[حـ] ومنها : أن الله تعالى بيّن في كتابه أن الأمة إذا اتّخذت قادة ومرشدين لنفسها ورضيت أوامرهم وأحكامهم المضادة لأحكام الله فإنّها تكون حينئذ أمة ضالة كافرة. وهذا الكفر والضلال يعمّ الحاكم والمحكومين الذين أظهروا الرضى والقبول وانقادوا لأحكام العبيد لأن الله تعالى لم يفرّق بينهم في ذلك، بل إنه وصف فرعون وجنوده بالخطيئة والإستكبار ولم يفرّق بينهم. قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: 8]. وقال تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [القصص: 39]. وكذلك لم يفرّق بينهم في عذاب الدنيا. قال تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: 40]. ولم يفرّق بينهم كذلك في عذاب الآخرة: قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ [غافر: 47-48]. وقد كان فرعون وملاؤه يعلمون أن الحقّ مع موسى عليه السلام ولكن منعهم الإستكبار وحبّ الرئاسة عن الإذعان للحقّ. قال تعالى: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ﴾ [الإسراء: 102]. وقال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14] وهذا يدلّ على أنّ من علم الحقّ وأبى اتّباعه لا يعدّ من المؤمنين بالحقّ، لأن الإيمان ليس المعرفة القلبية وحدها، وليس هو القول مع المعرفة، وإنما هو قولٌ وعملٌ ونيةٌ. فمن لم يتّبع الحقّ بعد علمه به لا يكون إلاّ مكذّباً وله عقوبة المكذِّبين في الدنيا والآخرة. والمسلم قد يكون في دار غلبت عليها الجاهلية ولكن لا يجوز له أن يطيع الكفار في معصية الله إلا ما كان في حدود الإكراه، وإنما يجب عليه أن ينكر ذلك المنكر بقدر إستطاعته. كما ورد في الحديث: «من رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان». [مسلم].