الحقيقة الرابعة عشرة بيّنت الشريعة الإسلامية أن الإنسان المسلم الذي شهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" إذا ارتكب كبيرةً من كبائر الذنوب، فإنه يستحقّ أن يوصف بما فعله. وأن يجد جزاء فعله في الدنيا والآخرة إلا إذا ستره الله في الدنيا أو غفر له في الآخرة. فإن قتل المسلمُ مسلماً بغير حقّ، يُسمَّى القاتل "قاتلاً" في الدُّنيا. ولا يمنع قوله "لا إله إلا الله" أن يوصف بالقتل.ويقال له هذا "القاتل" وأن يقتصَّ منه كمالا يمنع قوله ذلك أن يدخل النار. قال الله تعالى: ]وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً[ [النساء:93]. وكذلك "الزاني" يسمَّى في الشريعة زانياً ولا يمنع قوله "لا إله إلا الله" أن يُقال له ذلك وأن يُجلد أو يُرجم. قال الله تعالى: ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[ [النور: 2]. كما لا يمنع قوله ذلك أن يعذب بعذاب الله في الآخرة. قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلاَّ مَنْ تَابَ ....[ [الفرقان:68-70]. وكذلك "آكل الربا" يسمَّى في الشريعة آكل الربا مع قوله "لا إله إلا الله". قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ[ [البقرة:278-279]. وقال الله تعالى:]وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ [البقرة:275]. وقد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه آكل الربا وهو في نَهر من دم لا يقدر على الخروج منه. كما رأي الزناة وهم يعذَّبون في تنورٍ أعلاه ضيّق وأسفله واسع أوقدت فيه نار عظيمة كما جاء في الحديث الصحيح. وكذلك السارق يقال له "سارقاً" وتُقطع يده وهو يقول"لا إله إلا الله". قال الله تعالى: ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ[. [المائدة:38]. وكذلك القاذف يقال له "قاذفاً" ويُقام عليه حدّ القذف وهو يقول "لا إله إلا الله". قال الله تعالى: ]وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاْ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ [النور:4]. وكذلك من كذب في الحديث يقال له "كاذباً" ويكون مردود الشهادة مع قوله "لا إله إلا الله". وقد رأي النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه الكذّاب وهو يعذب بكلوب من حديد يدخَل في فيه فيُشَقُّ شدقه إلى قفاه ثم يفعل كذلك بشدقه الآخر، كما جاء في الحديث الصحيح. وهكذا جميع الكبائر والبدع من فعل شيئاً من ذلك فإنه يوصف به ويلقى جزاءه. والشرك بالله كبيرة من الكبائر، بل إنه أكبر الكبائر، كما صحّ ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين}. [متفق عليه]. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: {أن تجعل لله نداً وهو خلقك}. [متفق عليه]. عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا يا رسول الله وما هنّ؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات}. [متفق عليه]. فهل يصحّ أن يُقال: إن أكبر الكبائر أخفُّ ضرراً على فاعله من سائر الكبائر، وأن يُقال: إن من أشرك بالله لا يُقال له"مشركاً" في الدنيا ولا يدخل النار في الآخرة إذا كان يقول: "لا إله إلا الله". من الظاهر البيِّن أن ذلك لا يصحّ عقلاً ونقلاً. ولكن ما الذي جعلهم يقلِّبون الحقائق هكذا؟ إذا فكرنا في السبب، فإننا نجد أنه كامن في سوء فهمهم للتوحيد وظنِّهم بأنه "النطق" لا غير، فما دام الإنسان ينطق بـ"لا إله إلا الله" فلا شرك هناك ولا كفر. ولذلك يتعجبون من هذا السؤال ما حكم من يقول "لا إله إلا الله" وهو مع ذلك يشرك بالله؟ فيكون جوابهم على الفور لا تقل يشرك بالله، أليس يقول "لا إله إلا الله"!! لأنّ الشرك عندهم أن يرفض الإنسان أن ينطق بـ"لا إله إلا الله" كما كان حال مشركي العرب، والتوحيد عندهم أن ينطق بهذه الكلمة مجرّد النطق. فلابدّ من تفهيمهم أولاً "حقيقة التوحيد" و "حقيقة الشرك" وأصناف المشركين قبل أن يدار معهم محاورات ومناظرات دينية فإن هذا هو الأفضل والأنسب. ]وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يشاء إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ [البقرة:213]. * * *