(جـ) القرن الرابع: (1) قال الإمام أبو سليمان الخطابي (ت:388هـ) في قوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان دون أهل الكتاب، لأنهم يقولون "لا إله إلا الله" ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف". [شرح مسلم 1/206] وقال عند حديث أنس:"كان يغير عند صلاة الصبح ،وكان يستمع ،فإذا سمع آذانا أمسك وإلا أغار": "قلت:فيه من الفقه أنَّ إظهار شعائر الإسلام فى القتال و عند شنِّ الغارة،يحقنُ به الدم ،وليس كذلك حال السلامة والطمأنينة الَّتى يتَّسع فيها معرفة الأمور على حقائقها، واستيفاء الشروط اللازمة فيها" (معالم السنن) (2) القاضى الحسين الحليمى (338- 403هـ): قال الحافظ ابن حجر: " قال الحليمي ولو قال اليهودي لا إله إلا الله لم يكن مسلما حتى يقر بأنه ليس كمثله شيء ولو قال الوثني لا إله إلا الله وكان يزعم ان الصنم يقربه الى الله لم يكن مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الصنم (فتح البارى:كتاب التوحيد) (3) قال الإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادي (ت:429ﻫ) في كتابه "الفَرق بين الفِرق": (الباب الرابع): في بيان الفرق التي انتسبت إلى الإسلام وليست منها: قال: وقد ذكرنا قبل هذا أنّ بعض الناس زعم أنّ اسم ملّة الإسلام واقعٌ على كلّ مقرٍّ بنبوّة محمّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأنّ ما جاء به حقٌّ كائناً قوله بعد ذلك ما كان، وهذا اختيار الكعبيّ في مقالته. وزعمت الكرّامية أنّ اسم أمّة الإسلام واقعٌ على كلّ من قال: لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله سواءً أخلص في ذلك أو اعتقد خلافه.وهذان الفريقان يلزمهما إدخال العيسوية من اليهود والشاذكانية منهم في ملّة الإسلام، لأنّهم يقولون لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، ويزعمون أنّ محمّداً كان مبعوثاً إلى العرب وقد أقرُّوا بأنّ ما جاء به حقٌّ. وقال بعض فقهاء أهل الحديث: اسم أمّة الإسلام واقعٌ على كلّ من اعتقد وجوب الصلوات الخمس إلى الكعبة، وهذا غير صحيح لأنّ أكثر المرتدين الذين ارتدُّوا بإسقاط الزكاة في عهد الصحابة كانوا يرون وجوب الصلاة إلى الكعبة وإنّما ارتدُّوا بإسقاط وجوب الزكاة، وهم المرتدون من بني كندة وتميم. فأمّا المرتدون من بني حنيفة وبني أسد فإنّهم كفروا من وجهين. (أحدهما):إسقاط وجوب الزكاة. (والثاني): دعواهم نبوة مسيلمة وطليحة. وأسقط بنو حنيفة وجوب صلاة الصبح وصلاة المغرب فازدادوا كفراً على كفرٍ. والصحيح عندنا: أنّ اسم ملّة الإسلام واقعٌ على كلّ من أقرّ بحدوث العالم وتوحيد صانعه وقدمه وأنّه عادلٌ حكيم مع نفي التشبيه والتعطيل عنه، وأقرّ مع ذلك بنبوة جميع أنبيائه وبصحة نبوة محمّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ورسالته إلى الكافّة وبتأييد شريعته وبوجوب الصلوات الخمس إلى الكعبة وبوجوب الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت على الجملة. فكلّ من أقرّ بذلك فهو داخلٌ في أهل ملّة الإسلام، ويُنظَر فيه بعد ذلك فإن لم يخلط إيمانه ببدعة شنعاء تؤدّي إلى الكفر فهو الموحّد السُّنِّيُّ، وإن ضمّ إلى ذلك بدعة شنعاء نُظر فإن كان على بدعة الباطنية أو البيانية أو المغيرية أو المنصورية أو الجناحية أو السبابية أو الخطابية من الرافضة، أو كان على دين الحلولية أو على دين أصحاب التناسخ أو على دين الميمونية أو اليزيدية من الخوارج. {*6} أو على دين الخايطية أو الحمارية من القدرية، أو كان ممن يحرّم شيئاً مما نصّ القرآن على إباحته باسمه أو أباح ما حرّم القرآن باسمه فليس هو من جملة أُمّة الإسلام. [الفَرقُ بين الفِرق: 220-222]. قلتُ: كل هذه الفرق التي ذكر أنها خارجة من الملة كالباطنية والبيانية و .. و .. الخ. فرق معينة معروفة كانت تنتسب إلى الإسلام وتنطق بالشهادتين. (4) قال الإمام أبي القاسم اللألكائي: (.. - 418ﻫ): سياق ما رُوي عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في أنّ الإيمان لفظٌ باللسان واعتقاد بالقلب وعملٌ بالجوارح. قالوا: الدال على أنّه تلفظ باللسان: قوله عزّ وجلّ: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: 14] وما رُوي عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا منِّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها". والدّالُّ على أنّه اعتقادٌ بالقلبِ قوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14]. وقوله تعالى: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 7] وقوله تعالى: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ﴾ [المجادلة: 22]. وقال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾ [المائدة:41] وحديث أبي برزة وبريدة والبرّاء عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه". والدلالة على أنّه عملٌ: قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البيِّنة: 5]. وقال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف:110]. [اعتقاد أهل السنّة: 1/730] (5) وقال الإمام أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص (305ﻫ – 370ﻫ) في تعقيبه على قول الإمام محمد بن الحسن الشيباني: مطلب: في بيان المراد من قوله عليه السلام: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله". قال أبو بكر: لم يجعل اليهودي مسلماً بقوله: "أنا مسلم أو مؤمن" لأنّهم كذلك يقولون، ويقولون: الإيمان والإسلام هو ما نحن عليه فليس في هذا القول دليلٌ على إسلامه، وليس اليهوديّ والنصراني بمنْزلة المشركين الذين كانوا في زمان النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأنّهم عبدة أوثان فكان إقرارهم بالتوحيد وقول القائل منهم: "إنّي مسلم وإنِّي مؤمن" تركاً لما كان عليه ودخولاً في الإسلام، فكان يُقتصر منه على هذا القول، لأنهّ كان لا يسمح به إلاّ وقد صدّق النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وآمن به، ولذلك قال النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم". وإنّما أراد المشركين بهذا القول دون اليهود لأنّ اليهود قد كانوا يقولون: لا إله إلا الله، وكذلك النصارى يطلقون ذلك وإن ناقضوا بعد ذلك في التفصيل فيُثبتون ثلاثةً، فعلمنا أنّ قول لا إله إلاّ الله إنما كان علما لإسلام مشركي العرب وتصديقاً له فيما دعاهم، ألاّ ترى إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: 35]. واليهود والنصارى يوافقون المسلمين على إطلاق هذه الكلمة وإنّما يخالفون في نبوة النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فمتى أظهر منهم مُظهرٌ الإيمان بالنبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فهو مسلم. [أحكام القرآن: 2/310].