلك قرأ القارئُ فمصيب الصواب في قراءته. (جامع البيان: 5/128).
أصل (384): "التكفيرُ والتبديعُ والتفسيقُ شريعةٌ ولا يجوز القولُ فيها بالرّأي". (الفتاوى: 28/468-469 ، 501).
أصل (385): "الكفرُ يكون جليّاً وخفيّاً".
فالجليّ: هو الذي يعلمه العلماء والعامة، كمن أشرك بالله أو أنكر رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم أو سبّ الله ورسوله أو أنكر البعث أو القرآن أو الملائكة، فمن فعل ذلك حُكم بردِّته إذا قامت البيِّنة.
قال ابن قـدامة في المغني: "إذا شهد عليه بالردّة من تثبُ الردّةُ بشهادته فأنكر لم يُقبل إنكارُه واستُتيبَ فإن تاب وإلاّ قُتل، وحُكِيَ عن بعض أصحاب أبي حنيفة أنّ إنكاره يكفي في الرُّجوع إلى الإسلام، ولا يلزمه النطق بالشهادتين".
ولنا ما روى الأثرم بإسناده عن عليّ رضي الله عنه أنّه أُتِيَ برجلٍ عربيّ قد تنصّر فاستتابه، فأبى أن يتوب فقتله. وأُتي برهطٍ يُصلُّون
وهم زنادقة وقد قامت عليهم بذلك الشهود العدول فجحدوا، وقالوا: ليس لنا دينٌ إلاّ الإسلام، فقتلهم ولم يستتبهم.
والخفيّ: هو الذي يخفى على عامة المسلمين لثبوته بدليل نظريٍّ قطعيٍّ، ولكن يعلمه العلماء، فمن أنكر ما دلّت عليه آيةٌ من كتاب الله لجهله .. مثل: أنّ للبنت نصفاً في الميراث إذا انفردت أو على القاذف ثمانين جلدة .. يجب أن يُبيّن له الدليل قبل تكفيره .. أمّا إذا كان عالماً فإنّه يُستتاب. (المغني: في كتاب الردّة).
أصل (386): "قد يكون القولُ كفراً ولا يكفر القائل لفوات شرط أو وجود مانعٍ".
كمن أُكرهَ بكلمة الكفر، ومن جحد معلوماً من الدِّين بالضرورة كالصلاة أو الزكاة أو الصيام أو غير ذلك، وكان حديث عهدٍ بالإسلام أو نشأ بباديةٍ بعيدةٍ عن مظان العلم. (الفتاوى: 3/229-231).
أصل (387): "التكفيرُ قد يكونُ حكماً صادراً على معيّنٍ، فردٍ أو جماعةٍ، وقد يكونُ مطلقاً، فيجبُ التفريقُ بين الإطلاقِ والتعيينِ".
مثال الأول: فتوى الإمام ابن تيمية بكفرِ التتارِ الناطقين بالشهادتين، لما سُئل عن حكمهم.
ومثال الثاني: قولَ الإمامِ أحـمد: من قال: القرآنُ مخلوقٌ فقد كفر. (الفتاوى: 28/501-509).
أصل (388): "الحقوق نوعان: حقُّ الله وحقّ الآدميّ، فحقُّ الله لا مدخلَ للصلحِ فيه، كالحدودِ والزكوات والكفارات، أمّا حقوق الآدميين فهي التي تَقبلُ الصلحَ والإسقاطَ والمعاوضةَ". (الموافقات: 1/135).
أصل (389): "العلم ليس مقصوداً لذاته بل للعمل به الذي هو التعبّد المأمور".
والدليل على ذلك أمور:
(1) كلّ علمٍ لا يُفيد عملاً فليس في الشرع ما يدلّ على استحسانه.
(2) الشرع جاء بالتعبّد وهو المقصود من بعثة الأنبياء، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 25].
(3) الأدلّة الدالّة على أنّ روح العلم هو العمل وإلاّ فالعلم وحده غير نافع.
قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 44].
وقال: ﴿أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 9].
وفي الحديث الصحيح إنّ من الثلاثة الذين تسعر بهم جهنّم "رجلٌ تعلّم القرآن ليُقال: فلانٌ قارئ". (الموافقات: 1/154).
