(الخطأ السّابع) في أدلَّة تكفير المُشرك المُنتسب: جاء في الجواب: (وإلى الآن لم تقيمُوا دليلا على أنّ تكفير المُنتسب من أصل الدِّين الذي لا عُذر فيه لأحد بجهل أو تأويل، وأنَّ من خالفكم فيه فهو كافرٌ ناقضٌ لأصل الدين، ولا أظنُّ أنَّكم تقدرُون إقامة الدليل على هذا) والجوابُ: خطأُ هذا القولُ يظهرُ لك عند الجواب عن سُؤالين: 1) ما الدليلُ على أنّ تكفيرَ المُشرك غير المُنتسب من أصل الدِّين؟ 2) هل المُشرك المُنتسبُ لهُ حكم المشركين، أم حكم المسلمين؟ وللجوابِ عن السُّؤالين، أقُولُ: (جوابُ السّؤال الأوّل) دلَّ القرآنُ على أنَّ التّوحيد المطلوب ليس النُّطقَ بالشّهادتين، ومعرفةَ أنَّ الله وحده هو المستحقُّ للعبادة، وأنَّ غيرهُ لا يستحقُّ العبادة، بل التَّوحيد المطلوب، هو الّذي فيه تكفيرُ أهل الشّركِ، والبراءة منهم، وإظهار العداوة لهم. 1) الدّليلُ الأوّل: قوله تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ (الممتحنة:4) قال الإمامُ الطّبري في التفسير: وقوله: ﴿إذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إنَّا بُرآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ يقول: حين قالوا لقومهم الّذين كفروا بالله، وعبدوا الطّاغوت: أيّها القوم إنا برآء منكم، ومن الّذين تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد. وقوله: ﴿كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ العَدَوَاةُ والبَغْضَاءُ أبَدا حتى تُؤمِنُوا باللَّهِ وَحْدَهُ﴾ يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قيل أنبيائه لقومهم الكفرة: كفرنا بكم، أنكرنا ما كنتم عليه من الكفر بالله وجحدنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله أن تكون حقّا. وظهر بيننا وبينكم العدواة والبغضاء أبدا على كفركم بالله، وعبادتكم ما سواه، ولا صلح بيننا ولا هوادة، حتّى تؤمنوا بالله وحده، يقول: حتّى تصدّقوا بالله وحده، فتوحّدوه، وتفردوه بالعبادة. ـ اهـ ـ وقال الإمامُ ابنُ كثير في تفسيره: يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىۤ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ﴾ أي: وأتباعه الذين آمنوا معه. (إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَٰۤؤُا مِنكُمْ﴾ أي تبرّأنا منكم. (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ أي: بدينكم وطريقكم. ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَدًا﴾ يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، مادمتم على كفركم فنحن أبداً نتبرّأ منكم ونبغضكم. ﴿حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾ أي: إلى أن توحّدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد. ـ اهـ ـ فمن ادَّعى التَّوحيد، وهو لا يُكفِّر المُشركين، ولا يتبرَّأ منهم، ولا يُعاديهم في الله، فليس بمُوحّدٍ، وليس على ملَّة الأنبياء، وليس من أهلِ الإيمان. 2) الدّليلُ الثاني: ما جاء في القرآن من الآيات الكثيرة، في بيان ملَّة إبراهيم، الذي لم يكُن من المُشركين، هذه الآيات التي تأمرُ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم باتّباع الحنيفيّة ملَّة إبراهيم. وفيها أنَّ البراءة من أهل الشّرك من الإيمان والتّوحيد. مثل: قوله تعالى: ﴿فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران:95) وقوله: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (البقرة:135) وقوله: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (آل عمران:67) وقوله: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام: 