(و) القرن السابع (1) قال الإمام يحيى بن شرف النووي (631 ﻫ - 676 ه‍) في شرح مسلم: "واتّفق أهلُ السنّة من المحدّثين والفقهاء والمتكلّمين على أنّ المؤمن الذي يحكم أنّه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلاّ من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين". وقال: "أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول: وأنا بريءٌ من كلّ دينٍ خالف الإسلام، إلاّ إذا كان من الكفّار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى العرب، فإنّه لا يحكم بإسلامه إلاّ بأن يتبرّأ". وقال: "واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يكفر أهل الأهواء والبدع، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك، فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة". وقال أيضا فى" شرح مسلم" (باب من مات لايشركُ بالله): "فأمّا دخول المشرك النار، فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهوديّ والنّصرانيّ، وبين عبدة الأوثان، وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحقّ بين الكافر عنادا وغيره، ولا من خالف ملّة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثمّ حُكم بكفره بجحده ما يكفرُ بجحده وغير ذلك. وقال في مجموع شرح المهذّب: "وإذا تاب المرتدّ قبلت توبته سواء كانت ردّته إلى كفرٍ ظاهر به أهله أو إلى كفر يستتر به أهله كالتعطيل والزندقة، لما روى أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله واستقبلوا قبلتنا وصلّوا صلاتنا وأكلوا ذبيحتنا فقد حرّمت علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقّها ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين". ولأنّ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كفّ عن المنافقين لما أظهروا من الإسلام مع ما كانوا يُبطنون من خلافه، فوجب أن يكفّ عن المعطّل والزنديق لما يُظهرونه من الإسلام. فإن كان المرتدّ ممن لا تأويل له في كفره فأتى بالشهادتين حكم بإسلامه لحديث أنس رضي الله عنه". وقال: "وإن كان ممن يزعم أنّ النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بُعث إلى العرب وحدها أو ممن يقول إنّ محمداً نبيٌّ يُبعث وهو غير الذي بُعث لم يصحّ إسلامه حتى يتبرّأ مع الشهادتين من كل دينٍ خالف الإسلام، لأنّه إذا اقتصر على الشهادتين احتمل أن يكون أراد ما يعتقده، وإن ارتدّ بجحود فرضٍ أو استباحة محرّمٍ لم يصحّ إسلامه حتى يرجع عما اعتقده ويعيد الشهادتين لأنّه كذّب الله وكذّب رسوله بما اعتقده في خبره، فلا يصحّ إسلامه حتى يأتي بالشهادتين". [المجموع شرح المهذّب: 19/231]. (2) وقال الإمام ابن تيمية (661ﻫ - 728ﻫ): "فأيما طائفة ممتنعة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحجّ أو عن التزام تحريم الدماء والأموال أو الخمر أو الزنى أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب أو غير ذلك من التزام واجبات الدِّين، أو محرّماته التي لا عذر لأحد في جحودها أو تركها -والتي يكفر الواحد بجحودها-، فإن الطائفة الممتنعة تقاتَل عليها وإن كانت مقرّة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء. وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنْزلة البغاة الخارجين على الإمام أو الخارجين عن طاعته كأهل الشام مع أمير المؤمنين على بن أبى طالب. وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام". وقال في آخر كلامه: "والصحابة لم يكونوا يقولون هل أنت مقرّ بوجوبها أو جاحدٌ لها؟ هذا لم يعهد عن الصحابة بحال. بل قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: "والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه"، فجعل المبيح للقتال مجرّد المنع لا جحد الوجوب. وقد روى أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن يخلُّو بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم سيرة واحدة. وهى قتل مقاتلهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار. وسمّوا جميعاً أهل الردّة. وكان من أعظم فضائل الصديق عندهم، أن ثبته الله على قتالهم. ولم يتوقّف كما توقّف غيره حتى ناظرهم فرجعوا إلى قوله. وأما قتال المقرِّين بنبوة مسيلمة الكذَّاب فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم" [الفتاوى: م 28/ص 501 - 509]. ا ﻫ وقال: "إن لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصيام شهر رمضان وحجّ البيت العتيق، ولا يحرّم ما حرّم الله ورسوله من الفواحش والظلم والشرك والإفك فهو كافرٌ مرتدٌّ يستتاب فإن تاب وإلاّ قُتل باتّفاق المسلمين، ولا يغني عنه التكلّم بالشهادتين". وقال:"ومن قال:إنَّ كلَّ من تكلَّم بالشهادتين،ولم يُؤد الفرائض،ولم يجتنب المحارم،يدخلُ الجنَّة ولا يُعذَّبُ أحدٌ منهم بالنَّار:فهو كافرٌ مرتدٌّ،يجبُ أن يُستتاب،فإن تاب وإلا قتل" [الفتاوى: 35/105-106]. وقال: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين أنّ من سوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب " [الفتاوى: 28/ 515 ].