{ثاْنياً} اَلإِيماْنُ : هُوَ أَنْ يُؤْمِنَ اَلْمَرْءُ وَيُصَدِّقَ بِكُلِّ مَاْ جَاْءَ بِهِ اَلْرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلّم مِنَ اَلْحَقِّ تَصْدِيْقاً جَاْزِماً لاْ شَكَّ فِيْهِ، بِقَلْبِهِ وَلِسَاْنِهِ وَجَوَاْرِحِهِ. "وَاَلْمُؤْمِنُ اَلْحَقُّ": هُوَ اَلَّذِيْ إِذَاْ عَرَفَ اَلْحَقَّ اَلْمُنَزَّلَ مِنْ عِنْدِ اَللهِ آمَنَ بِهِ بِقَلْبِهِ أَيْ صَدَّقَ بِهَ وَاَعْتَقَدَهُ وَأَحَبَّهُ وَرَضِيَ بِهِ. وَآمَنَ بِهِ كَذَلِكَ بِلِسَاْنِهِ أَيْ أَقَرَّ بِهِ وَدَعَاْ إِلَيْهِ. وَآمَنَ بِهِ كَذَلِكَ بِجَوَاْرِحِهِ أَيْ عَمِلَ بِهِ دَاْئِماً فِيْ خَاْصَةِ نَفْسِهِ. وَاَعْلَمْ أَنَّ اَلإِيْمَاْنَ عَلَىْ قِسْمَيْنِ: (اَلأَوَّلُ) هُوَ أَصْلُ اَلإِيْمَاْنِ، اَلَّذِيْ يُفَرِّقُ بَيْنَ "اَلْمُؤْمِنِ" وَ "اَلْكَاْفِرِ" وَهَذَاْ يَتِمُّ بِاَلإِيْمَاْنِ بِاَللهِ وَمَلاْئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وِرُسُلِهِ وَاَلْيَوْمِ اَلآخِرِ. فَاَلْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَاَلْكَاْفِرُ لاْ يُؤْمِنُ بِكُلِّ ذَلِكَ أَوْ بِبَعْضِهِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا﴾ [النساء: 136]. وَبَيَّنَ اَلْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَصْلَ اَلإِيْمَاْنِ فَقَاْلَ: {أَنْ تُؤْمِنُ بِاَللهِ وَمَلاْئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاَلْيَوْمِ اَلآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِاَلْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ} [رواه مسلم]. وَاَلْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِاَللهِ بِقَلْبِهِ أَيْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لاْ إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَلاْ شَرِيْكَ لَهُ فِيْ رُبُوْبِيَتِهِ وَأُلُوْهِيَتِهِ، وَيَرْضَىْ بِهَذَاْ اَلاِعْتِقَاْدِ وَيُحِبُّهُ وَيُحِبُّ أَهُلَهُ وَيُنْكِرُ اَلْشِّرْكَ بِقَلْبِهِ وَيُبْغِضُهُ وَيُبْغِضُ أَهْلَهُ. وَاَلْمُؤْمِنُ كَذَلِكَ يُؤْمِنُ بِاَللهِ بِلِسَاْنِهِ أَيْ يُقِرُّ بِكَلِمَةِ اَلْتَّوْحِيْدِ بِلِسَاْنِهِ وَيَدْعُوْ إِلَيْهَاْ وَيُنْكِرُ اَلْشِّرْكَ بِلِسَاْنِهِ وَيُكَفِّرُ أَهْلَهُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ. وَاَلْمُؤْمِنُ كَذَلِكَ يُؤْمِنُ بِاَللهِ بِجَوَاْرِحِهِ فَيُوَاْلِيْ أَهْلَ اَلْتَّوْحِيْدِ وَيَنْصُرُهُمْ وَيُعَاْدِيْ أَهْلَ اَلْشِّرْكِ وَيُجَاْهِدُهُمْ وَيَعْمَلُ بِطَاْعَةِ اَللهِ وَيَجْتَنِبُ مَحَاْرِمَ اللهِ. وَكَمَاْ آمَنَ اَلْمُؤْمِنُ بِاَللهِ بِقَلْبِهِ وَلِسَاْنِهِ وَجَوَاْرِحِهِ فَإِنَّهُ يُؤْمِنُ بَمَلاْئِكَةِ اَللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاَلْيَوْمِ اَلآخِرِ بِقَلْبِهِ وَلِسَاْنِهِ وَجَوَاْرِحِهِ. وَلِهَذَاْ قَاْلَ اَلْسَّلَفُ: "اَلإِيْمَاْنُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَةٌ" وَقَاْلُوْا: "اَلإِيْمَاْنُ تَصْدِيقٌ وَإِقْرَاْرٌ بِاَلْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاَلْلِّسَاْنِ وَعَمَلٌ بِاَلْجَوَاْرِحِ". وَاَلْكُفَّاْرُ اَلَّذِيْنَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ "أَصْلُ اَلإِيْمَاْنِ" عَلَىْ أَنْوَاْعٍ : فَمِنْهُمْ مَنْ فِيْ قَلْبِهِ تَصْدِيْقٌ وَاِسْتِيْقَاْنٌ أَيْ صَدَّقَ وَأَيْقَنَ بِأَنَّ اَللهَ لاْ إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَلاْ شَرِيْكَ لَهُ فِيْ اَلْعِبَاْدَةِ وَاَلْطَّاْعَةِ، وَلِكَنَّهُ أَبْغَضَ اَلْعَمَلَ بِاَلْتَّوْحِيْدِ وَاَسْتَكْبَرَ عَنْ طَاْعَةِ اَللهِ. كَمَاْ فَعَلَ إِبْلِيْسُ اَلْلَّعِيْنُ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]. وَكَمَاْ فَعَلَ "فِرْعَوْنُ" وَآلُهُ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: 14]. وَكَمَاْ فَعَلَ أَبُوْ جَهْلٍ وَأَمْثَاْلُهُ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33]. وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَدِّقُ اَلْتَّوْحِيْدَ وَرِسَاْلَةَ اَلْرَّسُوْلِ بِقَلْبِهِ وَيُقِرُّ ذَلِكَ بِلِسَاْنِهِ وَلاْ يُظْهِرُ اَلْبُغْضَ. وَلِكَنَّهُ تَرَكَ اَلْعَمَلَ بِاَلْتَّوْحِيْدِ وَطَاْعَةَ اَللهِ خَوْفاً مِنْ زَوَاْلِ اَلْمُلْكِ أَوْ اَلْمَعَرَّةِ فِيْ اَلْدُّنْيَاْ .. كَمَاْ فَعَلَ أَبُوْ طَاْلِبٍ وَهِرَقَلْ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِاَلْتَّوْحِيْدِ وَصِدْقِ اَلْرَّسُوْلِ بِلِسَاْنِهِ وَيَعْمَلُ بِطَاْعَةِ اَللهِ فِيْ اَلْظَّاْهِرِ وَلِكَنْ فِيْ قَلْبِهِ شَكٌّ أَوْ بُغْضٌ لِلْحَقِّ وَلأَهْلِ اَلْحَقِّ أَوْ اِسْتِحْبَاْبُ اَلْحَيَاْةِ اَلْدُّنْيَاْ عَلَىْ اَلآخِرَةِ وَهَؤُلاْءِ هُمُ اَلْمُنَاْفِقُوْنَ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾[آل عمران:167] ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: 1]. إِذَاْ عَرَفْتَ أَنَّ أَصْلَ "اَلإِيْمَاْنِ" اَلَّذِيْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَهْلِ اَلإِيْمَاْنِ وَأَهْلِ اَلْكُفْرِ هُوَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللهِ وَمَلاْئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاَلْيَوْمِ اَلآخِرِ " فَاَعْرِفْ كَذَلِكَ وُجُوْبَ اَلإِيْمَاْنِ بِهَذِهِ اَلأُصُوْلِ مُجْتَمِعَةً، فَمَنْ كَفَرَ بِبَعْضِهَاْ فَقَدْ كَفَرَ بِجَمِيْعِهَاْ، فَمَنْ أَنْكَرَ تَوْحِيْدَ اَلْعِبَاْدَةِ للهِ لاْ يَنْفَعُهُ إِيْمَاْنُهُ بِرِسَاْلَةِ اَلْرَّسُوْلِ وَبِاَلْبَعْثِ وَاَلْحِسَاْبِ، وَمَنْ شَكَّ فِيْ صِدْقِ اَلْرَّسُوْلِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لاْ يَنْفَعُهُ إِيْمَاْنُهُ بِاَللهِ بِاَلْتَّوْحِيْدِ وَاَلإِخْلاْصِ. وَمَنْ أَنْكَرَ اَلْبَعْثَ وَاْلَحِسَاْبَ أَوْ أَنْكَرَ اَلْقُرْآنَ أَوْ اَلْمَلاْئِكَةَ لاْ يَنْفَعُهُ إِيْمَاْنُهُ بَبَاْقِيْ هَذِهِ اَلأُصُوْلِ. وَلِذَلِكَ صَاْرَتْ اَلْيَهُوْدُ وَاَلْنَّصَاْرَىْ كُفَّاْراً وَهُمْ يَزْعُمُوْنَ اَلإِيْمَاْنَ بِاَللهِ وَمَلاْئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاَلْيَوْمِ اَلآخِرِ لأَنَّ ذَلِكَ اَلْزَّعْمَ كَاْنَ بَاْطِلاً لأْسْبَاْبٍ مَعْلُوْمَةٍ: (مِنْهَاْ) أَنَّ إِيْمَاْنَهُمْ بِاَللهِ لَمْ يَصِحَّ لأَنَّهُمْ كَاْنُوْا يُشْرِكُوْنَ بِاَللهِ بِإِتّخَاْذِهِمْ اَلأَنْبِيَاْءَ وَاَلْصَّاْلِحِيْنَ آلِهَةً تُعْبَدُ، وَطَاْعَتِهِمْ لِلأَحْبَاْرِ وَاَلْرُّهْبَاْنِ فِيْ اَلْمَعَاْصِيْ: قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]. (وَمِنْهَاْ) أَنَّ إِيْمَاْنَهُمْ بِاَللهِ لَمْ يَصِحَّ لأَنَّهُمْ كَاْنُوْا يَكْفُرُوْنَ بِرِسَاْلَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [النساء: 150-151]. وَقَدْ رَأَيْتَ -فِيْ اَلْدُّرُوْسِ اَلْسَّاْبِقَةِ- كَيْفَ أَنَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَاْنُوْا يُقِرُّوْنَ بِوُجُوْدِ اَللهِ وَيَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ عَلَىْ مِلَّةِ رَسُوْلِ اَللهِ إِبْرَاْهِيْمَ عَلَيْهِ اَلْسَّلاْمُ، وَأَنَّهُمْ كَاْنُوْا يُقَدِّمُوْنَ بَعْضَ اَلْعِبَاْدَاْتِ للهِ تَعَاْلَىْ .. وَرَأَيْتَ كَيْفَ اِعْتَبَرَهُمُ اَللهُ كَفَّاْراً مُشْرِكِيْنَ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف:106]. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَىْ أَنَّ اَلإِيْمَاْنَ بِاَللهِ لاْ يَصِحُّ وَلاْ يَتِمُّ إِلاّ بِاَلْبَرَاْءَةِ مِنَ اَلْشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، وَأَنَّ مَنْ زَعَمَ اَلإِيْمَاْنَ بِاَللهِ مَعَ اَلْشِّرْكِ بِاَللهِ فَزَعْمُهُ مَرْدُوْدٌ عَلَيْهِ وَلاْ يَقْبَلُهُ اَلإِسْلامُ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿َدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: 4]. قَاْلَ اَلإِمَاْمُ اَلْطَّبَرِيُّ: ﴿حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ يَقُوْلُ: "حَتَّىْ تُصَدِّقُوْا بِاَللهِ وَحْدَهُ فَتُوَحِّدُوْهُ وَتُفْرِدُوْهُ بِاَلْعِبَاْدَةِ". وَكَمَاْ أَنَّ اَلإِيْمَاْنَ بِاَللهِ لاْ يَصِحُّ مَعَ اَلْشِّرْكِ بِاَللهِ فَكَذَلِكَ اَلإِسْلامُ اَلْظَّاْهِرُ للهِ لاْ يَصِحُّ مَعَ اَلْشِّرْكِ بِاَللهِ، فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ اَلْنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَنَّهُ قَاْلَ: {مَنْ قَاْلَ لاْ إِلَهَ إِلاّ اللهُ وَكَفَرَ بِمَاْ يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اَللهِ حَرُمَ مَاْلُهُ وَدَمُهُ وَحِسَاْبُهُ عَلَىْ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ}. [رواه مسلم]. {اَلإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلاْ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَتُقِيْمَ اَلْصَّلاْةَ اَلْمَكْتُوْبَةَ وَتُؤَدِّيْ اَلْزَّكَاْةَ اَلْمَفْرُوْضَةَ، وَتَصُوْمَ رَمَضَاْنَ} [متفق عليه]. فَمِنْ هُنَاْ تَظْهَرُ لَكَ أَهْمِيَةُ قَضِيَةِ اَلْتَّوْحِيْدِ إِذْ لاْ يَصِحُّ بِدُوْنِهَاْ إِيْمَاْنٌ وَإِسْلامٌ. (وَاَلْثَّاْنِيْ) هُوَ اَلإِيْمَاْنُ اَلْوَاْجِبُ اَلَّذِيْ يُفِرِّقُ بَيْنَ اَلْمُؤْمِنِ اَلْمُقْتَصِدِ وِبَيْنَ اَلْمُسْلِمِ اَلْظَّاْلِمِ لِنَفْسِهِ. وَهُوَ فِعْلُ اَلْوَاْجِبَاْتِ وَتَرْكُ اَلْمُحْرَّمَاْتِ. فَفَاْعِلُ اَلْوَاْجِبَاْتِ اَلْتَّاْرِكُ لِلْمُحَرَّمَاْتِ أَفْضَلُ إِيْمَاْناً مِنَ اَلْتَّاْرِكِ لِبَعْضِ اَلْوَاْجِبَاْتِ أَوْ اَلْفَاْعِلِ لِبَعْضِ اَلْمُحَرَّمَاْتِ، لأَنَّ اَلأَعْمَاْلَ مِنَ اَلإِيْمَاْنِ فَمَنْ اِزْدَاْدَ مِنْهَاْ اِزْدَاْدَ إِيْمَاْنُهُ، وَمَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهَاْ نَقَصَ إِيْمَاْنُهُ. فَيُوْصَفُ بِأَنَّهُ "فَاْسِقٌ بِكَبِيْرَتِهِ" وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَصْلِ اَلإِيْمَاْنِ إِلَىْ اَلْكُفْرِ بِاَللهِ بِذَنْبِهِ إِذَاْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِلاًّ لَهُ قَدْ زَاْلَتْ مِنَ قَلْبِهِ كَرَاْهِيَةُ اَلْكُفْرِ وَاَلْفُسُوْقِ وَاَلْعِصْيَاْنِ، أَمَّاْ إِذَاْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَاْنَ مُحِبّاً لِلإِيْمَاْنِ وَكَاْنَ فِيْ قَلْبِهِ إِيْمَاْنٌ يَدْفَعُ اَلْذُّنُوْبَ وَيُجَاْهِدُهَاْ فَلاْ يَكُوْنُ كَاْفِراً بِمُجَرَّدِ اِرْتِكَاْبِهِ لِلْحَرَاْمِ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات: 7]. وَقَدْ وَصَفَ اَللهُ تَعَاْلَىْ وَرَسُوْلُهُ اَلْمُؤْمِنِيْنَ بِفِعْلِ اَلْوَاْجِبَاْتِ وَاَلاِجْتِنَاْبِ عَنِ اَلْمُحَرَّمَاْتِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 2-4]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات: 15]. عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَاْلَ: قَاْلَ رَسُوْلُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: {اَلإِيْمَاْنُ بِضْعٌ وَسَبْعُوْنَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُوْنَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَاْ قَوْلُ: لاْ إِلَهَ إِلاّ اَللهُ، وَأَدْنَاْهَاْ إِمَاْطَةُ اَلأَذَىْ عَنِ اَلْطَّرِيْقِ، وَاَلْحَيَاْءُ شُعْبَةٌ مِنَ اَلإِيْمَاْنِ} [متفق عليه]. وَقَدْ نَفَىْ اَللهُ وَرَسُوْلُهُ اِسْمَ اَلإِيْمَاْنِ عَمَّنْ قَصَرَ عَنْ أَدَّاْءِ اَلْوَاْجِبَاْتِ أَوْ اِرْتَكَبَ اَلْمُحَرَّمَاْتِ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 14]. عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِيْ وَقَاْصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَعْطَىْ رَهْطاً وَسَعْدٌ جَاْلِسٌ فَتَرَكَ رَسُوْلُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رَجُلاً هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ فَقُلْتُ: "يَاْ رَسُوْلَ اَللهِ مَاْ لَكَ عَنْ فُلاْنٍ فَوَ اَللهِ إِنِّيْ لأَرَاْهُ مُؤْمِناً" فَقَاْلَ: {أَوْ مُسْلِماً}، فَسَكَتُّ قَلِيْلاً، ثُمَّ غَلَبَنِيْ مَاْ أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَاْلَتِيْ فَقُلْتُ: "مَاْ لَكَ عَنْ فُلاْنٍ فَوَ اَللهِ إِنِّيْ لأَرَاْهُ مُؤْمِناً" فَقَاْلَ: {أَوْ مُسْلِماً}، ثُمَّ غَلَبَنِيْ مَاْ أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَاْلَتِيْ، وَعَاْدَ رَسُوْلُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم. ثُمَّ قَاْلَ: {يَاْ سَعْدُ إِنِّيْ لأُعْطِيْ اَلْرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ خَشْيَةً أَنْ يَكُبَّهُ اَللهُ فِيْ اَلْنَّاْرِ} [متفق عليه]. وَعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَاْلَ: {لاْ يَزْنِيْ اَلْزَّاْنِيْ حَيْنَ يَزْنِيْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاْ يَشْرَبُ اَلْخَمْرَ حِيْنَ يَشْرَبُهَاْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاْ يَسْرِقُ اَلْسَّاْرِقُ حِيْنَ يَسْرِقُهَاْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاْ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاْتَ شَرْفٍ يَرْفَعُ اَلْنَّاْسُ إِلَيْهِ فِيْهَاْ أَبْصَاْرَهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [متفق عليه] . وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَاْلَ: {لاْ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّىْ أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَاْلِدِهِ وَاَلْنَّاْسِ أَجْمَعِيْنَ} [متفق عليه]. وَعَنْهُ أَيْضاً أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَاْلَ: {لاْ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّىْ يُحِبَّ لأَخِيْهِ مَاْ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ} [متفق عليه]. وَعَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَاْلَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُوْلُ: {مَنْ رَأَىْ مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَاْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ اَلإِيْمَاْنِ} [رواه مسلم]. وَعَنْ أَبِيْ شُرَيْحٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَاْلَ: {وَاَللهِ لاْ يُؤْمِنُ، وَاَللهِ لاْ يُؤْمِنُ، وَاَللهِ لاْ يُؤْمِنُ}، قِيْلَ وَمَنْ يَاْ رَسُوْلَ اَللهِ؟. قَاْلَ: {اَلَّذِيْ لاْ يَأْمَنُ جَاْرَهُ بَوَاْئِقُهُ} [[البخاري]رواه البخاري]. وَعَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُوْلَ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَاْلَ: {وَاَلَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ لاْ تَدْخُلُوْا اَلْجَنَّةَ حَتَّىْ تُؤْمِنُوْا وَلاْ تُؤْمِنُوْا حَتَّىْ تَحَاْبُّوْا، أَوَلاْ أَدُلُّكُمْ عَلَىْ شَيْءٍ إِذَاْ فَعَلْتُمُوْهُ تَحَاْبَبْتُمْ أَفْشُوْا اَلْسَّلاْمَ بَيْنَكُمْ} [رواه مسلم] . مِمَّاْ تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ اَلْمُؤْمِنَ هُوَ اَلْمُسْلِمُ اَلْفَاْعِلُ لِلْوَاْجِبَاْتِ اَلْتَّاْرِكُ لِلْمُحَرَّمَاْتِ. وَقَدْ وَعَدَ اَللهُ اَلْجَنَّةَ مَنْ مَاْتَ عَلَىْ ذَلِكَ. وَاَلإِيْمَاْنُ يَتَفَاْضَلُ يَزِيْدُ بِاَلْطَّاْعَةِ وَيَنْقُصُ بَاَلْمَعْصِيَةِ. قَاْلَ تَعَاْلَىْ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 72]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً. خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً﴾ [الكهف: 107-108]. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ [مريم: 76] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: 124-125] . عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ اَلْنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَاْلَ: {ثَلاْثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاْوَةَ اَلإِيْمَاْنِ: أَنْ يَكُوْنَ اَللهُ وَرَسُوْلُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّاْ سِوَاْهُمَاْ، وَأَنَّ يُحِبَّ اَلْمَرْءُ لاْ يُحِبُّهُ إِلاّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُوْدَ فِيْ اَلْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اَللهُ كَمَاْ يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فَيْ اَلْنَّاْرِ} [متفق عليه]. وَعَنْ أَبِيْ اَلْدَّرْدَاْءِ رضي الله عنه قَاْلَ: "إِنَّ مِنْ فِقْهِ اَلْعَبْدِ أَنْ يَتَعَاْهَدَ إِيْمَاْنَهُ وَمَاْ نَقَصَ مِنْهُ، وَمِنْ فِقْهِ اَلْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَيَزْدَاْدُ اَلإِيْمَاْنُ أَمْ يَنْقُصُ، وَإِنَّ مِنْ فِقْهِ اَلْرُّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ نَزَغَاْتِ اَلْشَّيْطَاْنِ أَنَّيْ تَأْتِيْهِ" [أحمد] .