78-79) وقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (النحل:120) وقوله: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام:161. وقوله: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (يونس: 104-105) 3) الدليلُ الثالث: قوله تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ (البقرة:256) قال إلإمام الطّبري في التفسير: "والصّواب من القول عندي في الطّاغوت: أنه كلّ ذي طغيان على الله فعبد من دونه، إمّا بقهر منه لمن عبده، وإمّا بطاعة ممّن عبده له، إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء". وقال إلإمام إبن كثير في التّفسير:"أي: من خلع الأنداد والأوثان، وما يدعو إليه الشّيطان من عبادة كلّ ما يعبد من دون الله، ووحّد الله فعبده وحده، وشهد أنه لا إله إلاّ هو ﴿فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ﴾ أي فقد ثبت في أمره، واستقام على الطّريق المثلى، والصّراط المستقيم" فدلَّ القرآنُ على أنَّ من لم يكفُرْ بالطّاغُوت لم يُؤمنْ باللهِ، ومن ادَّعى الكُفر بالطّاغُوت، ولم يُكفِّرْ عُبَّادهُ، فليس معدُوداً من الكافرين بالطّاغُوت، لأنَّهُ يُوالي عُبَّاد الطّواغيت، ويصرِّحُ أنّهُ على دينهم. كمن قال: لا أتهوَّدُ، ولكنَّ اليهُود على الإسلام. قال الإمام إبن تيميّة:"ومن لم يُقرّ بأنّ بعد مبعث محمّد صلّى الله عليه وسلّم لن يكون مسلم إلاّ من آمن به واتّبعه باطناً وظاهراً فليس بمسلم. ومن لم يحرّم التديّن -بعد مبعثه صلّى الله عليه وسلّم- بدين اليهود والنّصارى، بل من لم يكفّرهم ويبغضهم، فليس بمسلم باتّفاق المسلمين". (الفتاوى:27/450) وأنت قُلت: "أصلُ الدّينُ هو ما يدخلُ به المرء في الإسلام (الشهادتان) وما يدخل في معنى الشهادتين، وما لا يدخُلُ في معنى الشهادتين لا يدخلُ في أصلِ الدين الذي لا عُذرَ فيه لأحد إلا بإكراه، أو انتفاء قصد" فالسُّؤالُ: ما تقولُ في من لا يُكفِّرُ اليهود والنَّصارى، هل يُعذرُ بالجهل؟ وهل تكفيرهُ يدخُلُ في معنى الشّهادتين؟. إنْ قلتَ: هو كافرٌ لا يُعذرُ بالجهل، وتكفيرهُ يدخُلُ في معنى الشّهادتين، قلنا: ونحنُ لم نأتِ بجديد، وإنَّما نقُولُ: كلُّ من أظهر الكُفرَ الصّريح، المُناقض للشّهادتين، فإنَّهُ لا يُعذرُ بالجهل، وتكفيرهُ يدخُلُ في معنى الشّهادتين. وإنْ قلتَ: من لا يُكفِّرُ اليهود والنَّصارى، يُعذرُ بالجهل، وتكفيرهُ لا يدخُلُ في معنى الشّهادتين، خرجتَ عن ما اتَّفق عليه المُسلمُون، وخالفتَ سبيلهم. (جوابُ السُّؤال الثاني) هل المُشرك المُنتسبُ لهُ حُكم المُشركين، أم حُكم المُسلمين؟ الجواب: ألمُشركُ المُنتسب له حُكم المُشركين، ويدلُّ على ذلك ما يأتي: 1) الدّليلُ الأول: كلُّ الآيات السّابقة الدّالّة على أنَّ البراءة من أهلِ الشّركِ، وبُغضهم، ومعاداتهم، تخصُّ كلَّ من يُشركُ بالله غيره، وليس منها ما يدلُّ على أنَّ من عبد غير الله في آخر الزمان لهُ أحكامٌ غير أحكام أهلِ الشّركِ أو يدلُّ على أنَّ المُشركَ المُنتسب إلى مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم أفضلُ منْزلة من غيره من المشركين المنتسبين إلى الأنبياء المتقدِّمين. بل في القرآن كثيرٌ من الآيات الواردة بصيغة العُمُوم، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ (المائدة:72) وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ (النساء:48) وقوله: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا﴾ (النساء:116) وقوله: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ (الحج:31) ومن أخرج المشركين المتأخّرين من هذا العُموم، بدون نصٍّ يدلُّ على تخصيص هذا العمُوم، فقد خالف الحقّ. 