(ﻫ) القرن السادس: (1) قال القاضي عيّاض (476ﻫ - 544ﻫ) في كتابه "الشفا": (فصل) في بيان ما هو من المقالات كفرٌ، وما يتوقّف أو يُختلف فيه وما ليس بكفرٍ: اعلم أنّ تحقيق هذا الفصل وكشف اللّبس فيه مورده الشرع، ولا مجال للعقل فيه، والفصل المبين في هذا أنّ كل مقالةٍ صرّحتْ بنفي الربوبية أو الوحدانية أو عبادة أحدٍ غير الله أو مع الله فهو كفرٌ كمقالة الدهرية وسائر فرق أصحاب الاثنين من الديصانية أو المانوية وأشباههم من الصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا بعبادة الأوثان أو الملائكة أو الشياطين أو الشمس أو النجوم أو النار أو أحد غير الله من مشركي العرب وأهل الهند والصين والسودان وغيرهم ممن لا يرجع إلى كتاب، وكذلك القرامطة وأصحاب الحلول والتناسخ من الباطنية والطيارة من الرافضة والجناحية و البيانية و الغرابية. وكذلك نكفر من اعترف من الأصول الصحيحة بما تقدم و بنبوة نبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ولكن قال: كان أسود أو مات قبل أن يلتحي وليس الذي كان بمكة والحجاز أو ليس بقرشي لأن وصفه بغير صفاته المعلومة نفي له و تكذيب به وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أو بعده كالعيسوية من اليهود القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب. وكالخرمية القائلين بتواتر الرسل وكأكثر الرافضة القائلين بمشاركة علي في الرسالة للنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وبعده وكذلك كل إمام عند هؤلاء يقوم مقامه في النبوة والحجة وكالبزيعية والبيانية منهم القائلين بنيوة بزيع وبيان وأشباه هؤلاء أو من ادعى النبوة لنفسه أو جوز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها كالفلاسفة وغلاة المتصوفة. وكذلك وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب أو خص حديثا مجمعا على نقله مقطوعا به مجمعا على حمله على ظاهره كتكفير الخوارج بإبطال الرجم و لهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحح مذهبهم وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة وتكفير جميع الصحابة كقول الكميلية من الرافضة بتكفير جميع الأمة بعد النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذ لم تقدم عليا وكفرت عليا إذ لم يتقدم ويطلب حقه في التقديم فهؤلاء قد كفروا من وجوه لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها إذ قد انقطع نقلها ونقل القرآن إذ ناقلوه كفرة على زعمهم و إلى هذا -والله أعلم- أشار مالك في أحد قوليه بقتل من كفّر الصحابة وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلاّ من كافر وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام مع فعله ذلك الفعل كالسجود للصنم وللشمس والقمر والصليب و النار والسعي إلى الكنائس والبيع مع أهلها بزيهم: من شد الزنانير وفحص الرؤوس فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر وأن هذه الأفعال علامة على الكفر وإن صرح فاعلها بالإسلام. وكذلك أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم الله بعد علمه بتحريمه كأصحاب الإباحة من القرامطة و بعض غلاة المتصوفة. وكذلك نقطع بتكفير غلاة الرافضة في قولهم: إن الأئمة أفضل من الأنبياء. [الشفاء: 2/236-240]. وقال في بيان مسألة الكفّ عمن قال: لا إله إلاّ الله: "اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال "لا إله إلا الله" تعبير عن الإجابة إلى الإيمان. وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل الأوثان، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد فلا يكتفي في عصمه بقول "لا إله إلا الله" إذا كان يقولها في كفره" [شرح مسلم: 1/206]. ا ﻫ (2) قال الإمام الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلاني (ت:561ﻫ) في "الغنية": (باب) الذي يجب على من يريد الدخول في دين الإسلام: (أولا) أن يتلفظ بالشهادتين:لا إله إلاالله ،محمد رسول الله،ويتبرَّأ من كلِّ دين غير دين الإسلام، ويعتقد بقلبه وحدانية الله تعالى. [الغنية:13] وقال (في صفحة:180) عن الشيعة الغالية (وهم من الناطقين بالشهادتين): "فمنهم الغالية: وقد ادَّعت أنَّ عليَّا رضي الله عنه أفضل من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين." قال:"وادَّعت أيضا أنَّ عليَّا رضي الله عنه نبيٌّ وأنَّ جبريل عليه السلام غلط في نزول الوحي عليه . وادَّعت أيضا أنَّ عليَّا كان إلها عليهم لعنة الله وملائكته وسائر خلقه إلى يوم الدين،وقلع آثارهم وأباد خضراءهم،ولا جعل لهم في الأرض ديَّارا. لأنَّهم بالغوا في غلوِّهم ومردُّوا غلى الكفر، وتركوا الإسلام وفارقوا الإيمان، وجحدوا الإله