أصل (390): "الواجباتُ الماليةِ تنقسمُ إِلى: واجبٍ راتبٍ وواجبٍ عارضٍ ".
فالزكاةُ هي الواجبُ الراتبُ وتجبُ بسبب المالِ. والواجبُ العارضُ هو صلةُ الأرحامِ وهي واجبةٌ بالإجماعِ. وقِرَيْ الضيفِ والإعطاءِ في النوائبِ.
وفي الحديث: ‹‹أربعٌ من فعلهنّ فقد برِئ من البُخلِ: من آتى الزكاةَ وقرى الضيفَ ووصل الرِّحمَ وأعطى في النائبةِ››. (الفتاوى: 29/185).
الأصل (391): "لا بُدّ من أخذ العلم عن أهله".
وهذا له طريقان:
(الأول) المشافهة: وهي أنفع الطريقين وأسلمهما، كما كان الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون مع الصحابة.
(الثاني) مطالعة كتب المصنّفين: ومدوّني الدواوين وهو أيضاً نافع بشرطين:
(1) أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله ما يتمّ له به النظر في الكتب، وهذا يحصل بالطريق الأول، وهو معنى قول من قال: "كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتحه بأيدي الرجال".
(2) أن يتحرّى كتب المتقدّمين من أهل العلم. (الموافقات: 1/85).
أصل (392): "من تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقِب بحرمانه".
كمن قتل وليه ليرثه يحرَّم من الميراث، وكذلك ميراث المبتوتة في المرض لها حقّها من الميراث. (الموافقات: 1/233). (الأشباه والنظائر: 169).
أصل (393): "العُقود تصحّ بكلّ ما دلّ على مقصودها".
فتقوم الكتابة والإشارة أو ما تعارف عليه الناس مقام العبارة. ويُعلم ذلك من وجوه:
(الأول) إنّ الله اكتفى بالتراضي في البيع في قوله تعالى: ﴿إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29].
وبطيب النفس بالتبرّع في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾ [النساء: 4]. ومعلوم من عادات الناس أنّهم يعلمون التراضي وطيب النفس بطرق متعدّدة.
(الثاني) أنّ البيع والهبة والإجارة ونحوها لم يحد لها الشرع حدّاً، فلا يمكن أن يُقال: أنّ عيّن ألفاظاً للعقود. وكذلك ليس لها حدّ في اللغة بحيث يمكن أن يُقال هذا بيعٌ في لغة العرب وليس هذا بيعاً بل الكلّ بيعٌ في لغتهم، والأصل بقاء اللغة. فإذا لم يكن له في الشرع ولا في اللغة حدٌّ كان المرجع فيه إلى عُرف الناس، فما سمّوه بيعاً فهو بيعٌ، وما سمّوه هِبةً فهو هبةٌ.
(الثالث) أنّ العادات أصلها عدم الحظر فلا يُحظَر منه إلاّ حظره الله تعالى. (الفتاوى: 29/13-17).
أصل (394): "الضرورات تبيح المحظورات". (شرح الكوكب المنير: 4/444).
لقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 173].
أصل (395): "قول النبي صلى الله عليه وسلم دليلٌ قاطعٌ على من سمعه منه شفاهاً فأمّا غيره فينقسم في حقّه قسمين تواتراً وآحاداً".
(فالأول) جيل الصحابة. (والثاني) الأجيال التي تلت جيل الصحابة.
أصل (396): "ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم شرعاً لازماً فلا يمكن تغييره".
وما شرعه لسبب كان مشروعاً عند وجود السبب. مثال الأول: السنن الراتبة وصوم عاشوراء. ومثال الثاني: القنوت في النوازل وسنة تحية المسجد. (الفتاوى: 33/93-95).
أصل (397): "الأنبياء معصومون عن الكبائر والفواحش إجماعاً".
لأنّ الله اختارهم ليكونوا أئمة وأسوةً للأمم. (المسودّة: 77).
أصل (398): "لا ينسب للساكت قولٌ". قاله الشافعي.
فلا يُنسب للساكت قول في أمر اختُلف فيه، ولكنّ من سكت عن ردّ قول الكُفر صار سكوته رِضىً به إذا لم يكن خائفاً لقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: 140].
أصل (399): "الجماعة التي أمر الشرع بلزومها هي جماعة العلماء والمتّبعون للكتاب والسنّة وإن كانوا قلّة، والعامّة داخلة فيها إذا كانت مقتدية بالعلماء".
