(السّابعة): استدلالهم بحديث أنس أنّ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال لرجلٍ: أسلم. فقال: أجدني كارهاً. قال: أسلم وإن كنتَ كارهاً". [أحمد/أبو يعلى]. فإنّ مرادهم أن يقولوا: "بما أنّ كراهية الحقّ كفرٌ فقد دلّ الحديث على أنّ من تكلّم بالإسلام يصحّ إسلامه وإن كان في الكفر والشرك، وليس الإسلام إلاّ التكلّم بكلمة التوحيد". والحديث لا يحتمل هذا المعنى وإنّما فيه: أنّ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دعا رجلاً إلى الإسلام، والإسلام أكبر من التلفظ بالكلمة وإنّما هو: "أن تعبد الله وحده وتتبرّأ من كل دين خالف ذلك". فلما دعاه إلى الإسلام أخبره الرجل أنّه يجد في نفسه كراهية ونفرة من دخول الإسلام والبراءة من دينه القديم، فحرّضه النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على الإسلام وأخبره بأنّ وجوبه عليه لا يسقطه شيءٌ، وليست الكراهية عذراً للبقاء على الكفر، وأمرهُ أن يُسلم على كلّ حال. قال الإمام ابن كثيرعن هذا الحديث:" فإنه ثلاثي صحيح، ولكن ليس من هذا القبيل، فإنه لم يكرهه النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على الإسلام، بل دعاه إليه، فأخبره أن نفسه ليست قابلة له، بل هي كارهة، فقال له: أسلم وإن كنت كارهاً، فإن الله سيرزقك حسن النية والإخلاص" والحديث حجّةٌ على أهل الإرجاء لأنّه دلّ على أنّ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يطلب من أهل الشرك "أن يسلموا" أي: أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن يتبرّؤا من دينهم، ولذلك قامت العداوة والبغضاء بين الأنبياء وأتباعهم وبين المشركين، ويؤيد ذلك القرآن الكريم حيث ورد فيه أجوبة الكفّار عن دعوة الأنبياء كقوله تعالى: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾ [الأعراف: 70]. ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: 53]. ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾ [هود: 62]. ﴿قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا﴾ [إبراهيم: 10]. ﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ﴾ [الصافات: 36].