والرسل والتنزيل، فنعوذ بالله ممن ذهب إلى هذه المقالة" (3) وقال برهان الدين علي بن أبى بكر المرغينانى الحنفى (ت:593هـ)"فى الهداية": (باب أحكام المرتدِّين): "وكيفية توبته أن يتبرَّأ عن الأديان كلِّها، سوى الإسلام،لأنَّه لا دين له، ولو تبرَّأ عمَّا إنتقل إليه كفاه،لحصول المقصود" (4) وقال الإمام ابن قدامة الحنبليّ (541ﻫ - 620 ه‍) الفصل الثاني: أنه إذا ثبتت ردته بالبينة أو غيرها فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لم يكشف عن صحة ما شهد عليه به وخلى سبيله ولا يكلف الإقرار بما نسب إليه لقول النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا في دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل» متفق عليه، ولأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذلك إسلام المرتد، وكلام الخرقي محمول على من كفر بجحد الوحدانية أو جحد رسالة محمد، أو جحدهما جميعاً، فأما من كفر بغير هذا فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده. ومن أقر برسالة محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأنكر كونه مبعوثاً للعالمين، لا يثبت إسلامه حتى يشهد أن محمداً رسول الله إلى الخلق أجمعين، أو يتبرَّأ مع الشهادتين من كل دين يخالف الإسلام، وإن زعم أن محمداً رسول مبعوث بعدُ غير هذا، لزمه الإقرار بأن هذا المبعوث هو رسول الله، لأنه إذا اقتصر على الشهادتين احتمل أنه أراد ما اعتقده، وإن ارتد بجحود فرض لم يسلم حتى يقر بما جحده، ويعيد الشهادتين لأنّه كذب الله ورسوله بما اعتقده.. وكذلك إن جحد نبياً أو أية من كتاب الله تعالى أو كتاباً من كتبه أو ملكاً من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله، أو استباح محرماً فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحد، وأما الكافر بجحد الدين من أصله إذا شهد أن محمداً رسول الله واقتصر على ذلك ففيه روايتان .. إحداهما يحكم بإسلامه. .. لأنه لا يقر برسالة إلا وهو مقر بمن أرسله وبتوحيده، لأنه صدق النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فيما جاء به وقد جاء بتوحيده. الثاني انه إن كان مقرا بالتوحيد كاليهود، حكم بإسلامه لان توحيد الله ثابتٌ في حقه وقد ضم إليه الإقرار برسالة محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فكمل إسلامه.. وإن كان غير موحد كالنصارى والمجوس والوثنيين، لم يحكم بإسلامه حتى يشهد أن لا إله إلا الله .. وبهذا جاءت اكثر الأخبار وهو الصحيح، لان من جحد شيئين لا يزول جحدهما إلا بإقراره بهما جميعاً.. وإن قال اشهد أن النبي رسول الله لم نحكم بإسلامه لأنه يحتمل أن يريد غير نبيناً.. وإن قال أنا مؤمن أو أنا مسلم، فقال القاضي.. يحكم بإسلامه بهذا.. وإن لم يلفظ بالشهادتين لأنّهما اسمان لشيء معلوم معروف وهو الشهادتان، فإذا أخبر عن نفسه بما تضمنت كان مخبراً بهما. وروى المقداد رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله أرأيتَ إن لقيتُ رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: "أسلمتُ" أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال: "لا تقتله، فإن قتلتَه فإنه بمنْزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنْزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها" وعن عمران بن حصين قال: "أصاب المسلمون رجلاً من بني عقيل فأتوا به النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال: يا محمد إني مسلم، فقال رسول الله: "لو كنت قلت وأنت تملك أمرك أفلحت كل فلاح". [رواهما مسلم]. ويحتمل أن هذا في الكافر الأصلي أو من جحد الوحدانية، أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوها فلا يصير مسلماً بذلك، لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه، فان أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ومنهم من هو كافر. [المغني: 8/142]. وقال أيضاً: "وإن كان الإمام ممن يُسلِمُ تارة ويرتدُّ أُخرى لم يصلَّ خلفه حتى يُعلمَ على أيِّ دينٍ هو"(المغنى والشرح الكبير: 2|35) (5) وقال الإمام جمال الدِّين عبد الرحمن ابن الجوزي البغدادي: (508ﻫ - 597ﻫ)‍ في (تلبيس إبليس): "قالت المرجئة: إنّ من أقرّ بالشهادتين وأتى بكلّ المعاصي لم يدخل النّار أصلاً، وخالفوا الأحاديث الصحاح في إخراج الموحّدين من النّار. قال ابن عقيل: ما أشبه أن يكون واضع الإرجاء زنديقاً، فإنّ صلاح العالم بإثبات الوعيد واعتقاد الجزاء، والمرجئة لمّا لم يمكنهم جحد الصانع ـ لما فيه من نفور الناس ومخالفتهم أسقطوا فائدة الإثبات وهي الحسبة والمراقبة، وهدموا سياسة الشرع، فهم شرّ طائفة على الإسلام" [تلبيس إبليس: 103]