بسم الله الرحمن الرحيم مُقدَّمة الحمدُ لله الّذي هدانا إلى الإيمان به وتوحيده، والبراءة من الشّرك والمشركين، على تنوّعهم واختلافهم في العقائد والأديان الّتي ينتسبون إليها، وعلى مراتبهم في النَّظريات الثّقافية، والمعارف الدّينية. فالهداية ليست بالعلم والمعرفة، وليست بكثرة القراءة، وجمع الكتب، ولكنَّ الهداية باستقامة النيّة، وصحّة التّطبيق، والعمل بالمعلوم من الدّين. إنَّها موافقة الصّواب، وتحقيق الإخلاص لله سبحانه. الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له في جميع صنوف العبادات، فمن صرف منها شيئا لغيره فهو من المشركين الكافرين الضّالّين، بغضّ النظر عن انتسابه وزعمه. كما قال سبحانه في تنزيله: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المبعوث للعالمين بشيرا ونذيرا بين يدي السّاعة. قام للدّعوة إلى الله، وتبرّأ من المشركين وكفّرهم، وأرشدهم إلى دين الله القيّم، ولم يعبأ بإدّعائهم لاتّباع ملّة إبراهيم وإسماعيل، بل.. ولا بشعائرهم الدّينيّة لمّا ضلّوا عن إخلاص الدِّين لله. بل.. لم يُعذرهم صلّى الله عليه وسلّم بجهلهم، مع علمه بأنّهُ قد بُعث إلى قوم جهّال ضالّين غافلين. قال عزَّ وجلَّ: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّين. فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾. فالنّجاة في اتّباع سبيله، والضّلال كلّ الضّلال في مخالفة طريقه وهديه. اللّهم صلّ عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واستنّ بسنّتهم إلى يوم الدّين. أمَّا بعدُ: فإنَّهُ مُنذ ظهُور الحقِّ وتميُّز أهل التَّوحيد المسلمين، عن أهل الشّرك المنتسبين إلى الإسلام، لم ينقطع النِّقاش والحوار حول مسألة "تكفير أهل الشّرك المنتسبين"، ومسألة "بطلان إيمان من لم يتبرَّأ من أهل الشّرك"، ومسألة "تكفير من لا يكفّر المشركين المنتسبين إلى الإسلام". لم ينقطع النِّقاش والحوار حول هذه المسائل، بين أفراد الجماعة المسلمة، وبين حملة فكر الإرجاء المعاصر. وقد اشتهر كثيرٌ من رؤوسهم بشدَّة العداوة للمُوحِّدين، وخلق الأكاذيب والافتراءات عليهم، ولصقهم بكلِّ شائنة قبيحة. وكُنَّا نعُدُّ الشّيخ حسّان بن حسين من أولئك، بل من أشدِّهم، وذلك لأجل ما سمعناهُ من أقواله الكثيرة المسجَّلة، التي تناول بها دُعاة التَّوحيد، وذكرهم بالشّتم والتّحقير. ولأجل حلِّه لدماء الموحِّدين، وقوله المشهُور: "يُقتلُون في الحلِّ والحرم". ولم يكُن قد ردّ عليه -إذ ذاك- أحدٌ، لأنّهُ لا ينبغي وضع الشتائم وسفاسف الأقوال في مراتب المسائل الدّينية، التي تستحقُّ الردّ والجواب. ثمّ انتشرت أقوالٌ للشّيخ حسان بن حسين، يُكفِّرُ فيها طوائف من المستحقِّين للتّكفير، فظنَّ بعضُ الإخوة أنَّها وثبةٌ إلى الأمام، وأنّ الشيخ قد تقدَّم في العلم بمسائل التوحيد، فأحبَّوا لقاءهُ، وقد تمّ لقاء أحد الإخوة به. وذكر هذا الأخ أنَّهُ طلب من حسان بن حسين عقد مجلس للنّقاش الدّيني، فاعتذر من الاجتماع، ولكنَّهُ اختار أن يكون أسلوب النّقاش مكاتبة بالرّسائل، وأنَّهُ قد وافق هذا الاقتراح. وبعدها أرسل "حسّان" أربع مسائل وصفها بأنّها الّتي يدور حولها الخلاف. فأحببنا أن يكُون أخونا الشيخ أبو عبد الرحمن الصومالي المجيبَ عن أسئلته. فأرسلتُ إليه المسائل الأربعة. وفي خلال بضع أيّام، وصلتنا جوابه، والتي سمّاها "الجواب". فأرسلنا من فورها إلى حسّان. فلمّا قرأها لم يقتنع بها. فكتب ردّا لذلك جوابا أفصح فيها عن اعتقاده الدّيني. فلما وصل إلينا، أرسلتُ رسالته تلك إلى "أبي عبد الرحمن الصومالي"، فأرسل " أبو عبد الرحمن الصومالي " جوابه بعنوان "الجواب عن الجواب". فسكت حسان حسين، وانتهت المكاتبات. القيمة العلميّة لهذا الحوار: 1) هذا الحوار مُفيدٌ لطالب الحقِّ لأنَّهُ قد دار بين ممثلي اتِّجاهين في الفكر مُتضادَّين، ولهما تأثير على النَّاس. فالمقارنة بين الأجوبة تُظهرُ لطالب الحقِّ مَن الذي تُؤيِّدُهُ الأدلّةُ، والذي هو مُجانبٌ لها. 2) من قرأ هذا الحوار وتدبَّرهُ يظهرُ لهُ أمران: (الأول) أنَّ من غُربة الدِّين، أنَّ الإنسان في هذا الزّمن يُقالُ لهُ "عالم" و"شيخٌ سُنِّيٌ" وهو يجهلُ أصلَ الدِّين الإسلامي. (الثاني) أن حسان بن حسين وثبَ وثبةً إلى الأمام، ولكنَّها وثبةٌ في داخل قفصِ الإرجاء المعاصر. فهو قد أعذر في رسالته الّذين لا يكفّرون المشركين الشّرك الأكبر ولا يتبرّأون منهم، مرّة بإدّعاء أنّهم معذورون بقصر فهمهم قبل البيان وإقامة الحجّة، كالخوارج الّذين لا يكفّرهم بعض المسلمين. ومرّة بإدّعاء أنّ حكم الأفراد قد يختلف فيه المسلمون بدون أن يُؤدّي ذلك إلى تكفير بعضهم لبعض. ومن قرأ الحوار فسيعلمُ هل أصاب حسان بن حسين أم أخطأ؟؟؟... نسألُ الله الهداية والتوفيق. 24ربيع الأوّل 1434هـ (النّاشر)