(ب) القرن الثالث: (1) الإمام أحمد بن حنبل (164ﻫ - 241ﻫ): 1) قال القاضى أبو يعلى فى "العُّدَّة": "المصيب واحد فى أصول الديانات، وقد نصَّ أحمد رحمه الله فى مواضع على تكفير جماعة من المتأوِّلين، كالقائلين بخلق القرآن،ونفي الرُّؤية، وخلق الأفعال، وهذا يمنع إصابتهم فى إجتهادهم، وهو قول الجماعة، " 2) وروى أبو داود فى مسائله (ص: 262) عن الإمام أحمد، أنَّه ذكر له أنَّ رجلا يقول: "إنَّ أسماء الله مخلوقة، والقرآن مخلوق؟" قال أحمد: "كفر" ونقل عنه أنَّه قال: "من قال إنَّ الله لايُرى فهوكافر". 3) جاء فى المسودة: قال شيخنا -أي الإمام أحمد ابن تيمية-: قال أحمد انه لا يجوز التقليد فيما يطلب فيه الجزم ولايثبت الا بدليل قطعي ويجوز التقليد فيما يطلب فيه الظن واثباته بدليل ظني. (2) وقال ابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري (213-276ﻫ) في اختلاف الحديث: "لم نصير إلى عبيد الله بن الحسن العنبري فنهجم من قبيح مذهبه وشدة تناقض قوله على ما هو أولى مما أنكره وذلك أنه كان يقول إن القرآن يدل على الاختلاف فالقول بالقدر صحيح والقول بالاجبار صحيح ولهما أصل في الكتاب فمن قال بهذا فهو مصيب و من قال بهذا فهو مصيب هؤلاء قوم عظموا الله وهؤلاء قوم نزهوا الله وكان يقول في قتال علي لطلحة والزبير وقتالهما إياه كله لله طاعة" (3) قال الإمام أبوجعفر محمَّد بن جرير الطبري (224ﻫ 310ﻫ): في قوله تعالى:﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ "وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أنّ الله لا يعذّب أحداً على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلاّ أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عناداً منه لربّه فيها، لأنّه لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسب أنّه مهتد وفريق الهدى فرقٌ، وقد فرّق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية" [جامع البيان]. وقال فى قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يقول: هم الَّذين لم يكن عملهم الَّذى عملوه فى حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنَّهم عملوا بغير ما أمرهم الله به، بل على كفرمنهم به ﴿وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ يقول: وهم يظنُّون أنَّهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدلّ الدلائل على خطأ قول من زعم أنَّه لايكفر بالله أحدٌ إلامن حيث يقصد إلى الكفربعد العلم بوحدانيته، وذلك أنَّ الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الَّذين وصف صفتهم فى هذه الآية، أنَّ سعيهم الَّذى سعوا فى الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنَّهم محسنون فى صنعهم ذلك، و أخبرعنهم أنَّهم هم الَّذين كفروا بآيات ربِّهم، ولوكان القول كما قال الَّذين زعموا أنَّه لايكفر بالله أحدٌ إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم فى عملهم الَّذى أخبر الله عنهم أنَّهم كانوا يحسبون فيه أنَّهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكنَّ القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جلَّ ثناؤه عنهم أنَّهم بالله كفرة، وأنَّ أعمالهم حابطة"