2) الدّليلُ الثاني: قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (التغابن:2) فالنَّاسُ هذان القسمان، والمُشركُ المُنتسبُ لابدَّ من إدخاله في أحد القسمين، والفارقُ الأوّلُ بين القسمين هو التَّوحيد والإيمان، حيث أنّ المُؤمن يُخلصُ العبادة للهِ، والكَافر يُشركُ في عبادة ربِّه. فمن آمن إلى يوم القيامة، فهو من المُؤمنين، ومن أشرك إلى يوم القيامة فهو من المُشركين. والمُشركُ المُنتسبُ كغيره من المُشركين. كما في قوله تعالى: ﴿وَمَاْ تَفَرَّقَ الّذِيْنَ اُوتُوا الكِتاَبَ اِلاّ مِنْ بَعْدِ مَاْ جَاْءَتْهُمْ البَيِّنَة. وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ (البينة: 5-7) فالظّاهرُ من الآية ثلاثة أمُور: 1) إنَّ بينةَ الله الآتية منهُ، هي عبادتهُ بالإخلاص، واتِّباع الحنيفيّة. 2) وأنَّ من آمن بها واتَّبعها فهو "مؤمن"، وهو من خير البريّة. 3) ومن كفر بها فهو "كافرٌ"، وهو من شرِّ البريّة. 3) الدّليلُ الثالث: 1ـ إنَّ عبادة غير الله كُفرٌ أكبر بالإجماع، وهذا الكُفر لا يفعلهُ إلا ثلاثة أصناف من النَّاس: (الصّنف الأوّل) الكُفّارُ الأصليُّون، من الوثنيّين وأهل الكتاب. (الصّنف الثّاني) المرتدُّون ومن في حُكمهم. (الصّنف الثّالث) المنافقُون والزّنادقة. والفرقُ بين هذه الأصناف الثّلاثة، هو إظهارُ الكُفرِ وإخفاؤه، حيث يُظهرُهُ الصّنف الأوّل، والصّنف الثّاني، ويُخفيه الصّنفُ الثّالث. وأحكامُ هذه الأصناف الثّلاثة معلومة، وتكفيرُ الصّنفين الأوّلين من أصل الدِّين، بأدلَّة الكتاب، ومن لم يُكفِّرهم فليس على دين رسُل الله البريئين من أهل الكُفرِ. وكلُّ من أظهر كُفرَه فهو لا يَخرُجُ من هذين الصّنفين. 4) الدّليلُ الرّابع: إنَّ بني حنيفة ومانعي الزّكاة كفرُوا، وهم ينتسبُون إلى الإسلام، ويُقرُّون بالشّهادتين، مع تلبُّسهم بالكُفرِ البواح، فأجمع الصّحابة على تكفيرهم وقتالهم، ولو كان للمُنتسب الكافر أحكامٌ غير أحكام الكُفّار لعلِمه الصّحابة رضوانُ الله عليهم. قال الإمام ابن تيميّة:فأيّما طائفة امتنعت من بعض الصّلوات المفروضات، أو الصّيام، أو الحجّ، أو عن إلتزام تحريم الدّماء، والأموال، والخمر، والزّنا، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفّار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدّين ومحرّماته -الّتي لا عذر لأحد في جحودها وتركها- التي يكفر الجاحد لوجوبها. فإنّ الطّائفة الممتنعة تُقاتَل عليها وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء. وإنّما اختلف الفقهاء في الطّائفة الممتنعة إذا أصرّت على ترك بعض السّنن كركعتي الفجر، والأذان والاقامة -عند من لا يقول بوجوبها- ونحو ذلك من الشّعائر. هل تُقاتل الطّائفة الممتنعة على تركها أم لا؟ فأمّا الواجبات والمحرّمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها. وهؤلاء عند المحقّقين من العلماء ليسوا بمنْزلة البغاة الخارجين على الإمام، أو الخارجين عن طاعته؛ كأهل الشام مع أمير المؤمنين علي بن أبـي طالب رضي الله عنه. فإنّ أولئك خارجون عن طاعة إمام معيّن، أو خارجون عليه لإزالة ولايته. وأما المذكورون فهم خارجون عن الإسلام. (الفتاوى:28/501) وفقهاءُ الإسلام سارُوا على طريق الصّحابة، في جميع العصُور، ولم يجعلُوا للمشرك المُنتسبِ أحكامَ المسلمين. إليك أمثلة من فتاوى الإمام ابن تيمية: قال عن عُبَّاد الكواكب: "فلو ذبح لغير الله متقرّباً إليه لحرم وإن قال فيه: باسم الله. كما قد يفعله طائفة من مُنافقي هذه الأمّة، الّذين يتقرّبون إلى الكواكب بالذّبح والبخور ونحو ذلك. وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال، ولكن يجتمع على الذّبيحة مانعان". [إقتضاء الصّراط المستقيم .