(أ) القرن الثانى: (1) قال الإمام الشافعيّ في "الأُمّ" (150ﻫ - 204ﻫ): والإقرار بالإيمان وجهان: "فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدّعى أنّه دين النُّبوة ولا كتاب، فإذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله فقد أقرّ بالإيمان ومتى رجع عنه قُتل. قال: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدّعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدّلوا منه، وقد أُخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكفروا بترك الإيمان به واتّباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله، فقد قيل لي: إنّ فيهم من هو مُقيمٌ على دينه يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويقول: "لم يبعث إلينا"، فإن كان فيهم أحدٌ هكذا فقال أحدٌ منهم: "أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله" لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول: "وأنّ دين محمّدٍ حقٌّ أو فرضٌ وأبرأ مما خالف دين محمّدٍ صلّى الله عليه وسلم أو دين الإسلام"، فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان، فإذا رجع عنه أُستُتِيبَ، فإن تاب وإلاّ قُتل، فإن كان منهم طائفةٌ تُعرَف بأن لا تُقرّ بنبوة محمّد صلّى الله عليه وسلم إلاّ عند الإسلام، أو تزعم أنّ من أقرّ بنبوته لزمه الإسلام، فشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان، فإن رجعوا عنه اُستُتِيبوا، فإن تابوا وإلاّ قُتلوا"، موسوعة الشافعيّ: [المجلّد السابع، ص: 596]. فيتبيَّن من كلام الإمام أنَّه كان موافقاً للقرآن والحديث الَّذين دلَّا على أنَّ الإقرار بالإيمان وإظهار الإسلام يلزم كلَّ كافر يريد الدخول فى دين الله، سواء كان جاهلا أو معاندا، وأنَّه لمَّا عمَّ "أهل الأوثان"وعمَّ "أهل الكتاب" دلَّ على أنَّ الكفار عنده بمنْزلة واحدة، وأنَّ الجهل ليس عنده عُذراً يُخرجُ المشركين الجاهلين عن دائرة أهل الشرك، بل الثابت عنه أنَّه لم يكن يُعذر بالجهالة فى مبانى الإسلام الأخرى بعد التوحيد والرسالة، والمحرَّمات المعلومة بالتواتر، قال فى "الرسالة" (ص: 357): "فقال لي قائل ما العلم وما يجب الناس في العلم؟" فقلت له: "العلم علمان علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله " -قال ومِثلُ ماذا؟ قلت: "مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليه منه. -وهذا الصنف كله من العلم موجودٌ نصّا في كتاب الله وموجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عن من مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله ولا يتنازعون في حكايته ولا وجود به عليهم -وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل ولا يجوز فيه التنازع" قال فما الوجه الثاني؟ قلت له: " ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يُخَصُّ به من الأحكام وغيرها مما ليس فيه نصُّ كتاب ولا في أكثره نصُّ سنةٍ وإن كانت في شيء منه سنةٌ فإنما هي من أخبار الخاصة لا أخبار العامة، وما كان منه يحتمل التأويل ويُستدرك قياسا، "- ا ﻫ -