(الثامنة): استدلالهم بحديث دروس معالم الدِّين ومباني الإسلام حتى لا يدرى ما صلاةٌ ولا صيامٌ ولا صدقةٌ ويبقى من لا يتمسّك من الإسلام إلاّ قول "لا إله إلاّ الله" وأنّ لا إله إلاّ الله تنجيهم من النار. والجواب: إذا نُظر هذا الحديث بعين "الإرجاء المعاصر" يُظنُّ أنّه حجّةٌ تدلُّ على أنّ المذكورين في الحديث لا يعلمون من الدِّين إلاّ لفظ "لا إله إلاّ الله" وأنّهم نجوا بذلك، وقد قال أحد غلاتهم: "إذا كانوا لا يعلمون ما صيام ولا صلاة ولا نسك فكيف يعرفون إخلاص العبادة ونبذ الشرك". وهذه من جهالاتهم العجيبة، وظنّهم بأنّ معرفة الأحكام الفرعية أولى من معرفة معنى "لا إله إلاّ الله". أمّا إذا نُظِر بعين الإسلام الأصيل فإنّ الحديث لا يناقض الأصول المقرّرة القطعية المعلومة من الدِّين بالضرورة والتي منها: 1- أنّ الله تعالى أخبر في كتابه -والأخبارُ لا تُنسخ- أنّ الدِّين الوحيد الذي أمر عباده أن يتّبعوه هو: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً". في مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]. وقوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: 36]. وقوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً". ولا يكون أحدٌ ناجياً إلاّ إذا كان على هذا الدِّين الذي هو معنى: "لا إله إلاّ الله". 2- أخبر الله تعالى أنّ المشرك لا يدخل الجنّة ويخلّد في النار. قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [المائدة: 72]. وقال تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]. وفي الحديث: "لا يدخل الجنّة إلاّ نفسٌ مسلمةٌ". [متّفق عليه]. فلا يكون أحدٌ ناجياً إلاّ إذا كان بريئاً من الشرك. فإذاً لا بُدّ أن يفسَّر الحديث تفسيراً يوافق الأصول الثابتة القطعية التي لا خلاف فيها. والحمد لله ليس في جميع طرق الحديث أنّ القوم نجَوا باللفظ وهم منكرون لمعناها ويشركون بالله. وهذا الحديث جزءٌ من أحاديث كثيرة تُخبر عمّا سيحدث قبل قيام الساعة من انتشار الجهل والعودة إلى الجاهلية تدريجيا، وهي على مراتب: (الأولى): مثل الحديث الذي فيه: "إنّ الناس سيتّخذون رؤساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا". وهذه الحالة لا يزال الناس على الإسلام، ولكن ذهاب العلماء تدريجياً سبب وقوع الناس في الضلال لما أطاعوا رجالاً جهالاً. (الثانية): مثل هذا الحديث الذي فيه: أنّ "لا إله إلاّ الله" تنجيهم من النار. وفيه أنّ أصل الإيمان وهو لا إله إلاّ الله بلفظها ومعناها باقٍ، ولكن جهل الناس الأحكام ومباني الإسـلام، فصاروا مثل الذين أسلموا قبل نزول الصلوات الخمس والصيام والحجّ، وهؤلاء سيكونون في مكان دون مكان في زمن دون زمن كما قاله بعض من تكلّم في معنى هذا الحديث. لأنّه ثبت أنّ طائفة من الأمّة لا تزال ظاهرة على الحقّ. (الثالثة): الأحاديث التي تذكر ارتداد كثير من الأمّة إلى الشرك بالله مثل: "لا تقوم الساعة حتى تعبد اللات والعزى". "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة". "لا تقوم الساعة حتى تلحق فئام من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان". وأهل الإرجاء يظنُّون أنّ الذين تنجيهم "لا إله إلاّ الله" من النار من أولئك الذين ارتدّوا إلى الشرك وعبادة غير الله -لجهلهم بحقيقة الإسـلام- وهذه الردّة ستكون في مكان دون مكان وفي زمن دون زمن. (الرابعة): الأحاديث التي فيها هبوب الريح لقبض أرواح المؤمنين وبقاء أهل الشر والكفر مثل حديث: "لا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس". وحديث: "لا تقوم الساعة على أحدٍ يقول: الله الله".