(و) ثبات المؤمنين : ومن سنة الله أن يثبت أهل الإيمان، وأن يثقوا بوعد الله، وأن لا يَخشوا التهديد بالقتل، أو النفي، أو الحبس. وأن يستمرّوا في دعوة الضالّين إلى الهدى غير مبالين بوعيد أكابر المجرمين. وقد قصّ الله علينا في كتابه من مواقف المؤمنين ما هو أُسوةٌ للمؤمنين على مدار التاريخ. ومن ذلك . قال الله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس : 71]. قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هود:53-56]. وقال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى، قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى، قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه:70-73]. وقال تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ، وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ [الاعراف :125-126]. عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة في ظلّ الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا. ألا تدعوا لنا. فقال: قد كان من قبلكم يُؤخد الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين. ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه. والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون» [البخارى]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى عماراً وأمّه وأباه يعذبون العذاب الشديد في مكة. فما يزيد علي أن يقول: صبرا آل ياسر إنَّ موعدكم الجنّة.