(ك) القرن الثاني عشر: (1) قال الإمام محمد بن عبد الوهاب (1115ﻫ-1206ﻫ) في (كشف الشبهات): إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها. وهي إنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسول، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟ فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في شئ وكذبه في شئ أنه كافر لم يدخل في الإسلام. وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه، كمن أقر بالتوحيد، وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة، وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله وجحد الحج. إلى أن قال: فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي محمد صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئا من هذه الأمور كفر؟ ولو عمل بكل ما جاء به الرسول، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر، سبحان الله! ما أعجب هذا الجهل. [كشف الشبهات: 10، 11] وقال في رسالة أرسلها إلى عبد الله بن سحيم: والكلمة الثانية قوله: أنّ المشرك لا يقول: "لا إله إلاّ الله" فيا عجباً من رجل يدعى العلم وجاء من الشام يحمل كتباً فلمّا تكلّم إذا أنّه لا يعرف الإسلام من الكفر ولا يعرف الفرق بين أبي بكر الصديق ومسيلمة الكذاب. أمّا علم أنّ مسيلمة يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله ويصلّي ويصوم؟. أمّا علم أنّ غلاة الرافضة الذين حرقهم عليّ يقولونها وكذلك الذين يقذفون "عائشة" ويكذبون القرآن، وكذلك الذين يزعمون أنّ جبريل غلط وغير هؤلاء ممن أجمع أهل العلم على كفرهم، منهم من ينتسب إلى الإسلام ومنهم من لا ينتسب إليه كاليهود وكلّهم يقولون: " لا إله إلاّ الله"، وهذا أبين -عند من له أقلّ معرفة بالإسلام- من أن يحتاج إلى تبيان.. وإذا كان المشركون لا يقولونها فما معنى باب "حكم المرتد" الذي ذكر الفقهاء من كلّ مذهب؟ هل الذين ذكرهم الفقهاء وجعلوهم مرتدين لا يقولونها هذا الذي ذكر أهل العلم أنّه أكفر من اليهود والنصارى، وقال بعضهم: "من شكّ في كفر أتباعه فهو كافرٌ وذكرهم في الإقناع في باب حكم المرتد وإمامهم "ابن عربي" أيظنّهم لا يقولون لا إله إلاّ الله؟ لكن هو آت من الشام وهم يعبدون "ابن عربي" جاعلين على قبره صنماً يعبدونه ولستُ أعني أهل الشام كلّه حاشّاً وكلاًّ بل لا تزال طائفة على الحقّ وإن قلّت واغتربت.. لكنّ العجب العجاب استدلاله أنّ رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم دعا الناس إلى قول "لا إله إلاّ الله" ولم يطالبهم بمعناها وكذلك أصحاب رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فتحوا بلاد الأعاجم وقنعوا منهم بلفظها إلى آخر كلامه فهل يقول هذا من يتصور ما يقول؟ فنقول: (أولاً) هو الذي نقض كلامه وكذبه بقوله: دعاهم إلى ترك عبادة الأوثان "فإذا كان لم يقنع منهم إلاّ بترك عبادة الأوثان تبيّن أنّ النطق بها لا ينفع إلاّ بالعمل بمقتضاها وهو "ترك الشرك" وهذا هو المطلوب وهو الذي نقول وهو الذي أكثرتم النكير فيه.. وأما دعواه أنّ الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم إلاّ مجرّد هذه الكلمة ولم يعرفوهم بمعناها فهذا قول من لا يفرق بين دين المرسلين ودين المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار فإنّ المؤمنين يقولونها والمنافقون يقولونها لكن المؤمنين يقولونَها مع معرفة قلوبهم بمعناها وعمل جوارحهم بمقتضاها والمنافقون يقولونها من غير فهم لمعناها ولا عمل بمقتضاها فمن أعظم المصائب وأكبر الجهل من لا يعرف الفرق بين الصحابة والمنافقين لكن هذا لا يعرف النّفاق ولا يظنّه في أهل زماننا بل يظنّه في زمن رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وأصحابه وأما زمانه فصلح بعد ذلك. وإذا كان زمانه وبلدانه يتنزهون عن البدع ومخرجها من خراسان فكيف بالشرك والنّفاق ؟ ويا ويح هذا القائل ما أجرأ ه على الله وما أجهله بقدر الصحابة وعلمهم حيث ظنّ أنّهم لا يعلّمون الناس لا إله إلاّ الله أما علم الجاهل أنّهم يستدلّون بها على مسائل الفقه فضلاً عن مسائل الشرك. ففي الصحيحين أنّ عمر t لما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة لأجل قوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ الله فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها» قال أبو بكر: "فإنّ الزكاة من حقّها". فإذا كان منع الزكاة من منع حقّ "لا إله إلاّ الله" فكيف بعبادة القبور والذبح للجنّ ودعاء الأولياء وغيرهم مما هو دين المشركين. وصرّح الشيخ تقي الدّين في "اقتضاء الصراط المستقيم" بأنّ من ذبح للجنّ فالذبيحة حرام من جهتين: - من جهة أنّها مما أهلّ لغير الله ومن جهة أنّها ذبيحة مرتدّ فهي كخنْزير مات من غير ذكاة ويقول: ولو سمّي الله عند ذبحها إذا كانت نية ذبحها للجنّ. وردّ على من قال: أنّه إن ذكر اسم الله حلّ الأكل منها مع التحريم. (إ ﻫ) (سيرة الإمام: لأمين سعيد)