(الثانى) القدوة الصالحة: وهو كون المربي قدوة صالحة، ومثالاً حياً وترجمة حقيقية لما يدعوا إليه ويقول، فإن لم يكن كذلك وعجز هو عن التطبيق والعمل بما علمه فلأن يعجز المتعلِّم ويعرض عن التطبيق أولى. بل إنّ المتعلِّم في الغالب يتّخذ من فِعل مربِّيه حجةً بجواز التساهل في الأمر أو صعوبة التطبيق على الوجه الأكمل، أو إستحالة ذلك. وإذاً فإن صلاح المربِّي وإستقامته ضرورية لنجاح التربية الإسلامية. وأهمّ الصفات ألتي يجب أن يتّصف بِها المسلمُ الداعية إلى الله هي: (1) العِلم: يجب أن يكون عالما بما يدعوا إليه، فإن علم التوحيد ولوازمه وما يضاده من الشرك. يجب عليه أن يدعوَ المشركين إلى التوحيد ولو كان لا يعلم كثيراً من الاحكام الفرعية، وكذلك إذا علم الصلاة وأحكامها ونواقضها يجب عليه أن يُعَلِّمَ من لا يعرف ذلك من المسلمين ولو كان لا يعرف أحكام الزكاة أو الصيام، وعليه أن يسعى دائماً إلى رفع مستواه العلمى. قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [المجادلة:11]. وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر :28]. وقال تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:9]. ‌(2) التقوى: يجب أن يكون مخلصاً لله بعمله، متورعاً عن الشبهات، زاهداً عن الدنيا، لا تستهويه زخارفها، ولا تميل به عن الإستقامة على الطريق. قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التو بة :123]. (3) الرحمة: يجب أن يكون رحيماً بمن معه من المؤمنين. قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر:88]. وقال تعالى في صفة المؤمنين: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]. قال تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 54]. قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران :159]. قال سيد قطب رحمه الله: "يجب على الداعية أن تتوفر فيه الطبيعة الخيرة الرحيمة الهينة اللينة المعدّة لأن تتجمع عليها القلوب، وتتألف حولها النفوس. فيجب أن يكون رحيما بمن معه، ليِّناً معهم. ولو كان فظا غليظ القلب ما تتألف حوله القلوب، ولا تتجمع حوله المشاعر. فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ودّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل هُمومهم، ولا يعنيهم بِهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء. وهكذا كان قلب الداعية العظيم محمد صلى الله عليه وسلم. هكذا كانت حياته مع الناس، ما غضب لنفسه قط، ولا ضاق صدره بضعفهم البشريّ، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الدنيا، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبرّه وعطفه وودّه الكريم". (4) الحلم والصبر: "يجب عليه أن يكون حليما صبوراً لا يجزى السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر. قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ، وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الاعراف199-200]. وقال تعالى: ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت 34 –35]. وقال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾ [المؤمنون:96]. قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [طه: 130].