بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين أما بعد: فهذه رسالة ثانية من سلسلة "صيانة الفكر" ومقصدها الأصلي هو دحض حجة باطلة من أقوى حجج أهل الزيغ والضلال المحاربين للتوحيد ولعقيدة "الولاء والبراء". وهي قولهم: "أنّ الجاهل لا يكفر بالشرك الأكبر ويكون معذوراً عند الله".. وسوف تعرف من الأدلّة ما يكفى لمعرفة بطلان هذه الشبهة وضلال أهلها. إنّ أعداء التوحيد جادلوا في ابتداء أمرهم بالباطل فقالوا: "إنّ من قال "لا إله إلاّ الله" وصلّى إلى القبلة لا يجوز تكفيره بما يصدر منه من الشرك الأكبر". ولكنّ الله أظهر لنا ضعف هذه الشبهة وعوارها لما تعلّمنا أنّ التوبة من الشرك والبراءة منه شرط لصحة شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ من لم يأت بالشرط لم تصحّ شهادته، وذلك من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة]. وقوله صلّى الله عليه وسلم: {من قال لا إله إلاّ الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عزّ وجلّ}. [مسلم] . ومن أمره صلّى الله عليه وسلم بقتال الخوارج الذين كانوا من أكثر النّاس صلاةً وصياماً وقراءةً للقرآن المشحون بـ"لا إله إلاّ الله" ومن إجماع السلف الصالح في أفضل القرون في خلافة أفضل هذه الأمّة بعد نبيّها صلّى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق على قتال مانعي الزكاة وبني حنيفة، ولم تكن واحدة من هاتين الطائفتين تنكر الصلاة إلى القبلة ولا قول "لا إله إلاّ الله". وبعد ظهور الأدلّة وتضافرها لم تعد هذه الفكرة الضالّة والشبهة الشيطانية تنطلي إلا على الجهال من الناس وضعفاء البصيرة المقلّدين لسادتهم وكبرائهم. ولكنّ أهل الضلال و الانحراف لم ينسحبوا من الميدان بعد تلك الهزيمة النكراء لمعتقدهم، ولكنّ جادلوا مرّة أخرى بالباطل، بشبهة زيّنها لهم الشيطان، فقالوا:"الجاهل لا يكفر بالشرك الأكبر ومعذور بالجهل"،وقالوا إنّه كالمجنون والطفل الصغير والنّاسي والمكره في رفع القلم عنه. وظنّوا أنّها حجّةٌ قاهرةٌ قادرةٌ على القضاء على التوحيد وعقيدة الولاء والبراء، وعلى إطفاء نور الله ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. فإنّ الله تعالى –وله الحمد– أظهر بأدلة القرآن القطعية بطلانها، وأزال عن القلوب آثارها فولّت منهزمة بضُعفها وقبحها وقزامتها، ولم تعد كما كانت من ذي قبل عملاقاً ضخماً يخيف الآمنين ويشكّك الموحدين .. وهي اليوم تنفس أنفاسها الأخيرة في طريقها إلى الزوال إن شاء الله، ولله الحمد والمنّة. ﴿وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [ النور: 46 ] (رمضان 1429ﻫ).