الاستعجال : إن الاستعجال مزلقٌ خطيرٌ قد يُسبّب فشلاً وانحطاطاً للحركة، فمن الناس من يحبّ أن يستعمل القوّة أمام كل صعوبة تواجهه، فيدخل معركةً لم يستعدّ لها ويواجه عدوّاً يَجهل قوّته وخطره، فينهزم من قريب. فيجب الاحتراز من هذا الصنف المتهوّر المستعجل، والقبض على يديه وتعليمه الصبر والأناة والسمع والطاعة للنظام الجماعي. وقد أخبرنا لله تعالى في كتابه إن أشدّ الناس حماسة وطلباً للقتال قد يكونون أسرعهم اِنْهزاماً إذا جدّ الجدّ : قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: 77]. وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 246]. قال سيد قطب رحمه الله تعالى في (ظلال القرآن): "إن أشدّ الناس حَماسة واندفاعاً وتهوراً قد يكونون هم أشدّ الناس جزعاً واِنْهياراً وهزيمة عندما يجد الجدّ وتقع الواقعة، بل إنّ هذه قد تكون القاعدة ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالباً ما تكون منبعثة من عدم التقدير لحقيقة التكاليف، لا عن شجاعة واحتمال وإصرار، كما أنّها قد تكون منبعثة عن قلّة الاحتمال، قلّة احتمال الضيق والأذى والهزيمة، فتدفعهم قلّة الاحتمال إلى طلب الحركة والدفع والانتصار. حتى إذا وجهوا بِهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا وأشقّ مما تصوروا، فكانوا أول الصف جزعاً ونكولاً وانْهياراً، على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ويعدّون للأمر عدّته، ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة، ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف. فيصبرون ويتمهلون ويعدّون للأمر عدته. والمتهورون المندفعون المتحمِّسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافاً، ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور. وفي المعركة يتبيّن أي الفريقين أكثر احتمالاً، وأيّ الفريقين أبعد نظراً كذلك. وهذا ما يصوره لنا الله تبارك وتعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ [النساء: 77].