(الخطأ الرّابع) في إسلام الكافر بالملائكة: جاء في الجواب: (إذا أسلم الحربيُّ في دار الكُفرِ، فشهد لله بالتَّوحيد، ونبيّ الله بالرسالة، ولم يعرف الملائكة يقتضي أصلكُم أن لا يُعذرَ بالجهل ولا يُحكمُ لهُ بالإسلام) والجوابُ: إنَّ وجُودَ إنسانٍ عرف التَّوحيد والرّسالة، معرفة صحيحة، وهو لم يسمعْ بالملائكة، افتراضٌ بعيدٌ عن الواقع، قد لا يُوجدُ إلّا في الأذهان. يدلُّ على ذلك أمران: (الأوّل) إنَّ العلمَ بالملائكة جاء مع العلم بالتّوحيد، في جميع رسالات الله، منذ آدم إلى مُحمَّدٍ صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم. وانتشر بالتواتُر في حياة الأمم، ولم يكُن هذا العلم بالملائكةِ يزولُ بزوالِ توحيد الألوهيّة، وكان يبقى ببقاء توحيد الرّبُوبية، للعلاقة الوثيقة الّتي بين العلم بتوحيد الرّبوبية، وبين العلم بملائكة الله. فإنَّ البشر -وإن ضلُّوا عن توحيد الألوهيّة- كانُوا يُؤمنُون بأنَّ الله هو خالقُ الكونِ، ورازقُ الخلق، وأنَّهُ الملكُ الحقِّ، المُتصرِّفُ في مُلكه، ذو الجنُود ، الَّذين هم الملائكة. فكان الإيمانُ بالملائكة من لوازم الإيمان بمُلكِ الله. قال الإمام ابنُ القيّم: "فإرسالُ الرّسل موجبُ كمال مُلكِه وسلطانِه، وهذا هو المُلك المعقول في فطر الناس وعقولهم، فكلُّ مَلِكٍ لا تكون له رسلٌ يبثُّهم في أقطار مملكته، فليس بملكٍ. وبهذه الطريق يُعلمُ وجودُ ملائكته، وأنَّ الإيمانَ بهم من لوازم الإيمان بمُلكِه فإنّهم رسلُ الله في خلقِه وأمرِه". (مدارج السالكين:1/70). (الثاني) دلَّ القرآنُ على أنّ أجهلَ الأممِ الّتي قد ضلّت عن التّوحيد، كانت لا تزالُ تعتقدُ بالملائكة. فقد قال قومُ نوح: ﴿وَلَوْ شَاء اللهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً﴾ [المؤمنون: 24]. وذلك في وقتٍ كانُوا يُنكرُون التَّوحيدَ، ويستحلُّونَ عبادة غير الله، ويُنكرُون رسالة نُوح عليه السّلام. وقال فرعون: ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ [الزخرف: 53]. وذلك في وقتٍ كان يُنكرُ التَّوحيدَ، ويستحلُّ الكُفرَ والطّغيان، ويُنكرُ رسالة مُوسى عليه السلام. وقال مشركوا العرب: ﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الأنعام: 8]. ﴿لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ﴾ [هود: 12]. ﴿لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 7]. وذلك في وقتٍ كانُوا يُنكرُون التَّوحيدَ، ويستحلُّونَ عبادة غير الله، ويُنكرُون رسالة مُحمَّدٍ عليه الصّلاةُ والسلام، ويُنكرُون البعث والحساب. فإذا كان أهلُ الشّرك لم يجهلوا الملائكة - حتّى في أوقات الفترات - فما فائدة افتراض الجهل بالملائكة بعد الرّسالة الأخيرة التي غلبت على العالم وعرف مبادئها الملاحدة والوثنيّون والكتابيّون؟. وعلى تقدير وجود من لم يسمع بالملائكة، فإنَّ الحربيَّ إذا ادَّعى الإسلام في دار الكُفرِ، فشهد لله بالتَّوحيد، ونبيّ الله بالرّسالة، وادَّعى الجهل بالملائكة، فالأشبه أن يكُون مُعانداً، لوجُود العلم بالملائكة في ديار الحرب، كما يُوجدُ العلمُ بربُوبيّة الله فيها، فيُدعى إلى الإيمان بالملائكة، فإن آمن بها صحَّ إيمانهُ الظّاهر، وحُكم بإسلامه.