قال الإمام الشاطبي في (الاعتصام): المسألة السادسة عشرة :
أن رواية من روى في تفسير الفرقة الناجية وهي الجماعة محتاجة إلى التفسير لأنه إن كان معناه بينا من جهة تفسير الرواية الأخرى - وهى قوله ما أنا عليه وأصحابى - فمعنى لفظ الجماعة من حيث المراد به في إطلاق الشرع محتاج إلى التفسير فقد جاء في أحاديث كثيرة منها الحديث الذي نحن في تفسيره ومنها ما صح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم «قال من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات مات ميتة جاهلية.
وصح من حديث حذيفة قال قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر قال نعم -قلت وهل بعد ذلك الشر من خير- قال نعم وفيه دخن -قلت وما دخنه قال- قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر - قلت فهل بعد ذلك الخير من شر قال - نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها - قلت يا رسول الله صفهم لنا؟ قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم - قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك وخرج الترمذي والطبري عن ابن عمر قال خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية فقال إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد ولا يستشهد عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة لا يخلون رجل بامرأة فإنه لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان - الشيطان مع الواحد وهم من الأثنين أبعد ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ومن سرته حسنته وساءته سيئته فذلك هو المؤمن
وفي الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله لا يجمع أمتى على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار»
وخرج أبو داود عن أبى ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» وعن عرفجة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في أمتى هنيات وهنيات فمن أراد أن يفرق أمر المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان».
فاختلف الناس في معنى الجماعة المرادة في هذه الأحاديث على خمسة أقوال أحدها إنها السواد الأعظم من أهل الإسلام وهو الذي يدل عليه كلام أبى غالب إن السواد الأعظم هم الناجون من الفرق فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق ومن خالفهم مات ميتة جاهلية سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم فهو مخالف للحق وممن قال بهذا أبو مسعود الأنصاري وابن مسعود فروى أنه لما قُتل عثمان سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة، فقال: "عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة واصبر حتى تستريح أو يستراح من فاجر. وقال إياك والفرقة فإن الفرقة هي الضلالة".
وقال ابن مسعود "عليكم بالسمع والطاعة فإنها حبل الله الذي أمر به ثم قبض يده وقال: إن الذي تكرهون في الجماعة خير من الذين تحبون في الفرقة".
وعن الحسين قيل له أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إي والذي لا إله إلا هو ما كان الله ليجمع أمة محمد على ضلالة. فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدوا الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا وهم نهبة الشيطان ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة لم يدخلوا في سوادهم بحال.
والثاني إنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية لأن جماعة الله العلماء جعلهم الله حجة على العالمين وهم المعنيون بقوله عليه الصلاة والسلام إن الله لن يجمع امتى على ضلالة وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها وإليها تفزع من النوازل وهي تبع لها. فمعنى قوله "لن تجتمع امتى لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة".
وممن قال بهذا عبد الله بن المبارك وإسحاق ابن راهويه وجماعة من السلف وهو رأي الأصوليين فقيل لعبد الله بن المبارك من الجماعة الذين ينبغي أن يقتدي بهم قال أبو بكر وعمر -فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد ابن ثابت والحسين بن واقد- فقيل هؤلاء ماتوا فمن الأحياء قال أبو حمزة السكرى وعن المسيب بن رافع قال كانوا إذا جاءهم شيء من القضاء ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله سموه صوافى الأمراء فجمعوا له أهل العلم فما أجمع رأيهم عليه فهو الحق وعن إسحاق بن راهوية نحو مما قال ابن المبارك
فعلى هذا القول لا مدخل في السؤال لمن ليس بعالم مجتهد لانه داخل في أهل التقليد فمن عمل منهم بما يحالفهم فهو صاحب الميتة الجاهلية ولا يدخل أيضا أحد من المبتدعين لأن العالم أولا لا يبتدع وإنما يبتدع من ادعى لنفسه العلم وليس كذلك ولأن البدعة قد أخرجته عن نمط من يعتد بأقواله وهذا بناء على القول بأن المبتدع لا يعتد به في الإجماع وإن قيل بالاعتداد بهم فيه في غير المسألة التي ابتدع فيها لأنهم في نفس البدعة مخالفون للإجماع فعلى كل تقدير لا يدخلون في السواد الأعظم رأسا
والثالث: إن الجماعة هي الصحابة على الخصوص فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة اصلا وقد يمكن فيمن سواهم ذلك ألا ترى قوله عليه الصلاة والسلام «ولا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله». وقوله «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».
فقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن من الأزمان أزمانا يجتمعون فيها على ضلالة وكفر قالوا - وممن قال بهذا القول عمر بن عبد العزيز فروى ابن وهب عن مالك قال كان عمر بن عبد العزيز يقول سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاه الأمر من بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال الطاعة لله وقوة على دين الله - ليس لاحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر فيما خالفها من اهتدى بها مهتد ومن استنصر بها منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى واصلاه جهنم وساءت مصيرا. فقال مالك - فأعجبني عزم عمر على ذلك
فعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام ما أنا عليه وأصحابي فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنوه وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق وبشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بذلك خصوصا في قوله فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين وأشباهه أو لأنهم المتقلدون لكلام النبوة المهتدون للشريعة الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال بخلاف غيرهم، فإذاً كل ما سنوه فهو سنة من غير نظير فيه بخلاف غيرهم فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالا قطعا على هذا القول
والرابع: إن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن لا يجمعهم على ضلالة فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرف الصواب فيما اختلفوا فيه
قال الشافعي الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله ولا سنة ولا قياس وإنما تكون الغفلة في الفرقة وكأن هذا القول يرجع إلى الثانى وهو يقتضى أيضا ما يقتضيه او يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر وفيه من المعنى ما في الأول من أنه لا بد من كون المجتهدين فيهم وعند ذلك لا يكون من اجتماعهم على هذا القول بدعة اصلا فهم - إذا - الفرقة الناجية
والخامس: ما اختاره الطبرى الإمام من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم لأن فراقهم لا يعدوا إحدى حالتين - إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين كالحرورية التي أمرت الأمة بقتلها وسماها النبي صلى الله عليه وسلم مارقة من الدين، وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة فإنه نكث عهد ونقض عهد بعد وجوبه. وقد قال صلى الله عليه وسلم «من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان».
قال الطبري فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة قال وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصارى وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم وهم السواد الأعظم
قال: وقد بيّن ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فروى عن عمرو ابن ميمون الأودي قال قال - عمر حين طعن لصهيب - صل بالناس ثلاثا وليدخل على عثمان وعلى وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شىء فقم يا صهيب على رءوسهم بالسيف فإن بايع خمسة ونكص واحد فاجلد رأسه بالسيف وإن بايع أربعة ونكص رجلان فاجلد رؤوسهما حتى يستوثقوا على رجل، قال - فالجماعة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقا لها نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف فهم في معنى كثرة العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم. قال وأما الخبر الذي ذكر فيه أن لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه أن لا يجمعهم على إضلال الحق فيما أنابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن العلم ويخطئوه وذلك لا يكون في الأمة
هذا تمام كلامه وهو منقول بالمعنى وتحر في اكثر اللفظ وحاصله أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المذكورة كالخوارج ومن جرى مجراهم.
