(الخامسة): الجهاد في سبيل الله إن الله تعالى أوجب الجهاد في سبيل الله على عبادة المؤمنين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدّين كله لله. ومعنى الجهاد: هو بذل الجهد المستطاع في سبيل هذه الغاية. وكل ما يبذله المسلم من جهود وأعمال لإعلاء كلمة الله ولإظهار دينه على الأديان تعتبر من "الجهاد في سبيل الله" في ميزان الإسلام. ويجب أن تكون نيّة الجهاد صادقة عند المسلمين، وأن يبذل كل منهم ما في وسعه، كي تكون كلمة الله هي العليا .. لينال رضى الله وجنته. وقد مرّ الجهاد الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بمراحل مختلفة لا بدّ من معرفتها: المرحلة الأولى: وهي الجهاد بالحجة والبيان: أي دعوة أهل الشرك إلى الإسلام وإلى شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإسماعهم القرآن الّذي كان يُبيِّنُ لهم عقائدهم وأعمالهم الشركية الفاسدة .. ويريهم ما في هذه العقائد والأعمال من كفر بأنعم الله. وكانت هذه الدعوة شديدة عليهم، ولذلك كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكان الله يأمر نبيه بأن يستمرّ في جهاده . قال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾ [الفرقان :52]. وكان من الجهاد الّذي قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة تربية الأفراد الذين استجابوا للإسلام، وآمنوا به، وتزكية عقائدهم ومشاعرهم وسلوكهم وإعدادهم لحمل الأمانة وتبليغ الرسالة ..وكانت (دار الأرقم) المركز الّذي كانوا يجتمعون به. وقد كان الذين ربّاهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرحلة دعاة الإسلام وقادة المسلمين فيما بعد، وهم الذين أقاموا دين الله في صورة نظام عالميّ، وكان منهم أبوبكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف، ومصعب بن عمير، وأبو عبيدة بن الجراح، وعثمان بن مظعون، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعمار، وبلال، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبو حذيفة بن عتبة، وغيرهم. وكان الجهاد باليد في هذه المرحلة محرّماً لحكمةٍ يعلمها الله. وكان المؤمنون مأمورين بالصبر على أذى المشركين، والإعراض عن الجاهلين. قال الله تعالى: ﴿كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ﴾ [النساء:77]. وقال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ [الجاثية: 4]. وقال الله تعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: 89]. وقال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف :199-200]. وقال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ [الفرقان: 63]. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ [الفرقان: 72]. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ [القصص:55]. المرحلة الثانية وهي الجهاد بالسيف والسنان: وقد مرّ بأدوار ثلاثة: (الدور الأول) وكان مأذوناً فيه، ولم يكن واجباً، وذلك لما نزلت الآيه: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:39-41]. وبعد نزول هذا الإذن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث سراياه ليقطعوا طرق التجارة على قريش، التي ظلمت المسلمين وأخرجتهم من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا "ربنا الله" حتى قتلت السّرية التي قادها "عبد الله بن جحش" "عمروبن الحضرميّ" في آخر شهر رجب من السنة الثانية للهجرة. ثم كانت غزوة "بدر الكبرى" في رمضان من هذه السنة، والتي إنتصر فيها المسلمون إنتصاراً حاسماً على أعدائهم المشركين. (الدور الثانِي) فرض الجهاد بالسيف على المسلمين ضدَّ الذين يقاتلونهم من المشركين دون الذين لا يقاتلونهم. قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 19]. (الدور الثالث) فرض على المسلمين جهاد المشركين كافة، حتى لا تكون فتنة في الأرض، وأن يبدؤا بمن يلونَهم ثم الذين يلونَهم. وهذا هو الحكم النهائي لأحكام الجهاد الّذي نزلت به سورة "براءة". قال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 123]. وهذا هو الحكم الأخير الّذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته .. وسار عليه الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم من أمراء المسلمين في جَميع عصور القوة، قبل الضعف التدريجي الّذي أصاب المسلمين بفعل ذنوبِهم. وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دانت له الجزيرة العربية كلها، وأسلمت قبائل العرب. وصار للمسلمين قوّة عظيمة تستعدّ لقتال الروم والفرس، الذين أبوا أن يستجيبوا للدعوة الإسلامية .. ولما وَلِيَ أبوبكر الخلافة إشتغل بحروب أهل الردّة في السنة الأولى من خلافته. ثم بعد الإنتصار في هذه الحروب، وجَّه الجيوش إلى تُخوم الفرس والروم. ففتح المسلمون العراق، ودخلوا عاصمتها الحيرة بقيادة خالد بن الوليد. وتوفّي أبوبكر رضي الله عنه وقد بدأت الحروب في الشام بين المسلمين والروم، وانتصر المسلمون في معركة يرموك. وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنتصر المسلمون في معارك كثيرة أهمها "القادسية" بقيادة سعد بن أبى وقاص، وعلى أثرها سقطت "المدائن" عاصمة الفرس وفرّ ملك الفرس. ثم إستولى المسلمون خراسان، وأذربيجان، وأرمينيا، وجميع أراضي إيران. وكذلك استولى المسلمون على الشام كلها، وفتحوا مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه. وفي خلافة عثمان رضي الله عنه إستولى المسلمون على "جزيرة قبرص" بقيادة معاوية بن أبى سفيان، وأنتصر المسلمون على الروم في معركة بحرية عظيمة سميت بـ"ذات الصوارى". وكذلك هزم المسلمون جموع البربر في شمال أفريقيا، وقتل ملكهم "جرجير". ولم يكن المسلمون في حروبهم يقبلون من الكفار إلا واحدة من ثلاث: (الأولى) الإسلام، فإن أبوا عرضوا عليهم (الثانيـة) الجـزية، فإن أبوا