التنطع والغرور إن الله تعالى أوجب على المؤمن أن يأخذ كتاب الله بقوّة، وأن يكون شديداً في أمر الله لا يخاف في الله لومة لائم. قال تعالى: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ [الأعراف: 145]. وقال تعالى: ﴿خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم: 12]. وقال تعالى في صفة المؤمنين: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة: 45]. ومن الناس من يُخطئ في الشدّة والقوّة المطلوبة، فيجعل أوامر الله كلها واجبة، ولا يَجعل للمندوبات التي لا يأثم تاركها مكاناً، ويَجعل النواهي كلّها محرّمة، ويغفل عن المكروهات التي لا يأثم فاعلها. إن القوّة المطلوبة هي أن تحافظ الحدود والأوامر والنواهي كما أنزل الله بدون زيادة ولا نقصان، وأن تعرف أن هناك عزائم ورخص، وأن الله يُحبّ أن تؤخذ رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه. والتنطّع هو: "حَمل النفس على العزيمة في موطن الرخصة". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هلك المتنطّعون، ثلاثاً» [مسلم]. والمتنطِّعون هم المتعمِّقون الذين يجاوزون حدود الاعتدال في أخذ الأوامر والنواهي. والمتنطّع يكون مع انحرافه مغروراً معجباً بنفسه محتقراً للمؤمنين، سريع الوقوع في أعراضهم. والتنطّع هو الذي جعل أحد الخوارج يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم (اعدل فإنك لم تعدل)، وهو الذي جعلهم يكفّرون المبشّرين بالجنة من الصحابة رضوان الله عليهم، ويستحلُّون دماءهم. فيجب أن تعرف التنطّع والغلوّ في الدِّين من مزالق الطريق، ومن أخطر الأسباب الداعية إلى الاختلاف والتفرّق في الجماعة المسلمة الواحدة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم والغلوّ في الدِّين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوّ في الدِّين» [أحـمد/الترمذي].