البـاب الثالث: العبـادة العبادة: هي غاية التذلل والخضوع أي أن يدعن المرء لعلاء أحد وغلبته ثم ينْزل له عن حريته واستقلاله ويترك إزاءه كل المقاومة والعصيان وينقاد له انقياداً. وأمثلة ذلك .. (1) يقال الإنسان المملوك المغلوب على أمره "عبدا" لأنه خضع وذلّ لغيره . قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَاْ مُوْسَىْ وَأَخَاْهُ هَاْرُوْنَ بِآيَاْتِنَاْ وَسُلْطَاْنٍ مُبِيْنٍ. إِلَىْ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيهِ فَاَسْتَكْبَرُوْا وَكَاْنُوْا قَوْماً عَاْلِيْنَ. فَقَاْلُوْا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَاْ وَقَوْمَهُمَاْ لَنَاْ عَاْبِدُوْنَ﴾ [المؤمنون: 45-47 ]. وقال تعالى:﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَاْ عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِيْ إِسْرَاْئِيْلَ﴾ [الشعراء: 22]. (2) وكذلك إذا أطاع المرء أحداً غيره مختاراً واعتقد أوامره واجبةً عليه فقد عبده، لأنه ذلّ وخضع له باختياره . قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَاْ بَنِيْ آدَمَ أَلاْ تَعْبُدُوْا اَلْشَّيْطَاْنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ. وَأَنِ اعْبُدُوْنِيْ هَذَاْ صِرَاْطٌ مُسْتَقِيْمٌ﴾ [يـس: 60-61]. وقال تعالى: ﴿اُحْشُرُوْا اَلَّذِيْنَ ظَلَمُوْا وَأَزْوَاْجَهُمْ وَمَاْ كَاْنُوْا يَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اَللهِ فَاَهْدُوْهُمْ إِلَىْ صِرَاْطِ اَلْجَحِيْمِ. وَقِفُوْهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُوْلُوْنَ. مَاْلَكُمْ لاْ تَنَاْصَرُوْنَ. بَلْ هُمْ اَلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُوْنَ. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىْ بَعْضٍ يَتَسَاْءَلُوْنَ. قَاْلُوْا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُوْنَنَاْ عَنِ اَلْيَمِيْنِ. قَاْلُوْا بَلْ لَمْ تَكُوْنُوْا مُؤْمِنِيْنَ. وَمَاْ كَاْنَ لَنَاْ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَاْنٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاْغِيْنَ﴾ [الصافات: 22-30]. وقال تعالى: ﴿إتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْباَباً مِنْ دُونِ اللهِ وَاْلمَسِيحَ ابن مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون﴾ [التوبة: 31]. (3) وكذلك من يتقدّم بشعائر العبادة كالسجود والركوع والقيام والطواف والنذر والذبح والدعاء لأحدٍ يراه مستحقّاً لذلك، يكون عابداً له لتذلُّلِهِ وخضوعه له . قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّيْ نُهِيْتُ أَنْ أَعْبُدَ اَلَّذِيْنَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اَللهِ لَمَّاْ جَاْءَنِيْ اَلْبَيِّنَاْتُ مِنْ رَبِّيْ﴾ [غافر: 66]. وقال تعالى: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَاْ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اَللهِ وَأَدْعُوْا رَبِّيْ عَسَىْ أَلاْ أَكُوْنَ بِدُعَاْءِ رَبِّيْ شَقِيّاً. فَلَمَّاْ اعْتَزَلَهُمْ وَمَاْ يَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اَللهِ وَهَبْنَاْ لَهُ إِسْحَاْقَ وَيَعْقُوْبَ وَكُلاً جَعَلْنَاْ نَبِيّاً﴾ [مريم: 48-49] . وقال تعالى: ﴿وَاَلَّذِيْنَ اتَّخَذُوْا مِنْ دُوْنِهِ أَوْلِيَاْءَ مَاْ نَعْبُدُهُمْ إِلاْ لِيُقَرِّبُوْنَاْ إِلَىْ اَللهِ زُلْفَىْ﴾ [الزمر: 3] وقال تعالى: ﴿وَيَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اَللهِ مَاْلاْ يَضُرُّهُمْ وَلاْ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُوْلُوْنَ هَؤُلاْءِ شُفَعَاْؤُنَاْ عِنْدَ اَللهِ﴾ [يونس: 18] . وسُميت تكاليف الشرع عبادات،لأن المكلَّفين يؤدونها خاضعين متذللين لله. وكلمة "العبادة" اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، مثل: الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد للكفار والمنافقين وبرّ الوالدين والدعاء والذكر وحب الله ورسوله وخشية الله وإخلاص الدِّين له والصبر لحكمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وغير ذلك . قال الله تعالى:﴿يَاْ أَيُّهَاْ اَلْنَّاْسُ اعْبُدُوْا رَبَّكُمْ اَلَّذِيْ خَلَقَكُمْ وَاَلَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ. اَلَّذِيْ جَعَلَ لَكُمْ اَلأَرْضَ فِرَاْشاً وَاَلْسَّمَاْءَ بِنَاْءً وَأَنْزَلَ مِنَ اَلْسَّمَاْءِ مَاْءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ اَلْثَّمَرَاْتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاْ تَجْعَلُوْا للهِ أَنْدَاْداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُوْنَ﴾ [البقرة: 21-22]. وقال تعالى: ﴿يَاْ أَيُّهَاْ اَلَّذِيْنَ آمَنُوْا ارْكَعُوْا وَاَسْجُدُوْا وَاَعْبُدُوْا رَبَّكُمْ وَاَفْعَلُوْا اَلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ﴾ [الحجّ: 77]. وقال تعالى:﴿إِنَّ اَلَّذِيْنَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُوْنَ. وَاَلَّذِيْنَ هُمْ بِآيَاْتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُوْنَ. وَاَلَّذِيْنَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لاْ يُشْرِكُوْنَ. وَاَلَّذِيْنَ يُؤْتُوْنَ مَاْ أَتَوْا وَقُلُوْبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىْ رَبِّهِمْ رَاْجِعُوْنَ. أُوْلَئِكَ يُسَاْرِعُوْنَ فِيْ اَلْخَيْرَاْتِ وَهُمْ لَهَاْ سَاْبِقُوْنَ. وَلاْ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاْ وُسْعَهَاْ وَلَدَيْنَاْ كِتَاْبٌ يَنْطِقُ بِاَلْحَقِّ وَهُمْ لاْ يُظْلَمُوْنَ﴾ [المؤمنون: 57-62] .