(ي) التفسير الإسلامي للتاريخ : ومن السّنن الثابتة التي تعمل في حياة الجماعات، والتي هي وراء قيام الدول وقوتِها وضعفها وإنْهيارها ما بيَّنها الله تعالى في كتابه. فأخبر : (أ) إِنّ الأمة إِذا أعطاها الله قوّة وعدّدا ومكّنها في الأرض. فإِنه يريد أن تعمل بعهد الله وميثاقه. وهي تعلم أنّها مستخلفة في الأرض، وليست هي مالكة الملك. فلا يحلّ لها إذاً أن تشرع الشرائع ألتي لم يأذن الله بِها من عند نفسها. (ب) إِنّها إن فعلتْ ذلك، وخضعتْ لأمر الله، واستقامتْ على موافقة أمره. فإنَّ الله لا يقطع منها نِعَمَهُ بل يزيدها ويضاعفها لها ما دامت على ذلك. (ج) وإِن لم تفعل ذلك وحكمتْ بِهواها، وطغت وأفسدت في الأرض. فإِن الله سينتقم منها في الدنيا قبل الآخرة، ويسلّط عليها من يشاء من عباده، فيكونون سبباً لإنْهيارها، أو ينْزل عليها عذاباً من عنده يستأصلها. وإِليك الآيات الدالّة على ذلك: قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 14]. وقال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ، ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلا الْكَفُورَ﴾ [سبأ:15-17]. وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [النحل: 112-113]. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الاعراف:96]. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة: 65-66]. وقال تعالى: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]. وقال تعالى: ﴿فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ﴾ [الأنعام: 6]. قال تعالى: ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: 14-15]. قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10-12]. وإذا بلغت الدعوة الإسلامية أمة ولم تستجب لها، فإن الله يأخذها بِاَلْمِحَنِ والشدائد كي تتوب إلى الله. فإن تابت كان خيراً لها، وإن ثبتت على كفرها مع الشدائد والمحن. فإن الله سيفتح لها أبواب الخيرات، حتى إذا إسترسلت وفرِحَتْ بالنعماء أخذها بغتة فإذا هم مبلسون . قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: 43-44]. ومعرفة سنة الله هذا تمنع من الإغترار بما يظهر من الدول الكافرة من الترف وأنواع الخيرات. وهم مصرّون على ضلالهم وكفرهم. كما جاء في الحديث: «إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاءون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم» ثم تلا ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ﴾». [أحـمد].