(السادس) لا طاعة للحاكم والسيِّد الكافر طاعة واتِّباع أوامر الحُكام والرؤساء الكفرة مُحرّمةٌ، ومن الشرك بالله، وقد جاء بيانُ ذلك في القرآن من وجُوه مختلفة، منها: (الوجه الأول) بيّن القرآنُ أنّ من اتّبع الرؤساء والعلماء في الباطل، أنَّهُ في شرك العبادة، وأنّ الخصُومة سوف تقُومُ بين العابدين والمعبُودين في النّار. وما ورد في الآيات الآتية من اتّخاذ الأرباب، وعبادة الرؤساء، وعبادة الشيطان، فالمرادُ هو الاتّباع والطاعة بالباطل: قال الله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التوبة:31) وقال: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ. مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ. بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ. قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ﴾ (الصافات: 22-30) وقال: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾ (يس: 60-61) (الوجه الثاني) وبيّن القرآنُ أنّ أول ما دعتهُ رُسلُ الله إليه، كان التّوبة والانخلاع من عبادة الطاغُوت، ومن الطاغُوت الإنسانُ المتبُوعُ بالباطل. كما في الآيات الآتية: قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل:36) وقال: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة:256) وقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء:150-152) قال الإمام مالك: "الطاغوت هو كل ما يُعبدُ من دون الله عز وجل"[ابن كثير]. وقال الإمام ابن جرير الطبريّ: "والصواب من القول عندي في الطاغوت، أنه كل ذي طغيان على الله، فعُبد من دونه، إما بقهرٍ منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطاناً أو وثناً أو صنماً أو كان ما كان من شيء" (جامع البيّان: م/ ص/25). وقال الإمام إبن تيمية: "ولهذا سُمّي من تحوكم إليهم من حاكم بغير كتاب الله طاغوتاً"-[الفتاوى: 28/201]. وقال الإمام إبن القيّم: "فطاغوت كلّ قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله"-[أعلام الموقعين:1/40]. وقال الإمام محمّد بن عبد الوهاب: "الطواغيت كثيرة ورؤسهم خمسة: (الأول) الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله تعالى والدليل قوله تعالى: ﴿ألم أعهد إليكم ـ مبين﴾ [يـس]. (الثاني) الحاكم الجائر المغيّر لأحكام الله تعالى والدليل قوله تعالى: ﴿ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ـ أن يكفروا به﴾ [النساء:60]. (الثالث) الذي يحكم بغير ما أنزل الله. قال الله تعالى: ﴿ومن لم يحكم بما أنز الله فأولئك هم الكافرون﴾ [المـائدة]. ومراد الشيخ هو: "كلّ من لا يحكم بين النّاس بما أنزل الله وإن لم يكن حاكماً عامّاً أو ملكاً". (الرابع) الذي يدّعى علم الغيب من دون الله تعالى. قال الله تعالى: "عالم الغيب فلا يُظهر على غيبه أحداً"-[الجـنّ]. (الخامس) الذي يُعبدُ من دونِ الله وهو راضٍ بالعبادة. والدليل قوله تعالى: ﴿ومن يقُل منهم إنّي إلهٌ ..... نجزى الظالمين﴾ [الأنبياء]. [مجموعة التوحيد: الرسالة الأولى:1/15]. (الوجه الثالث): إنّ الله سوّى بين التَّابع الذي أذلَّ نفسهُ في طاعة غير الله، وبين المتبُوع المتكبِّر في الصفة. فقال: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ (القصص:8) وسوّى بينهم في عقاب الدُنيا. فقال: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص:40) كما سوّى بينهم في عقاب الآخرة. فقال: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ﴾ (غافر:47ـ 48) وقال أيضا: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا. وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا. رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ (الأحزاب: 66-68) (الوجه الرابع): وهو النّهيُ المباشر عن طاعة الكافرين واتّباعهم: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ (الأحزاب: 1-3) وقال: ﴿وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾ (الأحزاب:48) وقال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾ (الإنسان:24) وقال: ﴿فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (القلم: 8-9) وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾ (آل عمران:100) وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ (آل عمران:149) وبيّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنّ من حقَّ الأمير المسلم أن يُطاع في المعرُوف، ولكنَّهُ إذا وقع في "كُفرٍ بواح"، ينتهِي حقّهُ، ولا يُطاع. في الصحيحين، عن عبادة بن