ومن الأمو الضرورية شرعاً أن يعرف المسلم حكم البيئة التي يعيش فيها، أهي بيئة إسلامية أم هي بيئة جاهلية، لأن إتّباعه لمنهج الله في الحياة يتعلّق بِهذه المعرفة، ولا يستقيم بدونِها. فالبيئة إذا كانت في ميزان الله بيئة إسلامية منقادة لأوامر الله وأحكامه فهناك طريق يأمر الله بسلوكه وحقوق يوجبِها على المسلم لبيئته المسلمة، وأحكام يتعامل على أساسها مع الأفراد والجماعات التي تتألف منها هذه البيئة، فمثلاً يكون واجباً عليه أن يطيع قيادتَها في المعروف وأن يصلّي خلفها ويعطيها زكاة ماله ويقاتل تحت رايتها وينصح لها وينصرها ويواليها، وأن يؤدي جميع الحقوق التي جعلها الله ورسوله للمسلمين على المسلمين كما هي في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. أما إذا كانت البيئة في ميزان الله بيئة جاهلية فاسقة عن أوامر الله وأحكامه فهناك طريق آخر يختلف عن الأول كل الاختلاف يأمر الله بإتّباعه، هناك البراءة منهم ومفاصلتهم على العقيدة والكفر بقيادتِهم الجاهلية وطاغوتِهم المطاع، هناك دعوتهم إلى الله بالطريقة المبيّنة في كتاب الله التي سلكتها رسل الله على توالي الأزمان، والتآسي بأولئك الرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذي صبروا على التكذيب والإعراض، وعلى المتاعب الكثيرة التي لحقتهم من جرّاء الدعوة التي قاموا بِها والتي كانت مفروضة عليهم فرضاً. ومن جهل حكم البيئة ولم يهتمّ بمعرفتها فقد جهل الطريق الواجب عليه سلوكه. وجهل كذلك كيفية العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجهل الحقوق التي له والتي عليه. وذلك أن الله تعالى قد قسم القيادات التي تحكم المجتمعات البشرية إلى قيادة ضالة كافرة، وقيادة مهتدية إسلامية. وجعل للقيادة الإسلامية حقوقاً على المسلم لم يجعل مثلها للقيادة الضالة الكافرة. كما أنه أنزل طريقة يتعامل المسلم على أساسها مع أخيه المسلم وأخرى يتعامل على أساسها مع أهل الشرك وأتباع الطواغيت، فإذا كان الإنسان لا يدري حكم البيئة أو أخطأ في حكمها فلا بدّ تبعاً لذلك من أن يُخطئ في العمل بالكتاب والسنة وأن يضع النصوص في غير موضعها الصحيحة إذا كان جاداً في إتّباع الكتاب والسنة. وأقرب مثال لذلك هو أولئك الذين يدعون الناس إلى الجهاد ضدّ النصارى، وهم في ظلّ حكومة جاهلية علمانية تعادي الإسلام وتحارب أهله، فينطلقون من قاعدة كافرة تُعتبر دار حرب في ميزان الإسلام لملاقات أمثالهم من الكفار، وذلك أنّهم قد فهموا من كتاب الله أنه يأمرهم بالجهاد، وفهموا أن النصارى كفار، لكنهم جهلوا أحكام العلمانيين والديمقراطيين الجاهلين الذين ينتسبون إلى الإسلام وهم خارجون منه خروجاً كاملاً، فأوردهم هذا الجهل ذلك التصرف الغريب الذي هو تركهم لقتال الكفار الذين يلونَهم إلى الذين لا يلونَهم فوق أنّهم لم يبلغوا درجة من القوّة يستطيعون بِها الصمود في وجه إحدى القوّتين. ولا بدّ للجهاد من قاعدة حرّة مستقلّة، ولا بدّ له من إعداد القوّة المادية والمعنوية، كما يؤخذ ذلك من التوجيهات المباشرة للقرآن الكريم. وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة متكرّرة للتصرفات الصبيانية الناشئة عن الجهل بالواقع أو الجهل بالتوحيد ولوازمه. ﴿وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213] .