خامساً: إن أصحاب هذه الفكرة المنحرفة ينفذون بسذاجةٍ بلهاءَ مخططات أعداء الإسلام، الحريصين على محوه من الوجود -إن استطاعوا- لأن من مخططاتهم إقصاء الإسلام عن الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والقضائية، مع إيهام الناس بأنه لا يزال بخير مادام المؤذِّنون يؤذِّنون بـ"لا إله إلا الله" على المآذن والمنابر. وتكتظ المساجد بالمصلِّين، ويحجّ إلى البيت الحرام .إنهم أعداءٌ واعون مدرِّبون يعرفون هذا الدِّين كما يعرفون أبناءهم ويدرسونه دراسةً جادةً ليعرفوا كيف يقاومونه ويتغلَّبون عليه. ومن ثم لا يزعجهم انتساب الناس إلى الإسلام وإقامتهم لبعض شعائره، ماداموا يحيون حياة جاهلية ويتّبعون نظماً وشرائع من وضعهم. ومن وحي فكرهم الشارد عن الله. ولكن يزعجهم أن يرَوا الإسلام حكماً يتحاكم إليه، ويصدر برأيه ويخرج الأمة التي تحمل راية الجهاد في سبيل الله لإقامة مملكة الله في أرضه الواسعة، على أنقاض ممالك البشر التي تُعبّد الناس لغير ربهم الجليل، ولخوفهم المستمرّ، وقلقهم الدائم من عودة الحياة الإسلامية إلى الوجود، تنبعث منهم صيحات الخطر بين الحين والحين، ويصرخ مفكِّروهم بضرورة اليقظة الدائمة، ومقاومة الإسلام بشتى الوسائل. والحيلولة بينه وبين الانطلاق مرّة أخرى. يقول "غلادستون" رئيس وزراء بريطانيا سابقاً: "مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا تكون هي نفسها في أمان" . [الإسلام على مفترق الطرق] -لمحمد أسد-. ولما وقعت تركيا في قبضة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى أبت بريطانيا الانسحاب من أرض تركيا إلا بعد تنفيذ الشروط التالية :- (1) إلغاء الخلافة الإسلامية وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله. (2) أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركةٍ يقوم بها أنصار الخلافة. (3) أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام. (4) أن تختار لها دستوراً مدنياً بدلاً من دستورها المستمد من أحكام الإسلام. وبعد انسحاب بريطانيا قال وزير خارجيتها أمام مجلس النواب البريطاني: "لقد قضينا على تركيا التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم. لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين -الإسلام والخلافة-" فصفق النواب الإنجليز كلُّهم وسكتت المعارضة. [قادة الغرب يقولون]. وقال "صموئيل زويمر" رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمبشرين، المنعقد عام (1935م):"وإن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية. فإن في هذا هدايةً لهم وتكريماً. إن مهمّتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صله له بالله. وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. ولذلك تكونون بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. لقد هيأتم جميع العقول في الممالك الإسلامية لقبول السير في الطريق الذي سعيتم له ألا وهو إخراج المسلم من الإسلام. إنكم أعددتم نشأً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها. أخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية. وبالتالي جاء النشئ الإسلامي مطابقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتمّ بعظائم الأمور، ويحبُّ الراحة والكسل ويسعى للحصول على الشهوات بأي أسلوب، حتى أصبحت الشهوات هدفه في الحياة. فهو إن تعلَّم فللحصول على الشهوات.وإذا جمع المال فللشهوات. وإذا تبوّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات. أنه يجود بكل شئ للوصول إلى الشهوات. أيها المبشرون إن مهمّتكم تتمُّ على أكمل الوجوه". [طريق الدعوة] ويقول "اللورد كرومر" أول معتمد بريطاني في مصر: "إن مهمّة الرجل الأبيض الذي وضعته العناية الإلهية على رأس هذه البلاد "مصر"، هو تثبيت دعائم الحضارة المسيحية إلى أقصى حدّ ممكن، بحيث تصبح هي أساس العلاقات بين الناس، وإن كان من الواجب منعاً لإثارة الشكوك، ألاّ يعمل على تنصير المسلمين. وأن يرعى من منصبه الرسمي المظاهر الزائفة للدِّين الإسلامي كالاحتفالات الدِّينية وما شابه ذلك. [واقعنا المعاصر] لمحمد قطب . من هذه التصريحات وغيرها. يتبيَّن لك أن أعداء الإسلام يعرفون أنهم قد أخرجوا المسلم من إسلامه لقبوله السير في الطريق المعارض لطريق الإسلام. ولاستسلامه لمبادئ الحضارة الغربية القائمة على الكفر، واتّباعه لمناهجها في الحكم والتشريع.يعرفون أنهم قد نجحوا في تخطيطهم الماكر الخبيث، لأنهم يعرفون هذا الدِّين كما يعرفون أبناءهم. بينما المغفلون الذين ينتمون إلى الإسلام يقولون عكس ما يقوله الأعداء، يقولون إن الإسلام بخير، وأن الاستسلام لمبادئ الحضارة الغربية لا يضرّ المسلمين، ماداموا يقولون بألسنتهم "لا إله إلا الله" لأن الإسلام هو النطق بكلمة الشهادة. فساهموا بذلك في تضليل الناس، وتخدير مشاعرهم، كي تنجح المخططات التي تستهدف إقصاء الإسلام عن العمل في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية والتشريعية. فأصبحتْ الفكرة المنحرفة مساعدةً عظيمةً لأعداء الإسلام التقليديِّين. وعقبة كؤوداً في طريق المسلمين الحقيقيـين. وقال الله تعالى: ]وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ[ [الأنفال:30] تمّ الكتاب بعون الله تعالى وقدرته.