(هـ) بروز الشياطين : ومن السنن الثابتة. أن يقف القادة والرّؤساء الذين يملكون السّلطة، وإصدار الأوامر والنواهي للأمم الضالة في وجه دعاة الحقّ، وأن يهددوهم بالقتل، أو النفي، أو السّجن، إذا لم يتنازلوا عن دعوتِهم، ويندمجوا في أقوامهم، كما كانوا من قبل هذه الدعوة. قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ، وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ [الانعام:112-113]. وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان : 30-31]. وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [الانعام: 132]. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: 34-35]. وقال تعالى: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء : 116]. وقال تعالى: ﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: 97]. وقال تعالى: ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ [الشعراء: 167]. وقال تعالى: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء : 29]. وأولئك الأكابر من المجرمين يعرفون كيف يصرفون "العامة" عن الاستماع إلى الحقّ وكيف يفسدون القلوب، يقولون لَهم "إنَّ هذه الدّعوة يُراد من ورائها الإستيلاء على السلطة. وقلب نظام الحكم" كما تُوَضِّحُهُ الآيات الآتية: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ [غافر: 26]. وقال تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 78]. وقال تعالى: ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ﴾ [الاعراف : 127]. وقال تعالى: ﴿وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ [ص: 6]. إن الأنسان الجاهل الخالي من الإيمان ضعيف النّظر، وعلمه لا يتجاوز حدود هذه الدنيا، ولا يعرف قيمة أعلى من المكاسب الدنيوية تستحقّ أن تُبْذَلَ الجهود والأوقات في سبيلها، ولا يعرف مقاماً أرفع وأكرم من الإستيلاء على الملك، والسيطرة على أرواح الناس وأبدانِهم وأموالهم. ويرى أنّ من بلغ هذا المنصب بلغ النعيم والسرور، لقد حجبه الشيطان عن رؤية حقيقة الدنيا وقصر عمرها، وزوالها من قريب. وحجبه كذلك عن رؤية الجنّة ونعيمها الخالد، وكرامة أهلها الذين لا يَموتون، ولا يهرمون، ولا يسقمون، ولا يبتئسون. قال تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: 7]. لعلمهم القليل ونظرتِهم الضيّقة كان أهل الجاهلية يصدّقون ما يُقال عن رسل الله موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم من أنّهم إنّما يريدون الملك لينالوا الراحة والمتاع. وكلّ من عزم السير في طريق أولئك الرّسل لا بدّ له من أن يُقال له شيء مما قد قيل للرّسل الكرام، لأن سنّة الله لا تتخّلف .