(ز)" القرن الثامن" (1) الإمام ابن القيم (691ﻫ - 751ه‍): قال وهو يبيّنُ الشرك الأكبر وحال المشركين المنتسبين إلى ملّة الإسلام: "ومن أنواعه طلب حوائج من الموتى والاستغاثة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميّت قد انقطع عمله وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً فضلاً لمن استغاث به وسأله أن يشفع له إلى الله، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن الله تعالى لا يشفع أحدٌ عنده إلاّ بإذنه، والله لم يجعل سؤال غيره سبباً لإذنه، وإنّما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميّت محتاج إلى من يدعو له كما أوصانا النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إذا زار قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل الله لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثاناً تُعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى تنقُّص الأموات. وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك وأوليائه المؤمنين بذمّهم ومعاداتهم وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقّص إذ ظنُّوا أنّهم راضون منهم بهذا، أو أنّهم أمروهم به، وهؤلاء أعداء الرسل في كلّ زمان ومكان وما أكثر المستجيبين لهم.ولله درّ خليله إبراهيم عليه السلام حيث يقول: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم: 35-36]. وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلاّ من جرّد التوحيد لله وعادى المشركين في الله وتقرّب بمقتهم إلى الله. [مدارج السالكين]. وقال في (زاد المعاد) عند ذكره ما في غزوة الطائف من الفقه: "ومنها أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك بعد القدرة على إبطالها يوماً واحداً. فإنها شعائر الكفر. وهى أعظم المنكرات. وهذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتّخذت أوثاناً يُعبد من دون الله، والأحجار التي تُقصد للتعظيم والتبرك والنذر والتقبيل. لا يجوز إبقاء شئ منها على وجه الأرض مع القدرة.وكثير منها بمنْزلة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، أو أعظم شركاً عندها وبها. وبالله المستعان. ولم يكن أحدٌ من أرباب هذه الطواغيت يعتقد أنها تخلق وترزق أو تحيى أو تميت وإنما كانوا يفعلون عندها وبها ما يفعله إخوانهم من المشركين عند طواغيتهم اليوم. فاتَّبع هؤلاء سنن من كان قبلهم حذو القذة بالقذة وأخذوا مأخذهم شبراً بشبرٍ، وذراعاً بذراعٍ". (2) وقال الإمام إسماعيل بن كثير (701ﻫ ـ 774ﻫ): في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ "يُنكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شرّ. وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم. وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم (جنكيز خان) الذي وضع لهم "الياسق" وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد أقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية، والنصرانية، والملّة الإسلامية وغيرها، وفيها كثيرٌ من الأحكام أخذها من مجّرد نظره وهواه. فصار في بنيه شرعاً متّبعاً، يُقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم. فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليلٍ ولا كثيرٍ" 1هـ. قلتُ: "التتار الّذين يتحدّثُ عنهم الإمامُ هم الذّين كانوا في زمنه، وكانوا ينتسبونَ إلى الإسلام وينطقونَ بالشهادتين، ولكن كانوا يُقدِّمون شرائعهم الوضعيَّةَ على حكمِ الكتابِ والسُنَّة، فصار الانتسابُ والنُّطق لاشيءَ، لأنَّ الفعلَ أصدقُ وأقوى من القول" (3) قال الإمام ابن رجب الحنبلي (736ﻫ - 795ﻫ) في (جامع العلوم والحِكم): "وقد يترك دينه ويفارق الجماعة وهو مقرٌّ بالشهادتين ويدّعي الإسلام كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام أو سبّ الله ورسوله أو كفر ببعض الملائكة أو النبيين أو الكتب المذكورة في القرآن مع العلم بذلك".( ص: 205).