(هـ) القرن السادس: (1) وقال القاضي عياض (476ﻫ -544 ﻫ) في "الشفا": "ذهب العنبري إلى تصويب أقوال المجتهدين في أصول الدين فيما كان عرضة للتأويل وحكى القاضي ابن الباقلاني مثله عن داود بن علي الأصفهاني، وحكى قوم عنهما أنهما قالا ذلك فيمن علم الله من حاله استفراغ الوسع في طلب الحق من أهل ملتنا وغيرهم، وقال الجاحظ نحو هذا القول، وتمامه في أن كثيرا من العامة والنساء والبله مقلدة النصارى واليهود وغيرهم لا حجة لله تعالى عليهم، إذ لم يكن لهم طباع يمكن معها الاستدلال، وقد نحا الغزالي قريبا من هذا المنحى في كتاب "التفرقة بين الإسلام والزندقة "وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحدا من النصارى واليهود، وكل من فارق دين المسلمين ووقف في تكفيرهم أو شك، لقيام النص والإجماع على كفرهم، فمن وقف فيه فقد كذب النص، انتهى -نقلا عن البحر المحيط للزركشي-. (2) وقال الإمام أبو محمَّد ابن قدامة الحنبلى (ت: 620ﻫ) فى "روضة النَّاظر": "الحقُّ فى قول واحد من المجتهدين، ومن عداه مخطئ سواء كان فى فروع الدِّين أوأصوله، لكنَّها إن كان فى فروع الدِّين مما ليس فيه دليل قاطع من نصٍّ أو إجماع فهو معذور غير آثم وله أجرٌ على اجتهاده". قال: "وزعم الجاحظ أنَّ مخالف ملَّة الإسلام إذا نظر فعجز عن درك الحقِّ فهومعذور". وقال عبيد الله العنبرى: "كلُّ مجتهد مصيب فى الأصول و الفروع جميعا" وهذه أقاويل باطلة، أمَّا الَّذى ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا وكفر بالله تعالى، وردٌ عليه وعلى رسوله صلّى الله عليه وسلم ، فإنَّا نعلم قطعا أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلم أمر اليهود والنَّصارى بالإسلام واتِّباعه، وذمَّهم على إصرارهم، ونقاتل جميعهم، ونقتل البالغ منهم، ونعلم أنَّ المعاند العارف مما يقل، وإنَّما الأكثر مقلَّدة إعتقدوا دين آبائهم تقليدا ولم يعرفوا معجزة الرَّسول وصدقه، والآيات الدالَّة فى القرآن على هذا كثيرة كقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: 27]. ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [فصلت: 23]. ﴿إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ﴾ ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ وفى الجملة ذمُّ المكذِّبين لرسول الله صلّى الله عليه وسلم مما لا ينحصر فى الكتاب و السنَّة. وقول العنبري: كلُّ مجتهد مصيب إن أراد أنَّهم لم يُؤمروا إلابما هم عليه فهو كقول الجاحظ وإن أراد أنَّ ما إعتقده فهو على ما إعتقده فمحال، إذ كيف يكون قدم العالم وحدوثه حقًّا، وتصديق الرَّسول وتكذيبهووجود الشئ ونفيه، وهذه أمور ذاتية لا تتبع الإعتقاد بل الإعتقاد يتبعها فهذا شرٌّ من مذهب الجاحظ، بل شرٌّ من مذهب السوفسطائية، فإنَّهم نفوا حقائق الأشياء وهذا أثبتها وجعلها تابعة للمعتقدات. وقد قيل إنَّما أراد إختلاف المسلمين، وهو باطل كيف ما كان، إذ كيف يكون القرآن قديما مخلوقا، والُّرؤية محالا ممكنا، وهذا محال، [روضة الناظر: 2|414] وجاء في زاد المستنقع: باب حكم المرتد: وهو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته، أو اتخذ للَّه صاحبة أو ولداً، أو جحد بعض كتبه أو رسله، أو سب الله أو رسوله: فقد كفر، ومن جحد تحريم الزنا أو شيئاً من المحرمات الظاهرة المجمع عليها بجهل: عرِّف ذلك، وإن كان مثله لا يجهله: كفر.