الحقيقة الثالثة: أصناف المشركين إن من الناس من يعبد من دون الله آلهة أخرى يعتقد أنها تملك النفع والضر ويطيع أرباباً متفرقين يشرعون له، ولا يعترف بـ"لا إله إلا الله" كحال المشركين الوثنيين. ومنهم من يعتقد كاعتقادهم ويشرك بالله كشركهم ولكنه يقول "لا إله إلا الله" كحال الكفار من أهل الكتاب. ومنهم من يعتقد كهذا الاعتقاد ويشرك بالله كهذا الشرك ولكنه يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله"كحال كثير من المنتسبين إلي الملّة الإسلامية، فلا يصحّ تفريق هذه الأصناف الثلاثة عقلاً ونقلاً في الحكم بأنهم مشركون لا مسلمون. لأن حقيقة ضلالهم واحدة، والنصوص القرآنية في هذا الباب صريحة مطلقة، كقوله تعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً [النساء:48] وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً [النساء:116] وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وقد وصف الله اليهود والنصارى بالشرك والخروج من دينه القويم. ولم يكن لادّعائهم بأنهم أتباع موسى وعيسى وزنٌ عند الله،لأنهم كانوا كاذبين في هذا الإدّعاء. فهم قد فارقوا الرسل، لما فارقوا التوحيد الذي جاءت به الرسل جميعاً. وإن ظنُّوا أنهم لا يزالون على شيء من الدِّين. قال الله تعالى: إتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31] وقال الله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ اْلكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَاْلإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ ربِّكُمْ [المائدة:68] فأولى الناس برسل الله هم المؤمنون الموحِّدون.ولهذا لما ادّعى كلٌّ من اليهود والنصارى والمشركين أنهم أولى الناس بإبراهيم، أنزل الله تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَاْ كَانَ مِنَ اْلمُشْرِكِينَ .إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ والَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ اْلمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 67-68]. وقال  لليهود الذين يدَّعون أنهم أتباع موسى وأولى الناس به {نحن أحقّ بموسى منكم} وقال أيضاً: {أنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبيّ}. [البخاري]. وعدم تفريق الله بين الوثنيين وأهل الكتاب ووصفه جميعاً بالشرك مع أن أهل الكتاب يقولون "لا إله إلا الله" دلّ على أن من يشرك بالله من هذه الأمة التي تدّعى الإسلام يكن مشركاً مثلهم. لأن من إدّعى محمّداً  كاذباً كمن ادّعى موسى أو عيسى كاذباً. ولا ينفع الإدّعاء الكاذب أحداً منهما في الدُّنيا والآخرة بعد الوقوع في الضلال المبين. والذين يظنُّون أنهم أتباع محمد  وهم موافقون للكفار في الشرك والضلال واهمون مخدوعون، وليسوا من محمد  في شيء. بل هم من أعدائه الذين أمر بالبراءة منهم. قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ [الأنعام:159]. وقال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام:19]. وليس من خصائصه  -دون الرسل- أن من أقرَّ بنبوته يكن من أتباعه الناجين وإن إرتكب الظلم العظيم، فعبد مع الله غيره. واتّبع كتباً ما أنزل الله بها من سلطان. ولو كان هذا حقاً، وكان ذلك من خصائصه لنفع الذين أقرُّوا بنبوته من غير أن يتبرّؤا مما كانوا عليه من الكفر، كأبي طالب وهرقل وأمثالهم. بل إن اشد أعداء الإسلام كأبي جهل وأمثاله كانوا يعلمون صدقه. قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُوْنَ [الأنعام:33].