(ح) القرن التَّاسع: (1) قال محمَّد بن محمَّد ابن أمير الحاج الحنفي (825ﻫ - 879ﻫ) في "التقرير والتحبير": مسألة: "العقليات ما لا يتوقف على سمع كحدوث العالم ووجود موجده تعالى بصفاته وبعثه الرسل، والمصيب من مجتهديها" أي العقليات "واحد اتفاقا"، وهو الذي طابق اجتهاده الواقع فأصاب الحق لعدم إمكان وقوع النقيضين في نفس الأمر " قال: " لأن حقيقة ملة الإسلام أبين من النهار لا مجال لنفيها بالاجتهاد ولا بغيره إذ الاجتهاد إنما يكون فيما فيه خفاء وغموض، والمعاند مكابر فيها "وإن" كان ما أخطأ فيه "غيرها" أي ملة الإسلام من المسائل الدينية "كخلق القرآن" أي القول بخلقه "وإرادة الشر" أي القول بعدم إرادة الله تعالى الشر فكان الأولى عدم إرادة الشر "فمبتدع آثم لا كافر. قال: وقال "الجاحظ: لا إثم على مجتهد، ولو" كان الاجتهاد "في نفي الإسلام، وإن" كان نفيه اجتهادا "ممن ليس مسلما وتجري عليه" أي النافي في الدنيا "أحكام الكفار، وهو" أي نفي الإثم "مراد" عبد الله بن الحسن قاضي البصرة المعتزلي "العنبري بقوله: المجتهد في العقليات مصيب وإلا" لو لم يكن مراده هذا بل أراد وقوع معتقده في نفس الأمر "اجتمع النقيضان" في شيء واحد بتقدير اختلاف المجتهدين في القضايا العقلية كالقدم، والحدوث في اعتقاد قدم العالم وحدوثه "في نفس الأمر" فخرج عن المعقول؛ لأن النقيضين لا يكونان حقين في نفس الأمر هذا ما مشى عليه الآمدي وغيره ونفى السبكي أن يكون أراد نفي الإثم فإن ذلك مذهب الجاحظ بلا زيادة بل أراد أن ما يؤدي إليه اجتهاده فهو حكم الله في حقه سواء وافق ما في نفس الأمر أم لا ووافقه الكرماني على هذا" وقال: وقيل: أراد أصول الديانات التي يختلف فيها أهل القبلة ويرجع المخالفون فيها إلى آيات وآثار محتملة للتأويل كالرؤية وخلق الأفعال، وأما ما اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل كاليهود، والنصارى، والمجوس فإن في هذا الموضع أن الحق فيما يقوله أهل الإسلام حكاه صاحب القواطع، وقال: "لنا إجماع المسلمين قبل المخالف من الصحابة وغيرهم من لدنه عليه السلام وهلم عصرا تلو عصر على قتال الكفار وأنهم في النار بلا فرق بين مجتهد ومعاند مع علمهم بأن كفرهم ليس بعد ظهور حقية الإسلام لهم" جميعهم بل لبعضهم، ولو كانوا غير آثمين لما ساغ قتالهم وأنهم من أهل النار، وهو ظاهر ثم هذا إن كان خلاف المخالف فيمن خالف ملة الإسلام جملة وكيف لا، والمخالف حينئذ خارج عن ملة الإسلام بهذه المخالفة لا يعتد بقوله لو كان قبلها مسلما فالإجماع قائم من هذه الأمة بأسرها" وقال: هذا والمراد بالمبتدع الذي لم يكفر ببدعته، وقد يعبر عنه بالمذنب من أهل القبلة كما أشار إليه المصنف سابقا بقوله: وللنهي عن تكفير أهل القبلة هو الموافق على ما هو من ضروريات الإسلام كحدوث العالم وحشر الأجساد من غير أن يصدر عنه شيء من موجبات الكفر قطعا من اعتقاد راجع إلى وجود إله غير الله تعالى، أو إلى حلوله في بعض أشخاص الناس، أو إنكار نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم أو ذمه، أو استخفافه، ونحو ذلك المخالف في أصول سواها مما لا نزاع أن الحق فيه واحد كمسألة الصفات وخلق الأعمال وعموم الإرادة وقدم الكلام ولعل إلى هذا أشار المصنف ماضيا بقوله إذ تمسكه بالقرآن، أو الحديث، أو العقل إذ لا خلاف في تكفير المخالف في ضروريات الإسلام من حدوث العالم وحشر الأجساد ونفي العلم بالجزئيات، وإن كان من أهل القبلة المواظب طول العمر على الطاعات وكذا المتلبس بشيء من موجبات الكفر ينبغي أن يكون كافرا بلا خلاف وحينئذ ينبغي تكفير الخطابية لما قدمناه عنهم في فصل شرائط الراوي، وقد ظهر من هذا أن عدم تكفير أهل القبلة بذنب ليس على عمومه إلا أن يحمل الذنب على ما ليس بكفر فيخرج المكفر به كما أشار إليه السبكي. (وقد قسم الإمام الجهل إلى أقسام ثلاثة لخصتها من كتابه فيما يلى) وأقسام الجهل أربعة: (الأول) جهل لا يصلح عذرا ولا شبهة فهو في الغاية، وهوعلى أربعة أقسام: (1) جهل الكافر بالذات والصفات (2) "وجهل المبتدع كالمعتزلة" وموافقيهم "مانعي ثبوت الصفات" الثبوتية الحقيقية من الحياة، والقدرة، والعلم، والإرادة، والكلام وغيرها لله وكذلك المشبِّهة، (3) جهل الباغى الخارج على الإمام بتأويل فاسد، ظانًّا أنَّه على الحقِّ والإمام على الباطل، (4) وجهل من عارض مجتهده الكتاب (الثانى) وجهل يصلح شبهة، دراءة للحدِّ والكفارة، وعذرا فى غيرهما: "كالجهل في موضع اجتهاد صحيح بأن لم يخالف" الاجتهاد "ما ذكر" أي الكتاب، أو السنة المشهورة، أو الإجماع، وكان في مناط الحكم فيه خفاء، وقد اختلف العلماء فيه: "وكقتل أحد الوليين" قاتل موليه عمدا عدوانا "بعد عفو" الولي "الآخر" جاهلا بعفوه، أو بسقوط القود بعفوه معتمدا على ظن أن القود له "لا يقتص منه"؛ لأن هذا جهل في موضع الاجتهاد "لقول بعض العلماء" من أهل المدينة على ما في التهذيب "بعدم سقوطه" أي القصاص الثابت للورثة "بعفو أحدهم" حتى لو عفا أحدهم كان للباقين القتل (الثالث) وجهل يصلح عذرا: كمن أسلم في دار الحرب فترك بها صلوات جاهلا لزومها في الإسلام لا قضاء" عليه إذا علمه بعد ذلك؛ لأنه غير مقصر في طلب الدليل، وإنما جاء الجهل من قبل خفاء الدليل في نفسه لعدم اشتهاره في دار الحرب.