(أ) القرن الثاني: (1) مالك بن أنس (93ﻫ - 179ﻫ) قال مروان بن محمد: سألتُ مالك بن أنس عن تزويج القدريّ؟ قال: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ﴾ [البقرة: 221]. [اعتقاد أهل السنّة: 1/644]. وسئل عن القدري الذي يُستتاب؟. قال: الذي يقول: إنّ الله عزّ وجل لم يعلم ما عباده عاملون حتى يعملوا" [اعتقاد أهل السنّة: 1/644]. وجاء في "المدوَّنة"، في كتاب الجهادِ: "قلتُ: أرأيت قتالَ الخوارج، ما قولُ "مالك"فيهم؟. قال: قال مالك في الإباضية والحرورية، وأهل الأهواء كلِّهم:"أرى أن يُستتابوا، فإن تابوا وإلا قُتِلوا". قال ابنُ القاسم: وقال مالك: "إنَّهم يُقتلون إذا كان الإمامُ عدلاً". (2) سئل أبو يوسف القاضي (113ﻫ ـ 182ﻫ): ما الحكم في القدرية؟. قال: الحكم أنّه من جحد العلم اُستتيب فإن تاب وإلاّ قتلته. [اعتقاد أهل السنّة: 1/645]. قلتُ: "فإذا كانوا يرون استتابةَ "القدرِيّ"و"الحرورِيّ" الذي لا يفعلُ الشرك الأكبر ويُقرّ بالشهادتين والصلاة ولكنّه ضلّ في التأويل، فهل كانوا يتولّون الذي يفعل الشرك الأكبر لأجل إقراره بالشهادتين والصلاة!!؟. (3) وقال الإمام سفيان الثوريّ (97ﻫ -161ﻫ): خالفنا المرجئة في ثلاث، نحن نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: قول بلا عمل، ونحن نقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: نحن مؤمنون بالإقرار، وهم يقولون: نحن مؤمنون عند الله. (شرح السنّة: الجزء الأول) (4) قال الإمام الشافعيّ في "الأُمّ" (150ﻫ ـ 204ﻫ): والإقرار بالإيمان وجهان: "فمن كان من أهل الأوثان ومن لا دين له يدّعى أنّه دين النُّبوة ولا كتاب، فإذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله فقد أقرّ بالإيمان ومتى رجع عنه قُتل. قال: ومن كان على دين اليهودية والنصرانية فهؤلاء يدّعون دين موسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما وقد بدّلوا منه، وقد أُخذ عليهم فيهما الإيمان بمحمّد رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فكفروا بترك الإيمان به واتّباع دينه مع ما كفروا به من الكذب على الله قبله. فقد قيل لي: إنّ فيهم من هو مُقيمٌ على دينه يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويقول: "لم يبعث إلينا". فإن كان فيهم أحدٌ هكذا فقال أحدٌ منهم: "أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله" لم يكن هذا مستكمل الإقرار بالإيمان حتى يقول: "وأنّ دين محمّدٍ حقٌّ أو فرضٌ وأبرأ مما خالف دين محمّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أو دين الإسلام"، فإذا قال هذا فقد استكمل الإقرار بالإيمان، فإذا رجع عنه أُستُتِيبَ، فإن تاب وإلاّ قُتل. فإن كان منهم طائفةٌ تُعرَف بأن لا تُقرّ بنبوة محمّد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلاّ عند الإسلام، أو تزعم أنّ من أقرّ بنبوته لزمه الإسلام، فشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله فقد استكملوا الإقرار بالإيمان. فإن رجعوا عنه اُستُتِيبوا، فإن تابوا وإلاّ قُتلوا". موسوعة الشافعيّ: (المجلّد السابع. ص: 596). (5) وقال الإمام محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبى حنيفة (131ﻫ - 189ه‍): "لو أنّ يهودياً أو نصرانياً قال: أنا مسلم، لم يكن بهذا القول مسلماً، لأنّ كلّهم يقولون نحن مسلمون ونحن مؤمنون ويقولون: إنّ ديننا هو الإيمان وهو الإسلام، فليس في هذا دليل على الإسلام منهم". وقال: "ولو