(المسألةُ الثانية) الشرك الأكبر مُخرِجٌ من الملّة (أولا) الإقرار والاعتراف: قد مرّ بك أنَّهم قد أقرُّوا بأنّ الشرك الأكبر مُخرِجٌ من الملّة، لما قالُوا: (ولا يُخرج من الملة من ذلك إلا الأكبر). وجاء أيضا في رسالتهم قولهم: (ونؤمنُ بألوهية الله تعالى، وأنه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له وأن كل معبود سواه باطل، وعبادته باطلة. ﴿ذلك بأن الله هو الحق وأنما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير﴾ (الحج الآية 62). ونجتنبُ جميع أنواع الشرك ونُحذِّرُ منها، كشرك القبور والطواف حولها، وتقديم النذور إليها والاستغاثة بالأموات") فأثبتُوا: 1) أنّ الإيمان بألُوهية الله، والإيمانُ بالشركِ الأكبر لا يجتمعان في قلبٍ. 2) أنّ عُبَّاد القُبُور مُشركُون. (ثانيا) التعطيل: جاء في رسالتهم: (ونرى أنّ الصحيح من أقوال أهل العلم هو العذر بالجهل في أصول الدين وفروعه) ـ اهـ وجاء في رسالتهم أيضا: (ونحكمُ بالإسلام لكل من نطق بالشهادتين أو أتى بما يدل على الإقرار أو عمل عملا من أعمال المسلمين، إلى أن يظهر منه خلافه). فأثبتُوا: 1) أنّ عُبّاد القبُور ليسُوا بمشركين لأنّهم ينطقون بالشهادتين، ويُصلُّون. 2) أنّ شركهم لا يُخرجُهم من الملّة، لأنّهم جُهالٌ، يحسبُون أنّهم مُهتدُون. فصار مذهبهم في هذه المسألة تناقُضا كمنْ قال: 1) عُبّادُ القبُور مُشرِكُون، وخارجُون من الملّة مُطلقًا. 2) وعُبّادُ القبُور مُؤمنُون، وليسُوا بخارجين من الملّة مُطلقًا. ولذلك تجدُهم لا يرَون تكفير "عُبّاد القُبُور"، أو "العلمانيين"، المنكرين لاتِّباع شريعة الله، المُصرِّين على العمل بالشريعة البشرية الوضعية. وإن كفّرُوهم فهو تكفيرٌ نظريٌّ في الأذهان، ولا مكان لهُ في التعامُل. فإن قيل لهم: "ألستم تقُولُون: أنّ الشرك الأكبر ضدُّ الإيمان، ولا يجتمعُ الإيمانُ والشرك الأكبر في قلب؟!!". يقُولُون: إنّهُ جاهلٌ. فالقاعدةُ الأولى لا تعملُ، لأنّ القاعدة الثانية تُناقضها، وتُزيلُ أثرها. أمَّا قولهم: (ونحكمُ بالإسلام لكل من نطق بالشهادتين أو....، إلى أن يظهر منه خلافه). فهو كلامٌ فارغٌ لا يعملُون به، وإلا فما هو خلافُ الشهادتين الذي ينتظرُونه بعد رُؤيتهم للشرك الأكبر، وتقديم شريعة الكفرة على شريعة الله. وكذلك قولهم: (ونرى أنّ الصحيح من أقوال أهل العلم هو العذر بالجهل في أصول الدين وفروعه)، فكذبٌ محضٌ، وليس عالمٌ يُقتدى به، من سلف الأمّة، قال: "إنَّ جاهل التّوحيد معذور بالجهل"، إن لم يكُونُوا يقصُدُون بـ"أهل العلم" الجاحظ المعتزلي، الذي أعذر جُهال المشركين بالجهل في الآخرة، لا في الدُنيا، وكفّرهُ بعضُ العُلماء لأجل هذه المقالة. أو "العنبري" الذي تاب من ذلك. المذهبُ الحقُّ: هو أن تقُول: "عُبّادُ القبُور -وكُلُّ من يعبُدُ غير الله عالما أو جاهلا- مُشرِكُون، وخارجُون من الملّة مُطلقًا، وتجبُ دعوتهم إلى التّوحيد".