{أولاً} الإسلام : إذا أراد الإنسان الكافر أن يد خل في دين الإسلام ويكون من المسلمين فعليه أن يحقق الشروط الآتية :- (1) إعلان البراءة والتوبة من الشرك والكفر والإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله. (2) الإقرار بشهادة أن محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن ما جاء به حقٌ ووحيٌ من الله . (3) الانقياد وعدم الاستكبار عن فعل الواجبات وترك المحرّمات . وهذه الشروط مبيِّنةٌ في الكتاب والسنة كالنصوص الآتية : قال الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ [التوبة: 5]. وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّيْنِ﴾ [التوبة: 11]. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:{أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلا بحقّها وحسابُهم على الله}. [رواه مسلم]. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :{بُني الإسلام على خمسٍ، على أن يُعبد الله ويُكفر بما دونه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصوم رمضان} [متفق عليه] . وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {من قال "لا إله إلا الله" وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله}. [رواه مسلم]. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: {من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلَّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم} [رواه البخاري] . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده} [رواه البخاري] . ومتى أعلن الكافر توبته من الكفر وظهرت منه علامة تدلُّ على أنه قد تاب من الكفر فأإنه يجب الكفُّ عنه والتثبُّت في أمره، ولو كان ذلك في حال الحرب أو في دار الكفر . وقال تعالى: ﴿يَاْ أَيُّهَاْ اَلَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَاْ ضَرَبْتُمْ فِيْ سَبِيْلِ اَللهِ فَتَبَيَّنُوْا وَلاْ تَقُوْلُوْا لِمَنْ أَلْقَىْ إِلَيْكُمُ اَلْسَّلاْمَ لَسْتَ مُؤْمِناً﴾[النساء:94]. وبعد التبيُّن قد يظهر أنه "مسلم" محقِّقٌ لشروط الإسلام، فيكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، وقد يظهر أنه كافر ثابتٌ على كفره فيكون له حكم الكافرين. ويجب التنبُّه على أن الكفار أصناف مختلفة في العقائد والشعائر، فمنهم الوثنيون عُبَّادُ الأصنام، ومنهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ومنهم أهل الانحراف والردّة عن الإسلام، فإذا أعلن الكافر للمسلمين براءته من كفر أهل ملّته كان ذلك علامة تدلُّ على إسلامه،وعندئذ يجب الكفُّ عنه حتى يختبر ويتبيّن أمره. [1] الكفُّ عن الوثني : من المعروف أن أهل الأوثان كانوا ينكرون قول "لا إله إلا الله" لإيمانِهم بتعدد الآلهة، ولم يكونوا يصلُّون الصلاة المعروفة في الإسلام، ولم يكونوا يحيون بتحية الإسلام، فمن أظهر من أهل الأوثان هذه الشعائر وأمثالها فإنه يجب الكفُّ عنه، لأنه لم يكن يفعل ذلك في الشرك، فدلّت على أنه مريدٌ للإسلام، أما غير ذلك من شعائر الإسلام التي كانت معروفة عند أهل الأوثان في الجاهلية كأكثر شعائر الحجّ مثل: الطواف والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، وغير ذلك فلم تكن تدلّ -إذا أظهرها الوثني- على أنه مريدٌ للإسلام تاركٌ للشرك، ولذلك جرت أحكام الإسلام على وجوب الكفّ عن المشرك الوثني بعد قوله "لا إله إلا الله" ولو لم يزد على ذلك، أو قال ما يقوم مقام كلمة التوحيد. كما دلّت على ذلك الأحاديث الآتية: حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما لما قتل الذي قال "لا إله إلا الله" فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {أقال لا إله إلا الله وقتلته}؟ قال: قلت يارسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: {أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها ذلك أم لا}، فما زال يكرِّرها عليّ حتى تمنَّيتُ أنِّي أسلمتُ يومئذ" [[مسلم]رواه مسلم]. حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه: أن عمر قال لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: {أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا "لا إله إلا الله" فمن قالها فقد عصم منِّي ماله ونفسه إلا بحقّه وحسابه على الله} [متفق عليه]. وحديث المقدارد رضي الله عنه أنه قال: يارسول الله أرأيتَ إن لقيتُ رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إاحدى يديَّ بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: "أسلمتُ" أفأقتله يارسول الله بعد أن قالها؟ قال: {لا تقتله فإن قتلتَه فإنه بمنْزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنْزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها} [رواه مسلم]. حديث عمران بن حصين قال: "أصاب المسلمون رجلاً من بني عقيل فأتوا به النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد إني مسلم، فقال رسول الله: {لوكنت قلت وأنت تملك أمرك أفلحت كل فلاح}. [رواه مسلم]. حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل ويأسر. وفيه: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: {اللهم أني أبرأ إليك مما صنع خالد مرّتين} [[البخاري]رواه البخاري]. فهذه الأحاديث تدلّ على وجوب الكف عن قتل الوثني إذا قال "لا إله إلا الله" أو "أسلمت لله" أو قال "أنا مسلم" ونحو ذلك، ولا تدلّ على أن الله لا يريد من الإنسان المشرك الوثني إلا النطق بكلمة التوحيد بلسانه، فالذي يريده الله من المشركين بيَّنته آية التوبة: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ أو ﴿فَإِخْوَنْكُمُ ْفِيْ اَلْدِّيْنِ﴾ . قال أنس رضي الله عنه: "توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربِهم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة" [ابن جرير] . وقال قتادة: "إن تركوا اللات والعزى وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإخوانكم في الدِّين" [ابن جري] . فلابدّ من ترك الآلهة المعبودة فعلاً مع النطق بكلمة الشهادة، كما فهمها السلف خلافاً لأصحاب الفهم السقيم الذين لا يشترطون "ترك الآلهة المعبودة"، ويقولون: "إن النطق وحده يكفي". [2] الكفُّ عن الكتابي : من المعروف أنّهم كانوا يقولون "لا إله إلا الله" وينكرون محمد رسول الله، وأن الله تعالى أمر بقتالهم وهم كذلك. قال الله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ اْلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُوْنَ﴾ [التوبة: 29]. فلم يكن قول "لا إله إلا الله" كافياً لحقن دمائهم وأموالهم ولم يكن علامة تدلّ على إرادتِهم لدخول الإسلام، لأنهم كانوا يقولون ذلك في الكفر، أما إذا قال الكتابي "أشهد أن محمداً رسول الله" فهذا يدلّ على إرادته للإسلام، وعندئذ يجب الكفّ عنه . عن أنس رضي الله عنه أن يهودياً قال: "أشهد أنك رسول الله" ثم مات، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {صلوا على صاحبكم} [أحمد] . ومن أقرّ منهم بأن محمداً رسول الله كان حقّاً عليه أن يتبعه ويترك ضلالات أهل ملته في الأعتقاد وغيره [3] الكف عن المرتدّ : المرتد: هو كل من رجع إلى الكفر بعد إسلامه أو ورث الردّة عن أهل الردّة. والمرتدون صنفان : - (الأول) هو من خرج عن الملّة وتبرأ من الإسلام وعاد إلى الوثنية أو اليهودية أو النصرانية، فمن كان مرتداً إلى الوثنيه لا بدّ للكفّ عنه من أن يشهد أن "لا إله إلا الله" وأن يخلع الآلهة والأوثان المعبودة من دون الله، وأن يعود إلى ما خرج منه من تكاليف الدِّين. ومن كان مرتداً إلى اليهودية أو النصرانيه لا بدّ للكفّ عنه من أن يشهد بأن محمداً رسول الله، وأن يعود إلى ما خرج منه من تكاليف الدِّين . (الثاني) هو من خرج عن الملّة وهو لا يزال ينتسب إلى الإسلام جهلاً وضلالاً، أو ورِث ضلالات أهل الردّة القُدماء، وهو يحسب أن ذلك من الإسلام، فمن كان من هذا النوع من المرتدين لا بدّ للكفّ عنه من أن يرجع عما اعتقده من الضلالات التي صار بِها كافراً مرتداً، فإن أبى الرجوع عن ذلك لا يكون نطقه بالشهادتين عاصماً لدمه وماله . لذلك حرّق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه السبئية الذين اعتقدوا فيه الألوهية،وكانوا مقرّين بالشهادتين والصحابة متوافرون . ^ ومثلهم الذين اتّبعوا الكذّبين المتنبئين وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كأتباع مسيلمة الكذَّاب والمختار وهم الذين قاتلهم الصحابة وكفَّروهم . ^ ومثلهم مانعي الزكاة الذين قاتلهم الصحابة بقيادة الصديق رضي الله عنه الذي قال: "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقاتلتهم على منعه" وكانوا مقرّين بالشهادتين والصلاة. قال عبد الرحمن بن زيد: "أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة" وقال: "رحم الله أبابكر ما كان أفقهه". ^ ومثلهم التتار الذين أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بوجوب قتالهم وتكفيرهم، وكانوا ناطقين بالشهادتين وملتزمين لبعض شرائع الإسلام . ^ ومثلهم القرامطة والطوائف الباطنية . ^ ومثلهم البهائية والقاديانية وغيرهم في هذا العصر ممن يتّبعون أديان الكذَّابين المتنبئين . ^ ومثلهم المؤمنون بالأديان التي اخترعها البشر كالديمقراطية والاشتراكية والقوانين الوضعية العالمية منها والمحلية التي ما أنزل الله بِها من سلطان . هذا بيان لـ "متى يجب الكفّ عن قتل الكافر، وأما الشروط التي يجب أن يقبلها من أراد الدخول في الإسلام، من أي صنف كان من أصناف الكفار والتي لا يكون بدونِها مسلماً" فهي : (1) الإقرار بشهادة أن "لا إله إلا الله" مع خلع جميع الآلهة المعبودة من دون الله فعلاً . (2) الإقرار بشهادة أن محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأن كلّ ما جاء به حقّ ووحيٌ من الله . (3) الانقياد وعدم الاستكبار عن فعل الواجبات وعدم الاستحلال للمحرّمات، وكل من أظهر استعداده لقبول هذه الشروط يقال له "مسلم"، ويكون له حقوق المسلمين،ولا يجوز تكفيره بذنب مالم يستحلّه، ومن زعم أنه قبل تلك الشروط، ولكنه أظهر بعد ذلك المودّة والموالاة لأهل الشرك والبغض والمعاداة لأهل التوحيد فهو كافر لم يؤمن بالله واليوم الآخر . قال الله تعالى: ﴿لاْ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ اْلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَاْدَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيْرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: 22]. وموالاة أهل التوحيد والبراءة من أهل الشرك من معنى "لا إله إلا الله" أو من لوازمها، ومن لم يقم بذلك فقد كذب في ادعائه للإيمان والتوحيد.