(أولاً) بغضهم في الله : المشركون لم يستجيبوا لرّبهم الّذي يدعوهم إلى صراطه المستقيم صراط التوحيد والإسلام واستجابوا لنداء الشيطان الّذي يدعوهم إلى صراط الجحيم صراط الشرك والجاهلية، ولذلك فهم أولياء الشيطان عدو الله الكافر، ومن واَلىَ عدوَ الله فقد جاهر بمعاداةِ الله وخروجه عن حزبه المفلح. فهُما حزبان متعاديان متضادّان ولكل منهما آمرٌ متبوع، والآمران لا يتفقان ولا يصطلحان. ومن ثم وجب على المؤمِن أن يبغض المشركين في الله، بل إنّه لا يكون مُؤمناً حتى يُبغضَهم وتزول مودّتَهم من قلبه. قال تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]. والله سبحانه قد لعن في كتابه الشيطان فقال: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ، لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ [النساء: 117]. ولعن كذلك أولياءهُ الكفار فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا﴾ [الأحزاب: 64]. وقَالَ: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف :18]. والمرءُ مع من أحب، كما في الحديث الصحيح المتواتر. فمن أحبِّ الملعونين كان ملعوناً مثلهم. والمشركون أيضاً ظالمون، لأنَهم صرفوا حقّ الله الّذي عليهم إلى غيره من العبيد. فمن أحبّ الظالمين فقد أحبّ الظلمَ ورضى عنه فصار من أهله. وقد قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140]. وقال تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود: 113] وفي الحديث: «أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله)» [الطبرانى]. وفي الحديث الأخر: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد إستكمل الإيمان» [أبو داود]. أما محبة الإيمان والإسلام لهم والحرص على إنقاذهم من شقوة الكُفر والجاهلية فهذا حسن مأمورٌ به، وليس هو من المودّة المحرّمة التي لا تُوجد في قلوب المؤمنين. وقد كان كلّ رسولٍ من رّسل الله حريصاً على هداية قومه وإنقاذهم من الضلال والخسران قائلاًلهم: ﴿إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعْراف: 59]. وكانوا مع ذلك يبغضون المشركين ويعلنون لهم أن العداوة والبغضاء ستستمرُّ بينهم ولاتزول أبداًحتى يؤمنوا بالله وحده. قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة:4]. والشرك بالله ليس نظرية مجرّدة مستقلّة عن الناّس، وإنّما هو عقيدة مكنونة في قلوب بعضهم وتظهر للواقع في صورة حركات وأفعال. فمن كان صادقاً في بغضه للشرك بالله لابد له من أن يبغض المشركين وإلا كان كاذباً في دعواه. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ... وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة :1]. وقد شرع الله للمسلمين أن يخالفوا المشركين في الهدي الظاهر لأنّ التشابه فيه يورث المودة القلبية. فشرعت المخالفة لإبعادهم عن مودتِهم والركون اليهم. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ [الانعام:159]. قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:16]. عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تشبه بقومٍ فهو منهم» [أبو داود]. وعنه أيضاً: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب واعفوا اللّحي» [متفق عليه]. عن أبى هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» [متفق عليه]. وعنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال الدِّين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون» [أبوداود]. وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» [مسلم]. وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولاخفافهم» [أبو داود]. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتّبع جنازةً لم يقعد حتى توضع في اللحد. فتعرض له حبرٌ فقال: هكذا نصنع يا محمد، قال فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خالفوهم» [أبوداود]. وعن ابن عباس مرفوعاً: «اللّحد لَنَاْ والشقُ لِغيرنَاْ» [أهل السنن]. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً: «ليس منَّاْ من تشبَّه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإنّ تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالأكف» [الترمذي]. وعن ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعاً: «صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا يوماً قبله ويوماً بعده» [أحـمد]. قال المروزي: سألتُ أبا عبد الله -أحمد بن حنبل- عن حلق القفَاْ فقال: "هو من فِعْل المجوس، ومن تشبّه بقومٍ فهو منهم".