(الخطأ السّابع عشر) في عدم تكفير الخوارج ابتداء: جاء في الجواب: (فما الذي جعل ظنّ الخوارج، وتأويلهم غير السائغ مانعا من تكفيرهم عند جماهير المسلمين، ولم يجعل ظنّ هذا الرجل (محل النزاع)، الذي حكم بإسلام المشرك المنتسب، مانعا من تكفيره؟ فأتوا بالبرهان، على الفرقان ولكم منا جزيل الشكر). والجوابُ: إنَّ التّفريق بين عدم تكفير الخوارج ابتداء، وبين تكفير من لم يُكفِّر المشرك المنتسب ابتداء، لا يستشكلهُ إلا من في فهمه لمسائل الإيمان والكُفرِ اضطرابٌ. إذ أنَّ هذا تسويةٌ بين مُسلمٍ مُخطئ، وبين كافرٍ مُخطئ ، وهو كمن قال: لا فرقَ بين تكذيب اليهُود لرسالة النَّبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّم، وبين تكذيب الأشعرية للاستواء، لأنَّ هذا تكذيبٌ، وهذا تكذيب، ومعلومٌ أنَّ مسألة الرّسالةِ ليست كمسألةِ الإستواء. وبالمقارنة الآتية يظهر لك الفارق البعيد الذي بينهما: (أوّلا) إنَّ الخوارج ومن شاكلهم من أهلِ البدع لم يكُن خطؤُهم في أصلِ الدِّين الَّذيْ لا يُعذرُ فيه أحدٌ بجهلٍ ولا تأويل، فقد كانوا مُؤمنين بالله وملائكته وكُتبه ورُسُله واليوم الآخر، فكانُوا مُوحِّدين لا يُشركُون بالله شيئاً. وإن كان الإصرارُ على البدعةِ قد يُؤدِّي ببعضهم إلى الكُفرِ. ولذلك ليس للصحابةِ قولٌ واحدٌ عنهم. أمَّا الَّذيْ حكم بإسلام المشرك المنتسب، خطؤُهُ في أصلِ الدِّين، فإنَّهُ ليس من أهلِ التَّوحيد، لأنَّهُ يُصرُّ على القولِ بأنَّهُ والكافر العابد لغير الله على ملَّةٍ واحدةٍ. ومن قال:"أنا لا أتهوَّدُ ولكنَّ اليهُودَ مُسلمُون، وعلى ديني"، فإنَّ اليهُودَ لا يكُونُون مُسلمين بقوله، وإنَّما هو الذى يكُونُ كافراً بقوله. (ثانياً) الخوارج كفَّرُوا المُسلمين لمعاصٍ وجدُوها، والمعاصِي تُوجبُ أحيانا التكفيرَ، كمن استحلّها، أو قاتل دُونها،. والَّذيْ حكم بإسلام المشرك المنتسب، يُوالي المُشركين، والشركُ لا يُوجبُ مُوالاةً في حالٍ من الأحوالِ. (ثالثا) الخوارج مفسدتُهم في سفك الدماء المُحرَّمة، والَّذيْ حكم بإسلام المشرك المنتسب، مفسدتُهُ في رفع البراءة والمفاصلة الدينيَّة، والقضاء على ملّة الأنبياء، وخلق المُؤاخاة والمودّة بين أهلِ الشركِ، وأهلِ الإسلامِ.