بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أما بعـد :- فإن المسلم المعاصر المدرك لحقيقة دينه إدراكاً صحيحاً يشعر بالعزلة في البيئة الجاهلية المعاصرة. إن عقيدته تعلّمه أن الله هو الملك الواحد القهار الذي يجب أن يُطاع ولا يُعصى له أمرٌ، ولكن بيئته تقول له: لا، هذا قصور في النظر وقلّة في العقل، وأن الله هو ملك في السماء وإن للأرض ملوكاً ورؤساء يُطاعون ولا يُعصى لهم أمر. إن عقيدته تعلِّمه أن الله وحده هو واضع الكتب والمناهج والنظم للحياة البشرية كلّها، ولكن بيئته تقول له: لا، إن هذا جمود ورجعية، فآخر كتاب أنزله الله قد مضت عليه قرون كثيرة، ولم يعد صالحاً لتلبية حاجات الحياة التشريعية، فلا بدّ للعلماء والخبراء والمتخصِّصين من أن يأتوا بتشريعات صالحة للحياة البشرية المتطورة. إن عقيدته تُعلِّمه أن الله وحده هو الذي يضع للناس قيماً وأخلاقاً ثابتة في جميع العصور، ولكن البيئة تقول له: لا، إن القيم والأخلاق لا يجوز أن تكونا ثابتتين، وإنما هما يتطوّران مع الزمن وتتأثّران بمستوى المعيشة للبيئة، فما كان عيباً ورذيلة في بيئة خاصة أو زمن خاص قد لا يكون كذلك في بيئة أخرى أو زمن آخر . إن عقيدته تعلِّمه وجوب التجمّع على آصرة العقيدة، وأن المؤمنين اخوة وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، ولكن البيئة تقول له: لا، إن فكرة القومية والوطنية رائجة في العالم وليس لها بديل في الواقع الحاضر فالصومال للصوماليين والمصر للمصريين والعراق للعراقيين .. الخ . إن عقيدته تعلِّمه أن المؤمن أخ للمؤمن وأن الكافر عدوٌّ للمؤمن، ولكن البيئة تقول له: لا، إن الحياة البشرية قد تطورت كثيراً عن هذه الفكرة وأصبح التعامل ممكناً بين أهل الملل المختلفة، وقد اتّفقوا على رعاية الحقوق الإنسانية، وعدم التدخّل في الشئون الداخلية لكل قوم، وعدم الدخول لحدودها الجغرافية بغير إذنها، وأن يكون هناك سعي لإحياء المودّة والتعاطف والحبّ بين البشرية كلّها. فلم يعد للجهاد في سبيل الله مجال في هذه الحياة العصرية الراقية. ومن هنا فإن المسلم يشعر بالغربة والعزلة في بيئته التي نشأ فيها لأجل ما في منهجه الفكري والعملي ومنهج البيئة من اختلاف وتضاد. وقد أصبح هذا حال المسلم الحقيقي في البيئات الجاهلية وقد استحكم الخلاف الفكري والعملي بينه وبينها، وعرف استحالة التعاون والتفاهم معهم ما داموا على ذلك البُعد والشرود عن منهج الله للحياة. وهذه "دروس في منهج الحركة الإسلامية" وضعت لتعين المسلم على معرفة الطريق الصحيح الذي يجب عليه سلوكه ومعرفة الأصول الفكرية التي يقوم عليها منهجه. وخطوات هذا المنهج المستمدة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون. (أولاً) في منجى من ضغط المجتمع الجاهلي الذي يدعوه إلى السير مع القطيع الضال مهما تكن النتيجة. (ثانياً) داعية إلى الخير يخرج أهل الجاهلية من الظلمات إلى النور بإذن الله. ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: 213].