(ثانياًّ) عدم موافقتهم في منكراتِهم : يجب على المسلم أن لا يوافق المشركين في منكراتِهم من الشرك بالله والفسوق عن أمرِ الله، وأن يكون بريئاًمنهم إعتقاداً وسلوكاً. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: 1-6]. وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: 41 ]. وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام :19]. وقال تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [الشورى :15]. وقال تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا﴾ [الأسراء:84]. وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ، إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف:26-27]. وهذه البراءة ليست قولية فحسب، وإنما هي عملية، وتؤثر في حياة المسلم وتجرُّ له المتاعب والشدائد، يتنكر له الأقرباء وينقلب الأصدقاء إلى أعداء لايرقبون فيه إلاً ولا ذّمة كما قال تعالى: ﴿لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ [التوبه: 10]. فتخرج حياته حينئذ عن مسارها المعتاد، ويكون كالمنبوذ المطرود في بيئته، متعرّضاً للأخطار في كلّ حين، فيقع الإبتلاء الموعود فيصبر المؤمنون ويرتدّ المنافقون. ومن طبيعة البشر أن لا يصبروا على الإنتقاد والطعن في عقيدتِهم وسلوكهم، ولوكانت هذه العقيدة شركاً محضاً والسلوك فسقاً وفجوراً، لأنّهم يرون ذلك تسفيهاً لأحلامهم وتنقصاً لأبائهم وأجدادهم، فكانت مقاومتهم للحق الّذي جاءت به الرسل عليهم السلام دائماً شديدةً وعنيدةً. قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ﴾ [الأنعام: 108]. وقال تعالى: ﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ﴾ [التوبه:37]. وقال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر:8]. وكان المشركون يتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شتم آلهتهم وكفر أباءهم وسفّه أحلامهم، ويقولون إذا رأوه استهزاء ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا﴾ [الفرقان:41]. ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء:36]. وكان الله تعالى يأمر نبيه أن يكون ثابتاً على الحق لا يتزحزح ولا يستجيب لإقتراحاتِهم وإغراءاتِهم، وأن يقول الحقّ ولو كرهوه. قال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: 14]. وقال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر:94]. وقال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم :8-9]. لأن الثبات والإصرار على الحق إذا تمّ على الوجه الصحيح سيكون صفحةً مقابلة للشرك، وطريقاً معارضاً له، فيبعث ذلك الناس على النظر والبحث والمقارنة بينهما، وترجيح أحدهما على الآخر، فيظهر للعقلاء حينئذ قبح الشرك وعيوبه وحسن التوحيد ونزاهته، فيكون ذلك سبباً لقبولهم دين الله: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [ص:29]. ومن أخطر الأمور أن يشّك المسلم في حقيقة الجاهلية، وأن يظن بِها خيراً وإسلاماً وهم لايزالون في جاهليتهم، يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، لأنه ينتج من هذا الشك أن يشك في طريقه،وأن يضعف عن البراءة والمفاصلة، وأن يوافقهم ويصطلح معهم ويكون منهم. وهذا هو الكفر والضلال والخذلان. وقد نَهي الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن أن يدخل هذا الشك الّذي هو أولى الخطوات إلى طريق الكفر وموافقة الجاهلية في قلبه، فقال له: ﴿فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ﴾ [هود:109]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [هود:17]. وقال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [يونس:94-95]. وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ، وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: 79-81]. قال سيد قطب رحمه الله: "كذلك لاينبغى أن تقوم في نفوس أصحاب الدعوة إلى الله تلك الشكوك الّسطحية في حقيقة الجاهلية وحقيقة الإسلام وفي صفة دار الحرب ودار الإسلام. فمن هنا يؤتى الكثير منهم في تصوراته ويقينه، إنه لا إسلام في أرض لايحكمها الإسلام ولاتقوم فيها شريعته، ولا دار إسلام إلاّ التي يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونة. وليس وراء الايمان الاّ الكفر، وليس دون الإسلام الاّ الجاهلية، وليس بعد الحق إلا الضلال". [معالم في الطريق].