الصامت، قال: "دعانا النبي صلى الله عليه وسلم ، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا، أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا "كفرا بواحا" عندكم من الله فيه برهان". س1) هل وقع حُكامُ العالم المنتسب إلى الإسلام في "الكُفرِ البواح"؟. جـ1) إنّ حُكامَ العالم المنتسب إلى الإسلام، مُخيّرُون بين أمرين، لا ثالث لهُما، إمّا اختيار الكُفرِ البواح، مع إبقاء السُلطة المقيَّدة في أيديهم، وإمَّا التّوبة من الكُفرِ البواح، مع تدمير نظامهم السياسي. فكلُّ من توصّل إلى منصب الرئاسة، وبقي فيه، فهو ممن اختار الكُفر البواح. فإنّ شُعُوب العالم واقعةٌ في براثن الدُول الغربية، التي انتصرت في الحرب المعرُوف بـ"الحرب العالمية الثانية"، وقد أقامُوا نظاما تخضعُ لهُ جميعُ الدول، وجعلُوا أنفسهم أصحاب كلمة الفصل في جميع قضايا العالم، باسم "مجلس الأمن الدولي". ولا تقدرُ دولةٌ أن تقُوم لها قائمةٌ، وهي تُخالفهُ. ومجلسُ الأمن لا يعترفُ بوجُود الدولة، ما لم تُعلن انقيادها للشريعة الوضعية التي وضعُوها للعالم، وقدّمُوها باسم جذَّاب هو "وثيقة السلام العالمي"، أو "وثيقة حقُوق الإنسان". فكلُّ دولة يعترفُ بها مجلسُ الأمن، فلابدّ أن يكُون في دُستُورها إعلانُ موافقة ما جاء في "وثيقة السلام العالمي"، أو "وثيقة حقُوق الإنسان". وهو إعلانُ الخرُوج من شريعة الله، والدُخُول في شريعة الكفرة. قال الإمامُ ابنُ تيمية: "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، أنّ من سوَّغ اتِّباع غير دين الإسلام، أو اتِّباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب، وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً اولئك هم الكافرون حقا اعتدما للكافرين عذابا مهينا﴾ [النساء: 150 ـ 151]. [الفتاوى: 28/ 509 وما بعدها]. قُلتُ: "فهذا هو النّوعُ الأول من "الكُفرِ البواح" الذي هُم فيه". و(النّوع الثاني) من الكُفر البواح الذي استحلُّوهُ، هو التشريع للعباد من دون الله، فهُم يضعُون تشريعات، ويُراعُون في التشريع أن لا يُغضبَ "القُوى الكُبرى"!! -كما يُقال- وإن أغضبَ الرحمن. وقد قال اللهُ تعالى عن اليهُود: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31] . وفسّر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاتّخاذ للأرباب بطاعة العلماء في التحليل والتحريم المخالف لأمر الله كما ثبت في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه. وقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]. وقال: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21]. ففي الآيات الثلاث، أنّ من دعا إلى تشريعه المُخالف لتشريع الله، فقد ادّعى منصب الربُوبية والألوهية، ومن أجابهُ فقد وقع في الشرك الأكبر، باتِّخاذه البشر أربابًا من دون الله. (النّوع الثالث) من الكُفر البواح الذي استحلُّوهُ، هو الحُكمُ بغير ما أنزل اللهُ. والحكمُ وفصلُ القضاء لله، في كلِّ ما اختُلف فيه، وليس للبشرِ فيه شيءٌ، فيجبُ الرجُوع إلى الكتاب والسنَّة فيه. قال تعالى: "وما اختلفتم فيه من شيء فحكمُهُ إلى الله" (الشورى:10) وقال: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾. (النساء:59) وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً﴾. (الأحزاب:36). وتسليم الحكم لله، من تحقيق التَّوحيد، ومن إخلاص العبادة المطلُوب من العبد. قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:40) وقال: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة:44) فالحكمُ بغير ما أنزل الله يكُونُ كفراً مخرجاً من الملَّة، إذا استحلّ الحاكم ذلك، أو امتنع من ذلك بالقوّة، أو اعتقد جواز الحكم بغير ما أنزل الله، أو أفضلية الأحكام الجاهلية، أو مُساواتها لشريعة الله، وإن كان يزعم أنَّ الحكم بشريعة الله واجبٌ عليه. والحاكم المسلم يفسُقُ بالجور والمُحاباة في القضاء، ولا يكُون كافراً ما لم يتبيَّن منه الاستحلال، واتِّخاذ المخالفة شريعة مضادَّة لشريعة الله. وعن مثلِ هذا الجور قال عنهُ ابنُ عبّاس، إنّهُ "كُفرٌ دون كُفر"، فاتّخذهُ دُعاةُ التلبيس حُجّة لباطلهم. (النّوع الرابع) من الكُفر البواح الذي استحلُّوهُ، هو "مُوالاة الكُفار"، وإظهار مودّتهم، وإرضاؤُهم بما يُسخطُ الله، كمحاربة دينه، وإذلال دُعاته. ثُمَّ الانتسابُ إلى مناهجهم الكافرة، ونظرياتهم العقيمة، وإكرامُ من أكرمهُ الكُفارُ، وإذلال من أذلُّوهُ. قال اللهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة:51]. قال تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء:138-139]. وهذه الآيات نزلت في أقوام يُخفُون كُفرهم ويُنافقُون، أمَّا حُكامُ العصر، فليس كفرُهم كفرَ نفاق، وإنما هو كفر ظاهر. س2) ماهي وثيقة "السلام العالمي"؟ وهل فيها ما يُخالفُ الإسلام؟. وثيقةُ "السلام العالمي"، هي تشريعات تبلُغُ ثلاثين مادّة، وُضعت لدُول العالم، وأعلنتها هيئة الأمم المتحدة، في 10 ديسمبر 1948م. وتُسمّى أيضا بـ"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". هذه التشريعات تُخالفُ الإسلام، بل وُضعت للحيلُولة دون قيام المُجتمع المسلم، حيثُ صوّرت عقيدة الإسلام وشريعته ظُلما يُخالف ويُضادُّ حقُوق الإنسان، وصوّرت الكُفر والفسُوق حُقُوقا إنسانيّة، تجبُ مُحافظتها على جميع دُول العالم. وإليك بعض المقتطفات منها: 1) جاء في مُقدّمتها: "ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها. ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد.فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها." ففيه: (1) أنّ جميع دُول الأعضاء قد تعهّدت على مراعاة ما يُسمُّونهُ بـ "حقوق الإنسان" و"الحريات الأساسية" واحترامها. (2) أنّ الأمر ليس مُجرّد تعهُد، بل على جميع دُول الأعضاء، أن تتخذ هذه التشريعات هدفًا يضعُونهُ نصب أعينهم، ويسعون إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية. (3) وأنّ على جميع دُول الأعضاء، اتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها، فالمطلُوب من كُلّ دولة أن تكُون داعية إلى احترام هذه التشريعات وتطبيقها. 2) وجاء في (المادة 1): "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء." ففيه: (1) أنّ دُول الأعضاء كافرُون بما أمر اللهُ من إذلال الكفرة، وما أوجب من مُعاداتهم. (2) أنّهم آمنُوا بأنّ المُؤمن والكافر سواءٌ في الكرامة، وسواءٌ في استحقاق التعامل بروح الإخاء. وجاء في (المادة 3): "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه". ففيه: (1) أنّ دُول الأعضاء كافرُون بما أمرهُ اللهُ من قتل الكافر في الجهاد، وقتل المُرتدّ، ورجم الزاني المحصن. (2) وأنّهم مُقرُّون بأنّ الثلاثة لهم الحقُّ في الحياة والحرية وسلامة أشخاصهم. وجاء في (المادة 4): "لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما" ففيه: (1) أنّ دُول الأعضاء كافرُون بما أباحهُ اللهُ من استرقاق الكفرة. (2) وأنّهم مُقرُّون بأنّ هذا الحُكم الإلهي نسخهُ الحُكمُ الصادر من هيئة الأمم المتّحدة على الكُفرٍ، وأنّهم مُتَّبعُون بالحكم النّاسخ. وجاء في (المادة 5): "لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة." ففيه: (1) أنّ دُول الأعضاء كافرُون بما أنزلهُ اللهُ في القرآن من العقُوبات، كقتل المرتدّ، ورجم الزاني، وقطع السارق، وقاطع الطريق. (2) وأنّهم مُقرُّون بأنّ شريعة الله شريعة قاسية وحشية. (3) وأنّهم مُقرُّون بأنّ "هيئة الأمم"، أرحمُ بالعباد من ربِّ العباد. وجاء في (المادة 7): كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا. ففيه: (1) أنّ دُول الأعضاء مأمُورُون باتِّباع القوانين الوضعية، التي تجعلُ المؤمنين والكافرين سواسية أمام القانون، وتعطيهم حقُوقا متكافئة. (2) وأنّهم مأمُورُون بأن يعملُوا، ضدّ دعوة الإسلام التي تُميِّزُ وتُفرِّقُ بين النّاس على أساس الدِّين، فتجعلُ بعض النّاس كُفارًا أو فُساقًا. وجاء في (المادة 12): لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء مأمُورُون بعدم التدخُل بين النّاس، وبين الفواحش كالخمور، والزنا، والاختلاط بين الرجال والنساء. (2) وأنّ عليهم حماية الفسق، وحماية الفاسقين من الطعن على شرفهم وسمعتهم. لأنّ الإنسان حُرٌّ، ويفعلُ ما يشاءُ في حياته الشخصية. جاء في (المادة 13): (1) لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة. (2) يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء لا يحلُّ لهم أن يأمُروا أحدا بالهجرة، من بلد، لكونه بلد كُفرِ، أو فسق. (2) و لا يحلُّ لهم أن يمنعُوا النَّاس من الهجرة والإقامة ببلدٍ لكونه بلد كُفرٍ، أو فسق. وجاء في (المادة 14): (1) لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد. (2) لا ينتفع بهذا الحق من قدم للمحاكمة في جرائم غير سياسية أو لأعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء لا يحلُّ لهم أن يُعطُوا الأمن، من هرب من الاضطهاد، إذا كان على أعمال تناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها. والمراد إذا كان متمسكا بدين الإسلام. لأنّ المتمسك