(المسألة الأولى) الإيمان والكُفر ضدّان (أولاً) الإقرار والاعتراف: جاء في رسالة "منهج جماعة الاعتصام": (الكفر ضد الإيمان، ويكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أوالامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم.) وجاء فيها: (ونعتقد أن الكفرمنه أكبر وأصغر وأن الشرك والنفاق كذلك، وأن الظلم ظلمان والفسق فسقان والمعصية معصيتان والتولي عن الطاعة نوعان، ولا يُخرج من الملة من ذلك إلا الأكبر. ونعتقد أنّ القلب قد يجتمع فيه إيمان ونفاق أو كفر لا يخرجان من الملّة، وقد يجتمع فيه توحيد وشرك أصغر.) فأثبتُوا: 1) أنّ الكفر ضدُّ الإيمان، أيْ: لا يُوجدْ أحدٌ على كُفرٍ أكبر، ثُمّ هو مُؤمنٌ بالله. 2) أنّ المسلم إذا وقع في الشرك الأكبر خرج من الملّة. 3) أنّ القلب قد يجتمع فيه إيمان وشرك أصغر، ولكن لا يجتمع فيه إيمان وشرك أكبر. (ثانيا) التعطيل: جاء في رسالتهم: (ونرى أنّ الصحيح من أقوال أهل العلم هو العذر بالجهل في أصول الدين وفروعه) ـ اهـ فأثبتُوا: 1) أنّ من جهل أصلا من أصُولِ الدِّين معذُورٌ بالجهلِ، أيْ: لا يكفُرُ، ولا يُعاقبُ. وأعظمُ أصُول الدِّين هو التَّوحيد، والرسالة، والملائكة، والكتاب، والبعث والحساب. فيكُونُ المعنى: "إنَّ الجاهل الذي لم يبلغهُ التّوحيد مثلا، ليس بكافر، وإن كان يعبُدُ غير الله"، وكذا من لم تبلغهُ باقِي الأصُول". 2) وأنَّ كُفرَ الجاهل ليس بضدّ الإيمان، لأنّهُ مُسلمٌ وهو يعبُدُ غير الله. 3) وأنّ الإيمان والكُفر الأكبر يجتمعان في قلب الجاهل. فصار مذهبهم في هذه المسألة تناقُضا كمنْ قال: 1) الكُفرُ الأكبرُ ضدُّ الإيمان ويُخرجُ من الملّة مُطلقًا. 2) ليس الكُفرُ الأكبرُ بضدّ الإيمان مُطلقًا، ولا يُخرجُ من الملّة مُطلقًا". فإن قيل لهم: "ألستم تقُولُون: أنّ الكُفرَ ضدُّ الإيمان، ولا يجتمعُ الإيمانُ والكفرُ الأكبرُ في قلب؟!!". يقُولُون: إنّهُ جاهلٌ. فالقاعدةُ الأولى لا تعملُ عندهم، لأنّ القاعدة الثانية تُناقضها، وتُزيلُ أثرها. المذهبُ الحقُّ: هو أنْ تقُولَ: "الكُفرُ الأكبرُ ضدُّ الإيمان ويُخرجُ من الملّة مُطلقًا". وقد بيَّنتُ في "الفصل الأول" الأدلّة الدالّة على أنّ الواقع في الكُفرِ الأكبر جاهلا، كافرٌ بالله، وذكرتُ هناك ما قالهُ العلماء عن هذه المسألة. ومن أعظم التلبيس قولهم في رسالتهم في بيان الكُفر: (ويكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أوالامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم، وأصوله خمسة : كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق) (أنظر درء التعارض لشيخ الأسلام إبن تيمية 1/242) (أنظر المدارج لابن القيم 1/337). فإنّهُ يُوهم بأنّ كُفر الجهل ليس كفرًا، وأنّ الإمامين ابن تيمية، وابن القيّم على ذلك. وهذا باطلٌ، فقد ذكر الإمامان أنّ الذي لم يبلُغهُ الإيمان وهو على الشرك بالله، فهو من الكُفار، وجهلهُ لا يجعلُهُ مُؤمنا بالله، لخلو قلبه من الإيمان. فأمَّا "ابن تيمية"، فقد صرح بذلك حين قال: "فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة؛ فإنه يُشركُ بربه، ويعدل به، ويجعل معه آلهة أخرى، ويجعل له أندادا قبل الرسول، ويثبت أن هذه الأسماء مقدم عليها، وكذلك اسم الجهل والجاهلية يقال‏: جاهلية وجاهلا قبل مجيء الرسول وأما التعذيب فلا" اهـ وأمّا "ابن القيّم" فهو القائل في "طريق الهجرتين": "والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتّباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافرٌ جاهلٌ، فغاية هذه الطبقة أنّهم كفّار جهّال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفّاراً، فإنّ الكافر من جحد توحيد الله وكذّب رسوله إما عناداً وإما جهلاً وتقليداً لأهل العناد" [طريق الهجرتين: 411].