(3) الدعوة إلى الله الدعوة إلى الله فريضة فرضها الله على المرسلين والمؤمنين قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. إِلا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن:22-23]. وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، وَاخْفِضْ جَنَاحاَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء: 214-216]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [المائدة:67-68]. وقال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف:108]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت:33]. وقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر:1-3]. عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال ياقوم إننى رأيت الجيش بعينى، وإنِّي أنا النذير العريان فالنجاء، فأطاعته طائفة من قومه، فأدلجوا فانطلقوا على مهلتهم. وكذَّبتْ طائفة منهم فأصبحوا مكانَهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم. فذلك مثل من أطاعني واتّبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق». [مسلم]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه يوم خيبر: «أنفذ على رسلك حتى تنْزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحداً خير من أن يكون لك حُمر النعم». [متفق عليه]. ويجب أن تكون الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة: والحكمة هي إصابة الحقّ. والقرآنُ حكمةٌ أنزلها الله للبشر، من تَمسَّك به لا يضلُّ ولا يشقى. فيجبُ أن يعتمد عليه الداعية في أداء وظيفة الدعوة. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: 125]. قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾ [ق : 45]. ويجب أن تكون الدعوة بالموعظة الحسنة. أي بالكلام البليغ المؤثر الواصل إلى قلب المستمع، وأن يكون الإظهار للحق بالرفق والقول الليِّن، والإ بتعاد عما يثير الغضب والنفور والإنتصار للنّفس.وليس من الحكمة والموعظة الحسنة إخفاء حقيقة الإسلام لخشية معارضة الناس ونفورهم. قال تعالى: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:43-44]. ومن الحكمة عدم عرض التفاصيل والأحكام الفرعية قبل قبول الناس للعقيدة والتوحيد، لأنّ الله تعالى لم ينْزل الأحكام والحدود إلا بعد أن إستوفت العقيدة حقها من البيان، ورسخت في نفوس المؤمنين رسوخا كاملاً. عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إنك تأتى قوما من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله إفترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ الله إفترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فَتُردّ إلى فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». [متفق عليه]. قالت عائشة رضي الله عنها عن القرآن: "أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام. ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا:لا ندع الخمر أبدا. ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبداً". [رواه البخاري]. والدعاة إلى الله في أوساط الجاهلية أمامهم مجالان للعمل: (الأول) الْمجال الخارجي: وهو دعوة أهل الجاهلية إلى الإسلام الحنيف الّذي هو الإقبال على الله والميل إلى عبادته وحده،والإعراض عما سواه من المعبودات البشرية وغير البشرية، وإنذارهم عواقب الكفر والعصيان. قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ﴾ [إبراهيم:1-3]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ، الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت:6-7]. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: 7]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [ص: 65]. وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الانعام:51]. وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ [غافر: 18]. وقال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [مريم:39]. (الثاني) المجال الداخلي: وهو الإهتمام بتربية وتعليم المسلمين حتى تصحّ أفكارهم ومشاعرهم وأعمالهم، وتكون موافقة للقرآن ولطريق السلف، الذين رباّهم القرآن، وبذل الجهد حتى يتحرّر كلّ فردٍ منهم من الأفكار والمشاعر والأعمال الجاهلية التي إعتادها في حياته قبل الإسلام، والتي قد يكون بعض رواسبِها متبقيا في نفسه. قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [آل عمران:164]. وقال تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:151]. وقال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [أل عمران:104]. وقد كان رسو ل الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ المسلمين ما جهلوه من أمور دينهم وكان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويصحّح لهم أخطاءهم في الفكر والشعور والعمل، وكان يعظهم وينصحهم أفراداً وجماعات، ويهديهم إلى أرشد أمورهم وما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وقد وصفه الله بذلك في كتبه قبل بِعثته. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف:157]. والإقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم يقتضي أن يكون المسلم الداعية إلى الله آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ناصحا للمسلمين يعظ الغافل ويعلم الجاهل. وتربية الأفراد تربيةً إسلامية لا تنجح ولا تؤتِي ثمارها إلاّ بتوافر الشروط الآتية: