(الفصلُ الأول): مبادئ أساسية (الأول) الإيمان والكُفر ضدّان: س1) ما الدليلُ على أنّ الإيمان والكُفرَ الأكبر ضدَّان لا يجتمعان في قلب إنسان؟ جـ1) إنَّ الله تعالى بيّن أنّ المُؤمنين هم الّذين يُؤمنُون بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر. قال تعالى: ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة:285) وبيّن كذلك أنّ الكافرين هم الّذين لا يُؤمنُون بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر. قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالا بَعِيدًا﴾ (النساء:136) فوصف الله تعالى المُؤمنين بضدّ ما وصف به الكافرين، فدلّ ذلك على أنّ الإيمان والكُفر الأكبر ضدّان، ولا يجتمعان في قلب إنسان. س2) هل اختلف المسلمون في أنَّ الإيمان والكُفر الأكبر ضدّان؟ جـ2) لا خلاف بين المسلمين في أنَّ الإيمان والكُفر الأكبر ضدّان متباينان. وأنَّ من صحَّ إيمانُهُ في الظاهر، فقد برِئ من الكفر الأكبر في الظاهر، و من ثبت كُفرُهُ الأكبر في الظاهر، فقد برِئ من الإيمان في الظاهر. قال اللهُ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (التغابن:2) فالكتابُ والسنّةُ يشهدان على أنّ النّاس في أحكام الدُنيا إمّا مُؤمنُون وإمّا كافرُون، والإجماعُ مُنعقدٌ على ذلك. وأُقيمتْ أحكامُ الدِّين على هذا الأصل، فبيَّنت الشريعة أحكامَ تعامُل أهل الإيمان مع أهل الكُفر، في السلم والحرب، وفي النكاح والذبائح والتوارث، وغير ذلك. س3) ما الدليلُ على أنَّهُ ليس في الدُنيا إلا دينان، إيمانٌ وإسلامٌ، أو كُفرٌ وشركٌ؟ جـ3) قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرُون: 1-6). فدلّ ذلك على أنّ توحيد العبادة لله وحدهُ هو دين الأنبياء والمُؤمنين، وأنّ الشرك في عبادة الله دين المُشركين. س4) هل الكفارُ أصنافٌ؟ وما الذي يجمعُهم؟ جـ4) الكفارُ أصنافٌ، ويجمعُهم أنّهم على دين واحد، هو "الكفرُ بالله"، أيْ عدم الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر. أو الإيمان ببعض هذه الأصُول والكُفر ببعضها. س5) اذكُرْ الأصناف الداخلة في مُسمّى "الكافرين"؟ جـ5) من الأصناف الداخله في مُسمّى "الكافرين"، ما يأتي: (الأول) كُلُّ من لم تبلُغْهُ الدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر، وكان على الكُفرِ الأكبر، عابدًا لغير الله. وكُفرُهُ كُفرُ جهلٍ. وجهلُهُ لا يجعلُهُ مؤمنا بالله، لأنَّهُ لم يعلمْ بالإيمان ولم يعتقد به. ولو كان مثل هذا مُؤمنا بالله، ما اقتصر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في تعريفه للإيمان، على قوله: "أنْ تُؤمن بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر"، في الحديث الصحيح لما سألهُ جبريل عليه السلام قائلا: "فأخبرني ما الإيمان؟". ولقال: "أنْ تُؤمن بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر، أو أن تجهل ذلك". (الثاني) ويدخلُ في مُسمّى الكافرين، كُلُّ من بلغَتْهُ الدعوةُ إلى الإيمان فردَّها، تقليدا للرُّؤساء والأكابر، الذين قال اللهُ عنهم: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ (الفرقان:44). ومنهم من تبيّنَ لهُ الحقُّ فردَّهُ، واعتقد خلافه، بتأويل باطل من تزيين الشيطان كالسبئيّة الّذين اعتقدُوا بألُوهية عليّ رضي اللهُ عنه، فحرَّقهم، وأمثالهم كالباطنية والإسماعيلية والغُرابية، وغيرهم، من الكفرة النَّاطقين بالشهادتين، الزاعمين أنّهم على الإيمان الصحيح. (الثالث) ويدخلُ في مُسمّى الكافرين، كُلُّ من بلغَتْهُ الدعوةُ إلى الإيمان فأنكرَها وردَّها استكبارا، وكُفرُهُ كُفْرُ إباء واستكبار. ومن هؤلاء إبليس اللعين، الذي قال اللهُ عنه: ﴿إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾. (البقرة:34) (الرابع) ويدخلُ في مُسمّى الكافرين، كُلُّ من بلغَتْهُ الدعوةُ إلى الإيمان فشكَّ في صحتها وتردّد بين التكذيب والتصديق، وكُفرُهُ كُفْرُ شكٍّ. قال اللهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ (الحجرات:15). (الخامس) ويدخلُ في مُسمّى الكافرين، كُلُّ من بلغَتْهُ الدعوةُ إلى الإيمان فأعرض عنها، لم يُصدِّقها ولم يُكذِّبها. وكُفرهُ كُفرُ إعراض. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ (الأحقاف:3) (السادس) ويدخلُ في مُسمّى الكافرين، كُلُّ من بلغَتْهُ الدعوةُ إلى الإيمان فأظهر القبُول والانقياد، وأبطن الانكار والعداوة، وكُفرُهُ كُفْرُ نفاق. س6) هل هُناك من هو على الكُفر الأكبر، ويأمُرُ الشرعُ بأن يُعاملَ كالمُسلِم؟ جـ6) لا، إلا المُنافق المُظهر لقبُول الحقِّ، فهذا كالمسلم في أحكامِ الدُنيا، ما دام يُخفِيْ كُفره. أمّا إذا أظهر الكفر وأصرَّ عليه فقد صار من المُرتدِّين. س7) هل اختلف المُسلمُون في أنَّ الشركَ الأكبر مُخرجٌ من الملّة؟ واذكُرْ بعض أدلّة المسألة؟ جـ7) هي مسألة جلية، لم يختلفْ فيها أهلُ الإسلام، لوضُوح أدلّتها. وأذكُرُ كمثال ما يأتي: 1) قولهُ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون﴾ ..إلى قوله: ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ (الكافرون:1-6). ففيها: = أنّ العابد لغير الله ليس على دين الإسلام. = وأنّهُ كافرٌ بالله عند الله وعند المُسلمين. = وأنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما كفّر قومهُ إلا لشركهم بالله. 2) قولهُ تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (التّوبة:31) ففيها: = أنّ أهل الكتاب صارُوا كُفارا لما أشركُوا بالله الشرك الأكبر. = وأنّهُ لم ينفعهم الانتساب إلى دين الإسلام، وإلى كتب الله. = وأنَّ المسلمين لا ينفعهم الانتساب إلى دين الإسلام، وإلى القرآن إذا أشركُوا بالله. 3) قولهُ تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ (الممتحنة:4) ففيها: = أنّ ملّة إبراهيم عليه السلام والأنبياء هي البراءة ممن يعبُدُ غير الله، وإظهار العداوة والبغضاء لهم. = وأنّ البراءة منهم مُستمرّة حتى يتركُوا الشرك بالله. قال الإمام الطبري: (يقولُ: حتى تُصدِقوا بالله وحده، فتُوحدوه، وتُفردوه بالعبادة.) = وأنَّ من عكس المسألة، فوالى المُشركين، وتبرّأ من أهل التّوحيد، ليس على ملّة الأنبياء، وإن ادّعى ذلك. س8) إذا أظهر الإنسانُ الإسلامَ والشرك الأكبر في آن واحد، هل يُلحقُ بالمسلمين أم بالمشركين؟ جـ8) هذا الكلامُ مُتناقضٌ، فليس هُناك مُشركٌ، مظهرٌ لشركهِ، ثُمَّ هُو مظهرٌ للإسلام في نفس الوقت. ومن أظهر الشّرك الأكبر، وهو يُظهرُ بعض شعائر الإسلامِ، لا يُقالُ: إنَّهُ مُظهرٌ للإسلامِ بل يُقالُ إنَّهُ مُظهرٌ للشّركِ. والمُظهرُ للإسلامِ إمَّا أن يكُون مُؤمنا ظاهراً وباطناً، وإمَّا أن يكُون مُؤمناً في الظّاهر، كافراً في الباطن، وهو المعرُوف بالمُنافق في ميزان الشّرع. والَّذي يُظهرُ الشرك الأكبر، وإن كان من أعبد النَّاس، وأكثرهم اجتهاداً في الطّاعات، فليس بمُظهرٍ للإسلام، ولا يجُوزُ الاختلاف في حُكمه، بعد أن قال اللهُ لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (الزمر:65). وقد كان أهلُ الأوثان يُظهرُون بعض شعائر الإسلام، من بقايا دين إبراهيم عليه السّلام، وأهلُ الكتاب كانُوا ولا يزالون مُظهرين لشعائر من دين الرسّل، وأهلُ الرّدَّة كانُوا مظهرين لشعائر ثابتة في القرآن، ومع ذلك لم يكنْ أهلُ الإيمان مُنخدعين بهذه الشّعائر، لعلمهم بأنَّ الإسلام هو الدّينُ الخالص، الّذي لا شرك فيه. س9) هل يُشترطُ الاستحلال في الشرك الأكبر؟ جـ9) الكُفرُ الأكبر يكُون اعتقاداً، فمن اعتقد آلهة مع الله، أو كذَّب الرسُول بقلبه أو القرآن أو الملائكة أو البعث والحساب، فهو كافرٌ عند الله، وإن أخفى كفرهُ عن النّاس. قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ (الفتح:13) ويكُونُ شكّاً، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ (الحجرات:15). وقال: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أيْ شكٌّ. ويكُونُ قولاً، قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ﴾ (التّوبة:74) ويكُونُ عملاً، كمن سجد للصنم، أو ألقى المُصحف الكريم في النجاسة، فهو يكفُرُ بفعله وإن زعم أنّهُ لم يستحلّ. واستحلالُ المحرّمات كُفرٌ مُستقلٌّ بذاته.