إستعانوا بالله وكانت (الثالثـة) القـتال. وكان المسلمون غالباً ينتصرون على أعدائهم، حتى أصبحت "الدولة الإسلامية" أقوى دولة في العالم. ومن لم يخضع لها لِبُعْدِهِ عنها كان على وَجَلٍ منها .. وقد دخل الإسلام في قرنه الأول الهجري بلاد الهند. وأصبحت بلاد ما وراء النهر -وهي من أراضي السوفيت- اليوم جزءاً من العالم الإسلامي. وأصبحت مدن "البخاري" و"سمرقند" من مراكز الحضارة الإسلامية. وكذلك دخلت "الأندلس" في طاعة الدولة الإسلامية في هذا القرن، وأصبحت فيما بعد من أهمّ المراكز العلمية والحضارية للعالم الإسلامي .. وبقيت كذلك ثمانمائة سنة حتى سقطت غرناطة 898هـ في أيدي الصليبيين الإسبان. في زمن الضعف والتفرّق. والقرآن الكريم يُبْرِزُ أَهْمية فريضة الجهاد في سور وآيات كثيرة، فيها تحريض للمؤمنين ليؤدوا هذه الفريضة، التي لا ينالون عزّ الدنيا والآخرة إلا بقيامها. قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة :216]. وقال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: 39]. وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة:29-33]. وقال تعالى: ﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ، وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ، الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 74-76]. وقال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة :251]. وكذلك كثُرتْ الأحاديث التي تحضّ على الجهاد وتُبيِّنُ فضله: عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور». [متفق عليه]. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أي العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: «الصلاة على وقتها». قلت ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». [متفق عليه]. وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ إلى رسو ل الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ قال: «مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله»، قال: ثم من؟ قال: «مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله، ويدع الناس من شرّه» [متفق عليه]. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها» [متفق عليه]. وعن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهرٍ وقيامه. وإن مات فيه أُجْرِيَ عليه عمله الّذي كان يعمل، و أُجْرِيَ عليه رزقه، وأمن الفتان» [مسلم]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يارسول الله ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: «لا تستطيعونه»، فأعادوا عليه مرّتين أوثلاث، كل ذلك يقول لا تستطيعونه. ثم قال: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولاصيام» [متفق عليه]. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مكلومٍ يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمى: اللّون لون دمٍ والريح ريح مسك» [متفق عليه]. وعن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا» [متفق عليه]. وعن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أغبرت قدما عبدٍ في سبيل الله فتمسّه النار» [البخاري]. وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق» [مسلم]. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شىء إلا الشهيد، يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرّات، لما يرى من الكرامة». وفي رواية: «لما يرى من فضل الشهادة» [متفق عليه]. وعن عروة البارقى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والمغنم» [متفق عليه]. وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من إحتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده،فإن شبعه، وريّه، وروثه، وبوله، في ميزانه يوم القيامة» [البخاري]. وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علم الرمي ثم تركه فليس مني، أو فقد عصى» [مسلم]. وعنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة، ألا إنَّ القوّة الرمي، ألا إنّ القوّة الرمي، ألا إنّ القوّة الرمي» [مسلم]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ في الجنة مائة درجة، أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض» [البخاري]. وقد بَيّن القرآن كذلك ما للشهيد عند الله من فضل وكرامة. والشهيد هو المسلم المقتول في سبيل الله .. بأيدي الكفرة والمشركين. وقد أخبر الله أن الشهداء أحياء. وأنّهم قد نالوا الغاية التي لأجلها أسلموا وجاهدوا، وهي رضى الله والجنة. قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 154]. وقال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران 169-171]. وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 4-7]. وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ، وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [آل عمران: 157-158]. وقال تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 139-142]. عن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل: أين أنا يا رسول الله إن قُتلت؟ قال: «في الجنة، فألقى تمرات كنّ في يديه، ثم قاتل حتى قُتِلَ». [مسلم]. وفي حديث أنس رضي الله عنه المتقدّم «أنّ الشهيد يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرّات، لما يرى من فضل الشهادة» [متفق عليه]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يغفر الله للشهيد كلّ ذنب إلا الدَّين» [مسلم]. وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه» [مسلم]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلاّ كانوا قد تعجّلوا ثلثي أجورهم. وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلاّ تَمّ لهم أجورهم» [مسلم].