(ب) المسألة الثانية (العذر بالجهل): "هل يعذر من أشرك بالله الشرك الأكبر بالجهل ؟" الجواب: ننظر أولا إلى حكم المسألة فى الكتاب والسُّنَّة، وما جاء فيهما من البيَّان، ثمَّ ننظرُ إلى مذهب الصحابة والتَّابعين ومن جاء بعدهم من الأئمَّة. (أولاً) بيانُ القرآن للمسألة: بيَّن القرآن هذه المسألة بيانا واضحا صريحا لا تختلف فيه الأفهام إذا لم تخضع للهوى، وذلك من وجوه كثيرة، نختار منها بعضها: ( أ ) (الوجه الأول): 1) ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 5] 2) ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [التوبة: 29] 3) ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31] 4) ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64] 5) ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5] 6) ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ﴾ [محمد: 19] 7) ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: 14] 8) ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256] 9) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاًلاَ بَعِيدًا﴾ [النساء:136] بيَّن الله تعالى فى هذه الآيات وما فى معناها فى القرآن شروط الدخول فى دين الإسلام، والَّتى لا يكون أحدٌ مسلماً مؤمناً بدون تحقيقها، وهي: (أولا) أن يعلم علم يقين بأنَّ الله إلهٌ وربٌّ واحدٌ لاشريك له فى الألوهية والربوبيَّة. (ثانيا) أن يعبد الله مخلصا له الدين وأن يكفر بكلِّ ما يعبدُ من دون الله ويتوب من كلِّ أصناف الشرك والكفر. (ثالثا) أن يؤمن بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر. (رابعا) أن يؤمن بالنَّبيِّ الأخير محمَّد صلّى الله عليه وسلم، وأن يعبدالله بالشريعة المنـزلة عليه، ويُقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويفعل ما يجبُ عليه ويجتنب ما يحرم عليه، فدلَّ هذا البيان الإلهيُّ على أنَّ من لم يأتِ بهذه الشروط لايكون مسلما ولامؤمنا، بل يكون كافرا، جاهلا كان أو معاندا. ومن أدخل فى الأمَّة المسلمة من ليس منها، ممن لم يُحقِّق شروط العضوية الَّتى شرطها الله فى كتابه، كالذين يقولون: "إنَّ المشرك إذا كان جاهلا غير معاند فهو مسلم ولا يجوزتكفيره"، من قال ذلك فقد ردَّ على الله قوله و كفر بما أنزله على رسوله صلّى الله عليه وسلم. (ب) (الوجه الثانى) 1) ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172-173]. فهاتان الآيتان صريحتان بأن المشرك لا يعذر بالجهل والتقليد. (جـ) (الوجه الثالث) 1) ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ، وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة:1ـ 5] فى هذه الآيات دليلٌ بيِّنٌ على أنَّ غالب البشر كانوا قبل مبعث النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلم كفاراً مشركين وأهل كتاب، وكان الكفر هو وصفهم الشرعيِّ، وذلك مع جهلهم وعدم وجود البيِّنة الفاصلة بين الحقِّ والباطل. ودلَّت كذلك على أنَّهم لمَّا جاءتهم البيِّنة من الله تفرَّقوا إلى مؤمنين وكافرين مصرِّين على طريقتهم القديمة، ودلَّت كذلك على أنَّ البيِّنةََ الَّتى كانوا يجهلونها، هي عبادة الله عزَّوجلَّ وحده لاشريك والعمل بأوامره كالصلاة والزكاة وغير ذلك، (د) (الوجه الرابع) 1) ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [سورة القصص: 4] 2) ﴿يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ [طه: 39] 3) ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾ [سورة النازعات: 17] وفى هذه الآيات وصف الله فرعون بالإفساد فى الأرض والتجبُّر والطغيان وأنَّه عدوٌّ لله، وكان ذلك قبل أن يدعوه موسى عليه السلام إلى الإسلام لله وتوحيده، فدلَّ ذلك على أنَّ الكافرَ كافرٌ قبل مجئ الرسالة وبعدها، شاء أم أبى. (هـ) (الوجه الخامس): 1) ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: 25]. 2) ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 67]. 3) ﴿وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾ [إبراهيم: 21]. 4) ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 40]. ففي هذه الآيات وما شاكلها بيان تام في أن الله لم يعذر التابعين الجاهلين الذين أضلَّهم الكبراء السادة بل جعل الفريقين مشتركين في عذاب الدنيا والآخرة. (و) (الوجه السادس): 1) ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 6]. وفي هذه الآية سمي الله أهل الأوثان مشركين مع تصريحه بأنهم قوم لا يعلمون أي جاهلون. (ز) (الوجه السابع): 1) ﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 30]. ودلّت هذه الآية علي أن أهل الضلالة من بني آدم كانوا يحسبون أنهم مهتدون علي الصراط المستقيم، فمن ذلك تعلم أن أهل الجهل من المشركين أكثر عدداً من أهل العناد والإصرار علي الباطل، لأن الله قسم الناس إلى قسمين،، وهما القسم المهتدي والقسم الضال وهو يحسب أنه من المهتدين ولم يذكر أهل العناد لقلّتهم. (ح) (الوجه الثامن) 1) ﴿وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾ [الأسراء: 49]. 2) ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 19]. 3) ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الصافات: 158ـ 159] 4) ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون﴾ [يونس: 18]. 5) ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: 3] 6) ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: 6]. فهذه الآيات وأمثالها تدل على أنه كان لأهل الشرك عقائد فاسدة يظنونها صوابا، ومعلوم أن الإنسان لا يمكن أن يعتقد عقيدة يعلم فسادها، وإنما يعتقد العقيدة الفاسدة من يجهل الحقيقة، ومع أن الله ذكر في كتابه كثيرا من عقائدهم وظنونِهم الفاسدة، نجده كذلك لا يعذرهم بالجهل واتباع الظنّ،، بل إنه يجعل هذا الإتباع والرضى بالظنون والأوهام جريمة يستحقون بها أليم العذاب، لأنّهم أصبحوا أفّاكين مفترين على الله الأكاذيب بما يقولونه من أمور لا توافق الحقيقة المقرّرة في كتاب الله. فقال تعالى: ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام: 143]. ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 144]. ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آَبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 148]. ﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا﴾ [الكهف: 4-5]، ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: 17]. ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ [النحل: 56]. فنري أن الله وصفهم بالظلم والإفك والافتراء مع وصفه إياهم بالجهل وعدم العلم فدلّ ذلك علي أنّ من اعتقد عقيدة فاسدة أشرك فيها بالله لا يكون إلا مشركا ظالما، ولا يكون جهله وظنه بأنه على الصراط المستقيم عذراً ينفي عنه صفة الشرك. (ط) (الوجه التاسع): 1) ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ. أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: 39ـ40]. ذكر علماء التفسير أنَّ الآية الأولى بيانٌ لمثل الكافر الجاهل الَّذى يظنُّ أنَّه من المهتدين، وأنَّه ذو علم، والآية الثانية بيان لمثل الكافر الجاهل جهلا بسيطا، الَّذى لا يتعلَّقُ بشيء يظنُّه علماً، فدلَّ ذلك على أنَّ الجهل صفة لازمة لجميع أنواع الكفار سواء كان ذلك الجهل جهلا بسيطا أو مركباً، إلا المعاندين الَّذبن يعلمون الحقَّ ولا ينقادون له، وهم أيضا يوصفون بالجهل، لا بمعنى عدم العلم، ولكن بمعنى عدم إتِّباع العلم، فمن رأى إعذارالكفار الجهال، وظنَّ أنَّ الكفرهو العناد مع العلم، لايجد لهاتين الآيتين الكريمتين معنىً مناسبا.