فهذه خمسة أقوال دائرة على اعتبار أهل السنة والاتباع وأنهم المرادون بالأحاديث فلنأخذ ذلك اصلا ويبنى عليه معنى آخر وهى
المسألة السابعة عشرة
وذلك أن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد سواء ضموا إليهم العوام أم لا فإن لم يضموا إليهم فلا إشكال أن الاعتبار إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية وإن ضموا إليها العوام فبحكم التبع لأنهم غير عارفين بالشريعة فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء فإنهم لو تمالأوا على مخالفة العلماء فيما حدوا لهم لكانوا هم الغالب والسواد الأعظم في ظاهر الأمر لقلة العلماء وكثرة الجهال فلا يقول أحد إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب وإن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث بل الأمر وبالعكس وأن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا والعوام هم المفارقون للجماعة إن خالفوا فإن وافقوا فهو الواجب عليهم
ومن هنا لما سُئل ابن المبارك عن الجماعة الذين يقتدى بهم أجاب بأن قال ابو بكر وعمر - قال - فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين ابن واقد قيل فهؤلاء ماتوا فمن الأحياء قال أبو حمزة السكرى وهو محمد ابن ميمون المروزى فلا يمكن أن يعتبر العوام في هذه المعاني بإطلاق وعلى هذا لو فرضنا خلو الزمان عن مجتهد لم يمكن اتباع العوام لأمثالهم ولا عد سوادهم أنه السواد الأعظم المنبه عليه في الحديث الذي من خالفه فميتته جاهلية بل يتنزل النقل عن المجتهدين منزلة وجود المجتهدين فالذي يلزم العوام مع وجود المجتهدين هو الذي يلزم أهل الزمان المفروض الخالي عن المجتهد
وأيضا فاتباع نظر من لا نظر له واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة ورمى في عماية وهو مقتضى الحديث الصحيح إن الله لا يقبض العلم انتزاعا الحديث
روى أبو نعيم عن محمد بن القاسم الطوسى قال سمعت إسحاق بن راهويه وذكر في حديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم - فقال رجل يا أبا يعقوب من السواد الأعظم فقال محمد اسلم وأصحابه ومن تبعهم - ثم قال سأل رجل ابن المبارك من السواد الأعظم قال أبو حمزة السكرى - ثم قال إسحاق في ذلك الزمان يعنى أبا حمزة وفي زماننا محمد ابن اسلم ومن تبعه - ثم قال إسحاق لو سألت الجهال عن السواد الأعظم لقالوا جماعة الناس ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم
وطريقه فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة - ثم قال إسحاق لم اسمع عالما منذ خمسين سنة كان اشد تمسكا بأثر النبي صلى الله عليه وسلم من محمد بن اسلم فانظر في حكايته تتبين غلط من ظن أن الجماعة هي جماعة الناس وإن لم يكن فيهم عالم وهو وهم العوام لا فهم العلماء فليثبت الموفق في هذه المزلة قدمه لئلا يضل عن سواء السبيل ولا توفيق إلا بالله. (الاعتصام: 2/476-483).
أصل (400) : "البدعة هي طريقة في الدِّين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه".
فمن أحدث في الدِّين أعمالاً يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد فقد ابتدع. أما ما كان أصولها موجودةً في الشرع فإحداثها لا يكون ابتداعاً في الدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة. (الاعتصـام: 1/27).
أصل (401): "كل ما يتعلّق به الخطاب الشرعي يتعلّق به الابتداع".
الخطاب الشرعي يتعلّق بأقسام أربعة وكذلك البدعة:
(الأول) الاعتقاد: ثبت في الشرع أمورٌ كثيرةٌ يجب أن يعتقدها المسلم، فمن أحدث عقائد زائدة لم يَرِد بِها نصٌّ فقد وقع في البدعة مثل: نفي صفات الله ورؤيته، واعتقاد المسلم كافراً لمجرّد وقوعه في الكبيرة، واعتقاد أنّ الذنب لا يضرّ مع الإيمان، واعتقاد مشابهة الله لبعض خلقه ... إلخ.
(الثاني) وثبت في الشرع أقوالٌ تُقال لأجل التعبُّد فمن أحدث أقوالاً مبالغة في التعبُّد فقد وقع في البدعة. مثل: القول في الآذان: "حيّ على خير العمل" أو "عليٌّ ولي الله".
(الثالث) وثبت في الشرع أفعالٌ كثيرةٌ مطلوبة وجوباً أو ندباً فمن زاد فيها واعتقد الإيجاب أو الندب فيما زاد فقد وقع في البدعة مثل: السفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل: الاجتماع في بعض الأيام والشهور لأجل قراءة أذكار معينة، وما إلى ذلك.
(الرابع) وثبت في الشرع أفعالٌ تطلب تركها تحريماً أو كراهة فمن زاد فيها وترك ما لم يأمر الله بتركه واعتقد فيه التحريم أو الكراهة بلا حجة فقد وقع في البدعة. (الاعتصـام: 1/32).
أصل (402): "كلُّ بدعةٍ ضلالة".
وهذا حديثٌ للنبي صلى الله عليه وسلم .. فالعقائد والعبادات توقيفية، ومن أحدث ما ليس في كتاب الله فهو ردٌّ.