أنّ رجلاً من المسلمين حمل على رجلٍ من المشركين ليقتله فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، كان هذا مسلماً، وإن رجع عن هذا ضُرب عنقه، لأنّ هذا هو الدليل على الإسلام". [أحكام القرآن للجصّاص: 2/310]. وقال في كتابه"السير الكبيرـ الجزء الخامس": باب: الإسلام: ذكر عن الحسن رضي الله عنه قال‏: ‏ قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ‏: ‏ ‏"‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏: ‏ لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله قال‏: ‏ فكان رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقاتل عبدة الأوثان وهم قوم لا يوحدون الله فمن قال منهم‏: ‏ لا إله إلا الله كان ذلك دليلاً على إسلامه والحاصل أنه يحكم بإسلامه إذا أقر بخلاف ما كان معلوماً من اعتقاده لأنه لا طريق إلى الوقوف على حقيقة الاعتقاد لنا فنستدل بما نسمع من إقراره على اعتقاده فإذا أقر بخلاف ما هو معلوم من اعتقاده استدللنا به على أنه بدل اعتقاده وعبدة الأوثان كانوا يقرون بالله تعالى قال الله تعالى‏: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [الزخرف‏: ‏ 87‏]. ولكن كانوا لا يقرون بالوحدانية قال الله تعالى: ﴿إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات‏: ‏ 35] وقال فيما أخبر عنهم: ﴿أَجَعَلَ الآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ فمن قال منهم‏: لا إله إلا الله فقد أقر بما هو مخالف لاعتقاده فلهذا جعل ذلك دليل إيمانه فقال‏: ‏"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‏: لا إله إلا الله‏"‏ وعلى هذا المانوية وكل من يدعي إلهين إذا قال واحد منهم‏: ‏لا إله إلا الله فذلك دليل إسلامه فأما اليهود والنصارى فهم يقولون‏: لا إله إلا الله فلا تكون هذه الكلمة دليل إسلامهم وهم في عهد رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كانوا لا يقرون برسالته فكان دليل الإسلام في حقهم الإقرار بأن محمداً رسول الله على ما روي عنه أنه دخل على جاره اليهودي يعوده فقال‏: ‏ اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فنظر الرجل إلى أبيه فقال له‏: ‏ أجب أبا القاسم فشهد بذلك ومات فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ‏"الحمد لله الذي أعتق بي نسمة من النار‏"‏ ثم قال لأصحابه‏: ‏ ‏"‏لُو أخاكم"‏ قال‏: ‏ فأما اليوم ببلاد العراق فإنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكنهم يزعمون أنه رسو ل إلى العرب لا إلى بني إسرائيل ويتمسكون بظاهر قوله تعالى‏: ‏‏﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ﴾ [الجمعة‏: ‏ 3]. فمن يقر منهم بأن محمداً رسول الله لا يكون مسلماً حتى يتبرأ من دينه مع ذلك أو يقر بأنه دخل في الإسلام حتى إذا قال اليهودي أو النصراني‏: ‏ أنا مسلم أو أسلمت لا يحكم بإسلامه لأنهم لا يدعون ذلك فإن المسلم هو المستسلم للحق المنقاد له وهم يزعمون أن الحق ما هم عليه فلا يكون مطلق هذا اللفظ في حقهم دليل الإسلام حتى يتبرأ من دينه مع ذلك‏. قلتُ: شتّانِ بين ما قرّره أئمّةُ الإسلام من ضرورة اعتبار مقتضيات الكلمة، وعدم التسوية بين من يترك الكفر إذا قال الكلمة، وبين من يقول الكلمة في كفره، شتّان بين ذلك وبين ما يُروّجه أهلُ الإرجاء المعاصر من الجمود على اللفظ، واعتبار القائل مسلما دائما، ولو كان يشركُ بالله في العبادة أو يُضادُّ الله سبحانه في التشريع للعباد.