(الأولى): قولهم إنّ الكافر يدخل في الإسلام بقول الكلمة ويدلّ على ذلك حديث أسامة بن زيد والمقداد بن الأسود !!. جـوابه: إنّ كان المراد أنّه يدخل في الإسلام وإن كان مقيماً في الشرك فليس هذا دين الإسلام الذي جاءت به الرسل عليهم السلام وإنّما هو دين مبتدعٌ وإن أُطلق عليه لفظ "الإسلام"، وقد بيّنتُ حقيقة دين الرسل فيما سبق. ولو كان النطق وحده إسلاماً لكان اليهود الذين يقولون لا إله إلاّ الله ويسكنون المدينة مع النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مسلمين، ولكانت بنوحنيفة الذين يشهدون الشهادتين مسلمين. ومعلوم أنّ الله أمر بقتال أهل الكتاب الذين يقولون الكلمة في آية السيف، ومعلوم كذلك أنّ الصحابة أجمعوا على كفر بني حنيفة وقتالهم. أما عن حديث أسامة والمقداد: فالجواب عنهما: أنّ الحديثين ليسا مطلقين في جميع أنواع الكفّار بل يخصّان الوثنيين الذين كانوا الغالبية في جزيرة العرب وأقوى الجبهات التي تقاومُ الإسلام. وقد صرح العلماء في التفريق بين الوثني والكتابي في الإقرار. قال الإمام الشافعيّ في "الأُمّ": والإقرار بالإيمان وجهان: "فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدّعى أنّه دين النُّبوة ولا كتاب، فإذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله فقد أقرّ بالإيمان ومتى رجع عنه قُتل. قال: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدّعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدّلوا منه، وقد أُخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمّد رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فكفروا بترك الإيمان به واتّباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله. فقد قيل لي: إنّ فيهم من هو مُقيمٌ على دينه يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويقول: "لم يبعث إلينا". فإن كان فيهم أحدٌ هكذا فقال أحدٌ منهم: "أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله" لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول: "وأنّ دين محمّدٍ حقٌّ أو فرضٌ وأبرأ مما خالف دين محمّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أو دين الإسلام"، فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان، فإذا رجع عنه أُستُتِيبَ، فإن تاب وإلاّ قُتل. فإن كان منهم طائفةٌ تُعرَف بأن لا تُقرّ بنبوة محمّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلاّ عند الإسلام، أو تزعم أنّ من أقرّ بنبوته لزمه الإسلام، فشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان. فإن رجعوا عنه اُستُتِيبوا، فإن تابوا وإلاّ قُتلوا". موسوعة الشافعيّ: (المجلّد السابع. ص: 596). وقال الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبى حنيفة: "لو أنّ يهودياً أو نصرانياً قال: أنا مسلم، لم يكن بهذا القول مسلماً، لأنّ كلّهم يقولون نحن مسلمون ونحن مؤمنون ويقولون: إنّ ديننا هو الإيمان وهو الإسلام، فليس في هذا دليل على الإسلام منهم". وقال الإمام الحسين البغوي: "الكافر إذا كان وثنيا أو ثنويا لا يقرّ بالوحدانية فإذا قال: "لا إله إلا الله" حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع أحكام الإسلام ويبرأ من كل دين خالف دين الإسلام. وأما من كان مقراً بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله. وإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة، فلابد أن يقول: " إلى جميع الخلق". فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج أن يرجع عما اعتقده.ا ﻫ [فتح الباري: 12/279] قلت:"أنظر كيف وضع الأئمةُ في إعتبارهم معرفة القوم الّذين جاء منهم المقرّ،وهل كانوا يدَّعُون الإسلام أو يقولون كلمة التوحيد في كفرهم أم لا، مما لا يدور في خلد أهل الإرجاء المعاصر" فإن كان الكلام عن الوثنيِّ الّذي قال "لا إله إلاّ الله" فأقوال أهل العلم لا تخرج عن قولين: (الأول): أنّه صار بذلك مسلماً. (كقول الشافعي. ومحمد بن الحسن. والبغوي). (الثاني): أنّه يجب الكفّ عنه واختباره، فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حُكم بإسلامه. (كقول ابن حجر، والطحاوي). ولا يعدّ مثل ذلك خلافاً لتنوع أحوال الناس. فمثلاً: من عَلِمَ من الوثنيين أنّ الإسلام: "أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً" فأبى وعاند أوقاتل ثم جاء تائباً قائلاً: "أشهد أن لا إله إلاّ الله". يحمل أمره على قبوله طريق التوحيد والإسلام وتركه طريق الشرك والكفر، وأنّه عزم على أن يخرج من "دين" ويدخل في "دين". أما من يجهل حالُه أو لايُدري هل يريد دخول الإسلام أو دخول اليهودية لكون كلا الطائفتين مقرّتين بكلمة التوحيد، فالواجب التثبت في أمره، فإن شهد بالرسالة والتزم الأحكام حكم بإسلامه.