بالإسلام: (أولا) يُناقض أغراض الأمم المتحدة ومبادئها، لما اعتقد صحّة شريعة الله وبطلان شريعة الأمم المتّحدة. (ثانيا) لما آمن بأنّ الكرامة لأهل الإيمان، وأنّ الذلّة لأهل الكُفر. (ثالثا) لما آمن بصحّة مبدأ التمييز بين النّاس على أساس الدين. (رابعا) لما آمن بضرُورة إقامة حدُود الله، وقتل المرتدِّين، ورجم الزناة المحصنين، وقطع السرّاق وقطاع الطُرق. وجاء في (المادة 16): (1) للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء عليهم أن يكفرُوا بالقرآن، الذي يُحرّم زواج المسلمة من كافر، ويُحرّمُ زواج المسلم من بعض الكافرات، كالمشركات من غير أهل الكتاب. (2) وعليهم أن يُخالفُوا شريعة الله، التي تُحرِّمُ أن تُزوِّج المرأة نفسها، وأن يتّبعُوا شريعة الأمم المتّحدة، التي تُلغِي الوليّ من شرُوط النكاح. وجاء في (المادة 18): لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء عليهم أن يُعطُوا النَّاس حقّ "تغيير الدين"، متى شاؤا، وأن لا يعتبرُوا ذلك ذنبا، وأن يقضوا على العقُوبة في الردَّة التي جاء بها الإسلامُ، ولا يُدخلُوها في الدساتير. (2) وعليهم كذلك أن يُعطوا المُرتدّ وغيره، حُرِّية نشر عقيدته، وإقامة شعائر دينه الذي يراهُ صوابا، سرًّا وجهرًا. وجاء في (المادة 19): لكل شخص الحقّ في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء عليهم أن يُدافعُوا من اعتنق رأيا وأذاعهُ، ولو كان هذا الرأيُ كُفرا صريحًا، وإهانة لنبيّ الإسلام، أو شريعة الإسلام. (2) وأنّ الدولة إذا لم تفعَلُ ذلك، تكُونُ مُتعدّية على حُقُوق الإنسان. وجاء في (المادة21): "إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء عليهم أن يُقيمُوا دولة "علمانية"، تكُونُ إرادة الشعب هي مصدر سلطتها. أيْ: = السُلطة التشريعية تكُون بيد نواب "البرلمان"، الذين اختارهُم الشعبُ. = والسلطة التنفيذيّة تكُونُ بيد الرئيس الذي اختارهُ الشعبُ، ووزرائه، وعليهم أن يعملُوا بشريعة "البرلمان". = والسلطة القضائية تكُونُ بيد القضاة العاملين بأحكام شريعة "البرلمان". (2) أنّ دُول الأعضاء لا يحلُّ لهم أن يُقيمُوا دولة تستمدُ سُلطة تشريعها من دين الله. وإلا يكُونُوا معتدين على حُقُوق الإنسان. وجاء في (المادة 26): (2) يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملاً، وإلى تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية، وإلى زيادة مجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام. وفيه: (1) أنّ دُول الأعضاء عليهم أن يضعُوا مناهج للتربية، تستهدفُ نزع العقيدة في الله، والبراءة من أهل الكُفر من القلوب، لإخراج أجيال من النّاس بينهم مودّة وصداقة، وليس بينهم تمييز على أساس الدّين. (2) وأنّهم يعتقدُون أنّ شخصية المسلم ناقصةٌ، لأنّهُ لا يحترمُ الإنسان الكافر والفاسق، ولا يُريدُ تحقيق التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب، على اختلاف الأديان. س3) ما هي أعظمُ المُكفِّرات التي في الدساتير الوضعية؟. "الدستور الوضعي" عبارة عن كتاب مُستقلٍّ عن كتاب الله ومُعارضٍ لهُ، أُعدَّ ليكُون للأمّةِ مرجعاً يُنظمُ لهم حياتهم، ويفصلُ بينهم فيما اختلفُوا فيه. وإليك بعض الأمثلة الدالَّة على معارضة الدستُور لكتاب الله وردِّه الصريح له: 1) كتابُ الله يدعُوا إلى إفراد الله سُبحانهُ بالحُكم والتشريع بين النَّاس، أمَّا الحُكام فمنفذُون، وليسُوا بمُشرِّعين. والدستُور يأبى ذلك، ويقُولُ: "الأمَّة هي مصدرُ السلطات والتشريع، وتُزاولها بواسطة مُمثليها". أي: أنّ الشريعة الواجبة هي ما شرَّعهُ نُوابُ البرلمان دون ما شرعهُ الله. 2) كتابُ الله يدعُوا إلى اتِّخاذ ما ثبت في الكتاب والسُنّة شريعة، وإن كان القائل به فرداً واحداً، وما خالفهُ مردود. والدستُور يأبى ذلك، ويقُولُ: " ما ثبت بأغلبية النُّواب هو الشرع الواجب، وما خالفهُ مردود". 3) كتابُ الله يُحرِّمُ الحُكمُ بين النَّاس بغير ما أنزل اللهُ، ومُعاقبة النَّاس بعُقوبات ليست في كتاب الله. والدستُور يأبى ذلك، ويقُولُ: لا يجُوزُ الحُكمُ بين النَّاس بغير ما في القانُون الوضعي، ولا تجُوزُ مُعاقبة أحد بعُقوبة ليست في القانُون الوضعي. 4) كتابُ الله يُقرِّرُ أنَّ البشر عبادُ الله، ولا يحلُّ لهم مُخالفة أوامر الله. والدستُور يأبى ذلك، ويقُولُ: "النَّاسُ أحرارٌ، والكُفر والعصيانُ لا يُسقط عنهم حُقُوقهم، لكن لا يحلُّ لهم مُخالفة الدستُور". 