(1) الجاهلية كلمة الجهل هي مصدر "جهِل يجهل جهلاً". وكلمة الجهل يراد منها معنيان في لغة العرب: أ- عدم العلم ب- عدم اتّباع العلم والجاهل هو الذي لا يعلم حقيقة شيء كما قال تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ [البقرة: 273] . والجاهل كذلك هو الذي يعلم الحقيقة ولا يتّبعها كما في قوله تعالى: ﴿قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [البقرة:67]. وقال تعالى: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ [يوسف: 89] . وقال تعالى: ﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف: 33] . وقال تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138]. وجهِل عليه: معناه اعتدى عليه وظلمه كما في الحديث: "اللهم إنِّي أعوذ بك أن أضلَّ أو أُضلّ أو أزلّ أو أُزلّ أو أظلم أو أُظلم أو أجهل أو يُجهل عليَّ" [أهل السنن] . وكما قال الشاعر الجاهلي {عمرو بن كلثوم} ألا لا يجهـلن أحدٌ علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينـا والجاهلية: اصطلاح قرآنيّ يراد منه عدم اتّباع ما أنزل الله من العلم في العقائد والأحكام والأخلاق. كما قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50]. وقال تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [آل عمران: 154]. وقال تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ [الفتح: 26] . وقال تعالى: ﴿وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾ [الأحزاب: 33] والجاهلية هي ضدّ الإسلام. لأنّ الإسلام الذي جاءت به رسل الله هو: اتّباع ما أنزل الله من العلم في العقائد والأحكام والأخلاق والكفر بما يخالف هذا العلم من هوى البشر . قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256]. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ [الزمر: 17]. والإنسان المسلم قد تكون فيه خصلة من خصال الجاهلية. ولا ينتقض أصل إسلامه بذلك ما لم يكن مستحلاًّ للمخالفة، ولذا جاز أن يُقال للمسلم المخالف "إن فيه جاهلية" كما تدلّ على ذلك الأحاديث النبوية: قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه : "إنّك امرؤ فيك جاهلية" [متفق عليه]. وذلك لما عيّر رجلاً بأمه وقال: يا ابن السوداء. وقال صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونَهنّ: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" [مسلم] وهذه الأحاديث كالأحاديث التي تبيّن أن المسلم قد تكون فيه شعبة من شعب الكفر، وذلك إذا هو ارتكب محرماً أو ترك واجباً مثل: قال صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم : "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" [متفق عليه] . فدلّت الأحاديث الصحيحة على أن المسلم قد تكون فيه خصلة من خصال الجاهلية أو شعبة من شعب الكفر. ولا فرق بين العبارتين، لأن الجاهلية هي الكفر بالله; فمرتكب الكبيرة إذاً فيه جاهلية أو فيه كفر. وليس المراد من ذلك أنه خرج عن الملّة بمجرّد ارتكابه لها . أما من اختار شرائع الجاهلية على شريعة الله وترك ما أنزل الله من العلم في العقائد أو الأحكام أو الأخلاق، فلا يكون إلاّ كافراً خارجاً عن ملّة الإسلام وإن صلّى وصام وزعم أنه مسلم. ومن جادل عنه لا يكون إلاّ مجادلاً بالباطل: ﴿وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا﴾ [الكهف: 56].