والبدعة تنقسم إلى قسمين:
(الأول) الشرعية: وهي التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي الضلالة، أي إحداث شيء في الدين ليس منه.
(الثاني) اللغوية: كل ما كان فعلُه طارئاً وجديداً وإن كان من الممكن أن يستند إلى أصل شرعي .. وبهذا فسّر قول عمر في التراويح: "نعمت البدعة".
فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلاّها وصلّى معه ناسٌ فخاف أن تفرض على المسلمين فتركها. فلما توفي صلى الله عليه وسلم رأى عمر مشروعيتها وزوال مانعها، فجمع المسلمين على إمام واحد. اقتضاء الصراط المستقيم: 276-278
أصل (403): "مناشئ الابتداع هي: الجهل بالمقاصد وتحسين الظنّ بالعقل واتّباع الهوى".
فللنجاة من ذلك يجب على الناظر أمور:
(الأول) أن يكون عربياً في اللسان أو كالعربي.
(الثاني) أن يرجع إلى أهل العلم فيما أشكل عليه.
(الثالث) أن يعتقد كمال الشريعة وعدم احتياجها إلى إكمال.
(الرابع) أن يعتقد خلو الأدلّة الشرعية من اختلاف التضاد وأنّ الشريعة على قولٍ واحد.
(الخامس) أن يجعل الشريعة حاكمة والعقل تابعاً.
(السادس) أن يعلم أن الشريعة موضوعة لإخراج المكلّف من داعية هواه، وأنّ من صار عبداً لهواه لم يستفد شيئاً من إرسال الرسول وإنزال الكتاب. الاعتصام: 500-531
أصل (404): "المكلّف بأمور الشريعة لا يخلو من أحد أمور ثلاثة".
(الأول) أن يكون مجتهداً فيها: فعليه أن يتّبع ما أداه إليه اجتهاده، ولا يسعه التقليد في أمرٍ بان له وجه الصواب فيه.
(الثاني) أن يكون مقلّداً صرفاً: فلا بد له من عالم يقتدي به.
(الثالث) أن يكون غير بالغٍ مبلغ المجتهدين لكنّه يفهم الدليل وموقعه ويصلح فهمه للترجيح بالمرجّحات المعتبرة فيه تحقيق المناط ونحوه له موقفان:
(الأول) يكون فيه كالمجتهد وذلك فيما بان له من حقٍّ تشهد له الأدلّة.
(الثاني) يكون فيه كالعامي وذلك فيما عجز عن إدراك الحقّ فيه فيكون واجباً عليه طلبُ العلم من أهله. (الاعتصام: 534-535)
أصل (405): "الكفر بالمآل ليس كفراً في الحال".
أيّ أنّ من ابتدع بدعةً تؤول إلى الكفر أو يلزم منها ما هو كفرٌ فإنّ التحقيق أنّ المبتدع لا يكفَّر بما تؤول به بدعته حتى يلتزم ذلك الكفر ويتّخذه مذهباً، لأنّ لازم المذهب ليس مذهباً حتى يلتزمه.
أصل (406) : "الفِرق المبتدعة اتّفق السلف على تضليلهم ولم يتّفقوا على تكفيرهم".
والمراد من لم تُخرجه بدعته من الإسلام لله إلى الشرك والكفر به، وإنّما خالف ما ثبت في الكتاب والسنّة من الاعتقادات التي أجمع عليها السلف والذي حملهم على ذلك لم يكن حباً في المخالفة، بل طلب التحقيق والاستقامة بالجهل فغلبتهم أهواؤهم.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ هذه الفرق ستكثر حتى تبلغ ثنتين وسبعين. فقد صحّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفرّقت اليهود على احدى وسبعين فرقةً، والنصارى مثل ذلك وتتفرّق أُمتي على ثلاث وسبعين فرقةً».
وفي الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو: «كلّهم في النار إلاّ ملّة واحدة» قالوا: ومن هي يا رسول الله؟. قال: «ما أنا عليه وأصحابي».
وفي سنن أبي داود من حديث معاوية رضي الله عنه: «وواحدة في الجنّة وهي الجماعة».
وليس في الحديث تعيينٌ للفرق وذكر أسمائهم، ولكن فهم علماء السلف أنّه يعنى الفرق المعروفة في الإسلام التي وقعت في البدع، فاتّفقوا على تضليلهم ولم يتّفقوا على تكفيرهم جملةً.
