رابعاً:ظنّ بعضهم أن الذين يعتقدون جاهلية العالم المسمّي بالعالم الإسلامي وارتداده عن الإسلام منذ أن رضي بإتباع شرائع الطواغيت، وتطبيقها في جميع شئون الحياة، "مبتدعون،" وخوارج. فشغلوا أنفسهم في الردّ عليهم، ووقعوا في أعراضهم. وكالوا لهم السباب واللّعان.فظلموا بذلك أنفسهم وباؤا بإثم مبين. ]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِيناً[ [الأحزاب:58]. لقد احتملوا ذلك فوق تضليلهم للناس وصدّهم عن سبيل الله السويّ الذي هو البراءة من الشرك وأهله ومفاصلتهم حتى يؤمنوا بالله وحده كما هي سنة الأنبياء والمرسلين. ]قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ.... لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[ [الكافرون:1-6]. ]وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ [الأنعام:14]. وليس لمن يريد أن يكون حنيفاً مسلماً في سلوك هذا المسلك اختيار، مهما شقّ ذلك على نفسه وصعب. فالجنة إنما حُفت بالمكاره ولا يدخلها أحدٌ إلا بمشقّة. أما بدعة الخوارج(1) فالثابت أنها كانت البدعة الأولى التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في عهد الصحابة. وكان أصل بدعتهم ظنُّهم بأن الإيمان جزءٌ واحد لا يتجزأ. فإذا ذهب بعضه ذهب كلُّه. فنشأ من ذلك القول بتكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار لكون الأعمال من الإيمان. فاستحلّوا دماء المسلمين وأموالهم. فقاتلهم أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه. وقتلهم في يوم النهروان(2). وقد ثبت الأمر بقتلهم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وفرق بين تكفير المشرك بشركٍ يعتقده ويعمل به، وبين تكفير المسلم بذنبٍ لا يستحلُّه. ولا مجال للالتباس بين هذين الأمرين على من له أدنى بصيرة. ــــــــــــــ (1) هي أول فرقة مبتدعة ظهرت في المجتمع الإسلامي، كان أول خروجهم إثر موقعة صفين فخرجوا وانحازوا إلى قرية "حروراء"، وظنُّوا أن عليّاً كفر لأنه رضي بالتحكيم وقالوا {لا حكم إلاّ لله} وقال عليٌّ: "كلمة حقٍّ أُريد بها باطلٌ".. قاتلهم أمير المؤمنين بعد ما سفكوا الدم الحرام وقتلوا "عبد الله بن خباب" فقضى عليهم في موقعة النهروان. وكانوا فيما بعد يخرجون على الأئمة ويرون أن مرتكب الكبيرة كافرٌ مخلّدٌ في النار. افترقوا فرقاً كثيرة من أشهرهم "الأزارقة" و "النجدات" و "الصفرية" و "الإباضية". (2) موقع بالعراق دارت فيه المعركة بين جيش عليّ رضي الله عنه وجيش الخوارج بقيادة "عبد الله بن وهب" و "ابن الكواء" سنة (37ﻫـ) وكانوا أربعة آلاف ولم ينج منهم إلاّ قليلٌ.