ص: 259]. وقال عن عُبَّاد الصّالحين: "فإذا كان على عهد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ممّن إنتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عبادته العظيمة .. فليُعلم أنّ المنتسب إلى الإسلام والسنّة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام لأسباب منها الغلوُّ في بعض المشايخ بل الغلوُّ في عليّ بن أبي طالب بل الغلوُّ في المسيح. فكلّ من غلا في نبيٍّ أو رجلٍ صالح وجعل فيه نوعاً من الإلهيّة مثل أن يقول: "يا سيّدي فلان أنصرني أو أغثني أو أرزقني أو أنا في حسبك ونحو هذه الأقوال .. فكلّ ذلك شركٌ وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلاّ قُتل". (الرّسالة السّنيّة) وقال عن الغالية من الرّافضة:"والغالية يقتلون باتّفاق المسلمين وهم الّذين يعتقدون الإلهيّة والنّبوّة في عليّ وغيره مثل النّصيريّة والإسماعيليّة". قال: "فإنّ جميع هؤلاء الكفّار أكفر من اليهود والنّصارى .. فإن لم يظهر عن أحدهم ذلك كان من المنافقين الّذين هم في الدرك الأسفل من النّار. ومن أظهر ذلك كان أشدّ من الكفّار كفراً. فلا يجوز أن يقرّ بين المسلمين لا بجزية ولا ذمّة، ولا يحلّ نكاح نسائهم ولا تؤكل ذبائحهم لأنّهم مرتدون من شرّ المرتدين. فإن كانوا طائفة ممتنعة وجب قتالهم كما يقاتل المرتدون. [الفتاوى: م28/ص:474]. وقال عن العبيديّين: قال: "ولأجل ما كانوا عليه من الزّندقة والبدعة بقيت البلاد المصرية مدّة دولتهم نحو مائتي سنة قد انطفأ نور الإسلام والإيمان. حتى قال العلماء: إنّها كانت دار ردّة ونفاق، كدار مسيلمة الكذّاب". [الفتاوى:م 35/ ص: 139]. قال: فهؤلاء القرامطة هم في الباطن والحقيقة أكفر من اليهود والنّصارى. وقال عن الدرزيّة: قال: "وأما "الدرزيّة" فأتباع "هشتكين الدرزي" وكان من موالى "الحاكم" أرسله إلى أهل وادي تيم الله بن ثعلبة فدعاهم إلى إلهيّة الحاكم ويسمّونه "البارى العلام" ويحلفون به وهم من الإسماعيليّة القائلين بأنّ "محمد بن إسماعيل" نسخ شريعة محمد بن عبد الله وهم أعظم كفراً من الغالية يقولون بقدم العالم وإنكار المعاد وإنكار واجبات الإسلام ومحرّماته وهم من القرامطة الّذين هم أكفر من اليهود والنّصارى ومشركي العرب". وقال: كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون بل من شكّ في كفرهم فهو كافرٌ مثلهم لا هم بمنْزلة أهل الكتاب ولا المشركين بل هم الكفرة الضالّون فلا يباح أكل طعامهم وتسبى نساؤهم وتؤخذ أموالهم فإنهم زنادقة مرتدون" (الفتاوى:35\161) وقال عن أهل الحلول والاتحاد:"فهذا كلّه كفرٌ باطناً وظاهراً بإجماع كلّ مسلم، ومن شكّ في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر.كمن يشكّ في كفر اليهود والنصارى والمشركين" [الفتاوى: م 2/ ص: 368] وقال: "وهكذا هؤلاء الاتّحادية فرؤوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة. فإنه من أعظم الزّنادقة الّذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر" [الفتاوى: م 2/ص: 130]. قال: "ومن كان محسناً للظنّ بهم وادّعى أنّه لم يعرف حالهم عرف حالهم فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلّا ألحق بهم وجعل منهم" . قال: "ومن لم يكفّر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلاً كان عن تكفير النّصارى بالتّثليث والاتّحاد أبعد" [الفتاوى: م 2/ ص: 133].