قال شيخ الإسلام: "وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط، ثم عبد الله بن المبارك ـ وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين ـ قالا‏:‏ أصول البدع أربعة‏:‏ الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة‏.‏ فقيل لابن المبارك‏:‏ والجهمية‏؟‏ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد‏.‏ وكان يقول‏:‏ إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية‏.‏ وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، قالوا‏:‏ إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهم الزنادقة‏.‏
وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم‏:‏ بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، فعلى قول هؤلاء‏:‏ يكون كل طائفة من ‏[‏المبتدعة الخمسة‏]‏ اثنا عشر فرقة، وعلى قول الأولين‏:‏ يكون كل طائفة من ‏[‏المبتدعة الأربعة‏]‏ ثمانية عشر فرقة‏.‏ وهذا يبني على أصل آخر، وهو‏:‏ تكفير أهل البدع‏.‏ فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم؛ فإنه لا يكفر سائر أهل البدع، بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله‏:‏ ‏(‏هم في النار‏)‏ مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره، كما قال تعالى‏:‏ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ ‏[‏النساء‏:‏10‏]‏‏.‏
ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين‏:‏
منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المستأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين‏.‏ وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير‏[‏المرجئة‏]‏ و‏[‏الشيعة‏]‏ المفضلة ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع ـ من هؤلاء وغيرهم ـ خلافًا عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم‏.‏ وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة‏.‏ ومنهم من لم يكفر أحدًا من هؤلاء إلحاقًا لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا‏: ‏فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدًا بذنب،فكذلك لا يكفرون أحدًا ببدعة‏.‏
والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير ‏[‏الجهمية المحضة‏]‏، الذين ينكرون الصفات، وحقيقة قولهم أن الله لا يتكلم ولا يرى، ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة، ولا سمع ولا بصر ولا حياة، بل القرآن مخلوق، وأهل الجنة لايرونه كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات‏.‏ وأما الخوارج والروافض، ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره‏.‏ وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال‏.‏
وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين‏:‏
أحدهما‏:‏ أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقًا؛ فإن الله منذ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأنزل عليه القرآن، وهاجر إلى المدينة، صار الناس ثلاثة أصناف‏:‏ مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر، ومنافق مستخف بالكفر؛ ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار، وبضع عشرة آية في المنافقين‏.‏ وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن، كقوله‏:‏ ‏﴿وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾‏[‏الأحزاب‏:‏ 1‏]‏.
وقوله‏:‏ ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ ‏[‏النساء‏: ‏140]‏.
وقوله‏:‏ ﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ‏[‏الحديد‏:‏ 15‏]‏.
وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام، وإلا فهم في الباطن شر من الكفار، كما قال تعالى‏:‏ ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾‏ ‏[‏النساء‏:‏ 145‏]‏.
وكما قال‏:‏ ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾‏‏ [‏التوبة‏:‏ 84‏]‏.
وكما قال‏:‏ ﴿قلْ أَنفقوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ. وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاّ وَهُمْ كسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ‏[‏التوبة‏:‏ 53-54‏]‏‏.‏
وإذا كان كذلك، فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة‏.‏ وأول من ابتدع الرفض كان منافقًا‏.‏ وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق؛ ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم‏.‏ ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنًِا وظاهرًا، لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقًا أو عاصيًا، وقد يكون مخطئًا متأولا مغفورًا له خطؤه ، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين‏.‏
والأصل الثاني‏: أن المقالة تكون كفرًا، كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب، وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع؛ فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه، ولما أنزل الله على رسوله‏. (الفتاوى: 3/35).
أصل (407): "الاستدلال قبل الاعتقاد".
فعندما يعلم الإنسان أو يسمع بخبر من الأخبار فإنّه يعتقد صحته أو بطلانه ولذا صار الناس أمام الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنين وكافرين.
ولهذا قيل "الاعتقاد فرعٌ عن العلم" و "أن الاستدلال قبل الاعتقاد".
أما من اعتقد ثم استدلّ لمعتقده فقد ضلّ واتّبع هواه.


اخبر صديق

Kenana Soft For Web Devoloping