5) كتابُ الله بيَّن أنَّ "الحقُوق والواجبات الشرعية"، هي ما ثبت في الكتاب والسُنَّة، وبيَّن أنّ الذكر فيها ليس كالأنثى في كلِّ شيء. والدستُور يأبى ذلك، ويقُولُ: "الحقُوق والواجبات الشرعية هي ما ثبت في الدستُور والقانُون، والذكرُ فيها كالأنثى في كلِّ شيء. 6) كتابُ الله بيَّن أنَّ "الحقُوق والواجبات الشرعية" هي ما جعلهُ الكتاب والسُنَّة حقُوقا وواجبات، وبيَّن أنّ المُسلم فيها ليس كالكافر. والدستُورُ يأبى ذلك، ويقُولُ: "الحقُوق والواجبات" الشرعية هي ما ثبت في الدستُور والقانُون، والمُسلم فيها كالكافر. 7) كتابُ الله بيَّن أنّ الَّذين يجمعُهم "الدين الإسلامي" إخوةٌ من دون النَّاس، وإن اختلفُوا في الوطن واللغة واللون". والدستُورُ يأبى ذلك، ويقُولُ: "إنَّ الَّذين يجمعُهم الوطنُ إخوةٌ من دون النَّاس، وإن اختلفُوا في الدِّين". 8) كتابُ الله يأمُرُ ببُغض الكُفار ومُعاداتهم في الله، ومُجاهدتهم على حسب المقدرة. والدستُورُ يأبى ذلك، ويأمُرُ بمبدأ "التعَايُش السلمي" مع الكُفار، وإنهاء الخلافات بالمُفاوضات السلمية. 9) كتابُ الله يجعلُ خيرات الأرض من مال الله، ولا يأذنُ لأحد الانتفاع بها بطريقة تُخالفُ كتاب الله. والدستُورُ يجعلُ خيرات الأرض من مال المُواطنين، ولا يأذنُ لأحد الانتفاع بها بطريقة تُخالفُ الدستُور، وإن وافقت كتاب الله. 10) كتابُ الله يجعلُ سبَّ الدِّين كُفراً وردّة عن الإسلام. والدستُور يجعلُهُ أمراً هيِّناً لا يستحقُّ العُقُوبة، إلا إذا كان ذلك في الأماكن العامّة فيُعاقبُ بعقُوبة خفيفة. 11) كتابُ الله يجعلُ القتل عُقُوبة لبعض الذنُوب كالردَّة بأنواعها والزنا واللواط وقطع الطريق. والدستُورُ يحرِّمُ العُقُوبة بالقتل إلا في القتل وقلب نظام الحُكم. 12) كتابُ الله يأمُرُ بقتل المُرتدّ عن الإسلام. والدستُورُ يأمرُ بإحيائه، ويُعلنُ حُرِّية الأديان، والتنقُل بينها، ويعتبرها من الحُرِّيات الشخصية. 13) كتابُ الله يأمُرُ برجم الزاني المُحصن، وجلد من لم يُحصن. والدستُورُ لا يعتبرُ الزنا ذنباً إلا في الاغتصاب أوالاحتراف. 14) كتابُ الله يأمُرُ بجلد القاذف إذا لم يُقم البينة العادلة، والدستُور ألغى ذلك. 15) كتابُ الله يأمُرُ بقطع يد السارق، والدستُور ألغى ذلك. 16) كتابُ الله يأمُرُ بالقصاص في القتلى أو الدية أو العفو، والدستُور ألغى الدية والعفو. 17) كتابُ الله يأمُرُ بالقصاص في الجروح أو الدية، والدستُور ألغى القصاص والدية جميعاً . 18) كتابُ الله يأمُرُ بجلد شارب الخمر، والدستُور ألغى ذلك، واستثنى من ذلك من سكر في الأماكن العامة، فجعل عُقوبتهُ حبسا أو غرامة. 19) كتابُ الله يرفعُ القلم عن الغُلام حتى يحتلم، والدستُور ألغى ذلك، واتَّبع الغربيين في اعتبار حدّ البُلوغ سنِّ الثامنة عشرة. 20) كتابُ الله يأمُرُ بإقامة الحدّ على الشريف والوضيع، واليهُود كانُوا لا يُقيمُون الحدود على الأشراف، فأيَّد الدستُور سُنَّة اليهُود، حيث ألقى المسئولية عن الرئيس في كُل ما يرتكبُهُ، إلا إذا ألغى الدستُور أو قلّب نظام الحُكم. 21) كتابُ الله يأمُرُ بالتوبة من العمل بالأحكام الجاهلية، والدستُور يُوجبها، بل يُؤكدُ ذلك بالقسم عليه، فالرئيس والوزير والنُّواب عليهم أن يُقسمُوا بالله على العمل بالدستور بإخلاص. وهذه الأمثلة كافية لفهم مُعارضة الدستُور لنصُوص الكتاب العزيز، وليس هذا خاصا بدستُور الصُومال، بل كُلُّ البلاد الّتى كانت في القديم "إسلامية"، ثُمّ صارتْ "علمانية"، تعملُ اليوم بمثل هذا الدستُور الكُفري، وليس بينها خلافٌ إلا في العبارات، أو التفريعات. ولقد صار إبليسُ اللعينُ كافراً بأقلَّ من ذلك، ردَّ أمراً واحداً هو: "اسجدُوا لآدم"، فكان ما كان من تكفيره وطرده من رحمة الله. فكيف بمن ردّ على الله في عشرين موضعا!!. فكيف بمن ردَّ الكتاب جُملة وتفصيلا. س4) هل يُمكن أنْ يكُونُوا معذُورين بالاستضعاف؟ جـ4) إذا خُيِّر المُسلمُ بين القتل وبين الكُفر، وجب عليه اختيار القتل، لأنّ الإيمان أغلى من الحياة. وفي القرآن ذكر جواب سحرة فرعون لما آمنُوا وهدّدهم فرعونُ بالقتل، اختارُوا الصبر على الحقّ، وإن أدّى ذلك إلى القتل. قال تعالى: ﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى. قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى. قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (طه: 70-73) فلا يحلُّ لمسلم أن يكفُر ليحيى، بل بيّن القرآنُ أنّ فاعل ذلك، لم يكُن مُؤمنا ابتداء، وإنّما كان منافقا، أيْ: مُسلما باللسان. قال اللهُ تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ. وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ (العنكبوت: 10-11) ولا يُعارضُ هذا ما أباحهُ الله من التكلّم بالكُفر، لمن وقع تحت الإكراة، أو خاف في بعض البُلدان، فإنّ هذا شأنٌ عارضٌ، قد لا يتجاوز دقائق أو ساعات، ولا ينشأُ منهُ العملُ بالكُفر، أو تطبيقُهُ في واقع الحياة. والمُسلمُ المُستضعفُ هو من لم يكفُرْ، وإنّما عجز عن إظهار دينه بين الكفرة، أو عجز عن إظهار بعض شعائر دينه. كما كان بعضُ الصحابة يُخفُون إسلامهم في مكّة، دون أن يعملُوا بالكُفر. وهذا ليس ما عليه حُكامُ العصر، فإنّهم يكفُرُون ليحكُمُوا، لا ليحيوا. ولو كان الكُفر في مقابل الحياة ما جاز للمسلم أن يكفُر، فكيف وهو في مُقابل الحُكم. س5) هل الخرُوج من طاعة الإمام إذا كفر، مسألةٌ خلافية، أم فيها إجماع؟ جـ5) قال النووي في "شرح مسلم"، عن هذا الحديث: قال القاضي عياض: "أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه كفر انعزل وقال كذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها". قال: "قال القاضي: "فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج من حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر". وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "وقد تقدم البحث في هذا الكلام على حديث عبادة في الأمر بالسمع والطاعة "إلا أن تروا كفراً بواحاً" بما يغني عن إعادته وهو في (كتاب الفتن)، وملخصه: أنه ينعزل بالكفر إجماعاً، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم، ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض". س6) ما حُكمُ الاشتراك في المجلس التشريعي (البرلمان)؟ جـ6) الاشتراك في المجلس التشريعي، هو اشتراكٌ في الكُفر الأكبر، وذلك من وجهين: (الأول) إنّهم يُعلنُون أنّ مجلسهم مجلسُ تشريع، فيُصدرُون تشريعات برأي الأغلبية، سواء وافقت شريعة الله أم لم تُوافق. والتشريعُ حقٌّ لله وحده، لا شريك لهُ. قال اللهُ تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ (الشورى:21) (الثاني) إنّهم يُعلنُون أنّ مجلسهم ديمقراطيّ، والديمقراطيةُ شريعة جاهلية، مخالفة لشريعة الإسلام. وتاركُ شرعِ اللهِ إلى شرْعِ غيره، فقد خرج من أصلِ الإيمان إلى نقيضه، وهو الكفر. س7) ما هي الديمقراطية؟ وما هي العلمانية؟ جـ7) الديمقراطية: هي مذهبٌ جاهليٌّ جاء به الوثنيُّون الإغريق، ثُمَّ عمل به الرُّمانيُّون. والديمقراطيةُ لها أصُولٌ مُخالفة لأصُول الإسلام الحنيف. ومن أصُولها: 1) الحُكم للشعب: وهذا الأصلُ يردُّ الأصلَ الذي يقُومُ عليه دينُ الله الذي هو: "الحُكمُ للّه". قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:40) 2) اتِّباع رأي الأغلبيّة: وهذا الأصلُ يردُّ الأصلَ الذي جاء به الإسلام، الذي هو: "اتِّباع الحقّ والدليل، وإن قلّ أهلُه". قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ (الجاثية:18) 3) الحُرّيةُ الشخصية: ويستحلُّون به الكفر والفواحش، وهذا الأصلُ يردُّ الأصلَ الذي جاء به الإسلام، الذي هو: "العبودية المطلقة لله". قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يونس: 104-105) 4) التسوية المطلقة بين النّاس في الحقوق والواجبات: فسوَّوا بين المُؤمن والكافر، وبين الذكر والأنثى. وهذا الأصلُ يردُّ الأصلَ الذي جاء به الإسلام، الذي هو: "ليس المُؤمن كالكافر"، و"ليس الذكرُ كالأنثى". قال تعالى: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ (القلم 35-36) فهي دينٌ وضعيٌ مُخالفٌ لدين الله ويُضادُّهُ، ثُمّ هي كانت قبل عيسى ومُحمّد عليهما الصلاة والسلام، ولم يأمُرا بالعمل بها، بل كانت مما يهدمهُ الإسلامُ من النّظريات والعادات الجاهلية. والعلمانية: هي فصل الدّين عن الدولة، والتحرُّر من قُيُود الشريعة الإلهية، واتِّخاذ الفكر والعقل البشري إلها معبُودا من دون الله. ومن آمن بالعلمانية استحلّ العمل بالديمقراطية والقوانين الوضعية البشرية. فهي مُضادّةٌ لدين الله، ولا يتّبعها إلا الملاحدة والكافرُون. س8) ما ضررُ الجلُوسِ في (البرلمان)، إذا كان الجالسُ يُنكرُ ما خالف الإسلام؟ جـ8) لا يجلسُ أحدٌ في (البرلمان) إلا وقد رضي بالمبدإ الديمقراطيّ الكُفري القائل: "الشريعةُ تُصدرُ برأي الأغلبية"، فمن رضي بهذا المبدإ، ودخل (البرلمان) بعد موافقته على ذلك، فقد كفر، والكافرُ كافرٌ وإن قال الحقَّ في مجلس الكُفر، حتى يتُوبَ من الكُفرِ. فإن طُرح في (البرلمان) إصدار قانُون بشأن الزاني المُحصن مثلا، فإنّ المجلس كلّهُ مُتّفقٌ على أنّ هذا القانُون سيكُونُ ما تختارُهُ الأغلبية. فمن قال: "أرى أن يُرجمَ"، فقد قال الحقّ، ولكنّهُ كان قد رضي قبل ذلك بالانقياد لحُكم الأغلبية، وإن كان كُفرًا. وبعد التصويت إذا كان رأيُ الأغلبية "تركُ الرجم"، فإنّ ذلك سيكُونُ من شريعة الوطن، لأنّ الأغلبية صوّتت على ذلك، ومن لم يقُلْ به، كان موافقا بمبدإ الإصدار برأي الأغلبية، وإن كان كُفرًا، فهو مُلزمٌ باتّباعه، وهو من المُشرِّعين. س9) هل في خبر تولِّي يُوسف عليه السلام خزائن أرض مصر، في زمن الملك الكافر، وخبر بقاء النجاشي بعد إسلامه، على مُلك الحبشة النّصرانية، ما يدلُّ على جواز قيادة الدولة العلمانية، أو العمل في "البرلمان" العلماني؟ جـ9) ليس في الخبرين ما يدلُّ على جواز ذلك، وليس في دين الله تناقضات، ولكنّ أهل الهوى يتشبَّثُون بما هو أوهى من بيت العنكبُوت، للتفلُّت من تكاليف الإيمان. ومن شأن العالم المفتُون، أن يعُودَ إلى الشريعة بالتحريف، لتُجاري هواه وشهواته. ويكفي المسلم من ذلك أن يتذكّر: (أولا) أنّ يُوسف عليه السلام كان من رسل الله، الذين دعوا إلى التّوحيد واجتناب الطاغُوت. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ (النحل:36) وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:25) وأنّهُ كان يدعُو إلى ذلك وهو مسجُون، ويبيّن لأهل مصر أنّ ذلك الملك الذي اتخذتموه ربّا ليس بربّي لكنّ ربّي هو الله، وله العبادة خالصة وإنّني أتّبع دينه وشريعته. جاء في سُورة يُوسف قوله تعالى مُخبرا عن قول يوسف عليه السلام: ﴿إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ. وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ. يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 37-40) وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ (يوسف:50) (ثانيا) أنّ يوسف عليه السلام، كان مطلُوبا، ولم يكن طالبا، حيثُ قال الملكُ: ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ (يوسف:54)، وأنّ سبب الطلب كان ما اشتهر من علم يُوسف وتقواه. وأنّ يوسف عليه السلام لما رأى كيف مهّد اللهُ لهُ الأمُور، وألان له قلوب النّاس، ومنهم الملك، عرف أنّهم يسرُّهم أن يتولّى سلطة البلاد لأمانته وعلمه، مع ماكانُوا يتوقعُونه من خطُورة السنوات العجاف القادمة. وكان في هذا التولّي لسلطة البلاد هداية العباد، وانتشار الإسلام. قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ. قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ (يوسف: 54-57) وقد ذكر المفسِّرُون أنَّ يوسف عليه السلام، كان حُرّا في تصرُّفه، ولم يذكُرْ أحدٌ منهم، أنّه كان يعمل بشريعة باطلة حرصا على مركز دنيويّ. بل لا يجُوز أن يُظنّ مثل ذلك بالمسلم العادي، فكيف برسُول الله. قال الطبري: قال ابن زيد، في قوله: اجْعَلْنِي على خَزَائِنِ الأرْضِ قال: كان لفرعون خزائن غير الطعام، قال: فأسلم سلطانه كله إليه، وجعل القضاء إليه، أمره وقضاؤه نافذ. وقال: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: "يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه. قال: ولو شاء أن يجعل فرعون من تحت يديه، ويجعله فوقه لفعل. وقال: حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو، قال: أخبرنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن مجاهد، قال: أسلم الملك الذي كان معه يوسف. وقال الشوكاني: ﴿وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُف﴾ أي: ومثل ذلك التمكين العجيب مكنا ليوسف في الأرض أي: جعلنا له مكاناً، وهو عبارة عن كمال قدرته ونفوذ أمره ونهيه حتى صار الملك يصدر عن رأيه، وصار الناس يعملون على أمره ونهيه. فقد فهم المفسِّرُون أنّ الغرض من طلب يوسف عليه السّلام: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ [يوسف: 55]. هو إقامة النظام الإسلامي، وتولِّي كافة مصادر ومقاليد البلاد، وأنَّهُ نال ذلك. وهذا هو ما يتطلّبهُ الفهم الصحيح الكامل للدّين والنبوة. فيُستفادُ من قصّة يوسف عليه السّلام، أنّ أهل الجاهلية إذا تأثّرُوا بدعوة الداعية المسلم، وأبدوا التنازل عن السلطة له، ليحكم بما يراهُ حقّا، بدون تدخل منهم، أنّه يجُوز له أن يتولّاها، وأن يستخدم السلطة في تبليغ الحقِّ وإقامة النِّظام الإسلامي. (ثالثا) إنّ مثل يوسف عليه السّلام، كمثل رجل رأى أنّ النَّاس على الضلال، لاتّخاذهم البشر أربابا مُشرِّعين من دون الله، فجهر بالدعوة إلى الله، وأخبرهم أنّهم مشركُون بالله، وأنّ عليهم التّوبة من الشرك، واعتناق الإسلام والتّوحيد، فأحبُّوهُ وقرّبُوه، وهم على علم بأنّهُ لا يتنازلُ عن دينه وعقيدته، فعرض عليهم أن تكُون خزائن الأرض على يديه، وأن يكُون أمرهُ وقضاؤه نافذا فيهم، فرضوا بذلك، ثمّ أسلمُوا واتَّبعُوه. وإنّ مثل العالم المنحرف الجالس في مجالس تشريع العلمانيين، كمثل رجل رأى أنّ النَّاس على الضلال، لاتّخاذهم البشر أربابا مُشرِّعين من دون الله، فخان العلم والأمانة، وأخبر النّاس أنّهم على الهدى، وأنّ هذا الشرك، وهذا التشريع من دون الله، لا يضرُّ بدينهم. ثُمّ طلبَ منهم المشاركة في شرك التشريع والتنفيذ، فأذنُوا لهُ بشرط أن يحترم التشريع الوضعي، وينقاد له، فقبل ذلك. إنَّ العاقل لا يُخطئُ في فهم الفرق الّذي بين المثلين، كما لا يُخطئُ في معرفة افتراء العالم المنحرف المفتُون، لمّا شبّه موقفهُ بموقف يوسف عليه السّلام. إنّ الذي خان الأمانة، وأفتى بأنّ المُشرِّعين من دون الله مسلمُون، لا يستحيي من القول بأنّ رسل الله كانُوا يُطيعُون الكفرة في تشريع الكفر وتنفيذه. وليس في قصة "النجاشي" ما يُصلحُ متمسكا لأهل الانحراف، فإنّهُ كان ملكا نصرانيّا فأسلم، فبقيت النّصارى في طاعته. ويدلُّ على إسلامه ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة الغائب عندما تلقّى نبأ وفاة النجاشي فقال: «مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلّوا على أخيكم أصحمة». وتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه كاف في معرفة أنّهُ كان مُتّبعا لما بلغه من دين الإسلام، وأنّه كان مُتبرّئا من النصرانية دين أسلافه، ومن تبرّأ من دين لهُ أصلٌ سماويّ، لا يرضى بدين وضعهُ أهلُ الأرض. وبقاءُ النصارى في سلطانه لا يضرُّ بدينه. وشريعة الإسلام تبيحُ بقاء الكفار من أهل الذمّة في سلطان الدولة المسلمة بشرُوط. كما تبيح أخذ الجزية من الممالك الكافرة وترك بلادهم لهم أحيانا. وإذا ثبت أنّ "النجاشي" وإن كان يعملُ بطاعة الله، لم يضع الجزية على النّصارى، فإنّ المانع من ذلك هو عدم التمكُّن من العلم، أو عدم القدرة على العمل، ومعلُوم أنّ نزول الجزية كان مُتأخرا. (رابعا) إنّه لا دين لمن ظنّ أنّ الله متناقض في أقواله، فمرّة يأمر عبيده باجتناب الطواغيت والكفر بِهم وجهادهم والقضاء على فتنتهم المتمثلة في سلطانِهم الدّولي. ومرّة أخرى يأمر بطاعة الدّولة الحاكمة وإن كانت كافرة. ومرّة يقول إنني أنا الملك القاهر الذي يجب أن يطاع وحده وتتبع شريعته، ومرّة يقول إنّي أرسلت رسولاً وأمرته أن يطيع الحاكم الكافر وينفّذ شريعته تنفيذاً كاملاً. س10) ما حُكمُ التَّحاكم إلى الطاغُوت؟ جـ10) التحاكم: هو إسنادُ القضاء إلى حاكم، والرضى بفصلِ النزاع القائم بين النَّاس بحُكمه. والتحاكم إلى الطاغُوت: هو إسنادُ القضاء إلى الطاغُوت، والرضى بفصلِ النّزاع بحُكمه. والتحاكُم إلى الطاغُوت كُفرٌ يزولُ به الإيمان والتَّوحيد، لأنَّ الحُكم والأمر لله، ومن أفرد ذلك لله وانقاد لأوامره وأحكامه فهُو المُسلمُ المُوحِّد، الَّذي على دين الله القيّم، ومن قدَّم حكم غير الله على حُكم الله فقد أشرك في عبادة الله. قال الله تعالى: ﴿إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، ذلك الدِّينُ القيِّمُ ولكنَّ أكثر النَّاس لا يعلمُون﴾ (يوسف:40) وقال: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾ (المائدة:44) وقال: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء:65) ويكفرُ المرء المُسلم بمجرَّد إرادة التَّحاكم إلى الطاغُوت، ويصيرُ إيمانُهُ زعماً لا حقيقة له. قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا﴾ (النساء:60) ومن أراد وتحاكم بالفعل أولى بالذَّمِّ والتكفير ممن أراد ولم يفعل. ولا يُشترطُ للمُتحاكم اعتقادُ أنَّ شريعةَ الطاغُوت أفضلُ من شريعة الله أو أنَّها واجبة الاتِّباع، بل يصيرُ مُتحاكماً بفعل التَّحاكُم، ويكفُر بمجرَّد الإرادة، ولو لم يقصُد أن يكفُرَ. قال الإمام ابن تيمية في الصَّارم المسلُول: "وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفَرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً؛ إذ لا يقصد الكفر أحدٌ إلا ما شاء الله" (اهـ). وقال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى "فَإِن تَنَـٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ": قال: "أي: ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم "إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر" ومن كان في الظاهر مُسلماً، فظهرت إرادتُهُ للتحاكم إلى الطاغُوت، صار مُنافقًا إذا كان يُبدي الرجُوع، ويعتذرُ باعتذارات كحُسن القصد. أمَّا المُصرُّ المُتمادي فهو يرتدُّ بذلك: قال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا" (النساء:62-63)