[ز] ومنها : أن الله تعالى بيّن أن من كره شيئاً من تنْزيله لا يبقى له عند الله عمل صالح وأن الله سيحبط أعماله الصالحة كلها. قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمّد: 9]. وقال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمّد: 28]. فظاهر من الآيتين أن الإنسان إذا رضي بشريعة الله وعمل بِها ولكنّه كره أية واحدة وجاهر بِمخالفته لها فإنه يكون حينئذ كمن لم يعمل بشيء من الشريعة على الإطلاق، وذلك أن الله سيحبط أعماله الصالحة الموفقة للشريعة كلها، فلا يكون له عند الله مثقال ذرّة من خير، لأن كراهية الحقّ هي الكفر بالله والكفر محبط للأعمال الصالحة. قال تعالى: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]. فإذا كان ذلك كذلك فكيف بمن كره إتّباع الشريعة كلّها ورماها بالنقص وعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة العصرية، أليس يكون هو أولى بأن يحبط الله أعماله الصالحة كلها إذا كانت له أعمال صالحة من ذلك الذي كره آية واحدة من كتاب الله. ولو أنّ أولئك الحكام المنكرين لإتّباع الشريعة أظهروا التوبة من ذلك وحكموا بين الناس بما أنزل الله وأقاموا فيهم الصلاة وجمعوا الزكاة وقتلوا تارك الصلاة ومانع الزكاة وأقاموا الحدود الشرعية، وأمروا بجهاد الكفار، لو فعلوا كل ذلك ولكنهم استباحوا التعامل بالربا وحده من غير تأويل وردُّا النصوص الصحيحة من القرآن والسنة، وأعلنوا أنّهم لا يريدون أن ينقادوا لهذه النصوص في هذا الزمن المتطوّر لو فعلوا ذلك ما كان هناك مجال للتوقف أو التردّد في الحكم عليهم بالكفر البواح. فكيف إذاً وهم مجاهرون بمخالفة الكتاب كلّه منسلخون من الدِّين جملة وتفصيلاً. وليس للمؤمن أن ينخدع بما يظهره بعض أولئك الحكام الطغاة من شعائر الإسلام، لأن كراهيتهم للشريعة أو لبعض جوانبِها أمرٌ مشهودٌ، وإحباط الله لأعمال الكارهين لتنْزيله خبرٌ ثابتٌ مقروءٌ. وكيف ينخدع بشعائر وأعمال قد بيّن الله أنه أحبطها وأنها لا تساوي عنده شيئاً. إن كراهية أولئك الطغاة لما أنزل الله تتجلَّى فيما يأتي : (أولا): في تمسّكهم الشديد بالنظم الجاهلية الصادرة من الكفار أعداء الإسلام وتطبيقهم عملياً في كلّ شئون الحياة بفخر وإعتزاز. (ثانيا): في تربيتهم للأجيال الناشئة تربية تضلّهم عن الإسلام عقيدة ونظاماً وخلقاً وسلوكاً وتزيّن لهم سبل الضلال وتظهر لهم الإسلام مجموعة من التقاليد البالية التي يجب أن يتحرّر منها الإنسان المعاصر. (ثالثا): في حروبِهم الشرسة وسحقهم الوحشي لدعاة الإسلام الحنيف. قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا﴾ [الحجّ: 72]. وقال تعالى: ﴿وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [أل عمران: 21-22].