بسم الله الرحمن الرحيم بين يدي الرّسالة: الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم أجمعين. أمّا بعد: فإنّه لمّا تبيّن الحقّ، وعرف كثيرون، "أنّ قول: لا إله إلا الله" مناقض للشرك الأكبر، وأنّ التوحيد دين والشرك دين، وأنّ كلمة التّوحيد لا تنفع من كان دينه الشرك بالله، ومن كان يقولها في كفره، وأنّ إسلام المرء وإيمانه لا يصحّ حتى يتوب من الشرك ويتبرّأ من أهله. لمّا تبيّنت هذه الأمور، ووضّح الله السبيل السويّ لمن شاء من عباده، قام "المنحرفون" بردود فعل كثيرة، بأساليب متنوعة لصرف عباد الله عن الصراط المستقيم ولقد جاؤا بشبهات كثيرة، يتعجّب منها الموحّد؛ كيف تصدر مثل هذه الأباطيل من رجال يفتخرون بالعلم. ولكن يزول عجبه إذا تذكّر قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 213]. ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾ [المائدة: 41]. ﴿مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف:17]. ولكن لما كان من نتائج هذه الشبهات أن يصاب كثير من طلاّب الحقّ بالحيرة والتردد زمنا قد يُفيقون بعده إلى رشدهم ويلتحقون بركب الموحدين؛ أو ينقلبون على أعقابهم ويُكثرون سواد المتطيّرين بهم. تحتّم علينا أن نحاول جهدنا وأن نقول بالحقّ، لأنّ "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"كما ثبت في الحديث. ومن أخطر ما جاؤا به من العقائد المحدثة ولقنوها النّاس تلك المقالة التي مضمونها: "أنّ الأمّة المسلمة أجمعت على أنّ من قال "لا إله إلا الله محمّد رسول الله" في الشرك والكفر يحكمُ بإسلامه". منهم من يقول ذلك بصراحة وجُرأة، ويُجيب إذا سئل عمن يقول"لا إله إلا الله" في الشرك الأكبر: "أنا لا أجد للتكفير موضعا" ومنهم من يقول: "من وقع في الشرك الأكبر يرتدّ عن الإسلام، ولكن لا يوجَدون أو هم قلّة" وكأنّه في عالم غير عالمنا. ومنهم من يقول: "إنّ الشرك الأكبر قد غلب على الأمّة ولكن لا يجوز تكفيرهم قبل إقامة الحجّة". ثمّ يجعل باب إقامة الحجّة من المحال، حيثُ يشترطُ لها حاكما مسلما يحكم بما أنزل الله. ويقولون غير ذلك من أقوال متضاربة. وسيرى-إن شاء الله- من قرأ هذه السُطور، ونظر إليها بعين الإنصاف، وتحرّر من التعصب، أنّ الحقّ بخلاف ذلك، وأنّ الأمّة قد أجمعت على: "أنّ من قال "لا إله إلا الله، محمّد رسول الله" في الشرك والكفر لا يكونُ مسلما في الظاهر والباطن ولا ينفعه التلفظ حتى يتبرّأ مما خالف الإسلام". وأنّ فقهاء الإسلام -من جميع المذاهب- في جميع القرون؛ كانوا يذكرون هذه الحقيقة ويتلقّى الخلفُ منهم عن السلف ما قرّروه من البيان في هذا الباب بالرّضى والقَََبول. وسوف أُتبعُ – إن شاء الله- أجوبة عن باقي الشبهات الّتي كثُرَ حولها السؤالُ؛ ذاكراً الأخطر منها فالأخطر.